لقد اخترت في هذا التقرير العقيدة الإسلامية على الفرد، وسأحاول في هذا التقرير أن أتناوله بنوع من الشرح والتفسير. لأن عنوان التقرير في حقيقته أمره هو الإسلام كله،فإنه نظرا لأهمية في حياة الفرد المسلم وضرورة خلوها من الشك،وسلامتها من شوائب الشرك، ونقائها من كدورات الخرافات،ونظرا إلى الهزات العنيفة القوية التي تتعرض لها العقيدة الإسلامية في هذه الأيام من جراء طغيان المادة من جهة، ومن طفرة العلوم الكونية المادية من جهة أخرى. ولكن هل لقلمي الصغير أن يستوعب الإسلام كله؟ مهما تعددت الأقلام وسالت أثلاثها بكل المعاني والأفكار تعجز عن الإحاطة بمثل هذا الموضوع،ولكن كل ما أملكه في هذا التقرير أن نشير، وفي الإشارة ما يغني عن العبارة.
إن العقيدة شجرة مباركة طيبة ضربت جذورها في أعماق النفس وأمدتها المكونات السابقة بما يمدها بالغذاء و العطاء،والنمو والحياة،وشجرة على هذا النحو لا بد أن تثمر،وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من ثمار العقيدة.
تعريف العقيدة:
لغة: هي ما انعقد عليه القلب واستمسك به وتعذر تحويله عنه سواء كان راجعا إلى تقليد أو وهم،أو كان راجعا إلى الدليل والبرهان العقلي.
إصطلاحا:
قد اختلف فيه العلماء..ومن تعريفات العلماء:
1. جوستاف لوبون في كتابه (الآراء والمعتقدات)إلى أن العقيدة:
إيمان ناشئ عن مصدر لا شعوري يكره الإنسان على التصديق بقضية من القضايا من غير دليل، فلا دخل للعقا في ايجاد هذا الإيمان، وإن حاول تأييده بعد تمام تكوينه،لذلك تكون العقيدة مطابقة للواقع حينا وغير مطابقة في أكثر الأحيان.
ويفرق (لوبون)بين العقيدة والعلم باختلاف المنشأ.فالعقيدة إلهام لاشعوري ناشئ من علل لا دخل لإرادتنا فيها،والعلم اقتباس شعوري عقلي منشؤه التأمل والاختيار.
2.وأما علماء الإسلام:
إن العقيدة هو الأمر الذي بصدق به القلب وتطمئن إليه النفس وتطمئن به أيمانا ناشئا عن الدليل اليقيني الذي لا يخالطه ريب…
تعريف الإسلامية :
لغة:
مصدر أسلم،ويأتي بمعنى خضع واستسلم،وبمعنى أدى،يقال:أسلمت الشيء إلى فلان إذا أديته إليه. وبمعنى وبمعنى دخل في السلم بمعنى الصلح والسلامة. والمسلم هو النقاد الخاضع لله سبحانه وتعالى وبعبادته وحده والإخلاص له في الاعتقاد والعمل معا.
وفي الإسلام اصطلاحا:
هو الدين الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وارتضاه الله سبحانه وتعالى لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:"اليوم أكملت لكم دينكم،وأتممت عليكم نعمتي،ورضيت لكم الإسلام دينا"..
وللإسلام عنصران أساسيان لا يتحقق إلا بهما هماالعقيدة والشريعة)..
ومعنى الشريعة :
أي تنظيم لعلاقة الأفراد بعضهم ببعض وبيان ما يجب على الإنسان المسلم نحو أخيه المسلم وسائر ما يحتاجه الإنسان في أمور حياته من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية.
وأما العقيدة:
فقد اختص بها علماء الكلام وجمعوا مسائلها في علم خاص أطلقوا عليه اسم:علم الكلام،أو علم التوحيد،أو علم أصول الدين.ويسميه أبو حنيفة بالفقه الأكبر,ويمكن أن نطلق عليه اسم :علم العقيدة الإسلامية.أي أنه العلم الذي يوصل الإنسان على الدلالة اليقينية ويمكنه من هدم شبه الملحدين والمعاندين.
وتعريف العقيدة الإسلامية الأكثر وضوحا:
هي مجموعة من القضايا الفطرية المسلمة بالعقل والسمع يعقد عليها الإنسان قلبه بعد أن قطع بها عقله وسلم بصحتها تسليما يقينا لايرقى إليه الشك.وذلك كاعتقاد الإنسان في وجود الخالق وارساله لمحمد(صلى الله عليه وسلم)خاتم الأنبياء والمرسلين وإيمانه بصفات الله والقضاء والقدر والبعث وكل ما اخبر به القران الكريم وفصلته السنة النبوية المطهرة جملة وتفصيلا.
