و هذا يعني أن الانسان فطر على العيش مع الجماعة و التعامل مع الآخرين
فهو لا يقدر على العيش وحيدا بمعزل عنهم .. مهما توفرت له سبل الراحة و الرفاهية …
و حتى كلمة انسان جاءت من الأنس .. فهو يستأنس بمن حوله
يعيش و يتعايش معهم …
ينتج عن هذا التعايش تبادل في الأفكار و الثقافات … في العادات و المعتقدات …
فيكتسب منهم و يكتسبون منه ..و بذلك تتكون شخصية
عبارة عن مزيج من خبرات و مهارات متنوعة اجتماعية – ثقافية – إنسانية – علمية و عملية
و هذه هي المزايا الناتجة عن تواجد الإنسان في مجتمع من البشر
و عدم اقتصار حياته على المحيط الضيق المتعلق بالأب و الأم .. و فيما بعد الزوجة و الأبناءإلا أن هذه القيم و المفاهيم تراجعت كثيرا و تغيرت بشكل دراماتيكي كبير في آخر الأزمان
فأصبح اختلاط الناس ببعضهم أمرا تشوبه الصعوبات الكثيرة …
و أصبح اختيار أسلوب التعامل المناسب معهم يسبب أزمة ليست سهلة الحل …
و أصبحنا نرى انطواء كل فرد على نفسه و أسرته
فلا يهمه ما يحدث حوله و يكتفي بعلاقات على أضيق الحدود
حتى أصبح الجار لا يعرف جاره و الرجل لا يعرف أقاربه …
و رويدا رويدا بدأت تركيبة المجتمع تتغير
فأصبحت تتخذ صورة المجتمعات الصغيرة و الكثيرة يحتويها مجتمع كبير
و تلك المجتمعات الصغيرة هي الأسر و ربما العائلات
و كل منها يعتبر مجتمع يهتم بأموره الخاصة فقط و نسيى دوره في مجتمع كبير …
فأصابنا الشتات و ضرب البرود علاقاتنا و اقتصرنا على أضيق المحيطات حولنا
و فقدنا قيمة المجتمع الكبير … الذي يكون الإنسان فيه فردا نافعا يعمل ليفيد و يستفيد
يساعد الآخرين و يحمل همهم و يتحقق بذلك معنى التكافل و وظيفة المجتمع
و هو ما يحث عليه ديننا و يعتبر من أهم أسسه و أهدافه …
لعل هذا التدهور و التغير الكبيرين في طبيعة العلاقات الاجتماعية
يعود إلى عدة أسباب تراكمت عبر الزمن …
فلو سألنا لوجدنا أن الجميع تقريبا يتفق
على أنهم لا يثقون بالآخرين و لا يأمنون عواقب بعض العلاقات
وأصبح سوء الظن و الخوف من الآخر هاجسا مسيطرا …
فهذا يقول زميلي في العمل يغار مني و يحسدني و لا يحب لي الخير ..
و هذه تعتقد أن جارتها ربما من ذوات السحر و الشعوذة لأنها رأتها تسكب الماء أمام باب منزلها !
و المدير يظن أن الموظفين سوف يسرقونه …
و تلك لا تأمن على بيتها من الأخرى ……..
حتى أننا أصبحنا إذا عرض أحدهم المساعدة .. نشك في نواياه و نخاف أن يكون له أغراض أخرى !
و الكل يعلق دلك على أن الزمن تغير
و نسينا أن الزمن يتكون منا نحن
أنا و أنت و هو و هي …….
فلو وثقنا بصلاح أنفسنا ما وصلنا إلى تلك المرحلة ….و لعل بعض الأسباب الأخرى ساهمت في أن يصبح الاختلاط من أسباب فساد القلوب
فليس كل ما مضى هاجسا أو ضربا من الخيال …..
بل الكثير منه للأسف واقع متحقق فيما حولنا …..
