مصطفى ابو ابراهيم ـ مدرس ـ يقول: ان تربية الاولاد في الوقت الحالي ومعرفة توجيههم بالشكل الصحيح قد لا يدركهما الكثير من الاهل حيث انهم غير مواكبين لحركة تطور علم الاجتماع ونظرياته الجديدة في اساليب التوجيه وكيفية تأثيرها بالطفل ايجابيا وسلبيا وكذلك تأثير اساليب التعامل مع الطفل على صحته النفسية التي قد تكون اهم من صحته البدنية حيث ان الامراض البدنية سهلة العلاج بشكل عام اما الامراض النفسية والاضطرابات الروحية صعبة العلاج .
والضبط فتوجيه الطفل باسلوب الحب والحنان من احدث ما توصل اليه اهل الاختصاص من اساليب صحيحة للتعامل مع الطفل حيث تمثل هذه الطريقة فكرة رئيسية مفادها انني احبك يابني مهما اخطأت ومهما تصرفت باسلوب غير مناسب ولكن اكره ذلك الخطأ ولا يعني ذلك انني اكرهك وهو اسلوب يستطيع الاب من خلاله ايصال التوجيه والنصح بشكل هاديء .
ويتمكن الطفل من الاستيعاب والفهم وهذه مسألة مهمة وهي هل وصلت النصيحة الى الطفل ام ضاعت في ثنايا الصوت المرتفع والوعيد والصراخ، وعلى الاغلب جميع النصح والتوجيه الذي نقوم به لاطفالنا ويكون بالصوت المرتفع والصراخ لايصل اليهم باقناع ولا يدخل قلوبهم لان الاسلوب الذي نقوم بمخاطبتهم من خلاله يدل على العنف ويوقع الرهبة في قلوبهم ولا يترك لهم مجالا لفهم ما يريد الأب او الأم.
اما امل توفيق محمد ـ ربة منزل ـ فتقول: اعتقد ان اسلوب توجيه الطفل بالرفق واللين اسلوب حسن وجيد وفعال وفي الوقت نفسه اعتقد كذلك ان اسلوب الصراخ والتعنيف احيانا جيد ومفيد ولابد منه حسب طبيعة الطفل وسلوكه وتصرفاته فهناك اطفال لا يسمعون النصيحة ولا يلتزمون بما تقول لهم وهناك اطفال على العكس من ذلك يستمعون اليك جيدا وينفذون ولا يخالفون الا احيانا وارى ان من الحكمة كذلك .
وضع الامور في نصابها فمن غير الحكمة ان نوجه طفلا مشاغبا باسلوب لين ورقيق لانه لن يفهم بهذا الاسلوب فهو قد اعتاد على الشغب وهنا قد يكون الخطأ في البداية عندما بدأ الطفل حياته صغيرا لم يعرف اهله كيف يوجهونه بالاسلوب اللين وعودوه على الصراخ والضرب والشتم فهذا خطأ الاهل منذ البداية وليس خطأ الطفل الذي كما نعلمه يتعلم وكما نعوده يعتاد وانا احاول دائما ان اكون هادئة معهم بصدق ولكن احيانا يخرج الانسان من طوره ولا يستطيع التحكم بأعصابه فيصرخ وهذا خطأ بالتأكيد.
جاسم المطوع ـ المتخصص في شئون الاسرة والمجتمع يقول: يعود الابن الصغير ذو الخمسة اعوام من المدرسة وفي يده لعبة صغيرة يحاول اخفاءها وكأن عين الام تكون له بالمرصاد وتسأله من اين لك هذا؟ فيجيبها لقد وجدتها على الارض او في الطريق لكن سرعان ما تمتد يد الام لتلتقط اللعبة من يد طفلها وتقذف بها بعيدا وهي تصرخ لماذا تأخذ اشياء الآخرين؟ هل انت لص؟ ويكون اندهاش الطفل اكبر من صرخات الام فهو لا يدري ماذا يفعل؟
هذا مثال لاسلوب علاج كان سلبيا وقد بدر من الام عن طريق الصراخ وتوجيه التهم وليس بالتفهم والحب والانصات، ان من اهم اصول التربية ان توضح للابناء القيم والمباديء والتوجيهات من البداية فليس من العدل ان نعاقب الابناء على تصرفات خرجت عن نطاق المباديء ودون ان نوضح لهم هذه المباديء مسبقا فالاطفال الذين ينشأون في أسر تكون تصرفات الوالدين فيها واضحة ومتوقعة لتصرفات معينة يكون اطفالهم اكثر سعادة واكثر صحة نفسية.
