بليييييييييييييييييز
ومشكورين للي فية خير
——————————————————————————–
بالرغم من أن روسيا أصبحت خلال السنوات العشر الماضية أحد البلدان التي يقصدها المهاجر العربي للعمل وكسب الرزق، خاصة بعد أن أصبحت الارباح الكبيرة من التجارة في سوقها الداخلي تغري اصحاب رؤوس الاموال الصغيرة بالعمل فى الأسواق والبازرات الروسية، ليقترب عدد المقيمين العرب في مختلف الاقاليم الروسية لاكثر من 45 الف عربي، إلا أن النفوذ الأساسي في سوق العمل العربي في روسيا مازال يخضع لسيطرة خريجي جامعاتها ومعاهدها، نظرا لدرايتهم باسلوب الحياة الروسية والقوانين المعمول بها، ومعرفتهم باللغة الروسية.
وتعود اصول العاملين العرب في روسيا إلي مرحلة الحياة الطلابية، عندما أتوا للدراسة، مما اضفي علي حياتهم في روسيا طابع الاقامة المؤقتة، والذي اصبح له جذورا نفسية عميقة في تعاملهم مع المجتمع الروسي ومع بعضهم البعض، حتي بعد أن اتخذوا قرارهم بالبقاء والعمل في هذا البلد، وربما أدت سيطرة فكرة الإقامة المؤقتة إلى سيادة منطق تجاهل المصلحة العامة علي قطاع من هؤلاء المقيمين وظهور عقلية فردية تضر بمصالح المجموع.
ويعتقد د.يوسف عربش وهو رجل أعمال عربى مقيم فى موسكو..أنه إذا كانت طبيعة المجتمع الروسي الشرقية وسهولة الاندماج مع مختلف شرائحه من خلال علاقات العمل والصداقة والزواج تضعف مشاعر الاغتراب والغربة لدي أغلبية المقيمين العرب، إلا أنها لا يمكن أن تكون بديلا عن انتمائهم وهويتهم الوطنية.
واصبح المقيمون في روسيا (في هجرتهم التي أصبحت دائمة) حالة وسطية بين نماذج المهاجرين إلي الغرب والذين قرروا عن ادراك ووعي الاستقرار بشكل كامل في بلدان المهجر، ونماذج العاملين في البلدان العربية الذين هاجروا بشكل مؤقت بهدف جمع المال.
ويصعب علي اي مواطن عربي يعمل ويقيم في روسيا أن يحدد تاريخ عودته إلي وطنه، بل انه يواصل الحديث عن العودة ويدخر الاموال لذلك، ويمكن القول إن أغلبية الذين غادروا روسيا بشكل نهائي كانت عودتهم لاسباب خارجة عن ارادتهم، وهي اما اسباب أقتصادية او قانونية، في هذا الإطار تحولت أيضا إقامة أغلبية القادمين إلي روسيا كمحطة انتقالية للدول الغربية، إلي إقامة طويلة الامد إن لم تكن دائمة.
وتؤكد الباحثة الأجتماعية مارينا بيلينكيا أن المجتمع الروسي الذى لا يتقبل المهاجرين الاجانب، شهد العديد من التجارب التى تكشف أن المواطن العربي تمكن من بناء اسرة مستقرة فى المجتمع، وكان غالبا ما يتلقي مساعدة من أسرة زوجته من خلال توفير المسكن، بل إن القانون الروسي يمنحه حقوق المواطن الروسي في سكن الاسرة طالما تزوج ابنتهم، ويلزمه ايضا بواجبات والتزامات المواطن الروسي، كما يحصل ابناء المقيمين العرب المتزوجين من روسيات علي حق التعليم المجاني والعلاج الذي يحصل عليه بقية المواطنين الروس.
وربما كان هذا كله هو السبب في فشل المقيمين العرب في بناء مؤسسات اجتماعية قادرة علي تقديم الخدمات لهم والحفاظ علي انتماءهم وهويتهم الوطنية، إذ أن هذا الوضع الناجم عن العوامل التي سبق ذكرها:
1- سهولة الاندماج مع مجتمع المهجر والحصول علي بعض المكتسبات التي يتمتع بها المواطن الروسي.
