التصنيفات
التربية الخاصة

وحش" يلتهم الأبناء

التفكك الأسري "وحش" يلتهم الأبناء آخر تحديث:الجمعة ,03/06/2011

ملف أعده: باسل عبدالكريم

1/1

فرق كبير بين ابن ينال كل الرعاية والاهتمام من والديه، وآخر يعيش في كنف أسرة مفككة تاهت وسط المشكلات والخلافات، وأصبحت الأنانية لغة الحوار الوحيدة بين أفرادها .

الكل يبحث عن مصلحته، فالأب إما تزوج من أخرى أو انحرف بأي صورة، أو انشغل في العمل على حساب عائلته، والأم في مقابل ذلك تسعى جاهدة لحفظ ماء وجهها، فتطلب الطلاق أو تغادر إلى بيت والدها، والضحية هم الأبناء الذين يعيشون في شتات بين الوالدين .

وبجانب خطر الانحراف الذي يتربص بالأبناء، يظهر على السطح فشلهم الدراسي، وتبدد حالهم من التفوق إلى الرسوب والتسرب من التعليم . في السطور القادمة نفتح الملف مع كل الأطراف المعنية في محاولة لحماية الأبناء قبل فوات الأوان .

تكشف مآسي الأبناء وتبحث عن طوق نجاة

تجارب تدق ناقوس الخطر

قصص وتجارب من الواقع تكشف مآسي الأبناء، وتثبت أن الصغار هم الذين يدفعون ضريبة أخطاء الكبار .

فبين طلاق وهجر البيت ووفاة أحد الوالدين يضيع الأبناء ويفشلون دراسياً، أو ينعزلون عن المجتمع انتظاراً لطوق نجاة يمتد إليهم ويعيدهم إلى بر الأمان .

مصعب أحمد الحمادي، طالب في إحدى مدارس الشارقة، تحدث عن تجربة صديقة المقرب قائلاً: التفكك الأسري له تأثير سلبي على نفسية الطالب، وهذا ما حدث مع صديقي، في البداية كان من المتفوقين دراسياً وكان اجتماعياً، ولكن بعد حدوث مشاكل بين والديه، تحول إلى شخص ضعيف الشخصية، انطوائي لم يعد يشاركنا الأحاديث، وتراجع تحصيله العلمي بشكل كبير بعد أن كثر غيابه عن المدرسة في الآونة الأخيرة، وانضم إلى بعض رفاق السوء وعرف طريق التدخين، وأصبح يعاملنا بعنف دائم نتيجة مشاكله مع والده .

ويتحدث الطالب ع، ع من مدرسة الشهباء في الشارقة عن معاناته بعد طلاق والديه، موضحاً: والدتي كانت تهتم بدراستي، وتتابعني بشكل مستمر، مما انعكس على حبي للتعليم والتزامي الدراسي، وبدأت الخلافات منذ أن تزوج أبي من أخرى، ولم يعد يهتم بنا، وكان يعود للبيت متأخراً ويغلق علينا الباب ويبدأ بضرب أمي، وبعد فترة طلقها، ومن حينها تغيرت حياتنا إلى الأسوأ وكل ما أشعر به الآن هو الخوف .

أما الطالب م، س، يقول: والدتي غير إماراتية، وفي العام الماضي ترك والدي المنزل بشكل مفاجئ بعد أن كثرت المشاكل بينهما، ومن يومها لم نعد نسمع شيئاً عنه .

ويضيف: كان هو الوحيد الذي يهتم بدراستي ويحضر للمدرسة بشكل مستمر وكنت أشعر بالفخر وأثابر في دراستي حتى أقدم شيئاً من أجله، أما اليوم فلم يعد يهمني الأمر، لقد تركت المدرسة مرتين ولكن المشرفين أعادوني إليها، وأشعر أنه لا جدوى من دراستي ونجاحي .

الطالبة م .ه في الشارقة، تروي قصتها بعد طلاق والديها قائله: واجهت مشاكل في التحصيل الدراسي، وفقدت القدرة على التركيز في أي شيء نتيجة الخوف على أخوتي الصغار، ولكن في الوقت نفسه زادت قوتي وقدرتي على التحمل حتى أتمكن من رعايتهم، واقتربت منهم اكثر ودفعهتهم إلى الاهتمام بالدراسة خوفاً أن يكون مصيرهم مشابهاً لي، وأنا سعيدة بعض الشيء لأنني أعوض فشلي بنجاحهم وتفوقهم على زملائهم .

