كيف تملك حب موظفيك للعمل ؟
لا شك أن من أهم دوافع الإنسان لأداء أي عمل مهما كانت طبيعته ثلاثة عوامل :
1- الخوف. 2- الطمع. 3- الحب.
حتى في عبادتهم لله سبحانه وتعالى يطيعون الله على ثلاثة أصناف : بعضهم يطيعونه خوفاً من عذابه وعقوبته التي توعد بها من عصاه، وبعضهم يطيعونه طمعاً فيما عنده من النعيم المقيم، وبعضهم علاوة على أنهم يخافونه ويطمعون في رضاه يحبونه فهو المستحق للحب وحده سبحانه، ومنه ينبع كل حب بعد ذلك، فكل حب بعد ذلك سبب ووسيلة تقربنا إلى حبه، فحب الرسول صلى الله عليه وسلم وحب القرآن الكريم وحب الإسلام وحب المؤمنين السابقين واللاحقين وحب الأبوين والزوجة والأبناء تابع لحب الله وهو كما قلنا وسيلة إلى المحبة الكبرى محبة الخالق سبحانه وتعالى.
وكذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ العامل في أي عمل يعمل ويجتهد ويتحمل المشاق في عمله للأسباب الثلاثة قطعاً:
1. الخوف : كمن يعمل عملاً شاقاً ولا يستطيع أن يتخلف عنه مهما كان عذره لخوفه من صاحب العمل أو النظام العام للمؤسسة التي يعمل بها، وهذا السبب زال بعد فترة من تحرير العبيد ، ولم يبقى له إلا شواهد بسيطة كمثل العمل في الدول صاحبة التوجه الاشتراكي التي قاربت على الانقراض، وأيضاً في الأعمال الجبرية كالعاملين في المؤسسات التي تحمل صبغة عسكرية أو أحكام الأشغال الشاقة في السجون.
2. الطمع : ولا أقصد به الطمع المذموم فقط، ولكني أقصد به العمل رغبة في الحصول على الأجر المادي أو الدعم المعنوي كهدف أساسي فقط فالعامل يربطه بعمله الحاجة إلى ذلك العمل، والعمل يرضيه مادياً ومعنوياً ولكن إذا عرض للعامل عملاً أوفر أجراً أو أعلى مكانة أو أكثر راحة تحول إلى العمل الجديد بلا نقاش؛ لأن هدفه الأول هو الربح المادي والمعنوي.
3. الحب : وأقصد به أن العامل في المؤسسة يخلص لها ويكد ويتعب ويتفانى في عمله بدافع ـ بعد الأجر طبعاً ـ الحب. فإذا نجح المدير في زرع روح الحب بين العاملين تجاه المؤسسة التي يعملون بها فسوف يحصد بإذن الله خيراً كثيراً وسيرى نتاج هذا الحب .
ولأن كل الأعمال عمادها الأول الإنسان وليس الآلة ويخطئ من يظن أن عمله يعتمد على كفاءة الآلات فقط مهما كان عمله آلياً، فأساس نجاحه الأفراد، والأفراد يعملون، فمنهم من يخاف من البطالة فهو مضطر للعمل باجتهاد ، ومنهم من يريد زيادة رواتبه ومكافآته ومكانته، ومنهم من يحب العمل ويحب المؤسسة التي يعمل فيها فهو مهموم بها كالمدير تماماً ، يفكر في كيفية نجاح هذه المؤسسة في أداء الأعمال المكلفة بها .
ولعل من أعظم مهام المدير الناجح كيفية الوصول بالعاملين إلى هذا المستوى من الرقي في التفكير بحيث يعتبر كل منهم أن المؤسسة تجسدت فيه وهو تجسد فيها فصاروا كياناً واحداً يفرح لنجاحها ويتألم لفشلها .
