التصنيفات
حقائق علمية

الالوان علم وفن- بقلم د/ محمد سلامة-جامعة المنصورة

اهتم الإنسان بالألوان منذ فترات ما قبل التاريخ ، فقد استغل الإنسان البدائى الأكاسيد الملونة فى إحداث التأثيرات اللونية كما استخدم ألوان الأكاسيد المعدنية مخلوطة بدهون الحيوانات فى رسومه ولوحاته المتنوعة .

واهتم الفنان المصرى القديم بالألوان اهتماما كبيرا واستخدم الأكاسيد المستمدة من البيئة المحيطة به سواء كانت تلك الألوان أكاسيد معدنية أو أحجار ملونة أو أصباغا طبيعية نباتية أو حيوانية ، حيث استخدم اللون الأسود والأزرق والأحمر الطوبى والأبيض والأصفر الأكسيد ، كما استخلص اللون الأسود من خام المنجنيز والأزرق من كربونات النحاس والأحمر الطوبى والبنى من أكسيد الحديد والأخضر من مركبات النحاس والأحمر من المفرة الحمراء وهى نوع غير متبلور من (الهيماتايت ) والأبيض من كربونات الكالسيوم والأصفر من المفرة الصفراء أو كبريتور الزرنيخ الطبيعى ..

اما فى العصر القبطى فقد استخدم الفنان القبطى الألوان للتعبير عن الرموز والمعانى الدينية التى عبر ظهرت فى أعماله الفنية ، فاستخدم الألوان الأبيض والأصفر الأوهرا والأحمر ، والبنى المحروق والأحمر الأرجوانى والأزرق والأخضر والرمادى والأسود ، ومع بدايات العصر الإسلامى اهتم الفنان المسلم بالألوان اهتماما كبيرا من الجانبين الكيميائى والفيزيائى ودراسة علم البصريات وكيفية الرؤية ومن العلماء الذين درسوا اللون والرؤية محمد التهاتونى الهندى وإبن سينا وإبن الهيثم .. فربطوا بين الضوء واللون واستخدموا الألوان الأحمر القرمزى والأصفر والأزرق والأسود والأبيض والبنى والأخضر.
أولاً : مجالات تنظيم الألوان

1- المجال النفسى للون ( السيكولوجي ) :

للألوان تأثيراتها الخاصة على الإنسان من الناحية النفسية حيث تكشف عن شخصية الفرد سواء من ناحية الحزن أو الفرح فتدخل الألوان الفرحة على النفس وعن طريق استخدامها يستطيع العمل الفني أن يظهر ما تخفيه النفس البشرية من حالات نفسية متقلبة .
والإحساس بالتوافق اللوني يرجع إلى الإدراك الحسى باللون والانفعال بالعلاقات اللونية المختلفة ويندرج تحت العملية الإدراكية الذاتية للفرد .. وللون مستويان من الناحية النفسية أحدهما الإدراكى حيث تدرك الألوان من خلال معلومات محددة والثانى إنفعالى عن طريق إثارة الجوانب النفسية المرتبطة باللون .

وقد استفاد علماء النفس من التأثيرات التى تتركها الألوان على النفس فى معالجة الكثير من المشكلات النفسية والعصبية ، وإهتموا بتأثير الإشعاعات اللونية على عقول البشر ونفوسهم من ناحية رمزية اللون والإدراك الموضوعى له وتمييز الألوان من خلال الاهتمام بالدوافع والإدراك والاستجابة ، وعلى الرغم من اختلاف استجابة الأفراد للألوان إلا أن لكل فرد ألوانه الثابتة والمنفصلة ، حيث يتم إدراك اللون من خلال العين والمخ فتقوم العين باستقبال الألوان وتنقلها إلى المخ عن طريق العصب البصرى ويرتبط الإدراك المرئى بعمليات التفكير ومهاراته .

واللون كمثير عاطفى يستدعى استجابة وفقا لنوع المثير حيث تختلف تلك الاستجابة بمدى إدراك هذا اللون سواء كانت تلك الاستجابة من الشعور أو اللاشعور مما يتطلب تداعى الخبرات النفسية المرتبطة والتى تنعكس على سلوك الفرد من فرح أو حزن أو إكتئاب … فاللون الأحمر يثير الفرح والبهجة بينما الأسود يثير الإحساس بالحزن والإكتئاب كما أن الأبيض رمز النصوع والنقاء والطهارة .

