مارتن لوثر

الشارقةمارتن لوثر: المتهم البريء والمصلح الجريء
بقلم :محمود مسعود
أضيفت بتاريخ Wednesday, January 03 من قبــل : syriaspace

"كان مارتن لوثر أكبر مصلح ألماني ديني عرفته القارة الأوروبية. ولد في مدينة آيزيلبن بألمانيا سنة 1483 وإليه يعود الفضل في تأسيس الكنيسة البروتستانتية في القرن السادس عشر.

نشأ مارتن في أسرة كبيرة وكان والده يعمل بتقطيع الرخام وألواح الأردواز الحجرية. وقد ظهرت على الإبن علامات النجابة والذكاء منذ طفولته المبكرة فأصر والده على تعليمه وتوفير أفضل الرعاية له.

العائلة ضحّت كثيرا في سبيل إرسال الإبن المحبوب مارتن إلى المدرسة في آيزيناخ. كان صوته جميلاً فقرر أن يستغل تلك الموهبة الطبيعية لتخفيف عبء مصاريفه عن كاهل والده، فراح يغني أمام بيوت الأغنياء الذين كانوا ينفحونه ببعض المال لقاء إطرابهم بصوته الرخيم.

في عام 1501 التحق بجامعة أرفورت وبعد أربع سنوات من الدراسة حصل على شهادة الماجستير من تلك الجامعة.

كان مارتن يطمح إلى مزاولة مهنة المحاماة، ولكن مع إكمال دراسته الجامعية أحس بتأثير النهضة الدينية التي راحت تكتسح بلدان أوروبا الغربية. وبعد حصوله على شهادته بقليل انخرط في سلك الرهبنة وانتسب لدير القديس أوغسطين.

في عام 1507 سيمَ كاهناً وفي السنة التالية أصبح أستاذا للفلسفة في جامعة ويتنبرغ. في سنة 1512 وإثر عودته من زيارة قام بها إلى روما نيابة عن رهبانيته حصل على شهادة دكتوراه في اللاهوت وتم تعيينه أستاذاً للعلوم الدينية في نفس الجامعة حيث شرع بسلسلة من المحاضرات عن الكتاب المقدس.

لم تمض فترة طويلة حتى طبقت شهرته الآفاق، فتوافد الطلاب من كل البلدان الأوروبية إلى تلك الجامعة المغمورة لسماع محاضرات مارتن المتميزة في اللاهوت. وفي أوج شهرته أحس بضرورة التصدي لمخالفات الكنيسة لا سيما منها التساهل غير المبرر أو المبرور في الثوابت الأساسية.

في ذلك الحين كان الكهنة يمنحون صكوك غفران لكل من يتبرع للكنيسة بالمال أو بالأعمال. وفي عام 1517 حضر يوهان تتزل مبعوث البابا ليو العاشر إلى ويتنبرغ طالباً من الناس الحصول على صكوك الغفران تلك. وكان ريع تلك الصكوك سيخصص لبناء كاتدرائية القديس بطرس في روما.

عندما سمع مارتن بأن الناس يتوافدون زرافات ووحدانا ويتهافتون على شراء الصكوك اغتم وتضايق لأنه أدرك أن ما يقوم به الكاهن تتزل مخالفاً لجوهر التعاليم الروحية. وبجرأة نادرة جاهر بمعارضته لتلك الصفقات بل وقام أيضاً بتثبيت لوحات تضم 95 رأياً من آرائه على باب كنيسة كل القديسين. وتلك الحادثة أحدثت شرخاً في الكنيسة الكاثوليكية العظمى وتصدعاً لم تقوَ الأيام على رأبه.

وقد شـُبهت تلك الآراء بضربات المطارق الكبرى (أي المهدات) التي أحدثت زلزالاً كبيراً ضد تلك الصكوك أذهلت الناس بمن فيهم مارتن لوثر نفسه. ومع أن تلك الآراء كانت مدونة أصلا باللاتينية لكنها ترجمت إلى باقي اللغات الأوروبية وتم توزيعها في كل دول أوروبا.

خلال فترة قصيرة وجد مؤلف تلك الآراء نفسه في قلب العاصفة التي هزت الكنيسة هزاً عنيفا. لكنه بقي كالجبل الذي لا تهزه الريح بفضل معرفته العميقة بالكتاب المقدس والقانون وتاريخ الكنيسة. وعندما حاور الدكتور الشهير إيك في ليبزغ رفض علناً الاعتراف بسيادة البابا. في عام 1520 صدر بحقه حِرْم كنسي من البابا نفسه، فما كان من مارتن إلا وأحرقه في الساحة العامة على رؤوس الأشهاد.

هذا التحدي من مارتن لوثر للبابا استدعى مثوله أمام هيئة إمبريالية اجتمعت في نيسان 1521 بناء على طلب الإمبراطور تشارلس الخامس وكانت تضم نبلاء وأمراء وكهنة ألمانيا على اختلافهم.

طلبت الهيئة من مارتن العدول عن هرطقاته فكان جوابه كالآتي:

"لا يمكنني العدول أو التراجع عن كل ما كتبته أو قلته إلا بشرط واحد هو أن يبين لي أحدكم أن أقوالي وكتاباتي تناقض الكتب المقدسة أو تناهض مبادئ العقل والضمير، أو تثبتوا لي بأنها غير سليمة أو غير مستقيمة."

وأنهى كلمته بالقول:

"ما عدا ذلك لا يمكنني التراجع عن آرائي أو العمل بخلافها. والله على ما أقوله شهيد. آمين"

في نفس اللحظة تم وضعه تحت الرقابة الإمبراطورية وسُمح له بالذهاب إلى منزله. لكن في طريقه إلى بيته وفي أحد الشوارع الضيقة انقضّت عليه مجموعة من الفرسان المقنعين فحملوه إلى قلعة ورتبورغ. هذا حدث بإيعاز من صديقه فردريك حاكم ساكسوني الذي كان يخشى على حياة صديقه مارتن ولم يتمكن علناً من توفير الحماية له، فقرر على الأقل اختطافه ووضعه في مكان آمن.

خلال مدة العشرة شهور التي قضاها في القلعة قام مارتن لوثر بترجمة جديدة للكتاب المقدس من اليونانية إلى الألمانية فاعتبر ذلك العمل الضخم حجر الأساس في تاريخ الأدب الألماني .

في عام 1522 عاد إلى ويتنبرغ وراح يعيد تنظيم كنيسته الجديدة، وقد اقترن إسمه وسيرة حياته بالإصلاح الديني.

توفي مارتن لوثر سنة 1546، ودفن في نفس الكنيسة التي قام بتثبيت آرائه الدينية على بابها.

في سنة 1858 أمر الإمبراطور فريدريك وليام الرابع باستبدال أبواب الكنيسة القديمة بأبواب برونزية جديدة تحمل آراء لوثر. وقد تم تشييد نصب تذكاري للمصلح الكبير مع العبارة التالية:

"إن كان هذا العمل من الله فسيكتب له البقاء، أما إن كان من صنع البشر فمآله الزوال."

المصدر: موسوعات
الترجمة: محمود مسعود
" (…)

روتبوه عــــــــــــــاد ونحنا وفنا و كفنا
رتبو أول واايد مبهدل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Scroll to Top