لقد قطعت في رحلتي أنا وزملائي طريقا طويلا وتعرضنا لأهوال البحر ومخاوفه وأخذ منا التعب مأخذه ،، لمح أحد زملاء الرحلة جهاما من بعيد فخفنا أن يكون حوتا ضخما سيلتهمنا ، وما كان منا إلا أن دعونا الله أن يفرج همنا ويزيل غمنا ووحشتنا ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) وما هي إلا لحظات إلا وقربنا مما شاهدنا فإذا بها جزيرة خضراء وارفة الظلال ملتفة الأشجار تتخللها الوديان والأنهار تزينها الورود الندية وألوان الأزهار السنية وصوت الأطيار الشجية ، كنا نعتقد –أيضا- أن سفينتنا لما ترسو على هذه الجزيرة سيصيبنا ما أصاب غيرنا لما سمعنا وقرأنا في أدب الرحلات البحرية أن أقواما لما رست سفنهم على مثل هذه الجزيرة وصعدوا على ظهر اليابسة وأشعلوا نيرانهم للدفء وطبخ الطعام أحس الحوت الضخم الذي كانوا جاثمين على ظهره بحرارة النار فغاص بهم في قاع البحر فغرقوا جميعا ، فكنا نظن أننا سيكون مصيرنا مصيرهم ولكن ربك ستر ، إذ أنه وضح لنا عندما نزلنا إلى هذه الجزيرة أنها جزيرة بالفعل وليست حوتا ،ثم بعد ذلك بدأنا بجمع الحطب وجلسنا على شفة نهر جميل تحوطه الأشجار من كل ناحية وكانت صلاة الظهر قد حانت فصلينا الظهر وبعد الصلاة جلسنا قليلا نتحدث ونستريح من وعثاء السفر، ثم بدأنا بطبخ الغداء وكنا قد اصطدنا سمكا من البحر ونحن في طريقنا إلى هذه الجزيرة الجميلة فشويناه على النار وتناولنا طعام الغداء مسرورين فرحين ( اللهم يارب الأرباب وياجامع الأحباب ثبتنا على دينك واتباع سنة رسولك الكريم ) هذا الدعاء كنا نردده دوما في غدونا ورواحنا 0
إن نفوسنا الطموحة تأبى إلا أن تستمر في هذه الرحلة الشاقة ، مهما كلف الأمر لأننا واثقون- بإذن الله – أن شمس الحقيقة ستظهر ونور الصبح سينبلج ، فما الذي يخيفنا ونحن نفوض أمرنا إلى الله؟؟ ، أننا نتمثل دائما بقول الرسول الكريم الذي لاينطق عن الهوي إذ قال لصاحبه في الغار لاتحزن إن الله معنا ) 0
قال الشاعر العربي :
ومن يتهيب صعود الجبال ******** يعش أبد الدهر بين الحفر
نفسي تأبى أن أعيش بين الحفر ، فلا بد من الكفاح والصراع ، حتى أصل إلى هدفي السامي والنبيل وهو تطور الإرشاد سواء كنت على رأس العمل أو عندما أحلت للتقاعد ، لازلت على صلة وثيقة بزملائي في الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد أحاورهم ويحاورني وأنا قشهم ويناقشوني وأطلع على كل جديد لديهم ، فهم بحق صفوة ممتازة من المختصين في التوجيه والإرشاد ، من الذين يعملون بصمت ولديهم الرغبة الأكيدة في تطوير الإرشاد ولكن تجري الرياح بمالا يشتهي السفن ، وكنت واحدا منهم أصابني ما أصابهم من مشقة وتعب ، الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد ليست كالإدارات الأخرى تسير بالمعاملات وبالكتابات التي في نهاية العام تملأ الأمكنة ، والرفوف ، وتأتي شركات التدوير لتستلمها لتعيد تصنيعها من جديد ، إدارة التوجيه والإرشاد إدارة فنية تخطيطية ينبغي لها أن تهتم بالدراسات والبحوث والاختبارات والمقاييس النفسية والبرامج الإرشادية التي ترسل إلى الميدان ويتولاها المرشد الطلابي بالمدرسة ، ولكنه يعجز عن تطبيقها وتفعيلها لصالح الطالب ، فهناك في المدرسة كم هائل من البرامج لايصل الطالب منها إلا القليل ، بسبب عدم قدرة المرشد على ترجمتها إلى واقع ملموس لأن المرشد الطلابي مكبل من ناحيتين من ناحية فنية ومن ناحية إدارية ، وصار ينطبق عليه قول الشاعر :