2- المجال البصرى للون (الفسيولوجي ) :

يرتبط الإدراك البصرى للون بالمجال الفسيولوجى ، حيث لا يحدث أحدهما بمعزل عن الآخر فيؤدى إدراك اللون إلى إستجابة طبيعية فسيولوجيا وفقا لكمية الضوء واللون باختلاف أطواله الموجيه ويرتبط إدراك اللون والضوء بجهاز الإبصار للعين والمخ عند الإنسان وعلاقتها الوظيفية والبحث فى كيفية الرؤية مع الضوء والظلام وإدراك الألوان ، ويتسم جهاز الإبصار فى الإنسان بالقدرة على التكيف مع نظام الإضاءة الذى يتوقف علية إدراك اللون سواء بالتحكم فى شدة الإضاءة وانتقال المرئيات من العين إلى الجهاز العصبى البصرى المؤدى إلى المخ لترجمة الإشارات الواصلة إلية للتعرف على اللون وإدراكه .

ويمكن لجهاز الرؤية تمييز الألوان بصورة نسبية وفقا للتكيف النوعى المسبب لإدراك الألوان ، حيث تنقل المعلومات البصرية إلى المشاهد عن طريق الضوء الذى يصل إلى العين باعتباره مثيرا لونياً ، وتتم تلك العملية الفسيولوجية فى العين من مواءمة الضوء الساقط إلى نقل المعلومات عبر القزحية الى الشبكية والتى يتم فيها التكيف النوعى للمبصرات إلى العصب البصرى ثم إلى المخ الذى يترجم النبضات العصبية الواصلة إلية إلى مدركات بصرية .

و يتأثر اللون المدرك بثلاث جوانب أحداها طبيعة السطح الساقط عليه الضوء والثانى خواص الألوان وثالثها كمية الإضاءة وزاوية إسقاطها ، وتتأثر خواص الألوان بعدة جوانب أحداها كنه اللون أو صفته التى تشير إلى نوعية اللون الذى تحدده وثانيها قيمة اللون وتعنى مدى نصوع اللون أو قتامته بالنسبة للون الأصلي ومدى الاختلاف فى الدرجات والظلال اللونية وثالثها التشبع ويعنى درجة نقاء اللون أو اختلاطه بألوان أخرى كما يعنى أيضا الدرجة النسبية لنقاء اللون وهى التألق والنقاء وقوة اللون ..

وقد يحدث لبس فى فهم طبيعة قيم الألوان وشدتها أو تشبعها ، حيث تشير قيم اللون إلى طبيعة إشراقه أو قتامته ، أما تشبع اللون فيشير إلى طبيعة نقاء اللون وقوته ،وتؤثر حرارة اللون سواء درجة دفئة أو برودته النسبية وهى ترتبط بقياس الضوء داخل الطيف حيث قسمت الألوان فى دائرة الألوان إلى ألوان دافئة وأخرى باردة ، فالألوان التى تشمل الأحمر والأصفر والبرتقالى تسمى ألوان دافئة ، بينما صنفت الألوان التى تشمل الأخضر والأزرق إلى ألوان باردة ،كما يعد اللون البنفسجى لونا متعادلا فإن كان بنفسجى محمر أصبح ساخنا وإن كان بنفسجى مزرق أصبح باردا..

ويتأثر إدراك اللون بزاوية وكمية الضوء الساقط علية فبتغير زاوية الإضاءة تتغير كمية الضوء وتتغير درجة حرارة الضوء ومستوى شدته فى خلال الأوقات المختلفة للرؤية ، وإدراك اللون يرتبط إرتباط وثيق بالمجال الفسيولوجي ، حيث يتوقف على مدى تأثر الجهاز البصرى باللون وتكيفه مع مستويات الإدراك وتأثره بكيفية الرؤية وعوامل الإدراك ونوعية الإضاءة سواء كانت طبيعية أو صناعية .

شكرا لك…
شكرا جزيلا لك
<div tag="8|80|” >جزيل الشكر والتقدير لهذه المعلومات العلمية المفيدة وأتمنى أن تزودنا بالأثر النفسي المرتبط بكل لون وتمنياتنا بمزيد من التواصل

مبادرة رائعه منك ..

ولا أملك إلا أن اسجل أعجابي بها ..

سلمت يمينكـــ

التصنيفات
حقائق علمية

تطور مفهوم التجريد فى التصميم التشكيلى – د/ محمد سلامة -جامعة المنصورة

مما لاشك فيه أن عمر الفن يتوازى مع عمر البشرية ، فإن الإشارة إلى جوهر الفن ما هو إلا الاستدلال عن تلك الروابط التى بين الإنسان والعالم والوجود المحيط به ، وذلك من خلال محاولة الفنان صهر هذه الموجودات فى بوتقة وإعادة صياغتها من جديد فى شكل عمل فنى ، الذى يعد ضرباً من بين أوجه النشاط الإنسانى التى تتجه إلى الابتكار وأفكار تهدف إلى البحث عن حقيقة الأشياء التى تكمن فى داخل النفس البشرية والظواهر الكونية ، وذلك لتقصى المعرفة وتوصيلها إلى المتلقى.

