تاريخه في سطور
ولد في العام الخامس لحادثة الفيل .
كان خامس خمسة آمنوا بالإسلام .
كان عمره حين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ثمانياً وخمسين سنة .
تفرد من بين الصحابة بزواجه من ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاتهما في حياته .
ومن أعماله الخالدة جمعه الناس على مصحف واحد بقراءة واحدة .
تولى الخلافة في غرة المحرم عام 24 هـ .
كان عمره حين تولى الخلافة سبعين سنة .
استشهد في 18 من ذي الحجة عام 35 هـ .
كان عمره حين استشهد اثنتين وثمانين
مدة خلافته اثنتا عشرة سنة إلا ثمانية أيام . .
دفن ليلا بعد أن منع البغاة تشييع جثمانه ، وكان دفنه بالبقيع في مكان اشتراه بنفسه وأضافه إليه .
تزوج ثمانيا من النسوة توفي عن أربع منهن وهن : فاختة ، وأم البنين ، ورملة ، ونائلة .
كان له تسعة أبناء وثماني بنات : عبد الله ا لأكبر ، وعبد الله ا لأصغر ، وعمرو ، وعمر ، وخالد ، والوليد ، وسعيد ، وعبد ا لملك . .
اسمه
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي .
مولده
ولد في السنة الخامسة من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عمره حين البعثة خمسا وثلاثين سنة .
صفته
كان مربوعا ، حسن الوجه ، رقيق البشرة، أسمر، وافر اللحية، أصلع ، عظيم الكتفين .
اسلامه
كان في جاهليته عفا، كريماً ، مستقيما في خلقه ، معروفا بعقله ورجاحة رأيه ، فما دعاه أبو بكر إلى الإسلام حتى استجاب للدعوة ، وأعلن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامه ، فكان من أوائل السابقين إلى الإسلام . ولما علم عمه الحكم بإسلامه ، أوثقه كتافاً وقال له : ترغب عن دين آبائك إلى دين مستحدث ؟ والله لا أحلُّـك حتى تدع ما أنت عليه ! فقال عثمان : والله لا أدعه ولا أفارقه . فيئس عمه منه وتركه وشانه .
مع الرسول صلى الله عليه وسلم
وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثال المؤمن المخلص الذي وهب لله ولرسوله نفسه وحياته وراحته . زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه بقليل بنته رقية ، ثم هاجر معها إلى الحبشة مع عشرة من الرجال وخمس من النسوة . ثم عاد منها إلى مكة قبل الهجرة . ثم كان فيمن هاجر إلى المدينة مع زوجه ، ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاركه ومجالسه كلها ، لم يغب إلا عن بدر، إذ مرضت زوجته رقية، فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم بالبقاء عندها لتمريضها. وقد أسهم له الرسول صلى الله عليه وسلم في غنائم بدر كمن شهدها . ولما خرج الرسول إلى غزوة غطفان استخلفه على المدينة حتى رجع . وقد توفيت زوجته في عام أحد، فزوجه الرسول صلى الله عليه وسلم بنته الثانية أم كلثوم ، وبذلك سمي (ذا النورين ). وقد كان في غزوة الحديبية رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش ليؤكد لهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد حربا ، لي انما يريد ومن معه من المسلمين زيارة البيت الحرام ، فحبسته قريش ، وأشيع في المسلمين أنه قتل ، فصمم الرسول صلى الله عليه وسلم على مناجزتهم الحرب ، ودعا المسلمين إلى البيعة على الموت في سبيل الله . وقد مد الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى يديه وقال : هذه يد عثمان ، وضرب بها يده الأخرى كمن يبايع . وفي غزوة تبوك كانت له اليد الطولى في تجهيز الجيش والإنفاق عليه ، ولم يفارق رسول صلى الله عليه وسلم الدنيا إلا وقد شهد له بالجنة ، وأصبح معدودأ من كبار الصحابة، الذين أسهموا مع النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم وجهودهم في نشر الدين وتثبيت دعائمه .