فوائد العقيدة الإسلامية:
1) استيقان المسلم من عقيدته: بحيث لا تكون مجرد تسليم وتقليد، وإنما تقوم على الدليل والبرهنة واليقين، وهنا يتحول هذا اليقين إلى سلوك عملي حيث يخلص العبد في عبادته لله. وهذا ما أشار إليه الشيخ حسن البنا حيث فصل أهمية هذا العلم وذكر له فوائد كثيرةمنها:
1) أن يرقى الإنسان بنفسه عن مواطن التقليد في التوحيد.
2) أن يعمل الفكر والعقل لتفهم عقيدته.
3) يحسن عبادة الله سبحانه وتعالى ويمتثل أمره، ويعلم أن الدين الإسلامي لا يزيده العلم إلا قوة وثباتا.
2) إن هذا العلم يمد المسلم بالأسباب والوسائل التي تمكنه من الدفاع عن الإسلام ورد شبه الجاحدين والمعاندين لأنه يعرف المسلم تفاصيل عقيدته بالدليل والبرهان كما يعرض للشبه القديمة التي طرحها أعداء الإسلام ويرد عليها ويدحضها، وهذا من شأنه أن يمرس المسلم على أساليب الجدل والحوار مع أعداء الإسلام.
3) بيان الحق للمسترشدين الذين يبحثون عن الحق فيضلون الطريق.
ومن هنا تبدو أهمية الغقيدة الإسلامية بيانا واضحا كما أرادها الله تعالى.
خصائص العقيدة الإسلامية:
تتميز العقيدة الإسلامية عن غيرها من العقائد الأخرى كالنصرانية واليهودية والأديان الوضعية، بعدد من المميزات والخصائص وأهمها:
1) العموم والشمول: فالعقيدة الإسلامية ليست عقيدة خاصة بزمان معين أو مكان محدد، أو جنس محدد، وإنما هي عقيدة كل الأزمان، وكل الأوطان وكل الأجناس.
لقد كانت العقائد السابقة عقائد خاصة بأقوام معينن، لهم زمان محدد ،ومكان معين،فلقد أرسل شعيب على (مدين)،وأرسل هود إلى(عاد)،وأرسل صالح إلى (ثمود)، وأرسل موسى إلى(بني اسرائيل)،وأما رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وعقيدته،فقد كانت عامة وشاملة لكل البشر ولكل الأجناس..ولأنها تناولت كل القضايا العقدية التي تهم الإنسان في آجله وأجله.
فلقد أجابت العقيدة الإسلامية على كل التساؤلات التي طرحها الإنسان قديما ولم يجد لها حلا.ومن هذه التساؤلات:
• السؤال عن الإنسان من هو؟
• السؤال عن الإله وعلاقته بربه؟
• السؤال عن الكون وحقيقته؟
• السؤال عن الموت وأبعاده؟
أجابت العقيدة الإسلامية بصورة واضحة عن كل التساؤلات التي حيرت الإنسان قديما..
2) الخاتمية :
فالعقيدة الإسلامية هي آخر إرسال السماء إلى أهل الأرض وبعدها انتهى الوحي وانتهت النبوة,لذلك قال الرسول(أنا العاقب فلا نبي بعدي).
3)الخلود:
نظرا لأن العقيدة الإسلامية هي خاتمة العقائد الإسلامية كان الخلود والبقاء أخص خصائصها،ولذلك تكفل المولى سبحانه وتعالى بحفظها حتى لا تتعرض لتغير أو تحريف.قال(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لحافظون)..
4)الواقعية:
جاء الإسلام بعقيدة واقعية,لأنها تصف حقائق في الوجود لا أهاما متخيلة في العقول،حقائق يقبلها العقل وتستريح إليها النفس،وتستجيب لها الفطرة السليمة. فالعقيدة الإسلامية تدعو إلى الإيمان بإله واحد نطقت كل البراهين العقلية بوجوده،وهذه واقعية حيث جاءت هذه العقيدة موافقة لواقع الإنسان وفكره..
