مدرسة
بحـــــث لمادة التاريـــخ عـــن :
العدل وتحكيم الشريعة عبر التاريخ
اسم الطالب :
الصف : 11 الأدبي
العام الدراسي 2022 – 2022
بإشراف الأستاذ :
الفهرس :
م المحتويــــــــــــــــــــــــــــــات رقم الصفحة
1 الفـــهـــرس 2
2 المقدمـــة 3
3 الموضــــــــــــــــــــــــــــوع من 3 –13
5 الـــخـــاتمــــــــــــــة 13
6 التوصيات و المراجــــع و المصــــــــــادر 14
المقدمة :
في حديث الناس عن العدل بعد زمن الخلفاء الراشدين وتحديدا في زمن الخلافة الأموية والعباسية يكثر الحديث عن شبهة لا أساس لها من الصحة أمام الباحث النزيه، والواقف على الحقائق في تاريخ الأمة الإسلامية، وهذه الشبهة العارية من الأدلة لها حضورها الثقافي والفكري في حديث الشعب وأوساط المثقفين وهي أن الشريعة الإسلامية طبقت في عهد الخلفاء الراشدين فقط؟ وهي تدل على جهل وعدم معرفة دقيقة لتاريخ الأمة وشعوبها .
أقول للإخوة الذين يرون أن الشريعة الإسلامية وخصوصا القضاء لم يطبق إلا في عهد الخلافة الراشدة أو أنها توقفت مع بداية الدولة الأموية…إن الحقائق التاريخية تخالف ما تذهبون إليه وإليكم التفصيل:
الموضوع :
أولا: عهد الدولة الأموية:
تمت مبايعة معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – بعد تنازل خامس الخلفاء الراشدين الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – فأصبح الخليفة للدولة الإسلامية وكان الفضل لله – عز وجل – ثم للسيد الشريف الخليفة الراشد الحسن بن علي بن أبي طالب إذ وضع مشروعاً إصلاحيا كبيراً خضع لمراحل وكانت له دوافع وتم على صلح واضح الشروط ومن ضمن هذه الشروط العمل بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدين ولم يكن معاوية بن أبي سفيان ممن يجهل فوائد الشريعة والأخذ بها، وما كان يصدر في المهمات إلا عن مشورة من ذوي الرأي ووجوه الناس وأشراف القوم وأهل العلم وكانت المرجعية للإسلام.
وقيادة معاوية للدولة لم تكن فردية خالصة، فاللامركزية في الحكم والإدارة هي الأغلب، ومشاركة الرجال من أهل الرأي والخبرة في حمل المسؤولية والقيام بأعباء الدولة في السلم والحرب وفي المركز والولايات.
ووجود الإسلام في حياة الفرد والمجتمع والدولة سلوكاً ونظام حكم منذ عصر الرسول – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء الراشدين قلل من مظهر القيادة الفردية ومساوئها وعزز مظهر الشورى وغلبة الاتجاه العام الثابت في السياسة والقيادة والإدارة وتصريف الأمور ورعاية المصالح، كما أن تحول الخلافة الراشدة إلى ملك وراثي لم يكن يعني تحولاً كاملاً عن شورى الراشدين أو ارتدادا عن أوامر الإسلام ومنهجه في الحكم ولقد بقيت في عهد معاوية والعصر الأموي، كما يقرر بن خلدون: مغالى الخلافة من تحري الدين ومذاهبه، والجري على مذاهب الحق، ولم يظهر التغير إلا في الوازع الذي كان ديناً ثم انقلب عصبية وسيفاً، وهكذا كان الأمر لعهد معاوية ومروان وابنه عبد الملك والدولة الأموية له حسنات ولها سيئات ولم يكن خصماً للشريعة ولا معطلا لأحكام الله وإليك الأدلة:
أ- القضاء في العهد الأموي:
كان العهد الأموي وخصوصاً عهد معاوية امتداد للعهد الراشدي في عدة جوانب فبقي كثير من الصحابة إلى العهد الأموي، وشاركهم في العلم والفقه والقضاء، وغيرها كبار التابعين، ثم صغار التابعين، كما بقي بعض قضاة العهد الراشدي يمارسون القضاء في العهد الأموي وبعضهم طال قضاؤهم كشريح بن الحارث – رحمه الله -، وبقيت في العهد الأموي آثار التربية الدينية وسمو العقيدة، وآثار الإيمان والالتزام بالدين والتقيد بالأحكام الشرعية. وظهر في العهد الأموي عدد كبير من المجتهدين الذين كانوا صلة الوصل بين الصحابة والمذاهب الفقهية، وكان العلماء والمجتهدون في العهد الأموي أساتذة لأئمة المذاهب التي ظهرت في العهد العباسي، وكان لهذه الصورة الفقهية الزاهية أثرها الكبير والمحمود على حسن سير القضاء والعدالة في العهد الأموي، وظهر التوسع بالاجتهاد كما بدأت حركة تدوين العلوم الإسلامية والانفتاح على الحضارات الأخرى وترجمة الثقافات والعلوم من الأمم المجاورة وكان القضاء في العهد الأموي مستقلاً عن أي سلطة أخرى حتى سلطة الخليفة أو الوالي وما على الخلفاء أو الولاة إلا تنفيذ الأحكام التي يصدرها القضاة، واعتمد القضاة على المصادر نفسها التي جرى عليها القضاء في العهد الراشدي وذلك بالالتزام بالكتاب والسنة والإجماع والسوابق القضائية والاجتهاد مع الاستشارة وكان الالتزام بالقرآن والسنة هو الأساس وهو ما تلتزم به الخلافة وتتم عليه البيعة وكان القضاة مجتهدين في إصدار الأحكام القضائية ولهم الحرية المطلقة في استنباط الأحكام من القرآن والسنة ومقاصد الشريعة ولم يتقيدوا برأي الخلفاء.
