التصنيفات
الإدارة المدرسية

قادة مؤثرين

نكون قادة مؤثرين في مجتمعاتنا عندما نتفوق على أنفسنا

الحياة صناعة، وخير صناعها العابدون العاملون، كما يقول الأستاذ محمد أحمد الراشد في كتابه: "صناعة الحياة".
تعني صناعة الحياة في مفهومها العميق إدارة دفتها بمهارة صاحب صنعة محترف يدرك أسرار صنعته، ويحذق أدق تفاصيلها، وهذه مهمة المسلمين العابدين العاملين على مدى تاريخ الأمة الإسلامية، إذ كانوا دائماً صنَّاع الحضارات، بل سنُّوا سنناً حسنة، كانت ولا تزال مُتبعة، ومأخوذاً بها.
وحتى تعود الأمة إلى مقدمة الأمم، لابد أن تنفض عنها غبار الكسل والتهاون، وهذا لا يتم حتى يعرف القادرون المقصرون، والعاملون الجاهلون، دورهم الحقيقي في هذه الحياة.
يقول الشاعر:
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام
ودوَّن لنا التاريخ بمداد من ذهب مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "أعوذ بالله من جَلَدِ الفاجر، وعجز الثقة".
فكم من أصحاب علم تهاونوا، ولم يعملوا بعلمهم، وكم من ثقات أصابهم الوهن والعجز، وصار التخاذل ديدنهم، وعندما يتخاذل المؤمنون الثقات عن دورهم في صناعة الحياة، تكون الساحة خالية للفاسق الفاجر الذي يصنع بجلده سنناً، ويخط مسارات يحتذي بها كثير من الضعفاء والكسالى!.
ومن هنا أحبتي أتساءل: من منا فكر في أن يكون ذا هدف في هذه الحياة، وحرص دائماً على أن يكون من أصحاب الهمم العالية والنفوس الأبية الشامخة؟! وتمثل بقول الشاعر:
لكل امرئ غرض يسعى ليدركه
والحر يجعل إحراز العلا غرضه؟
من منا طاول بنفسه عنان السماء، وتسلق بهمته الجبال الشاهقات، واستهون المستحيل، وجازف وبذل، وضحى، انتبه لقول الشاعر:
ومن لا يحب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر؟
ومن منا فطن إلى أن الحياة لا تصفو دون كدر، ولن تنال، وتصفو مشاربها دون كد وتعب، وعلى قدر الكد يكون الكسب؟!
بقدر الكد تكتسب المعالي
ومن طلب العلا سهر الليالي
تروم المجد ثم تنام ليلاً
يغوص البحر من طلب اللآلي
الكلب والأسد
أوَ ترضى أخي أن تكون من أصحاب الهمم الدنيئة الخسيسة التي ترضى بالهوان، وتأبى إلا أن تكون في الحفر، وبين الأنفاق وعلى هامش الحياة؟!
لا والله.. إني لا أرضاها لك، بل وأرفض كل صاحب همة خسيسة لا تدفعه همته إلى استغلال وقته بما ينفع، بل ترديه في الشهوات والملذات.
إن حال خسيس الهمة واضح في هذه الحكاية، إذ يروى أن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع غيِّر اسمي فإنه قبيح، فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم، قال: فجربني، فأعطاه شقة لحم، وقال: احفظ لي هذه إلى غد، وأنا أغيِّر اسمك، فجاع الكلب وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر، فلما غلبته نفسه، قال: وأي شيء باسمي وما كلب إلا اسم حسن، وأكل اللحم!.
يعلق ابن القيم قائلاً: وهكذا خسيس الهمة، القنوع بأقل المنازل، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل.. فالله الله في حريق الهوى إذا ثار وانظر كيف تطفئه".
إن دورنا في هذه الحياة هو أن نكون قادة مؤثرين مغيرين متفاعلين مع المجتمع وهمومه، قادة همهم أمتهم ورفعتها ومجدها، قادة يهتمون بتأهيل مجتمعاتهم، وإحداث نقلات كبيرة تنفض عنها غبار الذل، والهوان.
وهذا لن يتأتى إلا إذا عزمنا على بناء ذواتنا، وتأهيل أنفسنا، وتطوير مهاراتنا، التي تجودها الخبرة المكتسبة المتراكمة.
ومتى ما استطاع الإنسان أن يروِّض نفسه، ويكبح جماح هواها، ارتقى بنفسه إلى أعالي المجد.
جاء في الحديث قول الرسول ص: "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني".
ويقول عمر بن عبدالعزيز يرحمه الله : "إن لي نفساً تواقة كلما وصلت إلى شيء تاقت إلى ما هو أعلى منه".
وفي هذا إشارة واضحة إلى أن النفس الطموح ذات الهمة العالية هي الفائزة والرابحة والمبدعة دائماً، وقد اتضح من خلال الدراسات الإدارية والنفسية الحديثة، أن أول عامل من عوامل النجاح والإبداع هو التفوق على النفس، والنظر إلى الأمور بإيجابية نابعة من ذات الإنسان.
وقد قيل: همة الإنسان على حسب ما أهمَّه، وعلوها على حسب مطلبها في الحياة.
فالبدار البدار أيها الأحبة وحاولوا أن تنفضوا عن أنفسكم التقاعس، والتهاون، وكونوا من أصحاب الهمم الشامخة الطامحة إلى المعالي، التي دأبها دائماً الإصلاح والتغيير والبناء، تلك النفوس التي تدرك أن رفعتها وازدهارها من رفعة مجتمعها وازدهاره.
والناجح من نجح في ترك أثر في حياته، وسنَّ طريقاً حسناً، وخلَّد مجداً عظيماً بعد مماته، وأصبح كالرجل الذي وصفه الشاعر بقوله:
وكن رجلاً إذا أتوا بعده
قالوا مرَّ وهذا الأثر

منقول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.