سالم جمعة، طالب في مدرسة المجد النموذجية في الشارقة، يقول: بعد أن توفي والدي تراجع مستواي الدراسي، وكنت اشعر بالنقص كلما رأيت أولياء الأمور مجتمعين في المدرسة يسألون عن أبنائهم، عندما لاحظ المشرفون في المدرسة تغير سلوكي ساعدوني بالتعاون مع التكافل الاجتماعي على استعادة الثقة بنفسي، وخصصوا لي حصصاً تعليمية خارج المدرسة، ووالدتي أخذت على عاتقها الاهتمام بي، ودفعني شعوري بالنقص من غياب والدي إلى أن اجتهد وأصبح متميزاً .

خالد محمد بن ديماس من الطلاب المتفوقين دراسياً في مدرسة المجد النموذجية في الشارقة، يوضح: تأثرت بوفاة والدتي التي كانت تهتم بزيارة المدرسة وتتابع تحصيلي للدروس، ولم تكن لي رغبة في التعلم، ورسبت في تلك السنة، ولكن حباً في والدتي وتحقيقاً لأمنيتها ان أكون من المتفوقين عاودت الاجتهاد والاهتمام بالأنشطة المدرسية وحصلت على شهادات تقدير في الفروسية والسباحة، وتحصيلي العلمي هو الرابع على مستوى المدرسة، ومن أجل أمي سأحقق المرتبة الأولى من العام المقبل .

وتقول نجلاء عيسى النعيمي، أخصائية اجتماعية في مدرسة رقية في الشارقة: يعيش الطالب نتيجة للتفكك الأسري حالة من عدم الاستقرار تسبب له اضطرابات في حياته، سواء في مجتمعه الداخلي أو الخارجي، مما ينعكس بشكل مباشر على تحصيله التعليمي، ويؤدي إلى جيل متخبط غير مستقر .

وتؤكد النعيمي على أهمية المرحلة العمرية من سن 6 إلى 8 سنوات، لأن شخصية الطفل تبدأ بالتكوين في هذه المرحلة، حيث يتأثر بكل ما يجري في محيطه العائلي، الأمر الذي تؤدي معه الخلافات العائلية إلى حدوث ترسبات في ذاكرته وبالتالي يعيش في حالة شتات، مشيرة إلى أهمية إبعاد الأهل لمشاكلهم وحلها بعيداً عن الأطفال .

وتقول آمنة محمد الحبال، معلمة متطوعة: عدم نضج الزوجين، وانعدام لغة الحوار بين الأب والأم والأبناء، والزواج المتكرر للأب من أهم أسباب التفكك الأسري . وتوضح أنه في أغلب الحالات يكون الأب منشغلاً في مكان عن أبنائه والأم منشغلة في مكان آخر، بينما الأطفال يعيشون في شتات هنا وهناك .

وتشير الحبال إلى ان الطلاق العاطفي بين الأب والأم هو أخطر أنواع التفكك الأسري تأثيراً في الأطفال، لأنه ينشئ طفلاً انطوائياً شارد الذهن يميل للوحدة بشكل دائم، قد تتطور هذه الأعراض إلى أمراض نفسية معقدة ينتقل تأثيرها إلى كل المجتمع .

وتضيف كوثر لبيب معلمه في إحدى مدارس عجمان: غياب الأب والأم عن الأطفال نتيجة خلافات عائلية، يتسبب في تقصير الطالب علمياً، ويتغير سلوكه مع زملائه ليتوافق مع ما يشاهده في بيته، ويتطور الأمر ليصل إلى الاعتداء على المدرسين .

وتقول: التفكك الأسري يهيئ الأبناء لطريق الانحراف، فعندما تتفكك الأسرة ويتشتت شملها، ينتج عن ذلك شعور لدى أفرادها بعدم الأمان الاجتماعي، وضعف القدرة على مواجهة المشكلات، وبالتالي يبحث الابن عن أيسر الطرق وأسرعها لتعويض حالة فقدان الحب والحنان، من دون النظر في شرعية الوسيلة المستخدمة للوصول إلى الهدف، من هنا يبدأ الانحراف عن طريق رفاق السوء كأول بيئة تحتضن هؤلاء .

