بقلم :محمد العمادي
القفزات النوعية التي شهدتها التربية الخاصة في برامجها التشخيصية والتقييمية والعلاجية نتاج لخبرات متراكمة وسنوات طويلة من العمل الذي بدأ وبشكل منظم في القرن الثامن عشر مروراً بمراحل متفاوتة وآراء مختلفة كآراء الفرنسي «جين إيتارد» والبريطاني «فرانسيس جالتون» والإيطالية «ماريا منتسوري» والأميركي «تيرمان» وغيرهم الكثير ممن أسهموا وبشكل فعال في وضع أسس هذا العلم وأرسوا قواعده.
استمر هذا التطور في مختلف مجالات التربية الخاصة في دول العالم المتقدم، وأثمر اقامة العديد من المؤسسات التعليمية والتربوية والجامعات والكليات ودور النشر التي تقدم خدمات متخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في مراكز التربية الخاصة وفي المدرسة العادية وفي المجتمع على حد سواء أسوة بالأطفال العاديين. وما نجده من برامج متخصصة في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أوروبا أو الدول المتقدمة على وجه العموم أخذ حظه من التجريب والتمحيص والتدقيق فاعتبر بحق خبرة يستفاد منها ومرجعاً يعتد به.
ونذكر على سبيل المثال لا الحصر برنامج تربية وعلاج الأطفال المصابين بالتوحد والمشكلات التواصلية المشابهة «تيتش» والذي يعتبر من البرامج التربوية الرائدة في تدريب وتأهيل الأطفال المصابين بالتوحد، وبرنامج «البورتيج» لتقييم وتدريب وتأهيل حالات التدخل المبكر وبرنامج، «هانن» المتخصص في علاج اضطرابات النطق واللغة، كما ولا ننسى بعض التجارب الرائدة في عالمنا العربي التي حاولت وتحاول الإفادة من تلك البرامج العالمية والبناء عليها ومواءمة تلك البرامج بما يتناسب مع قيمنا وعاداتنا.
والسؤال الذي يتبادر للذهن هو.. ما مدى الاستفادة التي نرجوها في حال اتصالنا بمراكز عالمية ومؤسسات تربوية مرموقة؟.. وهل تلك المرجعية حاجة ملحة أم رفاهية شكلية؟.. وفي الرد نقول.. حاجة مجتمعاتنا تكمن في استقطاب تلك الخبرات والاستفادة منها وتطوير برامج بما يتناسب وحاجات أطفالنا وما نطمح إليه.
فالارتباط بمؤسسة تربوية ذات خبرة عريقة يعتبر مطلباً من مطالب نجاح العمل، وتوفير الوقت والجهد في التجريب والمحاولة والخطأ والتخبط أحيانا والتعثر أحيانا أخرى، وحتى تبدأ مراكزنا العاملة مع ذوي الاحتياجات الخاصة من حيث انتهى الآخرون، ناهيك عن حاجتنا إلى خبرات وطنية في العديد من مجالات المتخصصة في متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة.
والارتباط بالمؤسسات والمعاهد العالمية ينعكس إيجاباً على تطوير بعض البرامج وتنظيمها بطريقة علمية مواكبة لما توصلت إليه تلك المؤسسات من خبرات تجريبية متطورة، ولعل من أبرز فوائد الارتباط بمثل تلك المؤسسات إيجاد المتخصصين من الكوادر الوطنية وتدريبهم على رأس العمل وحفز معلمي التربية الخاصة ومختلف الأخصائيين على تطوير قدراتهم وعدم الاكتفاء بالدرجة العلمية أو الشهادة التي حصلوا عليها.
كما يتاح للخبرات الوطنية مجالات عديدة للتدريب المستمر الذي يمثل خبرات واقعية للعاملين يمدهم بما يحتاجونه في تعاملهم مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ويسهم الارتباط أيضاً بإعادة هيكلة المؤسسة بما يتناسب وحاجاتها وقدرات موظفيها. في الختام أقول إن العمل مع ذوي الاحتياجات الخاصة يستلزم الكثير من الجهد والعمل المضني الدؤوب.. إلا أن البداية الصحيحة والبناء التراكمي على ما وصلت إليه المجتمعات المتقدمة يختصر علينا الوقت والجهد ويسهم في تخطي بعض العقبات التي تواجهنا في هذا الطريق الطويل… تعليقاتكم ستؤخذ بعين الاعتبار.
المدير العام عضو مجلس إدارة مركز دبي للتوحد
تحياتي