مع أبي بكر وعمر
وكان في حياة أبي بكر وعمر من كبار رجال الدولة الذين يستشارون في الملمات ، ويعتمد عليهم في الحوادث ، ولم يضن عليهما، ولا على الدولة بمعونة ولا تأييد مادي أو معنوي ، حتى آلت إليه الخلافة بعد مقتل عمر رضي الله عنه .
في خلافته
بويع بالخلافة من بين ستة من كبار الصحابة عينهم عمر للخلافة . واستمر في خلافته ستة أعوام ، نعم فيها المسلمون بالأمن والاستقرار، وتوالي الفتوح ، واتساع رقعة الدولة . ففي عهده فتحت الخزر ( الترك ) وتوغل المسلمون في خراسان وقهستان وطخارستان ، وافتتحوا تفليس وقبرص . وفي عهده أنشئ أول أسطول بحري للمسلمين . وتوالت انتصارات المسلمين في البحر، حتى أصبحت الدولة الإسلامية دولة بحرية . ثم ابتدأت الفتنة ، واضطرب أمر المسلمين ست سنوات أخرى من خلافته ، لم تنته إلا بمصرعه شهيدا في بيته على يد نفر من الأشقياء من زعماء الفتنة .
ابتدأت الفتنة بدسائس اليهودي الأثيم عبدالله بن سبا الذي تظاهر بالتشيع لعلي ، والانتقاص من عثمان ، وأخذ ينشر الأكاذيب عن سياسته وأعماله . وقد وجد في دهماء الأمصار الكبرى ، الكوفة والبصرة ومصر، مرتعا لترويج أكاذيبه . وقد استجاب للفتنة رؤوس الشر من طالبي الزعامة، وحديثي العهد بالإسلام ، ممن لم يعرفوا قدر عثمان ، ولم يشهدوا بلاءه في الدعوة، وسبقه إلى اعتناقها، ورضى رسول الله صلى اللع عليه وسلم عنه ، وشهادته له بالجنة . وهكذا تعاون الدس اليهودي ، مع الطمع الدنيوي ، مع طيش الشباب ، ونسيان آداب الإسلام مع أولي الأمر، وكبار صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وقدماء الدعاة إلى الله ، تعاون كل ذلك على إيجاد الفتنة الكبرى التي ابتدأت بقتل الخليفة الصحابي الجليل ، وهو فوق الثمانين من عمره ، ثم انتهت إلى تفريق كلمة المسلمين ، وتمزيق وحدتهم ، وتفريقهم إلى شيع وأحزاب ، كل حزب بما لديهم فرحون .
ولقد أحكموا أسباب الفتنة، حتى أحاطت بالخليفة المظلوم من كل جانب ، فأثاروا أولاً دهماء الناس في الأمصار على ولاتهم ، ليضطرب الأمن ، وتنتشر الفوضى، ثم أخذوا يكتبون إلى أهل كل مصر من الأكاذيب من سوء أوضاع البلد الآخر، ما يجعل الذين يسمعون هذه الأخبار، يعتقدون أن الظلم والفوضى والاضطهاد ضارب أطنابه في ذلك المصر، ثم يحملون تبعة ذلك كله على عثمان ، أمير المؤمنين ، حتى إذا بلغوا غايتهم من تهييج الدهماء ، تواعدوا باسم الحج على الحضور إلى المدينة، مقر الخليفة، لمحاصرتها، لم و إنفاذ جريمتهم التي بيتوها . وجاء أوشاب مصر والكوفة والبصرة، كل من طريق غير طريق الآخر، حتى أحاطوا بالمدينة، فخرج إليهم علي رضي الله عنه ، وناقشهم ، فابطل حججهم ، وبين لهم ما يفترون على الخليفة ، وما يتجاوزون فيه الحق ، فتظاهروا بالاقتناع بحيث عاد علي إلى المدينة، واطمأن الصحابة إلى انتهاء الفتنة . ولكنهم سرعان ما فاجئوا المدينة بالليل ، واحتلوها ، وانتشروا في أرجائها، يعلنون الثورة على خليفة المسلمين ، وناقشهم عثمان فيما زعموا من أسباب ثورتهم ، وتبين له أن ليس فيها سبب واحد يدعو إلى شق عصا الطاعة ، ولكم الكيان الإسلامي وتوهينه .