– العدل في دولة عمر بن عبد العزيز:
قال – تعالى -: (يأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً) (النساء آية: 135) لقد قام أمير المؤمنين عمر بهذا الركن العظيم والمبدأ الخطير على أتم وجه… وكان يرى أن المسؤولية والسلطة في نظر عمر هي القيام بحقوق الناس والخضوع لشروط بيعتهم، وتحقيق مصلحتهم المشروعة، فالخليفة أجير عند الأمة وعليه أن ينفذ مطالبها العادلة على حسب شروط البيعة وقد أحب الاستزادة من فهم صفات الإمام العادل وما يجب أن يقوم به ليتصف بهذه الخصلة الفريدة الحميدة فكتب إلى الحسن البصري يسأله في ذلك فأجابه الحسن: ‘الإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً، ويكتب لهم في حياته ويدخرهم بعد مماته، والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البّرة الرفيقة بولدها حملته كرهاً ووضعته كرهاً، وربته طفلاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه ترضعه تارة وتطعمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتمّ بشكايته، والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصىّ اليتامى، وخازن المساكين يربي صغيرهم والإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويسمعهم وينظر إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدّد، وشرّد العيال، فأفقر أهله وفرّق ماله’.
ولقد قام عمر بن عبد العزيز في رد الحقوق لأهلها واتبع سياسة رشيدة صالحة ليومنا هذا في رد المظالم وبدأ بنفسه وأهل بيته وبني أمية وعزل جميع الولاة والحكام الظالمين، وأبدلهم بالأخيار من ذوي العلم والكفاءة ورفع المظالم عن الموالي وأهل الذمة وجعل من مجتمعه نموذجاً ومثالاً رائعاً نفاخر به أمام المدنيات الحديثة في إقامة العدل ورفع الظلم ومحاربته بكافة أشكاله وأنواعه.. وقد ضربت أمثلة عديدة على ذلك في كتابي عن عمر بن عبد العزيز.
المؤسسة القضائية في عهد عمر بن عبد العزيز:
كان عمر بن عبد العزيز الأموي يدقق في اختيار القضاة حتى لا يبتلى الناس بقاض يتخبط فيهم بغير حق ولهذا فقد اشترط عمر بن عبد العزيز في القاضي خمسة شروط، ولا يجوز له أن يلي القضاء حتى تكتمل فيه هذه الشروط وهي: العلم والحلم والعفة والاستشارة والقوة في الحق وكانت الأحكام في الدماء والقصاص والحدود تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية وقد فصلت فيها في كتابي عن عمر بن عبد العزيز وكان يأمر ولاته بتعجيل النظر في أمور المتهمين فمن كان عليه أدب فيؤدب ويطلق سراحة ومن لم تثبت عليه قضية يخلى سبيله.. ويرى أن إقامة الحدود سبب لقلة السجناء لأنه كان زاجراً لأهل الفسق والزعارة فعن جعفر بن برقان قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز: فلو أمرت بإقامة الحدود لقل أهل الحبس ولخاف أهل الفسق والزعارة ولتناهوا أعماهم عليه، إنما يكثر أهل الحبس لقلة النظر في أمورهم إنما هو حبس وليس نظر فمر ولاتك جميعا بالنظر في أمر أهل الحبوس في كل الأيام فمن كان عليه ذنب أدب وأطلق ومن لم تكن له قضية خلي عنه… لقد اهتم بأمر المسجونين اهتماما شديدا وأصدر تعليماته بتعهدهم بكل ما يحتاجونه من طعام وأدم وكسوة وغير ذلك ولم تكن حقوق الإنسان في سجون دولة عمر بن عبد العزيز منتهكة، وقد كتب إلى أمراء الأجناد: وانظروا في السجون ممن قام عليه الحق، ولا تعد في العقوبة، ويعاهد مريضهم ممن لا أحد له ولا مال. وانظر من تجعل على حبسك ممن تثق به ومن لا يرتشي فإن من ارتشى ضاع ما أمر به. ويمضي عمر بن عبد العزيز قدما في تنظيم السجون والاهتمام بأمر المسجونين وتعاهدهم فيأمر بأن يجعل للنساء حبس خاص بعيداً عن الاختلاط بالرجال، مما يؤكد على اختيار أهل الدين والأمانة ليتولوا أمور السجناء ويأمر ولاته بقوله: وإذا حبست قوما في دين فلا تجمع بينهم وبين أهل الزعارات في بيت واحد ولا حبس واحد، واجعل للنساء حبس على حدة. فانظر إلى عمر بن عبد العزيز في اهتمامه بالسجناء وحرصه على إقامة العدل فيهم ودفع الظلم عنهم.
ب- دعوة إلى الإصلاح في العصر العباسي :
لقد رفع العباسيون شعار الدعوة إلى الإصلاح، والتمسك بالكتاب والسنة، والمساواة بين الشعوب، وإنصاف الشعوب التي أسلمت واندمجت في الحضارة الإسلامية، وهذه الشعارات تعد من صميم أهداف الشريعة الإسلامية وتدل على معنى خاص في ديننا وهو عدم التفرقة بين الناس بحسب ألوانهم أو دمائهم أو تاريخهم وبيان أن أكرم الناس عند الله أتقاهم. وقد تمسك العباسيون بهذا المبدأ وشنعوا به على بني أمية وزعموا في حملتهم الدعائية أنهم انحرفوا عن هذا المبدأ الإسلامي الأصيل وحاولوا أن يبينوا للناس أن قضيتهم هي قضية جهاد الحق ضد الباطل.