5)الأعتماد على الإقناع وحرية الفكر:
خلافا لكل العقائد السابقة التي أجبرت الناس على الدخول فيها حيث كانت الدولة الرومانية تخير الناس بين التنصر والقتل،جاءت العقيدة الإسلامية مبنية على الإقناع والحرية،وقد أرسى القران الكريم هذه الخاصية فقال"لاإكراه في الدن قد تبين الرشد من الغي"
قد شرع الله تعالى ضروبا معينة من العبادات هي أركان العقيدة لتنعكس آثارها من الفرد إلى المجتمع،وهي ليست غاية في ذاتها،ولكنها وسيلة لطهارة النفس،وسلامة القلب،ونظافة الضمير،وإشراق الروح لينعم بذلك كله المجتمع،لأن هذه الآثار تتحول في النهاية إليه،وبذلك يصبح المجتمع المثالي الذي يفهم رسالته في الحياة،ومكانته في الوجود… وفي هذا التقرير سوف أختص بذكر بعضا منها:
1)أثر الصلاة في بناء الفرد المسلم:
وعن أثر الصلاة في بناء المسلم قال الرافعي رحمه الله :
"بالانصراف إلى الصلاة،وجمع النية عليها يستشعر المسلم أنه قد حطم الحدود الأرضية المحيطة بنفسه من الزمان والمكان وخرج منها على روحانية لا يحد فيها إلا باله وحده"
وبالقيام في الصلاة يحقق المسلم لذاته معنى إفراغ الفكر السامي على الجسم كله،ليمتزج بجلال الكون ووقائه من الكائنات يسبح بحمده..
وبالجلسة في الصلاة،وقراءة التحيات الطيبات يكون المسلم جالسا فوق الدنيا،يحمد الله ويسلم على نبيه وملائكته،ويشهد ويدعو..
هي لحظات من الحياة كل يوم في غير أشاء هذه الدنيا لجمع الشهوات وتقيدها بين وقت وىخر بسلاسلها وأغلالها من حركات الصلاة،ولتمزيق الفناء خمس مرات كل يوم عن النفس،فيرى المسلم من ورائه حقيقة الخلود،فتشعر الروح أنها تنمو وتتسع.
وهي خمس صلوات،وهي كذلك خمس مرات،يفرغ فيه القلب مما امتلأ به من الدنيا فما أدق وأبدع وأصدق قوله صلى الله عليه وسلم"جعلت قرة عيني في الصلاة"
2)أثر الصوم في بناء الفرد المسلم:
وإلى جانب الصلاة ركن آخر من أركان العبادة هو الصوم،والصوم تربية للنفس،وتهذيب للقلب،وتخفف من ملذات الطعام والشراب،وليس حرمان المعدة من الطعام والشراب في فترة محدودة من الزمن لمجرد الحرمان،ولكن لتطهير المعدة وإصلاحها،وتنظيف البدن من الفضلات والرواسب،والتخفف من ثقل البطن بالشحم،وذلك لأن المعدة لو تركت وشأنها لأدى ذلك إلى فسادها وبفسادها يفسد البدن،فلا يقوم بوظيفته ويصبح الفرد،حامل هذا البدن عضوا أشل بين أعضاء المجتمع.
(والصوم يعود الصبر،ويعلم ضبط النفس،ويربي في الإنسان ملكة التقوى والإيمان،فأمامه ملذات الطعام والشراب ومع ذلك لا تمتد يده إليها،لان قوة العقيدة تحول بينه وبين ما يريد،والصوم يكون في المؤمن عاطفة الرحمة،فإحساسه بالجوع يجعله يمد يده إلى الفقراء بما يمنع عنهم غائلة الجوع،وبذلك يتعاون على أن يسد باب الفقر في بناء المجتمع)
3)أثر الحج في بناء الفرد المسلم:
في الحج يجتمع المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها في مكان واحد يذكرون الله،ويؤدون مناسكه،متجردين من كل ما يشغله في الحياة،وفي الحج يشاهد المسلم قبلته التي يتجه إليه في صلاته كل يوم خمس مرات فيزداد إيمانه،ويقوى إيمانه ويقينه .
وفي الحج تطأ قدمه ارضا طيبة طاهرة ،سارت عليها أقدام الحابة والتابعين،فتتجد في نفسه أحدلث التاريخ. والحج بجانب ذلك دعوة لوحدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ومن ذلك نجد المساواة بين المسلمين لا فرق بين غني وفقير،فلكل يدعو،والكل يرجو،والكل يطلب الرحمة ، والكل يدعو إلى توحيد الكلمة ،ورفع راية الإسلام.
من المراجع التي استعنت بها في كتابت التقرير:
1)اسم الكتب: العقيدة الإسلامية في ضوء العلم الحديث ..
المؤلف:الدكتورسعد الدين السيد صالح..
الناشر:دار الصفا للطباعة والنشر والتوزيع..
( الجزء الأول)
الطبعة الثانية 1991
2)اسم الكتاب:عقيدة المؤمن..
المؤلف:أبو بكر جابر الجزائري..
الناشر:مكتبة الكليات الأزهرية..
الطبعة الثانية 1978
3)اسم الكاتب:أثر العقيدة في بناء الفرد والمجتمع
المؤلف:الدكتور عبد العال سالم مكرم
الناشر:مؤسسة الرسالة بيروت
الطبعة الاولى 1988