فقد أخذوا على عثمان أنه أتم الصلاة في منى، وقد كان رسول الله ! وصاحباه يقصران فيها، فأجابهم : إني قدمت بلداً فيه أهلي ، وان في الحج من هم حديثو العهد بالإسلام ، فخشيت أن يظنوا أن الصلاة في منى تكون ركعتين دائماً ، فأتممت لهذين الأمرين . ثم سألهم : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى .
وأخذوا عليه أنه أخذ بعض المراعي المملوكة لأصحابها، فحماها ، وأباحها لإبل بيت المال ، وغنم المسلمين ، فأجابهم بأنه فعل ذلك لمصلحة المسلمين ، لا لمصلحته هو، فليس له ثاغية ولا راغية. ولقد ولي الخلافة وهو أكثر العرب بعيرا، ثم هو اليوم ليس له شاة ولا بعير، إلا بعيرين يحتاجهما في حجه . . . ثم سألهم : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى .
وأخذوا عليه أنه جمع القران في مصحف ، وقد كان في مصاحف متعددة . ولعمري لو لم يكن لعثمان من مأثرة في التاريخ إلا جمع الناس على مصحف واحد ، وقراءة واحدة لكفى ، ولكن الحقد والجهل قلبا مأثرته الخالدة إلى نقيصة. . . وقد قال لهم في جوابه : إن القرآن واحد ، جاء من عند واحد ، و إنما أنا في ذلك تابع لمن تقدمني ، وهو أبو بكر، وسألهم : أليس كذلك ؟ قالوا: بلى .
وأخذوا عليه أنه استعمل الشباب الأحداث في الوظائف والولايات ، فأجابهم بأنه لم يستعمل منهم إلا مجتمعا محتملاً مرضيَّاًً وهؤلاء هم أهل عملهم وبلادهم ، فسلوهم عنهم ، ولقد استعمل رسول الله في صلى الله عليه وسلم أسامة ، وهو شاب على كبار المهاجرين والأنصار ثم سألهم : أليس كذلك ؟ قالوا: بلى .
وأخذوا عليه استعماله لبعض أقربائه ، فأجابهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل بعض أقربائه ، وما يضر الحاكم أن يتولى أقرباؤه الحكم ، إذا كانوا على خير واستقامة وصلاح .
وهكذا ألزمهم عثمان الحجة ، ولو كانوا يريدون في ثورتهم الحق لاستمعوا إليه ، ونزلوا عنده ، ولكنهم طلاب إمرة ـ كما قال عثمان ذلك عنهم في بعض خطبه – ورواد فتنة ، وحديثو عهد بالإسلام ، أغراهم الشيطان بالشر، بحجة إنكار الظلم ، وطلب الإصلاح ، فظلموا الأمة وأفسدوا الدولة، وفتقوا في الإسلام فتقاً لم يرتق بعد . وأحاطوا بالخليفة ، فحصروه في بيته ، ومنعوه من حضور المسجد، وحبسوا عنه الطعام والماء ، وهو يناشدهم الله أن يذكروا صحبته لرسوله ، وبلاءه في الإسلام ، وإنفاقه أمواله في سبيل الله .
وما كان لمثل هؤلاء البغاة أن تهزهم سابقة عثمان ولا تضحياته ، وهم لم يكن لهم شرف السبق إلى الإسلام ، فيعرفوا للسابقين فضلهم ، ولا كانوا أهل تضحية وانفاق ، ليذكروا للمنفقين أياديهم ، وحسن صنيعهم .