المرجعية الشرعية للدعوة العباسية:
تعتبر مدرسة عبد الله بن عباس المكية هي المرجعية الحركية والشرعية، فقد اهتم ابنه علي بن عبد الله بن العباس بتراث أبيه وعلومه وقد ألزم ابنه محمد وهو من زعماء الدعوة العباسية أصحاب جده ابن عباس، حتى تعلم وفقه وجلس يوماً يفتي في المسجد الحرام بمثل فتيا جده وقد أبهرت فتواه سعيد بن جبير – رضي الله عنه – حين سمعه فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني رجلاً من ولد ابن عباس يفتي بفتواه. والمعلوم لدى الباحثين أن عبد الله بن عباس تقدم في التفسير بسبب عوامل متعددة منها: دعاء النبي صلي الله عليه وسلم له بالفقه في الدين والعمل بالتأويل، وكذلك قرب منزلته من عمر – رضي الله عنه -، والأخذ عن كبار الصحابة، وقوة الاجتهاد، وقدرته على الاستنباط، قدرات ابن عباس التربوية والتعليمية، ورحلاته وأسفاره ووفاته وكان ابن عباس من علماء المدرسة المكية وقد تميزت هذه المدرسة من بين المدارس بكثرة تناولها للآيات وتفسيرها، وأسهمت إسهاماً قيماً في الإبانة عن كثير من المعاني التي يحتاج إليها، ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها: إمامة ابن عباس للمدرسة، الأثر المكاني للمدرسة كونها بمكة، وكثرة رحلاتهم وأسفارهم، حرصهم على نشر علمهم، التصنيف والتدوين المبكر لآثار المدرسة.
أ- وصايا أبو جعفر المنصور لأولاده و عدله في القضاء :
قامت الدولة العباسية على فكرة الإسلام وتطبيق أحكامه وقد قال أبوجعفر المنصور لابنه المهدي إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة والرعية لا يصلحها إلا العدل وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأنقص الناس عقلاً من ظلم من دونه.
وكان المنصور في أول النهار يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولايات والعزل والنظر في المصالح العامة. وقد اهتم العباسيون بالعدل وأخذ مجراه بين الناس من خلال مؤسسة القضاء التي تطورت في ذلك العهد، وأحاط العباسيون القاضي باحترام كبير فهو عمود السلطات وقوام الدين وقد تجلت هيبة القضاء في عهد الخليفة المهدى الذي كان يجل القضاة ويحترم مجالسهم ويحرص كل الحرص على أن يكون القاضي نزيها بعيدا عن التأثر بذوي الجاه والسلطان وأن لا يحابي أحداً مهما كانت منزلته وإن كان الخليفة نفسه.
لقد اشتهر أبو جعفر الخليفة المنصور قبل تأسيس الدولة العباسية بتردده عل حلقات المساجد وطلب العلم والفقه والآثار، فقد كان مقدماً في علم الكلام، ومكثراً من كتابة والآثار وكان صاحب معرفة بالفقه والفقهاء مما مكنه لا حقاً من التعامل بطريقة مناسبة مع الفقهاء واستقطابهم للدولة الناشئة. وبعد تأسيس الدولة العباسية استمر خلفاء بني العباس في التأكيد على المظاهر الإسلامية للخلافة وأظهروا التزامهم بالدين (2). ولقد كان للخليفة العباسي الثاني أبي جعفر عبد الله بن محمد 136هـ/753م/-151هـ/774م) الدور الأكبر في ترسيخ هذه السياسة لما كان يتميز به من شخصية فذة، فقد كان عهده متميزاً على كافة الصعد، وينظر إليه علي أنه المؤسس الحقيقي للدولة العباسية فهو الذي أصل الدولة وضبط المملكة ورتب القواعد.
* اهتمامه بالقضاء:
فقد اهتم أبو جعفر المنصور بالقضاء بشكل ملحوظ فكان أول خليفة يعين القضاة بعد أن كان هذا الأمر موكولا إلى ولاة الأمصار فقد قال الخطيب البغدادي: إن ولاة الأمصار كانوا يستقضون القضاة ويولونهم دون الخلفاء قبل أبي جعفر المنصور. فلماء جاء أبو جعفر قام بتعيين القضاة بنفسه على اعتبار أن هذه الوظيفة من مهام الخليفة. وقد قال المنصور لما عين عبيد الله بن الحسن العنبري قاضياً على البصرة إني قد قلدتك طوقاً مما قلدني الله طوقاً. ومن الفقهاء الذين قام المنصور بتعيينهم بنفسه.. الحسن بن عمارة وشريك بن عبد الله النخعي ويحي بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن الحسن العنبري. ومن الحوادث في تاريخ القضاء في عهد المنصور أن أحد القادة الميدانين للخليفة أبي جعفر المنصور اختصم مع أحد التجار في قطعة أرض في البصرة، فلما مثلا أمام القضاء وكان القاضي يومها في البصرة سوار بن عبد الله حكم القاضي بأن الأرض للتاجر وليست للقائد فدفع القائد شكوا ه إلى أمير المؤمنين المنصور فكتب المنصور إلى القاضي سوار يطلب منه أن يرد الأرض إلى القائد فكتب إليه القاضي: يا أمير المؤمنين: إن البينة قد قامت عندي أن الأرض للتاجر، فلست أخرجها من يديه إلا ببينة ودليل فكتب إلى المنصور لتدفعنها إلى فلان القائد فرد القاضي برسالة قصيرة كتب فيها: والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجها من يدي التاجر الفلاني إلا بحق وقد قامت البينة عندي أنها للتاجر، فلما جاء كتاب القاضي إلى الخليفة المنصور تبسم المنصور وقال ملأتها والله عدلاً: الحمد لله الذي صار قضاتي تردني إلى الحق وأظهر أبو جعفر المنصور أهليته العلمية من خلال اهتمامه بالشؤون القضائية، فقد أراد شريك بن عبد الله النخعي على القضاء فاعتذر شريك بأنه لا يحسن ذلك فما كان من المنصور إلا أن قال له: اذهب فانفذ ما أحسنت وتكتب إلى فيما لا تحسن.