فلو نظرنا إلى أغلب المجالس سنجد قلة منها ما تحمل فائدة بين طياتها
كما أن قلة من العلاقات أصبح الهدف منها الحب الحقيقي في الله
فالغيبة و النميمة أصبحت وباء تنتشر في كل مجلس …
بل و كل حديث مهما كان عابرا أو بسيطا
و سوء النوايا و الأغراض المبطنة لبعض الكلمات و التلميحات
أصبحت تضيق بها الصدور ……فهذه تستفسر عن تأخر أخت في الزواج و لسانها يلهج بالدعاء ظاهرا
إلا أن قلبها في مكان آخر و يكشف ذلك عينها التي تغمز و يدها التي تشد من بجانبها
حاملة معها أغراض أخرى من الاستفسار
و مجلس آخر يتعرض فيه إنسان للسخرية و بغير حق …
أو لانتقاد غير واقعي ناتج فقط عن إسقاطات و مشاعر سلبية
تحبط الطرف الآخر و تجعله واحد من اثنين …
إما هماز لماز واحد من افراد الاجتماعات السيئة و العلاقات الوصولية المزيفة
أو يأبي بنفسه أن يضيع دينه و حياته في الآثام و الذنوب
و أكل لحم الغير و النهش في الأعراض و إحزان الآخرين
فينأى بنفسه و يبتعد و ينعزل عن الآخرين
و يأخذ جانبا سلبيا من العلاقات الاجتماعية و يحصرها إلى أقل حد ممكن …و لكن ليس هذا هو الحل ….
فلو ابتعد كل منا و انعزل بنفسه فكيف سيتحقق معنى التكافل الاسلامي ?
و كيف سنحيي الارض و نعمرها و كيف سنحقق معنى الأخوة في الإسلام ??
يرى العلماء أن الصبر على الاختلاط بالآخرين أعظم و أكبر ثوابا من تجنبهم
فالصبر على أذى الطرف الآخر يتطلب شخصية قوية واثقة من نفسها كما يجب أن نأخذ في عين الاعتبار أثناء التعامل مع الآخرين
أن كل فرد قد جاء من بيئة مختلفة و تربية خاصة و ثقافة مغايرة عن الآخرين
تجعل له شخصية خاصة ينفرد بها كالبصمة
فنتوقع الكثير من التعارضات بين الناس في الآراء و المعتقدات
و هذا لا يمنع .. إن كان في حدود المعقول .. لا يتجاوز فيه الدين أو الأخلاق أو الأدب العام
فكما يقولون الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية …..
المهم اختيار الأسلوب المناسب و التحلي بالرقي في التعامل و الحوار
و محاولة استعياب الآخر و تفهم طريقة و مستوى تفكيره .
و محاولة الوصول دوما لنقطة وسط .. للالتقاء عندها ….
صابرة قادرة على ضبط النفس و رد الإساءة بالإحسان و إصلاح الخطأ
و الدعوة إلى الطريق الصحيح بالحسنى …..
و بالإضافة إلى الثواب الذي يتحقق جراء هذا العمل
فهو أيضا طريق إلى إصلاح النفوس و تصفية القلوب و بالتالي إلى الرقي بعلاقاتنا لما نصبو إليهكما أن علينا أولا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا
فالمجتمع يتكون منا نحن الأسر الصغيرة …
و الأسرة في الإسلام هي اللبنة الاولى و الأساسية لمجتمع كبير
فهي جزء منه إن صلحت صلح باقي المجتمع و إن فسدت لا تقوم له قائمة
فإن ضمنا أسرا سوية صالحة .. ضمنا مجتمعا قويا و علاقات إيجابية متماسكة
و العكس صحيح ……..
و يتحقق ذلك بالرجوع إلى ديننا أعظم دستور للمجتمع
و أهم منبع يمكن أن نصل به إلى بنية مثالية على كافة المستويات
و لا ننسى أن من أهم أسباب فساد العلاقات هو فساد النفوس الناتج عن
البعد عن الدين و عدم الالتزام بما أمره الله تعالى
و تضاؤل الخوف من الله عز و جل و قلة التقوى و تحكم الهوى بنفس الإنسان …
فالمؤمن التقي يخاف الله فيمتنع عن الغيبة و النميمة .. و الظلم و الإساءة و جرح مشاعر الاخرين
ينتج عنه حب الآخرين له و ثقتهم فيه .. و بالتالي علاقة متينة جميلة في الله و لله
و من ثم علاقات كثيرة … و مجتمع صالح ….
لنتذكر أن أساس كل شيء هو النية الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى
و أن من يخلص نيته لله لن يخيبه أبدا ….
و سيكون معه دوما إن شاء الله …..
نسأل الله الإخلاص في النية و العمل
و أن نتبع أحسن القول … و يطهر قلوبنا و يهدينا إلى أحسن الأعمال … آمين
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه
ولعل ذلك يرجع الى كون هذا الامر يلامس في كثير من جوانبه امورا واقعيه وحقاءق لاجدال عليها تمسنا في حياتنا الاسرية والعملية
فنحن نشكو من ازمة ثقة
اشكرك على طرحك المميز