ويضيف المطوع: ان التأكد من تطبيق القيم اهم من شرحها النظري للابناء ولهذا كان التوجيه الايجابي اذا ما اخطأ الابن وكان قد سبق للاب ان لفت نظره الى ان الخروج عن هذه القيم من الامور غير المحمودة وانه يسييء الى نفسه في البداية قبل ان يسيء للآخرين ويجب ان توجه هذه الرسالة للابن بطريقة اللين وليس بالقسوة وان تكون مغلفة بالحب وترجع اهمية توضيح المباديء للابناء انها تجعلهم يضعون الامور في نصابها الصحيح في هذا العالم الواسع.
واذا نظرنا حولنا فسوف نجد اطفالا بعضهم يثق بنفسه وآخرون لا يثقون بأنفسهم بعضهم يحصل على الدرجات الجيدة في دراسته بينما لا يحصل عليها آخر، فقد ثبت ان الاطفال الواثقين بأنفسهم هم اطفال نشأوا في أسر تكون القيم والمباديء واضحة من البداية ووصلت اليهم مغلفة بالحب فمثلا لو ان هذه الام أوضحت للابن قبل ذهابه للمدرسة معنى عدم اخذ ممتلكات الغير.
او انها اذا ما قام ابنها بهذا العمل اخذته في اليوم التالي ووضعت معه اللعبة في المكان الذي وجدها فيه لكان الدرس اقوى من الصراخ والتوبيخ فتعليم المباديء والاخلاق الصحيحة للاطفال ليس للتقيد ولكنها دعوة للانطلاق وفق قواعد صحيحة بهذا الانطلاق فلنوجه الابناء نحو القيم ولنراقبهم وهم ينمون واثقين بأنفسهم.
أميرة الحبيب ـ اختصاصية نفسية ـ تقول: تشكل المعايير الاجتماعية المكتسبة من الاسرة او التنشئة الاجتماعية فعلا قويا على السلوك الفردي للانسان، سواء كان هذا السلوك جسديا ـ حركيا او سلوكا غير منظور كالتفكير والادراك او ما يصدر من الانسان في مواقف الحياة المختلفة في البيئة الاجتماعية، فالسلوك الفردي تحدده معايير الاسرة المكتسبة التي ينقلها الى المجتمع الاوسع بعد سن الخامسة او السادسة من العمر، وهي اول مواجهة له خارج نطاق الاسرة.
وهو بذلك يطبق ما تعلمه في اسرته على الميدان الاوسع وهو المجتمع، يصاحب تلك العمليات الاجتماعية المتعلمة من الاسرة، اكتساب القيم وتمثلها في الشخصية، وتقليد الآخرين، والتوحد بالكبار لا شعوريا، وعادات البيئة السائدة، وعملية توجيه الاطفال تجاه القيم والاهداف، والدوافع الملائمة للثقافة في المجتمع.
كل هذه العمليات تسمى بالتطبيع الاجتماعي، فكل مجتمع من المجتمعات عندما يغرس سلوكيات معينة في افراد مجتمعه يتوقع ان يكون الغرس موجها نحو تربية محددة المعالم، والتوقعات تتحقق بفعل ضوابط التربية وقدرة التنشئة الاسرية والاجتماعية على ضبط تلك النتائج..
في مجتمعاتنا الاسلامية تحرص الاسرة المسلمة على اشاعة روح التعاون، المسالمة، المسايرة، الطاعة، الطيبة في ابنائها، وهي تقاليد توارثها الاباء من الاجداد استنادا على منهج الدين الاسلامي.