أما نادرة عزيزي، الأخصائية في علم الاجتماع التربوي، فتوضح أن الطفل يتأثر جراء التفكك الأسري فينشأ لديه صراع داخلي نتيجة لانهيار الحياة العائلية، ويحمل دوافع عدوانية تجاه الأبوين وباقي أفراد المجتمع، وفي بعض الأحيان يعيش غريباً منعزلاً عن واقعة المفكك من دون معرفة كيفية الخروج من هذا الواقع .

وتضيف يعقد الطفل مقارنات مستمرة بين أسرته المفككة وأسرة أصدقائه، مما يولد لديه الشعور بالإحباط، قد يكسبه اتجاهاً عدوانياً تجاه الأسر السليمة، وهذه الاضطرابات جميعها تؤدي إلى إبراز طفل ذي شخصية مهزوزة، تعود بالضرر على بيئته والمجتمع، لذلك على الأهل التفكير في أبنائهم قبل الخوض في المشاكل، بجانب حل خلافاتهم بعيداً عن الأطفال وعدم التعامل بأنانية ضاربين بعرض الحائط مستقبلهم .

* * *

تأمين حياة كريمة للأسرة أبعدهم عن رعايتهم

الآباء الحاضرون الغائبون

للتفكك الأسري أوجه غير تقليدية فرضتها تطورات المجتمع وسعي الأب الدائم وراء توفير الحياة الكريمة لأسرته حتى لو بعد عنهم لأيام طويلة، الأمر الذي ينعكس على الأبناء، وكذلك على الأم التي تصبح هي المسؤولة الأولى عنهم، وتقع على عاتقها متابعة دروسهم وحضور اجتماعات أولياء الأمور وغيرها من الأمور الضرورية للحفاظ على المستوى التعليمي المتميز للأبناء .

إسماعيل محمد محمود، مدير مدرسة الشهباء في الشارقة يحدثنا عن دور الأهل كركن أساسي في العملية التعليمية قائلاً: هناك تكامل بين المنزل والمدرسة والمجتمع، وللمنزل الدور الأكبر في تنشئة الطالب بشكل سليم والدور الأكبر يكون للأب الذي غالباً ما يكون تائهاً بين مشاغله وساعات عمله الطويلة، فنلاحظ تحمل الأم كل الأعباء التعليمية تجاه أبنائها وتكون أكثر قرباً وتواصلاً مع المدرسة .

ويؤكد أن نسبة حضور أولياء الأمور لمتابعة أبنائهم في المدرسة لا تتجاوز 40%، ومعظم هذا الاهتمام يكون من ناحية الأم فقط بينما الأب شبه غائب عن دوره، موضحاً أن وجود الأب مع أبنائه لا يعوض، ولا يبرر غيابه بمجرد انشغاله وعدم وجود الوقت لمتابعة الأبناء، فهؤلاء أمانه في أعناقنا .

وتشير عزة التميمي، موظفة، إلى أهمية الشراكة بين الأهل والمدرسة في الاهتمام بالتعليم وقضايا التفكك الأسري، وضرورة العمل المتوازن بين الجهات المشتركة للارتقاء بالعملية التربوية وتعزيز القيم السلوكية، موضحة أن هناك أسراً في غفلة عن أبنائها، لدرجة قد لا يعرف الأب في أي صف هم أبناؤه .

خالد محمد الحمادي، “موظف” يقول: بالرغم من دعوة مدرسة أبنائي لي مرات متعددة لحضور اجتماعات أولياء الأمور لمعرفة مستوى الأبناء إلا أنني لم أحضر سوى مرة واحدة، رغم أهمية هذه اللقاءات التي تتيح لنا معرفة أوضاع أولادنا والوقوف على نواحي التقصير في تعليمهم .

وعن السبب في عدم حضوره الاجتماعات ومتابعة التحصيل العلمي للأبناء، يقول: زوجتي هي التي تتابع مستواهم الدراسي، وكثرة مشاغلي وأعمالي تبعدني إجبارياً عن متابعة أبنائي دراسياً .