2- حصول المقيمين العرب (الحاصلين علي إقامة بسبب الزواج أو علي الجنسية الروسية) علي امتيازات لن تتمكن أي مؤسسة اجتماعية عربية في روسيا توفيرها لهم.
3- سيطرة فكرة الطابع المؤقت للإقامة على أغلبية العرب.
4- سيطرة عقلية الاستفادة الشخصية على حساب الآخرين علي المقيمين العرب في علاقاتهم وحياتهم.
أدت هذه العوامل إلي اعاقة نضوج منطق المهاجر لدي المقيمين العرب في روسيا، وأصبحت أهمية الإطار الاجتماعي العربي لا تكمن في الحفاظ علي الإنتماء والدفاع عن الهوية الوطنية، وإنما يعني لدي الكثيرين منهم مزيد من المكاسب الشخصية، ويعتقد د.سامر راشد رجل الأعمال العربى المقيم فى موسكو أن الاطر التي شكلت في السنوات السابقة كانت تفتقد محتوي رئيسيا وهو السعي لايجاد السبل لحل المشاكل الناجمة عن الاغتراب والحفاظ علي الانتماء الوطني، ولم تحرص هذه الاطر على بناء مؤسسة اجتماعية يتمكن فيها هذا المهاجر من التعبير عن انتماء لوطنه، وأن يحصل على الامكانات اللازمة لكي يحافظ علي الانتماء الوطني لأبناءه، وأن يكون هذا الاطار هو بطاقة التعريف به في مجتمع المهجر والملاذ الذي يدافع عن كيانه في الغربة.وقد أدي غياب هذا المفهوم لدي المقيمين العرب في روسيا إلي فشل كافة التجارب والمحاولات التي ظهرت.
ويبدو أن هذه الأطر تحولت إلى سبل لأسترزاق البعض من المساعدات التى قد تحصل عليها من بعض الجهات الرسمية.وكان من البديهي أن لا تجد هذه الاطر التي جرت المحاولة لتأسيسها القاعدة الشعبية الحريصة علي بناءها، بسبب عدم تعاملها مع مشاكل ومطالب المهاجر الاجتماعية من جهة، ودخولها في سلسلة صراعات، سببها سعى البعض لتحويل أي أطار عمل عام إلي مجال للاستفادة الضيقة التي يمكن أن تكون حزبية او شخصيةاو اي شئ بأستثناء أفادة جموع المقيمين العرب في بلد المهجر.ومنذ أنهيار الأتحاد السوفيتى بعد أن اصبحت روسيا أحد بلدان المهجر، جرت محاولات عديدة لتشكيل أطر أجتماعية أو ثقافية عربية فى روسيا، وفى التسعينيات من القرن الماضى سيطر الطابع الثقافى النخبوى على الأطر العربية التى تم تشكيلها، وفشلت هذه الأطر فى أن تخرج عن الطابع الطلابى وأن تنسج صلاتها مع المجتمع الروسى.ثم ظهرت موجة من الأطر التى ابتلى مجتمع المقيمين العرب فى روسيا بها، والتى اسست تحت شعارات مصالح المقيمين العرب فى روسيا، وعادة ما كان يقوم بعض المحترفين بتأسيسها أستغلالها فى تحقيق مصالح شخصية، وأصبحت تستخدم فى جمع التبرعات التى لا توظف لخدمة المقيمين العرب، وربما ايضا فى أعمال غير قانونية(مساعدة الشركات على التهرب الضريبى، بأعتبار أن تبرعات الشركات للمؤسسات الخيرية أو منظمة العمل العام تعفى من الضرائب).أن انتهاك أوتجاهل القوانين الروسية الذى تمارسه بعض مؤسسات العمل العام العربى فى روسيا، يمنح الجهات الروسية الحق فى تبنى أنطباع سيئ عن العرب كجالية مقيمة فى روسية، وسيمكن الأتجاهات العنصرية من أثارة الرأى العام ضد العرب، ليس فقط بسبب الشيشان وأنما ايضا بسبب التهرب من حق المجتمع الذى عاشوا فيه وتعلموا فى جامعاته مجانا.