* رغبة المنصور في توليه العلماء العاملين أمور البلاد والعباد: –
سافر أبو جعفر المنصور إلى أماكن عدة من أرض الخلافة يتفقد أحوال الرعية وكان يلتقي في كل مدينة بعلمائها وأثناء رحلته في يوم من الأيام. ودعه الإمام الجليل المعروف بالإمام ليث بن سعد الفقيه المحدث عند بيت المقدس فقال المنصور عند وداعه: يا إمام أعجبني ما رأيت من عقلك ولقد فرحت إذ أبقى الله في الرعية مثلك ثم قال ألا تدلني على رجل أجعله والياً على مصر؟ فسكت الليث قليلاً وقبل أن يذكر له أسم أحد العلماء العاملين المعروفين بحكمتهم وحسن إداراتهم، قال المنصور فما يمنعك أنت يا أمام أن تكون والياً على مصر؟ فقال الليث يا أمير المؤمنين أنا لا أقوى وأنا ضعيف ولا يجوز لك أن تولي الضعفاء ومن ليسوا أهلا للولاية فتبسم المنصور وقال: بل أنت قوي ولكن ضعفت نيتك في العمل في هذا الأمر.
ب- الخليفة المهدي وعدله (158هـ/ 774م -169هـ/ 785م): –
لقد عهد الخليفة المهدي بسياسات تتسم بالتسامح والمرونة والعدل، فرد المظالم وشهد الصلوات في جماعة، وفرق خزائن المنصور في سبيل الخير، ووسع المسجد الحرام، وأمر بنزع المقاصير عن المساجد وتقصير المنابر إلى الحد الذي كان عليه منبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. وعني المهدي بأمر القضاء، فكان إذا جلس للمظالم قال: أدخلوا علي القضاة فلو لم يكن ردي للمظالم إلا حيائي منهم لكفى. وإقتفاء لأثر أبيه كان المهدي يعين القضاة بنفسه. وقال المهدي لسفيان الثوري: أصحبني حتى أسير فيكم سيرة العمرين. وفي رواية أخرى خلع خاتمة وقال له: هذا خاتمي فأعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة. كما عرض عليه أن بتولي القضاء إلا أنه رفض هذه العروض. وعمد الخلفاء العباسيون إلى استشارة الفقهاء في بعض القضايا، فقد أستشار الخليفة المهدي مالك بن أنس في إنقاص منبر رسول الله وإعادته إلى ما كان عليه.
ومن جهة أخرى كانت السلطة العباسية تستخدم القوة مع الفقهاء إذا ما ظهر منهم مواقف معارضة للسلطة وقد أبدت مجموعة من الفقهاء السلطة العباسية وتعاملت معها على أساس أنها دولة الخلافة صاحبة الشرعية الإسلامية ونتيجة لذلك ارتبط عدد من الفقهاء بعلاقات ودية مع خلفاء الدولة العباسية، فقد كان الحجاج بن أرطأة من أصحاب أبي جعفر المنصور ثم ضمه إلى ابنه المهدي فظل ملازماً له. ونتيجة لهذه العلاقة الحسنة قدم هؤلاء الفقهاء المشورة والنصح للسلطة العباسية في القضايا التي تحتاج السلطة فيها إلى مساعدتهم، فكتب القاضي عبيد الله بن الحسن العنبري كتاباً إلى الخليفة المهدي اشتمل على عدد من النصائح في موضوعات متفرقة، أكد في بداية الكتاب على أهمية السلطة في حياة المسلمين، وضرورتها لما بها من نفع لهم، فمن خلالها تطبق الأحكام فتسكن البلاد، وتستقر العباد، وبها تحمي البيضة ويصد الأعداء وتحمى الثغور، ثم ذكر الخليفة بالحقوق الملقاة على عاتقه وجزيل الثواب الذي ينتظره في الآخرة إن هو أداها على الوجه الذي ينبغي وبعد ذلك، عدد له الخصال التي يحملها الخليفة عن الأمة وهي: الثغور والأحكام والفيء والصدقة، فحثه على سد الثغور ومدها بأهل النجدة والشجاعة. أما على صعيد الأحكام، فقد بين للخليفة مصدرها وهي الكتاب والسنة وإجماع الأئمة الفقهاء وأخيراً اجتهاد الحاكم مع مشاورة أهل العلم وبالنسبة للفيء والصدقة فقد نصح الخليفة بتحري العدل، والتخفيف عن أهل الخراج، وأن تصرف الأموال في مصارفها الشرعية، وأن يقتضي الخليفة أثر الخلفاء الراشدين كعمر بن الخطاب في تحديد مصارف هذه الأموال وأشار على الخليفة بتوسيع قاعدة الشورى. فقال له. فإن رأي أمير المؤمنين أن يكون بحضرته قوم منتخبون من أهل الأمصار، أهل صدق وعلم بالسنة، وأولوا حنكة وعقول وورع لما يرد من أمور الناس وأحكامهم وما يرفع إليه من مظالم فليفعل.. ففي ذلك عون وصدق على ما فيه إن شاء الله وقد قال الله – عز وجل – لنبيه صلي الله عليه وسلم والوحي ينزل عليه، وهو خير وأبقي وأبر وأعلم ممن سواه من الناس ‘ وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ‘ عمران آية: 159 وقال للقوم وهو يصف حسن أعمالهم ‘وأمرهم شوري بينهم ‘ الشورى آية: 28.