ان ضرورة الفن ليس فى كونه ينسخ صوراً للواقع المرئى ،وإنما فى مقدرته على جعل ما هو خلف العالم المرئى قابلاً للرؤية، فالفن هو لغة التشكيل محملة بخبرة الفنان الذاتية والتى تنقلنا إلى عالم آخر جديد ، يبدع فيه الفنان جمالاً خاصاً لأشياء جديدة مستلهمة من الكون والطبيعة ، ومن كل ما يدور ويحيط به ، وتحمل فى طياتها خبرته الشخصية والتى تمثل العالم الداخلى الذى يعيش فيه الفنان ، بهدف البحث عن قيم تصميمية جديدة يصوغها فى خلاصات موجزة ، قد يستشعرها الفنان من العالم الطبيعى من خلال تركيب عناصر جزئية أو إعادة تكوينها من جديد .

فالطبيعة يمكن أن تتمثل فى عدة صور وليس فقط فى تلك الموجودات الظاهرة أمام الرؤية ، بل هى أيضاً ذلك العالم الكامن فى النفس ، فهى تتمثل فى الأشياء المستوحاة من العالم الموضوعى ، ويمثل ذلك الجانب جزءاً من أنفسنا ومن الطبيعة ، فقد ظهر الاتجاه التجريدى فى بداية القرن العشرين ، وثبت قواعده فى الفترة ما بين الحربين العالميــة الأولى والثانيـة ، وبلغ القمة فى بداية الخمسينات بعد الحرب العالمية الثانية ، واستمر كاتجاه فنى يميز القرن العشرين وما زال قائما حتى عصرنا الحالى .

فقد قام بعض الفنانين بمحاولات خاصة ذات عامل مشترك ، وبفكر مختلف وجديد ورؤية فنية مبتكرة لتغيير مفهوم العمل الفنى ، والذى أدى بدوره إلى البعد عن الصورة التمثيلية ، وتغيير أساليب وتقنيات الأداء إلى نمط مختلف عما سبق ، حيث أصبحت الفكرة هى العامل المؤثر فى العمل الفنى أكثر من الشكل الممثل ، والتى فتحت للفنان قدرة كبيرة على حرية التعبير الفنى .

فقد قامت الحركة التجريدية بتغيير المفاهيم التقليدية للعمل الفنى ، فلم يستطيع المشاهد السيطرة على طبيعة الموضوعات التى يتناولها الفنان التجريدى ، وذلك لأن الفنان التجريدى عالج موضوعاته بفكر منبثق من عالمه الداخلى ، ومختلف كل الاختلاف عن العالم الواقعى المألوف ، وهكذا لم يعد العالم الخارجى يفى باحتياجات الفئات الإبداعية .

فالفنان التجريدى يبحث فى جوهر الأشياء حيث التحول من التفاصيل الجزئية إلى التعميمات الكلية ، بهدف البحث عن شئ كامن تحت المظاهر الشكلية ليصوغه فى أشكال ملخصة تكون لها تأثيرات أكثر فاعلية فى نفس المشاهد من الصور التمثيلية المطابقة للواقع المرئى ، فوظيفة الفن التجريدى هى الكشف عن قوانين الطبيعة ، فالفن الموجز يرى الطور النهائى للثقافة البشرية ، هو تحقيق للكفاح الأوحد لكل أنواع الفن ، والذى تمثل فى ايجاد جمال كلى .

إن التجريد يختلف مدلوله باختلاف آراء الكثير من فلاسفة الفن وعلماء الجمال والنقاد والمفكرين والفنانين والباحثين الذين تناولوا دراسة هذا الاتجاه ، إذ يرون أن ما وصف به هذا الاتجاه قد تميز بالتنوع والاختلاف ، فيــرى هربرت ريد أن التجريد اتجاه فنى يتماشى مع المفاهيم الجديدة لمتغيرات العصر ، فالتجريد Abstract يعنى التخلص من كل أثر للواقع والارتباط به ، فالجسم الكروى يمثل تجريداً لعديد من الأشكال التى تحمل هذا الطابع كالتفاحة مثلاً وما إلى ذلك . فاستخدام الكرة فى الرسم أو التشكيل ، يحمل ضمناً إشارة مضمرة نحو كل هذه الأجسام ملخصة فى قانون الشكل الذى يمثل كيانها ، والإحساس بالعامل المشترك بين كل هذه الأجسام هو بمثابة تعميم تشكيلى للقاعدة الهندسية التى يستند إليها ، حيث أن لفظة التجريد فى الفن التشكيلى المعاصر هى صفة لعملية استخلاص الجوهر من الشكل الطبيعى وعرضه فى شكل جديد .