بينما يقول ماهر موسى، موظف، كل الأبناء لديهم دوافع للنجاح ويتوجب علينا فقط تحريكها بالشكل الصحيح على طريق التفوق، ويؤكد أن ذلك ليس بالمستحيل إذا أدركنا كأولياء أمور ان للنجاح عادات يمكن تعلمها بغض النظر إذا ما كانت المدرسة غير جيدة، والمدرسون لا يقومون بدورهم، مثل أهمية الزيارة الأسبوعية أو الشهرية للمدرسة، لأنها تشعر الطالب بالاهتمام وتحفزه إلى التفوق .

ويضيف: أتابع بنفسي مستوى أبنائي التعليمي في المدرسة رغم أن والدتهم معلمة في المدرسة نفسها، ولكن برأي دور الأب لا تعوضه الأم، كما ان دور الأم لا يعوضه الأب .

وتبرر ريم فهد عبد العزيز، متطوعة تعليمية عدم اهتمام الأب بأبنائه من الناحية التعليمية، بسبب عمله وكثرة الانشغال، وهذا لا يعد نقصاً في الاهتمام برأيها لأنها تتابع بشكل مستمر مستوى أبنائها التعليمي، فالأم من وجهه نظرها أقرب إلى الأبناء وهي الأولى بتعليمهم، لأنها في الغالب تكون متفرغة ولا تحمل الكثير من الأعباء مثل الأب .

وتوافقها الرأي مريم سيد أحمد، متطوعة تعليمية في الشارقة قائلة: غالباً ما تقوم الأم بتعليم الأبناء وحضور مجالس أولياء الأمور، لأن الآباء منشغلون في أعمالهم ويغيبون لفترات طويلة عن البيت، وهذا أمر طبيعي، فأتابع مستواهم التعليمي وأذهب للمدرسة حتى لو لم ترسل بطلبي، فمتابعتي لهم بشكل مستمر تشكل حافزاً لهم واهتماماً أكبر من المدرسين .

ويقول أحمد الكيلاني مدير شركة في دبي: أعلم أنا وزوجتي مدى أهمية الدور التكاملي بين المدرسة والبيت، ونعمل على متابعة أبنائنا بشكل مستمر، فزوجتي تقوم بزيارة المدرسة عند انشغالي، وتحرص على المشاركة في الفعاليات المدرسية، الأمر الذي انعكس إيجاباً على التحصيل الدراسي للأبناء وحصولهم على مراتب متقدمة .

وتؤكد فاطمة إبراهيم العامري (طالبة)، أن الأسرة هي نواة وأساس بناء المجتمعات، واهتمام الأهل بمستقبل أبنائهم له تأثير كبير على التلميذ وعلى القيم والتنمية المجتمعية، مؤكدة من تجربتها الشخصية أن متابعة أسرتها رفعت مستواها العلمي .

ويوضح هيثم جعفر الطاهر “مدرس” أن دور الأهل لا يتوقف عند الدور التربوي أو الرعاية والعناية الجسدية، وإنما عليهم أيضاً استغلال علاقة الحب والود الموجودة بينهم وبين أبنائهم، لأن هذا من شأنه أن يجعل الطفل يتقبل منهم ما يعلمونه بسرعة ويستوعبه بحب ما يتنافى مع رغبات والديه أو معلميه .

ويضيف: متابعة الأهل في التواصل مع المدرسة والتعاون لحل المشكلات التي تواجه الطالب أمر مهم، ولكن أولياء الأمور توقف دورهم هذه الأيام عند دور التمويل فقط، متناسين دورهم في الإشراف والمتابعة، وأعجب من أولياء الأمور الذين تأخذهم مشاغل الحياة وتبعدهم عن الأسرة والأبناء .

بينما تشير المعلمة بلقيس عيسى، إلى نقاط مهمة يتجاهلها الجميع وتقول: بعض الأهل مهتمون بتعليم أبنائهم ومدركين مدى تأثرهم بالمشكلات العائلية، ومتابعون للمدرسة بشكل مستمر، ولكن المشكلة تكمن في أن هناك أسر تجهل العملية التعليمية ويحملون أبناءهم أكثر من طاقتهم مما يشكل لدى الأطفال معتقدات خاطئة تؤدي إلى ضعف دافعيتهم للتعليم بشكل غير مباشر .