ج-الخليفة هارون الرشيد وعدله : (170هـ/786م 193هـ/808 م):
اهتم الخليفة الرشيد بشكل واضح بالقضاء فكان يعين القضاة بنفسه ويتابع أمورهم فيعزل بعضهم ويستبدل بآخرين ويري الدكتور عبد الرازق الأنبا ري أن هذا الاهتمام الكبير من قبل الرشيد بالقضاء جعله يستحدث منصب قاضي القضاة ليلي هذه المهمة قاضياَ كبيراً يتولى جانباً من مسؤوليات الخليفة في القضاء وبتخويل منه. ومن منطلق العمل بالكتاب والسنة الذي نادت به السلطة العباسية ولتقريب الفقهاء إليها.. وقف الخلفاء العباسيون في وجه الحركات المبتدعة التي سعت إلى ضرب الإسلام والتشكيك فيه. وكان الرشيد يستشير الفقهاء والعلماء في أمور الدولة الهامة، كما كانوا يشهدونهم على الكتب الهامة فقد أشهد القضاة والفقهاء على ما كتبة لأبنائه من بعده، ويلاحظ اهتمام بالغ من قبل الخليفة الرشيد بالفقهاء فكان إذا حج أحج معه مائة من الفقهاء كما كان يستمع للمواعظ ويبكي لذلك وعندما سمع الرشيد بخبر وفاة الفقيه عبد الله بن المبارك استرجع وأمر وزيره الفضل بن الربيع أن يأذن للناس بتعزيته لوفاه ابن المبارك، فأظهر الوزير تعجباً فقال الرشيد: ويحك إن عبد الله بن المبارك هو الذي يقول:
الله يدفع بالسلطان معضلة
عن ديننا رحمة منه ورضوانا
لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل
وكان أضعفنا نهباً لأقوانا
وكان الرشيد يطلب من بعض العلماء تدريس أبنائه، فقد كان يبعث أولاده محمد وعبد الله إلى الفقهاء والمحدثين فيسمعون منهم ورحل الرشيد بولديه محمد وعبد الله لسماع الموطأ على الإمام مالك بن أنس، وكان هارون الرشيد يصحب العلماء والأولياء ويحافظ على الصلوات والعبادات ويصلي الصبح في وقته ويغزو عاما ويحج عاماً وكان يتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم ويصلي في كل يوم مئة ركعة. وتتلمذ على علماء كبار، عرفوا بالورع والتعفف، أمثال: علي بن حمزة الكسائي أحد شيوخ القراءات السبع وإمام من أئمة الكوفة في اللغة والنحو والأخبار وجالس في شبابه فقهاء عصره، كأبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني وغيرهما من القضاة ورجال الاجتهاد في الفقه الإسلامي وبقي على صلته بهم حتى آخر أيامه. وكان لشدة تمسكه بالدين يكره المراء والجدل فيه ويقول: إن الجدل في الدين شيء لا فائدة منه وبالأحرى أن لا يكون فيه ثواب. وقد أجمع الرواة والمؤرخون علي أنه كان من أرق الخلفاء وجهاً وأكثرهم حياء وأخشعهم قلباً وأغزرهم دمعاً عند الموعظة الحسنة. وكان من أروع ما قيل له في الوعظ ما قاله له البهلول لهارون الرشيد هب أن مملكة الدنيا تساق إليك أليس أخر ذلك كله الموت فآخر ما ترى القبر واللحد والثرى؟ وإياك والظلم فإن الملك إذا اشتهر بالظلم بغضته الرعية وإذا بغضته الرعية خالفته والمخالفة سبب المحاربة، فالفتنة نجوى ثم شكوى ثم بلوى (4).
بعض صور العدل في الدولة العباسية:
– حقوق المسـاجين:
ومن ألطف ما ذهب إليه القاضي أن يجري راتبا شهريا للمسجون، إذ إن الطعام من خبز وغيره كثيراً ما يغتصب أكثره حارسو السجن، ويدعون أنه صرف لمستحقه، فلا بد إذن من تخصيص كاتب ينهض بتدوين الأسماء ويشرف على التوزيع في كل مرة وقد لاحظ القاضي أن بعض المسجونين يخرجون في السلاسل، يسألون الناس، ورأى ذلك مهانة للدولة لابد أن يتلافاها القائمون بالأمر، وما تكفف هؤلاء، وطلبوا القوت من المارة إلا لأنهم حرموه وذلك جرم كبير وواصل القاضي حديثه عن المسجونين فقال مخاطباًَ هارون الرشيد: ومر سر الدين الذي أوحى الله به إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم لإصلاح الأمة فجال في ميدانه جولة الفارس العالم بثنيات الطريق، وأحاط علماً بتاريخ المسائل التي يفتي فيها، فبينما نراه وأعظاً لا يخاف فى الله لومة لائم يصوغ من كلمات النصح أشدها وقعاً وأقولها تأثيراً، إذا هو مؤرخ يسرد تاريخ الأمور المالية وغيرها وكيف وضعها السلف الصالح وكيف كان غرضهم من ذلك، وبينما أنت تستخرج من لطائف التاريخ إذا بك تراه يستنبط الأحكام من تلك الوقائع مستناً بسنة أسلافه الطيبين والطاهرين، ثم تراه قد سبر ما يفعله الخراج والجبايات وحواشيهم من المظالم التي يرهقون بها الرعية، ويضرون بها العمارة فينبه الإمام إلى مخازيهم، ويرفع صوته طالباً إجراء العدالة فيهم، وبشير