قيل اسمه إبراهيم، و يكنى أبا إسحاق، كان غلاماً سراجاً، و من ثم أُرسل إلى إبراهيم الإمام ليخدمه، فلمس فيه إخلاصاً، و حماساً، و شجاعة، فقربه، و أمره بتغيير اسمه و كنيته، و أرسله بعدها ليدعوا للعباسيين في خراسان، و أوصاه وصية مشهورة التزم بها.
استمر أبو مسلم في دعوته رغم موت الإمام، و وطأ المنابر للدولة العباسية، حتى قامت في 132 هـ.
و في دعوته قال نصر بن سيار:
أرى خلل الرماد وميض نار و توشك أن يكون لها ضرام
التف حوله الفرس و الموالي بسبب ظلم الدولة الأموية لهم، و اقتربوا منه فأعجبوا بشخصيته و تبعوه على حداثة سنه. و كان بين القيسية و اليمانية في خراسان خلاف و فرقة، فلما رأوا التفاف العجم حول أبي مسلم اتفقوا عليه لضرب دعوته في مهدها، و قد كادوا يفلحون لولا أن ضربهم أبو مسلم ببعضهم البعض مستخدماً دهاءه و حنكته.
مع قيام الدولة العباسية ارتفعت مكانة أبو مسلم، و كان محبوباً من أتباعه و معظماً بينهم، فخشي منه الخليفة أبو جعفر المنصور، فاحتال لقتله بعد أن أمنه، و قال لأهل خراسان عند ثورتهم لموت أبي مسلم قولته المشهورة:
"أيها الناس، لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، و لا تسروا غش الأئمة…"
كانت حياة أبو مسلم قصيرة، فقد قتل و سنه اثنان و ثلاثون سنة، أو خمسة و ثلاثون، لكن المؤرخين يقارنونه بـ الحجاج بن يوسف الثقفي في كثرة القتل، ففي حروبه و معاركه أفنى خلقاً كثيراً، و كان يأخذ الناس بالظنة، و أجرى مذهب القتل فيمن خالف سلطانه، و لم يكن له صاحب، أو مؤتمن، كما كان لا يضحك، و لا تبدو في وجهه علامات السرور.
كانت هيبته كبيرة، و كان كريماً، زاحم موكبه في الحج موكب أبي جعفر المنصور فاتجه الناس إليه لكرمه، فأسرها له أبو جعفر المنصور في نفسه و انتقم منه فيما بعد.
كما أنه كان بليغاً قليل الكلام، و إليه ينسب البيت:
محا السيف أسطار البلاغة و انتحى عليك ليوث الغاب من كل جانب
قاله لما أحرق كتاب عبد الحميد الكاتب و كان قد كتب إليه أثناء حصاره لآخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد.
ولد أبو مسلم الخراساني سنة(100) في ماه بالبصرة مما يلى أصبهان عند عيسى ومعقل ابنى إدريس العجلى فربياه إلى أن شبّ واتصل أبو مسلم بعد ذلك بإبراهيم بن الإمام محمد من بنى العباس وكان في خدمته إلى أن أرسله إلى خراسان داعية فقام فيها واستمال أهلها،ووثب على ابن الكرماني وَالِي نيسابور فقتله واستولى عليها. وسيّر أبو مسلم جيشًا لمقاتلة مروان بن محمد آخر ملوك بنى أمية فهزمه أبو مسلم وفرّ مروان إلى مصر فقُتل في بوصير وزالت الدولة الأموية الأولى سنة )132 هـ. (.
ولما مات أبو العباس السفاح في ذى الحجة سنة (136هـ) خلفه أخوه أبو جعفر المنصور فرأى المنصور من أبى مسلم ما أخافه أن يطمع بالملك فاستشار بعض أصحابه فأشاروا عليه بقتله. فدبَّر له المنصور مكيدة حتى قتله بروْمة المدائن سنة (137 هـ). وقد عاش أبو مسلم الخرسانى (37 سنة) بلغ بها منزلة عظماء العالم حتى قال فيه المأمون: أجلّ ملوك الأرض ثلاثة وهم الذين قاموا بنقل الدولة وتحويلها: الإسكندر وأردشير وأبو مسلم الخرسانى. وكانت وفاته سنة (137هـ).