وتوضح أن الأهل دائماً يعتقدون أن الولد إما أن يكون متفوقاً متميزاً أو لا يكون، والأخطاء في الامتحان هي دليل على غباء الطالب، أما العلامة الكاملة فهي الدليل على ذكائه، وهذا ما ركزت عليه العديد من الدراسات العلمية التي أكدت وجود علاقة وثيقة بين دوافع الأهل ودوافع الأبناء، وبين نظرة الأهل للتعليم ونظرة الأبناء له، وخاصة المراهقين لأنهم يكتسبون مواقفهم تجاه المدرسة من أسرهم .

عبد العزيز ملك، أخصائي اجتماعي يقول: أغلب الأدوار تقع على الأم وهذا هو واقع معظم البلدان العربية، وذلك يرجع لغياب دور الأب وانهماكه في العمل والغياب الطويل عن البيت، وهذا لا يعد تبريراً على الإطلاق، فمهما انشغل الأب عن متابعة أبنائه وعدم قدرته على الحضور للمدرسة، يستطيع التواصل حتى لو عن طريق الهاتف مع ابنه وسؤاله عن دراسته أو التواصل مع إدارة المدرسة .

ويضيف ملك أن دور الأب لا يتوقف عند المتابعة العلمية، بل دوره التربوي أهم، ولكن المشكلة ان غياب دوره في المتابعة التعليمية يعني غياب الدور التربوي أيضاً .

ويوضح أن لغة الحوار والاهتمام انعدمت في بيوتنا حتى على طاولة الغداء، وأغلب الآباء يتحدثون بمثالية عن أدوارهم، ولكنها مثالية كاذبة ولا وجود لها على ارض الواقع، وهذا نابع من جهل وعدم وعي الآباء والأمهات بدورهم في الحضور إلى المدرسة ومتابعة أبنائهم بشكل مباشر .

وتقول عائشة سيف أمين عام مجلس الشارقة للتعليم: الإحصاءات المدرسية تشير إلى تدني مستوى اهتمام الأهل بمتابعة أبنائهم دراسياً، وخاصة من ناحية التزامهم باجتماعات أولياء الأمور .

وعن الأسباب التي تمنع الأهل توضح أن التفكك الأسري له حصة الأسد في الأسباب، بالإضافة إلى كثرة انشغال أحد الأبوين أو كليهما، والإهمال الناتج عن البذخ المادي أو العكس، إلى جانب جهل الأبوين تعليمياً .

أما الأسباب التي تساعد في الحد من تأثر الطلاب بمشكلات التفكك الأسري، وجذب أولياء الأمور لحضور الاجتماعات المدرسية، أوضحت نسعى لذلك بشتى الوسائل التي تشجع الآباء وتناسب أوقات فراغهم، وكان آخرها الملتقى الأول لأولياء الأمور الذي عقد في الشارقة وسلط الضوء على أهم المشكلات الأسرية والتعليمية وأفضل الحلول لمعالجتها .

وتشير إلى بعض الوسائل التي تتبعها المدارس وتأخذ طابعاً ترفيهياً للتشجيع على الحضور، مثل إقامة دوري كروي للآباء أو تكريم جماعي في الطابور الصباحي .

وتوضح أن الحد من تأثير التفكك الأسري، ليس مسؤولية فئة من دون أخرى، وإنما هو مسؤولية الجميع، ولوضع طرق العلاج والوقاية لها، يجب ان تتكاتف الأسرة، مع المؤسسات التربوية، والمؤسسات الثقافية والإعلامية التي نعتمد عليها في نشر الوعي الأسري، وتسليط الضوء على المخاطر التي تحيط بها، وأفضل الحلول المقترحة، إضافة إلى دور المؤسسات الخيرية والصحية والدينية، ومؤسسات الإرشاد الزواجي .

وتؤكد عائشة سيف أهمية دور الأب في قيادة الأسرة وعدم إلقاء كل المسؤوليات على الأم، وتشيد ب”الأب المعلم” الذي يتابع أبناءه في المنزل والمدرسة بشكل مستمر، ويسأل عن سبب أي تغير طفيف في مستواهم التعليمي، ويحرص على الحضور إلى الاجتماعات المدرسية، مشكلاً نسيجاً مثالياً مع المدرسة، لذلك نطمح إلى تعميم نموذج هذا الأب، ونتمنى ان يكون مثالاً للغير .