على إمامه بما يجب عليه من رعاية تنفيذ الحق ليكون ناجياً بين يدي الله – سبحانه وتعالى – (1). لقد طلب هارون الرشيد كبير ملوك الأرض فى عصره تصنيف كتاب الخراج، وقد أحتوى هذا الكتاب الكثير من مسائل القانون الدولي والعلاقات الدولية من المنظور الإسلامي ويعتبر بحق وثيقة دستورية في هذا المجال ومن أهم المسائل التي عالجها القاضي أبو يوسف في كتابة المذكور: حقوق الإنسان الراعي والرعية، الرسل أو السفراء الجواسيس، الحدود الدولية، كيفية معاملة غير المسلمين، والتحكيم الدولي، قانون المياه الدولية، العشور التي تفرض على أموال التجارة الدولية الحروب الأهلية حروب البغي
– حقوق الإنسان عند قاضي قضاة هارون الرشيد:
عالج أبو يوسف مسألة حقوق الإنسان من نواحي عديدة ويمكن إجمال آراء أبي يوسف في هذا المقام كالآتي: –
أ- أساس حقوق الإنسان: عند أبي يوسف (أقم الحق ولو ساعة) يقول أبو يوسف: وإنما هلك من هلك من الأمم بحبسهم الحق حتى يشترى منهم وإظهارهم الظلم حتى يفتدى منهم وقال: وتقدم إلى من وليت أن لا يكون عسوفاً لأهله عمله ولا محتقراً لهم ولا مستخفاً بهم ولكن يلبس لهم جلباباً من اللين يشوبه بالإجراء عليهم دون تأخير، ومن مات منهم ولم يكن له ولي ولا قرابة غسل وكفن من بيت مال المسلمين وصلي عليه ودفن فإنه قد بلغني من الثقاب أنه ربما مات الميت الغريب في السجن، فمكث به يومين حتى يستأمر الوالي في دفنه وحتى يجمع أهل السجن من عندهم ما يتصدقون ويكنزون كي يحمل إلى المقابر، فيدفن بلا غسل ولا كفن ولا صلاة، فما أعظم هذا في الإسلام وأهله.
ب – عدم التعذيب أو الضرب: بين أبو يوسف لهارون الرشيد أن أهل الحبوس يضربون المساجين وهذا مما لا يحل ولا يسع وعلة قاضي قضاة هارون الرشيد أن ظهر المؤمن حمى إلا من حق يجب بفجور أو قذف أو سكر أو تعزيز لأمر أتاه لا يجب فيه حد.
ج – درء الحدود بالشبهات: يري أبو يوسف أن تطبيق الحدود يتطلب عدم وجود أية شبهة حيث يقرر ولا يحل للإمام أن يحابي في الحد أحداً ولا تزيله عنه شفاعة، ولا ينبغي له أن يخاف في ذلك لومة لائم إلا أن يكون حد فيه شبهة فإذا كان في الحد شبهة درأه لما جاء في ذلك من الآثار عن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم والتابعين، قولهم ‘ ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم والخطأ في العفو خير من الخطأ فى العقوبة ‘.
د – عدم أخذ الناس بالتهمة: كم هناك من أناس أبرياء يوضعون موضع المتهمين بغير حق ودونما دليل أكيد وانطلاقا من نزعته الإنسانية أكد أبو يوسف على ضرورة الاحتياط والتثبت في هذا المجال الذي تتعرض فيه أخص حقوق الإنسان للانتهاك. وقد وضع قاضي قضاة هارون الرشيد قاعدة وهي: ألا يقام على متهم حد إلا ببينة عادلة أو بإقرار من غير تهديد من الوالي له أو وعيد.
هـ – معاقبة المسئولين عن انتهاك حقوق الإنسان وعزلهم: لا جرم أن مجازاة من ينتهكون حقوق البشر، تشكل أمراً لازماً لازبا لحماية تلك الحقوق، والذي يمكن الخلوص إليه من طريقة تعامل قاضي قضاة هارون الرشيد لإقامة العدل وإحقاق الحق ونصرة الضعيف كما يلي:
– ضرورة معاقبة من ينتهك حقوق الناس: بالعقوبة الموجهة والنكال.
– أن علة ذلك تكمن في أمرين: فمن ناحية إذا لم يفعل الحاكم بهم ذلك فقد يحمل على أن عامله قد أمر بالظلم وقد غيره.
– ومن شأن ذلك ردع الظالمين الآخرين لأن الحاكم إن أوقع على واحد منهم العقوبة الموجهة انتهى غيره واتقى وخاف وهذا ما أشار إليه قاضي قضاة هارون الرشيد فإنك متى أثبت على حسن السيرة والأمانة وعاقبت على الظلم والتعدي لما تأمر به فى الرعية يزيد المحسن في إحسانه ونصحه وارتدع الظالم عن معاودة الظلم والتعدي.
– إنه لا يجوز للحاكم استعمال من ينتهك حقوق الناس، أو على حد قول أبى يوسف: فحرام عليك استعماله والاستعانة به وأن تقلده شيئاً من أمور رعيتك أو تشركه في شيء من أمرك.
3- آثار احترام حقوق الإنسان: عموم الرخاء وزوال البلاء. قال قاضي قضاة هارون الرشيد: إن العدل وإنصاف المظلوم وتجنب الظلم مع ما في ذلك من الأجر يزيد به الخراج وتكثر به عمارة البلاد، والبركة مع العدل تكون وقد تفقد مع الجور، والخراج المأخوذ مع الجور تنقص البلاد به وتخرب وتحدث القاضي أبو يوسف فى كتابة الذي كلفه به هارون الرشيد عن الرسل والسفراء.