وهذه السلوكيات اساليب تربوية في تنشئة الطفل لدى معظم الاسر المسلمة وتتحول مع تقدم العمر لدى الانسان اضافة الى عمليات التطبيع الاجتماعي الى قيم تؤدي بتفاعلها الى نمط في الشخصية يشكل المعتقد الديني، والذي يكون بدوره جزءا كبيرا من مكونات الشخصية الفردية للانسان وبمجموعها تشكل قيم ذلك المجتمع، وهو نظام متكامل يتعارف عليه الناس ويكون قبوله امرا مرغوبا لدى الجميع، والخروج عليه، خرق للاعراف الاجتماعية، يحاسب عليها المجتمع، او على الاقل يتعرض للنقد من الآخرين.
ومن العوامل المؤثرة في حياة الفرد والمجتمع ونتائجها السلوكية يمكن ان نجملها بما يلي:
ـ التنشئة الاجتماعية والأسرية.
ـ الروابط الاجتماعية.
ـ عمليات تكوين الذات.
وتضيف: بالنسبة للتنشئة الاجتماعية والاسرية يلجأ كثير من الآباء الى عقاب اطفالهم حين يسيئون التصرف بالتوبيخ وبامطارهم بسيل من الكلمات الجارحة اعتقادا منهم ان هذا الاسلوب افضل من الضرب، الا ان الابحاث العلمية تؤكد عكس ذلك فالتوبيخ الكلامي لا يقل ضررا عن الضرب لانه يحدث نفس الآثار الضارة التي يحدثها الضرب في نفسية الطفل وكان العلماء منذ زمن طويل يحذرون من ضرب الاطفال لاعتقادهم ان الاطفال الذين تعرضوا للضرب في طفولتهم يفقدون ثقتهم بأنفسهم وينعدم لديهم الاحساس بالامان في مراحلهم العمرية المقبلة.
كما واكدت دراسة جديدة على ان احترام الذات يتضرر كثيرا عند التعرض للعقاب بوسيلة او بأخرى لاننا عندما نعاتب الاطفال فاننا نعطيهم الاحساس بأنهم عديمو القيمة وتنصح الدراسة الآباء الذين يرغبون في اقامة علاقة قوية مع ابنائهم الا يكثروا من تعنيفهم لان زيادة التعنيف والاستمرار في اثارة الالم النفسي عن طريق اللفظ المغلظ والموقف الضاغط والحرمان يصيب الطفل بنوع من الاحساس بالتدني.
جمال فيصل الطويل ـ اختصاصي اجتماعي ـ يقول:
نعم بالحب نستطيع تعديل سلوك الابناء
نعم بالحوار نستطيع الاقناع وتعديل الافكار
لابد ان ننطلق من هذا فالطفل ما قبل سن الخامسة لا يستطيع التفريق بشكل ـ واضح بين الصح والخطأ فيجب ان نصبر ولا نتعجل النتائج فالسلوك عندما نريد تعديله يحتاج الى وقت.
ومن اساليب تعديل السلوك الحوار وتبصير الابن بأسلوب محبب له عن السلوك الذي قام به وعن عقوبة من يقوم بمثل هذا السلوك في الاخرة وفي الدنيا، ويمكن ان نستخدم العلاج المعرفي في هذه الحالة وفي هذه المرحلة العمرية.
ولابد للآباء والامهات ان يميزوا بين الطفل الصغير والاكبر منه ومدى ادراك الطفل للسلوك الذي يقوم به فالطفل في سن الثالثة او الرابعة لا يميز بين الخير والشر فهو يريد ان يلبي حاجاته بغض النظر عن الاسلوب الذي يستخدمه.
ويضيف: اننا ننصح بعدم تسرع الآباء وتوجيه اللوم والغضب والعقوبة للطفل الذي يأخذ شيئا من صديق مادام لا يفهم معنى السرقة وانه عمل قبيح، والاكتفاء بالقول له: ان صديقك الذي اخذت لعبته قد يحتاج اليها او ان نذكر له انه ليس من المقبول ان نأخذ شيئا من الآخرين دون اذن منهم، كما اننا لا نرضى ان يأخذ اشياءنا احد من الناس.