واستمروا في حصار البيت ، والخليفة يمنع أحدا من أن يقاومهم بالسلاح ؟ لئلا يكون سفك دماء المسلمين على يده . وأصروا على أن يتنازل عن الخلافة، فأبى أن ينزع ثوبا ألبسه الله إياه ، أو يفرط في أمانة المسلمين في عنقه ، وهم حفنة من البغاة ، لا يمثلون جماعة المسلمين ، ولا يعبرون عن آرائهم .
واستنجد الخليفة بالأمصار، وخشي الثائرون أن تأتيه النجدات ـ وقد تحركت فعلا من البصرة والشام ـ فينكشف أمرهم ، وتخذل حركتهم ، فتسوروا على عثمان البيت ، وأحرقوا الأبواب ، وتقدم بعض أشقيائهم فضربه على رأسه ، وهو يتلو كتاب الله . وأرادت زوجته الوفية البارة " نائلة " ، أن تحول دون ضربة السيف بيدها فتقطعت أصابعها ، ثم هجم عليه شقي آخر فأمسك بلحيته واحتز رأسه ، كما يحتز الجزار الشاة، وصعدت إلى الله روح الخليفة المظلوم ، تلعن دعاة الفتنة بلسان اثنين وثمانين عاما ، كان كل يوم فيها أكرم على الله ، وأبر بالإسلام ، من أعمار هؤلاء الأشقياء جميعا.
ولم يكتف الأشقياء بجريمتهم ، بل انتهبوا ما في البيت من أثاث ، ثم أتوا إلى بيت المال فانتهبوه كله ، وشاع في المدينة قتل الخليفة ، وكان ذلك لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة35 هـ ، وكان هذا اليوم طليعة الأحداث المشؤومة في تاريخ الإسلام والمسلمين.. .
وإن مجال العبرة فيما سردناه من أسباب الفتنة ومراحلها ، أن دعاة الشر يلجئون دائماً إلى إثارة الجهال والأحداث باسم الإصلاح ، مع أن الإصلاح ـ لو صلحت نياتهم ـ لا يكون بتمزيق الشمل ، وتصديع الجماعة ، وفتح باب الفتن على مصراعيه ، ليستفيد منها أعداء الإسلام ما يغريهم بالجد في حربه ، ومكايدة أهله .
ومن مجال العبرة أيضا أن الصحابة لو احتاطوا للشر من بدايته ، وحزموا أمرهم على مناصرة الخليفة المظلوم ، لوئدت الفتنة في مهدها ، ولكن كبارهم أخذوا يتفرجون عليها ، وهم ينكرونها في قلوبهم ، ولعل بعضا منهم ممن كان منحرفا عن عثمان ، لم تسؤه هذه الفتنة ، فساعد دعاتها بلسانه ، حين كان يتطاول على الخليفة وينتقده بما لا مجال للطعن فيه ، وما يمكن أن يكون له مخرج حسن ، وزاد في استفحال الشر ووصول المتأمرين إلى أغراضهم ، حلم عثمان وحياؤه ، وإعفاؤه عنهم في بداية الثورة .
وقد أشار عليه كثيرون بان يأخذهم بالشدة فأبى ، ولو استعمل سلطان الله الذي آتاه في تأديب البغاة والخارجين على الجماعة ، لجنب المسلمين نتائج تلك الفتنة العمياء، ولكن عثمان كان حينئذ يشرف على الثمانين ، وقد وهن منه الجسم ، وضعفت الأعصاب ، وأشرف على لقاء ربه . ففضل أن يلقاه مظلوماً ، على أن يلقاه بدماء رجال انتسبوا إلى الإسلام ، وتظاهروا بإقامة شعائره . . .
ويرحم الله عثمان في هذا ، فلقد أنصف نفسه وظلم المسلمين . . وما كان إلا مجتهدا يعمل بما فطره الله عليه من حلم وحياء وسخاء باليد والروح في سبيل الله .