– في الرسل والسفراء: يحكم دخول المبعوث الدبلوماسي دار الإسلام القواعد الآتية عند قاضي قضاة هارون الرشيد.
– أن أبا يوسف أكد على الحصانه الشخصية للمبعوث الدبلوماسي الذي تثبت صفته بأنه كذلك إذ في هذه الحالة لا سبيل عليه ولا يتعرض له. وقد أكد على حصانه أموال المبعوث الدبلوماسي بقوله أنه لا يتعرض لما معه: من المتاع والسلاح والرقيق و المال (1).
– أنه يستثنى من حصانه أموال السفير ما يكون قد جلبه معه للتجارة إذ في هذه الحالة يؤخذ منه العشر.
– عدم جواز رجوع الرسول إلى بلاده بعتاد أو سلاح مما يتقوى به أهل الحرب على المسلمين، فإن كان قد اشترى شيئاً من ذلك يرد على الذي باعه ويرد الثمن إلى الرسول.
– لا يجوز أن يتم التعامل مع الرسول في أشياء يحرمها الله – تعالى -كالخمر أو الخنزير أو الربا لأن حكمه حكم الإسلام وأهله.
– مراعاة الفرق بين الرسل والتجار من أهل الحرب الذين ترمي بهم الرياح على السواحل الإسلامية، الأولون يتمتعون بالحصانة الواجبة لهم لقوله صلي الله عليه وسلم لرسولي مسلمة، لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما أما التجار فلا يتمتعون بذلك.
– معاملة غير المسلمينأكد الإمام أبو يوسف علي مسألتين هامتين هما:
الأولى: ضرورة الرفق بأهل الذمة:
ويبد وذلك واضحاً من قول أبي يوسف: وقد ينبغي لك يا أمير المؤمنين أيدك الله أن نتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وأبن عمك محمد صلي الله عليه وسلم والتقدم لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم ولا يؤخذ شيء من أموالهم إلا بحق يجب عليهم فقد روى عن رسول الله (ص) أنه قال: من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته أو أنتقصه أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه: وكان فيما تكلم به عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عند وفاته: أوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم
الثانية: ضرورة الوفاء لأهل الصلح بما صولحوا عليه:
انطلاقا من جوهر الشريعة في مختلف مصادرها ومواردها، أكد أبو يوسف على ضرورة الوفاء لأهل الصلح، وعدم أخذ أي شيء زيد مما صولحوا عليه، يقول قاضي قضاة هارون الرشيد: وسألت يا أمير المؤمنين عن قوم من أهل الحرب أسلموا على أنفسهم وأرضهم ما الحكم في ذلك، فإن دماءهم حرام وما أسلموا عليه من أموالهم فلهم وكذلك أرضوهم لهم وهي أرض عشر بمنزلة المدينة حيث أسلم أهلها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وكانت أرضهم أرض عشر، وكذلك كل بلاد أسلم عليها أهلها فهي لهم وما فيها، وأيما قوم من أهل الشرك صالحهم الإمام على أن ينزلوا على الحكم والقسم وان يؤدوا الخراج فهم أهل ذمة وأرضهم أرض خراج ويؤخذ منهم ما صولحوا عليه ويوفى لهم ولا يزاد عليهم.
* ضرورة اهتمام الراعي بالرعية:
نصح أبو يوسف هارون الرشيد في هذا الخصوص في غبارت بليغة ضرورة أن يجعل الرعية في بؤرة اهتمامه، وأن يرفع عنها أي حيف أو ظلم يقول قاضي قضاة هارون الرشيد: يا أمير المؤمنين أن الله له الجد قد قلدك أمراً عظيما ثوابه أعظم الثواب وعقابه أشد العقاب قلدك أمر هذه الأمة فأصبحت وأمسيت وأنت تبني لخلق كثير قد أسترعاكهم الله وأئتمنك عليهم وإبتلاك بهم وولاك أمرهم وليس يلبث البنيان إذا أسس على غير تقوى أن يأتيه الله من القواعد فيهدمه على من بناه وأعان عليه: ويضيف أبو يوسف مخاطباً الرشيد: فلا تضيعن ما قلدك الله من أمر هذه الأمة والرعية فإت القوة في العمل بأذن الله ويقول: كل ما رأيت أن الله – تعالى -يصلح به أمر الرعية فافعله ولا تؤخره فإني أرجو بذلك أعظم الأجر وأفضل الثواب، وقد أكد أبو يوسف على أمور هامة بخصوص الراعي والرعية وهي:
1- ضرورة اهتمام الحاكم بأمور رعيتة وإقدامه على أي أمر يعمل على إراحتها وسكينتها.
2- ضرورة إحاطة الحاكم علماً بأخبار ولأته على رعيته وعدم ستر أي خبر عنهم.
3- التنكيل بكل ما يعتمد تزييف الحقيقة بخصوص العلاقة بين الولاة والرعية.
* نفقة إصـلاح الأنهار الدولية وإقامة منشآت عامة عليها تكون على الدولة الإسلامية:
فقد قرر أبو يوسف مبدأ هاماً فرق فيه ما بين أمرين:
الأول: أن يحتاج النهر الدولي، أو ما يسميه أبو يوسف الأنهار العظام إلى إصلاحات أو إقامة منشآت (كالمسنيات) أي السدود أو البشوق أي ما يخرقه الماء في جانب النهر أو البريدات، أي مفاتيح الماء: وهذه تكون على بيت مال المسلمين.
الثاني: أن يتعلق ما يتم عمله فى النهر الدولي بحقوق خاصة للأفراد وليست حقوق عامة، فهذه يتحملها الأفراد ولا تكون على بيت المال.