* * *

إنذار مبكر يبحث عن منهج في المدارس

دور المدرسة لا يتوقف عند تلقين الطلاب للمناهج، ولكن يتعدى ذلك، حيث تقع على عاتقها مسؤولية تربوية تتمثل في متابعة الأبناء واكتشاف ما يستجد عليهم من تطورات نفسية واجتماعية وسلوكية وتنبيه الأهل لذلك، فهي بمثابة إنذار مبكر يعمل لأجل الحماية ويسعى لحل المشكلات قبل أن تتفاقم .

فماذا يحدث داخل مدارسنا، وهل بالفعل تقوم بدورها التربوي وتعالج مشكلات الأبناء الناتجة عن التفكك الأسري أم مازالت تبحث عن منهج لحماية الطلاب؟

محمد علي ماجد، مدير مدرسة المجد النموذجية في الشارقة يقول: المدرسة والبيت يتحملان مسؤولية الأبناء بشكل متوازن، أما بالنسبة لدور المدرسة، فلديها برنامج زيادة مستوى الذوق والإحساس لدى الطالب، وآخر للتواصل مع البيت، يهدف إلى رفع عدد اللقاءات على مدار العام الدراسي، ويتم خلالها محاورة ولي الأمر عن سلوك الطالب وتحصيله العلمي .

وعن الوسائل التي تتبعها المدرسة للتواصل مع أولياء الأمور يقول: نتتبع 6 وسائل هي الرسائل الخطية، والهاتف، ورسائل SMS، وبرنامج التواصل الأسبوعي والشهري مع الآباء .

ويضيف جاسر المحاشي، اختصاصي تربية خاصة، مدرسة المجد النموذجية في الشارقة: في بداية العام الدراسي نقوم بإجراء دراسة حالة عن الطلاب بالتعاون مع مكتب الخدمة الاجتماعية، نطلع من خلالها على تاريخ الطالب كاملاً، وبالتالي تحديد الطالب الذي يعاني من التفكك الأسري .

ويؤكد المحاشي أن 85% من النتائج تشير إلى التفكك الأسري كسبب مباشر لمشكلات التعليم عند الأطفال، وأكثر سلوك يظهر على الطالب هو العنف والتأخر الصباحي والتسيب وتراجع المستوى الدراسي .

ويشير إلى أن هناك وسائل ترفيهية حققت نجاحاً لجذب الآباء إلى المدرسة مثل بطولة (التواصل) لكرة القدم التي يشترك فيها الطالب وولي الأمر والمعلم .

يعقوب محمد الحمادي، اختصاصي اجتماعي، مدرسة الشهباء في الشارقة، يقول: معظم المدارس توفر برامج لحل مشكلات طلابها وتوفير المرشدين الذين يعملون على معرفة مشكلات الطلاب، والسعي لحلها بالاتصال بالوالدين ومناقشة المشكلة معهم .

ويوضح: نستدل على أغلب حالات التفكك الأسري بين التلاميذ بطرق غير مباشرة كأن نسأل الطالب عن عمل والده أو والدته، وفي حال كان الطرفان عاطلين عن العمل نتوصل إلى نتيجة بأن هذا الطالب يعاني من إحدى مظاهر التفكك الأسري الناتجة عن الخلافات المادية، فنقوم بفتح حوار شفاف مع الطالب على انفراد للوقوف على معاناته، وانطلاقاً من الأسباب نحدد أفضل السبل للعلاج، وتقديم المساعدة له بشكل مباشر من قبل إدارة المدرسة أو عن طريق الجمعيات الخيرية التي تتكفل بمساعدة الطلبة .

بينما تؤكد المعلمة خولة إبراهيم، دور مجالس أولياء الأمور في عملية التواصل بين المدرسة والأهل، مؤكدة أن المدرسة بكادرها التدريسي ومشرفيها ومناهجها تشكل 60 % من العملية التربوية .