ويتساءل البعض عن دور الجهات العربية الرسمية في هذا السياق، ويبدو واضحا أنه بالرغم من التوجيهات الرسمية والقرارات وما إلي ذلك من أوراق تصدر تعبر عن أستعدادها لدعم هذه المساعي، وقرارات جامعة الدول العربية بدعم تشكيل مؤسسات مدنية للجاليات العربية، إلا أن الواقع العملي يكشف عن غياب هذا الدعم، حيث يقتصر على ايجاد يافطات يستفيد البعض منها ولا تقدم آية خدمات لأغلبية المقيمين العرب، ولا تتحمل هذه الجهات وحدها الخلل في ذلك وانما يقع جزء لابآس به علي عاتق بعض المقيمين الذين تطغي مصالح ما في رؤيتهم علي مصالح مجموع المقيمين في روسيا بلد المهجر الجديد.
ويعتقد د.وائل مدير مركز طب الأسنان المقيم فى موسكو أن حرص المهاجر العربي علي اقامة أطار يعبر فيه عن أنتماءه، ويمكنه من توفير الظروف لنشأة اولاده ضمن معايير اجتماعية يصعب عليه توفيرها منفردا، أضافة لان يكون هذا الاطار هو المعبر عنه في مجتمع المهاجر والمدافع عنه، والذي يعرفه ايضا بتقاليد وقوانين مجتمع المهجر حتي يتمكن من أن يعيش حياة هادئة ومثمرة وناجحة..هو السبب الاساسي والوحيد لبناء وتأسيس الاطار الاجتماعي لهذا المهاجر، واية اسباب او دوافع من نوع آخر لن تؤدي لعمل مثمر وناجح.
فى نفس الوقت الذى تقدم فيه الجاليات الاخري..الهندية والتركية والافغانية والافريقية تجارب ناجحة، أذ تمكنت الجالية الافغانية من استئجار مجمع فندقي يضم عدة مباني بها أكثر من 2000 غرفة لاقامة المهاجرين الافغان والبالغ عددهم في موسكو فقط أكثر من 150 الف مهاجر، بل وأسست مدرسة ومستوصف، كما اسست اكثر من مائة شركة تجارية وفرت لهم العمل، علما أن أكثر من 90% من هؤلاء المهاجرين ليس لديه أقامة شرعية في روسيا، بالمقابل كان يعاني حوالي 6000 مهاجر عراقي من أزمات ولم تسعي اي جهة لايجاد حلول لمشاكلهم، وعندما قتل طالب افريقي في موسكو، تحرك المئات من الطلاب والعاملين الافارقة ليطلبوا السلطات المحلية بالحماية، بينما قتل مواطنين يمنيين ومصريين لم يوجد اصلا اطار عربي مدني يتعامل مع هذه الحالات، واقتصر الامر علي اجراءات ومراسلات رسمية قامت بها القنصليات، لم تخرج عن أطار متابعة تحقيقات الاجهزة الامنية.ولعل تجارب الجالية الهندية والتركية التي خرجت إلي الاقاليم الروسية واستئجرت الاراضي الزراعية ووفرت العمل للعديد من أبناءها بدعم من رؤوس أموال وطنية أمثلة بعيدة المنال بالنسبة لنا.
أن طبيعة التواجد العربى فى روسيا لا تقتصر على العمل التجاري ، حيث يعمل العرب في عدد من القطاعات الاخري أذ يوجد عشرات الاطباء الذين افتتحوا عيادات خاصة، ويعمل العديد من الصحفيين فى وسائل الأعلام الروسية والأجنبية بالأضافة للعربية، بل أن عشرات الباحثين العرب يعملون فى مراكز البحث الاكاديمي الروسية، ناهيك عن إلالاف العمال الذين ينتشرون فى المطاعم والأسواق ومحطات البنزين ..الخ، ووجود هذا التنوع في فئات المقيمين العرب لابد وأن يكون له دورا و تإثير في مواجهة منطق المكسب والخسارة، وأن يحجم مساعي استثمار أحلام المقيمين في مساومات أوألاعيب لإرضاء جهات رسمية، أو لمساومتها لتحقيق مصالح شخصية.