* العلاقات الاقتصادية الدولية عند أبي يوسف:
– الربـا في دار العرب: يري أبو يوسف عدم جوز الربا ولو في دار العرب وبذلك يكون طبق القاعدة الأصولية التي تقول: المسلم يلتزم أحكام الإسلام أينما كان.
– العشور التي تؤخذ من أموال التجارة الدولية: يقول أبو يوسف: يؤخذ من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر من كل ما مر به على العاشر وكان للتجارة، وبلغ ذلك مائتي درهم فصاعدا أخذ منه العشر، وإن كانت قيمة ذلك أقل من مائتي درهم لم يؤخذ منه شئ. وكذلك إذا بلغت القيمة عشرين مثقالاً أخذ منها العشر، فإن كانت قيماً ذلك أقل لم يؤخذ منها شيء، وإذا أختلف عليه بذلك مرات كل مرة لا يساوي مائتي درهم لم يؤخذ منه شيء وأن أضاف بعض المرات إلى بعض وكانت قيمة ذلك تبلغ ألفاً فلا شيء فيه ولا يضاف. بعض إلى بعض.
– أسرى الحرب:
تطرق أبو يوسف إلى أمور ثلاثة بخصوص أسري الحرب.
– مبدأ الإحسان إلى الأسير: يقول قاضي قضاة هارون الرشيد والأسير من أسرى المشركين لا بد أن يطعم ويحسن إليه حتى يحكم فيه. وهذا مبدأ أكده قوله – تعالى -: ‘ ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ‘.
– مصير أسرى الحرب راجع للأمام وفقاً لما يراه الأصلح للمسلمين: قال قاضي قضاة هارون الرشيد: والأمر في الأسرى إلى الإمام فإن كان أصلح للإسلام وأهله عند قتل الأسرى قتل وإن كان المفاداة بهم أصلح فادى بهم بعض أسارى المسلمين.
– عدم جواز أخذ أموال لرد أو تبادل جثت أو رفات قتلى الحروب: قال قاضي قضاة هارون الرشيد: ولو قتل المسلمون رجلاً من المشركين فأراد أهل الحرب أن يشتروا منهم فإن أبا حنيفة قال: لا بأس بذلك، ألا ترى أن أموالهم يحل للمسلمين أن يأخذوها بالغصب، فإذا طابت أنفسهم بها فهو أحل وأفضل لأن دمهم ومالهم حلالان على المسلمين وأنا أكره ذلك وأنهى عنه ليس يجوز للمسلمين أن يبيعوا خمراً ولا خنزيراً ولا ميته ولادماً من أهـل الحرب ولا من غير غيرهم مع ما روي لنا في ذلك عن عبد الله بن عباس قال حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: أن رجلاً من المشركين وقع في الخندق فأعطى المسلمون بجيفته مالا، فسألوا رسول الله عن ذلك فنهاهم ورأي أبي يوسف أقرب إلى طبائع البشر، ولأنه أيضاً ما أخذت به اتفاقيات جنيف لعام 1949م الخاصة بقواعد القانون الدولي الإنساني واجبة التطبيق.
– وهكذا يمضي القاضي أبو يوسف في سرد الأحكام الخاصة لصلاح المجتمع والدولة والأمة في المعاملات والحدود والإدارة والقضاء مع قدرة فائقة على التوجيه والإيضاح، وإذا كان الرشيد هو
الذي قدم الأسئلة للقاضي، وإذا كان القاضي هو الذي أجاب عن وثوق واطمئنان فقد اشترك الاثنان معاً في إرساء قواعد الحكم في اتجاهات المختلفة على أساس من هدي الله وسنة الرسول صلي الله عليه وسلم، وإذا قيل لقاضي القضاة! قد أحسنت في أداء فريضة العلم على وجهها الصحيح فإننا نقول للرشيد: قد أحسنت حين التبست عليك بعض الأحكام، فرجعت فيها إلى أولي الاختصاص فنتج من ذلك ما صار مفخرة المفاخر فى تاريخ الحكام، ولا ادري لماذا لا يذكر أصحاب النصوص الأدبية الخاصة بآثار العصر الإسلامي أمثال هذه الرسائل العظيمة وعشرات من أمثالها فتكون نبراساً هادياً للمتأملين ونمطاً أدبياً رفيعاً لمن يلتمسون الفكر الدقيق في علوم الإنسانية.
الخاتمة :
أتمنى أن ينال بحثي إعجاب أستاذي الفاضل الذي تناولت به كيفية ممارسة القضاء العادل والشريعة الإسلامية في العصر الأموي والعباسي وأن الخلفاء الأمويين لم يتخلوا عن ما فعل آباءهم من قبل في نشر الإسلام والتسامح والعد وفقا للشريعة الإسلامية المبنية على القرآن الكريم والسنة الشريفة واجتهادات الصحابة والتابعين .
التوصيات:
أوصي كل مسلم ومسلمة على إتباع العدل سواء أكان هذا العدل بين الأولاد أو الطلاب في المدرسة أو بين الناس في المحكمة لأن العدل أساس الملك و (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) بالأضافة الى الشهود ؛ ولأن الله تعالى قال في كتابه العزيز في سورة الرحمن بعد بسم الله الرحمن الرحيم ( والسماء رفعها ووضع الميزان أن لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) .
المصادر والمراجع :
1http://www.attajdid.ma
-2http://slaaby.com/mkdetail.asp?ID=46
-3http://www.islamselect.com/article/59898
علي محمد الصلابي دكتور في الشريعة الإسلامية في المصدر الثالث
لا تنسوني من الدعاء وشكرا