والطفل الذي يتجاوز عمره الخمس سنوات والذي يمارس السرقة، له اسلوب آخر وهذا لا يعني انه لم يتلق التربية الحسنة او ان والديه يبخلان عليه بالاموال بل يجب البحث عن الاسباب الاخرى ايضا مثل سوء العلاقة مع الوالدين:
فالعلاقة الجافة بين الطفل ووالديه نتيجة عدم اشباع حاجته من الحب والحنان، او لتعرضه للعقوبة القاسية، او لشدتهما في التعامل معه في المرحلة الاولى من عمره، او لعدم تعزيز شعوره بالاستقلال في المرحلة الثانية من عمره، تدفع بالطفل الى السرقة فمثلا هو يسرق ليغدق على اصدقائه ويكسب احترامهم وخصوصا بين سن السادسة والثامنة .
وبذلك يعوض ما فقده من احترام وحب وحنان في الاسرة من خلال اصدقائه فشعور الطفل بالعزلة في المرحلة الثانية من عمره ـ وهو الوقت الذي يؤهله لاتخاذ موقعه في المجتمع وبين اقرانه ـ تعتبر جزءا من تعاسته وبالتالي يلجأ الى السرقة ليشتري لاصدقائه الهدايا في محاولة لكسب ودهم نحوه بعد ان فشل في كسبهم لضعف شخصيته مثلا..
او انه يريد ان يتباهى ويفتخر امام اصدقائه بفعله البطولي في السرقة لينجذبوا نحو شخصيته القوية كما يتصور وهذا هو مثالنا على انه بالحب وبالحوار نستطيع تعديل السلوك والافكار لاطفالنا فلو نزلنا بتفكيرنا الى مستوى سن وتفكير الطفل تسهل معالجته وتقويمه من خلال الوقاية مثلا من اسباب السرقة.
اضافة الى اشباع حاجته للحنان، والتأكيد على استقلاليته، ومساعدته على اختيار الاصدقاء فمثلما احيانا نلجأ الى الحزم مع الابناء الكبار الذين يميزون بين الخير والشر ويجب ان نلجأ للحب والحنان والحوار مع الاطفال.
ولا نقصد ان تمارس القسوة والشدة بل يكفي ان يفهم الطفل ان هذا العمل غير صحيح وغير مسموح به، ولابد من ارجاع ما اخذه الى اصحابه والاعتذار منهم.
واخيرا نقول ان المعالجة تتطلب الحكمة والتروي والذكاء وعدم استعمال اساليب العنف والقوة الا بعد نفاذ جميع الاساليب الحكيمة والمطلوب هو التفاعل مع الموقف دون انفعال فنتحدث مع الطفل ونحاول البحث في اسباب المشكلة وعلاجها، ويجب الحرص على العلاقة الايجابية الطيبة مع الطفل، فلا ينبغي اشعار الطفل بكراهيتنا له عندما يسرق او يقوم بسلوك سييء بل نشعره اننا نحبه، وانما نكره السرقة بذاتها او نكره السلوك الذي قام به.
كما نحاول ان نتجنب مقارنة الطفل بالاطفال الآخرين فيما يصدر عنه من سلوك، ونحرص على اشباع حاجات الطفل المعنوية من حب وتقدير واهتمام وحنان ورعاية.
http://www.al-eman.com/muslamat/details.asp?ID=4150
جريدة البيان 27/01/2004
ومتابعتك
يا استاذة قصودة
نتمنى الفائدة للجميع
اشكرك على هذا الموضوع والطرح الرائع
بارك الله بك
وكل التحيات والود اتقدم بها لك
الطفل يحتاج الحب و الحنان في التوجية و هذه الافكار طبقتها مع ابنتي و لاحظت الفرق بينها و بيت التوبيخ و الصياح
جزاك الله كل خير على هذا التميز في اختيار المواضيع
sawsan
شكرا لكما
ولمروركما
الجميل
وبارك الله بكما
وفعلا مثل ماتكرمة
اسلوب توجيه الطفل بالرفق واللين اسلوب حسن وجيد وفعال
وتقبل مروري