وتشير إلى ضرورة عدم تهرب الأهل من مشكلات أبنائهم ومواجهة نقاط ضعفهم، وحل مشكلاتهم الزوجية بعيداً عن الأبناء، موصية أولياء الأمور باستمرارية متابعة أبنائهم في المدرسة، لا أن تكون موسمية ومقتصرة على النتائج النهائية، حيث بمقدورهم مساندة أبنائهم، ومتابعة مسارهم السلوكي والاجتماعي، وهي جوانب لا تقل أهمية عن بعضها بعضاً في بناء شخصية متكاملة للطالب .

ويخالفها في الرأي أيمن مرتضى “معلم” قائلاً: ليس المهم دور المدرسة، فدورنا ليس إلا متمم لدور البيت ولا نتحمل سوى 40% من مسؤولية تنشئة الطالب، والطالب في النهاية ابن بيئته المنزلية .

ويتحدث عن أحد طلابه الذي يعتبر الأفضل سلوكاً وخلقاً بين زملائه، ولكنه الأسوأ تعليماً نتيجة لجهل الأبوين، وعدم وجود من يساعده على تعليمه سوى الخادمة التي لا تتحدث العربية .

ويؤكد أن إدارة المدرسة تحدثت مع والده ولكنه يتهرب من مسؤوليته ويتحجج بانشغاله في العمل، ويلقي بالمسؤولية على الأم التي أكدت لنا أن الخادمة تجيد تعليمه وعدم وجود أي خطر على مستقبله، وهذا ما يعمم على بعض الأسر .

أما ناصر الصباهي معلم في الشارقة فيوضح: نتعمد وضع الطالب الانعزالي بين جماعات طلابية مجتهدة لإثارة الدافعية لديه، كإحدى أساليب العلاج، وننظم رحلات ترفيهية خاصة ونتبع أنشطة معينة تسمح للطالب أن يكون أكثر اجتماعياً، ما يساعده على تعديل سلوكه وإعادة الثقة بنفسه .

ويضيف سامر محمد معلم تربية رياضية في أبوظبي: نضع الطلاب المضطربين سلوكياً، في حصص رياضية خاصة، ونشركهم في أنشطة وتمارين تساعد على تفريغ الطاقة العدوانية داخلهم، وأثبتت هذه التجربة تحسن سلوك الطلاب والتقليل من اندفاعهم نحو العنف .

ويقول خليل محمد الخواجة، مدرس التربية الإسلامية، بإحدى مدارس الشارقة، التفكك الأسري يسبب اختلالاً في كثير من القيم التي يسعى المجتمع الإسلامي لترسيخها في ذهن أفراده، مثل الترابط والتراحم والتعاون والمسامحة ومساعدة المحتاج . ويشير إلى أن سوء اختيار الأزواج لبعضهم هو أساس التفكك الأسري الذي يؤدي إلى تكوين أسر قليلة الأيمان، وآباء ضيقي الصدور، متجاهلين حقوق أزواجهم وأبنائهم ومنغمسين في ثروات الدنيا وملذاتها، مؤكداً أن الإيمان والتقرب من الله له آثره اللامنتهي في بث الخير على تلك الأُسرة .

محمد سليمان الهوتي، “معلم” يوضح: نعمل في المدرسة على مشروع بر الوالدين الذي نجلب من خلاله أولياء الأمور في الصباح إلى المدرسة ليقوم الابن بتكريم والده أمام الجميع، ومن أهداف هذا المشروع زيادة التواصل وتعميق الاحترام بين الطلاب والآباء والمعلمين، وزيادة ثقة الطالب بنفسه .

ويضيف بالنسبة إلى الطلبة الأيتام، نستدعي عم أو خال الطفل وننسق معه في كل ما يخص مستواه التعليمي، وأشار الهوتي إلى ظاهرة “المعلم الأب”، التي انتشرت في بعض المدارس، والذي يتبنى الطالب تعليمياً ويعوضه عن الحنان والعطف الذي يفقده، إلى جانب الدور الكبير الذي تلعبه الجمعيات الخيرية، ومجالس الأمهات المتطوعات مع هذه الحالات .
[/SIZE]

المصدر جريدة الخليج

http://www.alkhaleej.ae/portal/5c1e3…be9094d3c.aspx[/QUOTE]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.