القاه في اليم مكتوفا وقال له ******* إياك إياك أن تبتل بالماء
أعتقد أنني قلت الكثير عن الصعوبات التي تواجه المرشد الطلابي بالمدرسة ، والمرشدون يعرفون هذه الصعوبات والمشكلة من يذلل هذه الصعوبات ؟؟؟
المرشد نفسه لايستطيع ، قسم التوجيه والإرشاد أيضا إمكانياته محدودة ، الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بالوزارة تستطيع ولكنها تحتاج إلى سند قوي من الجهات العلياء التي تملك صلاحية صنع القرار 0
من الرحلات الجميلة التي قمت بها أثناء عملي في الإرشاد برفقة زميلي المبدع /الأستاذ / شايع الحسيني رحلة القصيم / بريدة ، وصلنا بريدة ، وقد كانت رحلة ثنائية حتى نحقق أكبر قدرا من الفائدة والشمولية وقد كنا أشعرنا قسم التوجيه والإرشاد بمجيئنا فلم تكن رحلتنا مفاجئة كعادة المشرفين الآخرين ، لأننا وضعنا في حسباننا أن تكون الرحلة مفيدة للمرشدين والمشرفين في القسم ، فنحن مشرفون من الوزارة والمناطق والمحافظات تطمع في أن يفيدوا من هذه الزيارة ، وفعلا قمنا بهذه الزيارة وقدمت محاضرة عن دراسة الحالة في مركز التدريب في بريدة لاقت استحسان الحاضرين 0
الذي لفت انتباهي في أهل القصيم الكرم العربي الأصيل والرجولة الحقة ، كما لفت انتباهي مدينة بريدة هذا المركز التجاري الضخم فهي تنافس كبريات مدن المملكة في التجارة والزراعة ، ومن منا لايعرف ويذوق سكري وبرحي القصيم ، المهم أن في بريدة علماء أفاضل يحبون العلم وأهله وأهل طاعة وتقى ، أنا شخصيا هذه الزيارة ثاني زيارة لي للقصيم ولكنها الزيارة الأولى الرسمية ، بعدها زيارة أخرى بصحبة معالي وزير التربية السابق ، محمد الأحمد الرشيد ، عندما افتتح وحدة الخدمات الإرشادية التي تبرع ببنائها الأخ الكريم /أحمد العثيم –جزاه الله خيرا- وكان المشرف على الوحدة آن ذاك الأستاذ / أحمد المقبل ، رئيس قسم التوجيه والإرشاد حاليا 0
أقول إن هذه الزيارة تركت في نفسي انطباعا جيدا ، لأنني وجدت أناسا تفاعلوا معي وتركوا أثرهم الطيب في نفسي ، على الرغم أن الإرشاد في القصيم وفي غيره لازال يحبوا ، لكن الذي لاحظت أن هناك حماسا وحبا في العمل لدى المشرفين والمرشدين ، كما أعجبت بالأخ / أحمد العثيم لا لأنه تبرع ببناء الوحدة الإرشادية ولكن أعجبت بالرجل لسعة أفقه وإيمانه بأهمية هذا العمل الذي يقوم به وأن أوجه الخير ليست في بناء المساجد فقط وإنما في أمور كثيرة من بينها بناء المستشفيات والمدارس والمكتبات ودور الإيواء وغيرها كثير كل عمل يراد به وجه الله فهو عبادة 0
من عادة المشرف الزائر للمنطقة أو المحافظة أن يكتب تقريرا عن زيارته ويقدمه لمديره المباشر ليرفعه للتوجيه ، بعد مناقشته وتبليغ المنطقة أو المحافظة بما أشتمل عليه التقرير من توجيهات ، وأحيانا تخاطب المنطقة أو المحافظة بخطاب رسمي يكون شكرا لمدير التربية والتعليم ورئيس قسم التوجيه والإرشاد دون أن يتضمن أي توجيه 0
أنا أقول أين تذهب هذه التوجيهات والملاحظات التي يكتبها المشرفون الذين يزورون المناطق والمحافظات وما مدى تأثيرها في الرقي بالتربية والتعليم والإرشاد ؟؟؟؟
هل أنا أحاسب نفسي ، ماذا قدمت خلال 34 سنه في التعليم والإرشاد ؟ أم أحاسب غيري ممن لديه الصلاحية في التحسين والتغيير ، أنا مشرف سافرت وحضرت وكتبت تقارير عدة ، ولكن ما أثرها ؟ الله أعلم !!0