التصنيفات
القصص والحكايات

شوبكيات

<div tag="8|80|” >منطقة الشوبك (سميت بهذا الاسم لتشابك اشجارها ) هي مجموعة من القرى تربض على جبال الشراه التي تقع جنوب الاردن . الشوبك او كما يحلو لي ان اسميها (مملكة الثلج) . لي فيها ذكريات عزيزة . ففيها عينت مدرسا لمادة اللغة الانجليزية في العام 1990 .
في الخريف يبدا المطر بالتساقط ولكن ما ان يتقدم الشتاء حتى يزحف الثلج بحلته البيضاء وتاجه اللؤلؤي متربعا وحده على قمم تلك الجبال . حتى المياة في انابيبها تصيبها قشعريرة البرد القارص فتتجمد هناك , تتوقف جميع المركبات عن السير على الطرق , تتجمد المياة النازلة من اسطح المنازل في منتصف الطريق قبل ان تصل الى الارض , حتى يخيل للمشاهد انها انبوب زجاجي كسر طرفه السفلي . يختبئ الناس في بيوتهم , فكم من شخص فقد ثم توفي بعد ان تاه في عاصفة ثلجية !! فهي معركة الرابح الوحيد فيها هو كتل الثلج التي تتجاوز المتر والنصف في الارتفاع .

كنا في شتاء ذلك العام جلوسا حول مدفأة البواري . ننتظر ابريق الشاي ليغلي , تفوح من فوهته رائحة الميريمة الزكية,فنحتسي كاسا تعيد الدفء الى قلوبنا . اجتمع بقية المعلمين حول المدفأة بعد ان غادر الطلاب الى بيوتهم بعد بدء تساقط الثلج . ومن بين الجلوس ابو ارشد مدرس اللغة العربية , وهو انسان حكيم وعاقل شاعري الى ابعد الحدود , ما اعذب حديثه عندما يروي لك من كتاب الامام ابن قيم الجوزية رحمه الله ( روضة المحبين ونزهة المشتاقين )!.ما زلت اذكر بيتا كان يردده عندما يشتاق لاهله فيقول:
أسرب القطا هل من يعير جناحه لعلي إلى من قد هويت أطير .

ابو العز مدرس العلوم , صاحب نكتة وفكاهة . بدأ حديثه عن الغلاء والفقر والغنى . ثم طرح سؤاله :
* يا جماعة كيف يمكن ان أصبح غنيا ؟ . لدي الكثير من الأحلام التي لا استطيع تحقيقها دون ان اغتني, فرد عليه أبو أرشد :
*استمع يا عزيزي لهذه القصة , علها توصلك إلى ما تصبو إليه .
*هات اسمعنا يرعاك الله .
قال ابو أرشد (سمعت جدي يقول , جاء في الأثر انه كان هناك رجل في عهد موسى عليه السلام , وكان متزوجا من امرأة من شياطين الإنس , وكانت كلما جلسا تنغص عليه يومه بشكواها الفقر والعازة والقلة …..ثم تختم حديثها بالسؤال الاستنكاري نفسه : لم يا رجل لا تطلب من موسى أن يكلم ربه فيوسع علينا قليلا ؟ أولم نؤمن به حين كفر كثير من الناس ؟ افعل يا رجل افعل !! فيقول الرجل : يا امرأة ان الرزق مكتوب ولن يأتينا الا ما كتب الله لنا . وتحت اصراراها يضعف الرجل ويطلب من سيدنا موسى عليه السلام فيقول له سيدنا موسى ما قاله هو لامرأته , بأن الرزق مكتوب . ولكن الرجل يعاود الطلب من كليم الله عز وجل تحت إصرار الزوجة . فيطلب سيدنا موسى من الله عز وجل ان يوسع على عبده فلان .
يخبره الله عز وجل انه وهب هذا الرجل ثلاث دعوات مستجابة , ولو دعا ان يملك خزائن قارون لملكها بدعوة واحدة . فيذهب الرجل فرحا الى زوجته ليخبرها بالنبأ السار , كان ذلك اليوم هو يوم خروج قارون بزينته أمام الناس .وكان المؤمنون في ذلك اليوم يشدون همتهم في الدعوة الى الله حتى يخففوا من فتنة الناس بمال قارون .

وصل الرجل الى بيته :
*ابشري يا امرأة لدينا ثلاث دعوات مستجابـة !
*ثلاث ؟ اسمع ! اعطني واحدة منهن الان … الان .
*ولكن يا امرأة انتظري مساء حتى ينتهي اليوم هذا يوم قارون
*قلت لك الان …هيا ….هيا يارجل …. اسرع فقد نفذ صبري .
*حسنا لك واحدة الان على ان نجتمع مساء ونرى كيف نتصرف.

خرج الرجل . وكان لهما بنت واحدة . هي اقرب الى ابيها في رجاحة العقل . وبسرعة دار الفكر الشيطاني في رأس تلك المرأة حتى دعت لتكون اجمل امرأة في الكون . وكان ما أرادت . وأسرعت بالخروج الى طريق موكب قارون . ولما رأى قارون جمالها الصارخ طلب من رجاله أن يضموها الى نساء قصره , وهذا ما كانت تصبو اليه , جمال أخاذ ومال وفير .

اصاب قلب ابنتها الحسرة التي حاولت ان تمنعها ففشلت . وانتشر خبر المرأة الجميلة التي اخذها قارون , وعاد الرجل الى بيته مساء وراى ابنته تبكي : ما بالك يا ابنتي ؟؟ اخبرته بالقصة كلها , فاستشاط الرجل غضبا وغيظا حتى قال : اللهم امسخها قردا .وبهذا فقد الدعوة الثانية . دخل قارون على تلك المرأة ولهول المفاجأة وجدها قردا , فاشمأز وألقى بها من النافذة فتلقفها الاولاد في الشوارع يضربون هذا القرد ويجرون وراءه . أدركت الفتاة ما سيحدث . فخرجت مسرعة تبحث عن القرد , حتى وجدته وأخذته الى المنزل ,
وهناك :
*اعدها يا ابي ارجوك تستطيع بدعوتك الثالثة !!
* يا ابنتي كان ذلك خيارها. ولنا ان نعيش انا وانت بالدعوة الثالثة .
*لا يا ابي هي امي التي انجبتني وربتني ولن احتمل ان تكون قردا ولو ملكت الدنيا كلها .
حاول الاب : ولكنه لم يفلح وتحت اصرار الفتاة قام باعادة المرأة الى حالها الطبيعة وهكذا فقد الدعوة المستجابة الثالثة .

هتف جميع من في الغرفة : يا الله , يا الله .
انهى ابو أرشد حديثه سائلا : والان ما رأيك يا عزيزي ؟
رد أبو العز قائلا : سامحك الله يا ابا أرشد وهل بعد قصتك غير سرب القطا نعود على جناحه الى من قد هوينا قانعين بما لدينا .
تمت

موضوعك رائع وطرحك جميل وجزيت خيرا كثير وشكر لك
جزاك الله خيرا اخي استاذ نبيل على مرورك الكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.