ويزيد من صعوبات المدير أن يكون المعلمين يتعاملون مع المدرسة بنظرة الموظفين الذين ينظرون دائماً إلى الساعة ليخرجوا من هذا المكان ، فالإنجازات العظيمة لا تقوم على مثل هؤلاء ، فلابد من تغيير أفكارهم ، لأنهم سيكونون أكبر معوق من معوقات الإنجاز ، فهم يؤثرون الراحة ولا يفكرون في التطوير أبداً ، ولا يبحثون عن حلول للمشاكل التي تواجههم في أعمالهم ينتظرون دائماً الأوامر ولا يفعلون إلا الأوامر المطلوبة فقط . إن فعلوا ..
فما هي الخطوات العملية لكي توقع الموظفين في حب عملك ؟
لننظر إلى القمة العالية في إدارة الأفراد رسول الله صلي الله عليه وسلم لنتعلم كيف كان يدير أمر الصحابة رضوان الله عليهم ؟ وكيف كان يجمع قلوبهم على الحب والتفاني ؟
ولكي تتخيل حب الصحابة لنبيهم صلي الله عليه وسلم ، اسمح لي أن أعرض عليك هذا الموقف : صحابي جليل اسمه خبيب بن عدي رضي الله عنه أمسك به مشركو مكة بعدما أمنوه فغدروا به ، وقرروا إعدامه، وجاءت لحظة التنفيذ، فجمعوا له الناس لكي يشهدوا إعدامه، فسأله أبو سفيان رضي الله عنه ـ وكان لا يزال على شركه ـ : أنشدك الله يا خبيب، أصدقني القول، هل كان يسرك أن يكون محمد مكانك تضرب عنقه وأنت في بيتك سالماً؟ فنطق خبيب بكلمة ألجمت أبا سفيان، قال : ولا أن تصيبه شوكة، فداه نفسي وروحي وأهلي. وهنا قال أبو سفيان : والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
فتأمل أخي لحظة الموت لخبيب والإنسان يتمنى في تلك اللحظة ان يخرج منها بأي ثمن ولكنه لا يقبل أن تصيب سيدنا محمد شوكة تؤذيه، أرأيت هذه العلاقة بين القائد وجنوده؟ أرأيت لو كان هذا شعور العاملين معك ناحيتك وناحية العمل فوالله لو أمرتهم بنقل الجبال لنقلوها بشرط أن تتعلم من رسول الله كيف كان يعاملهم ويقتضي به.
عزيزي المدير، إن الأساس في العمل هو الحب، والحب كامن في القلب، فإذا استطعت أن تستحوذ على قلوبهم فقد نجحت نجاحاً باهراً في عملك حتى ولو لم تظهر نتيجة ظاهرة ملموسة، فالنتائج ستظهر سريعاً، والعمل تحت الأرض في وضع الأسس لأي بناء ضخم يستغرق وقتاً وجهداً كثيراً ولا يبدو على الأرض شيء، وبعد اكتمال التأسيس ستظهر النتائج الباهرة بأسرع مما كنت تتخيل أو يتخيل من يتابع عملك ، ونحن لا نتساءل : " لماذا أغلقت أبواب القلوب؟" ؛ فهناك أسباب كثيرة، ولكننا سنوضح كيف يمكننا فتح أبواب القلوب الموصدة ونوقع أصحابها في حب عملهم.
إن الإنسان كالبناء الضخم الشاهق لا يمكن اقتحامه إلا عن طريق واحد وهو باب هذا البناء، وباب البناء أيضاً مغلق ولن تستطيع الدخول من هذا الباب إلا بحصولك على مفتاح هذا الباب، فإذا نظرت إلى حجم البناء وحجم المفتاح تعجبت لكبر البناء وصغر المفتاح، وهكذا مفاتيح القلوب قد تنظر إليها وأنت تقرأ هذه الصفحة فتستصغرها ولكنك إذا كنت من المجربين لهذه المفاتيح ستدرك كلامي هذا، ولو لم تكن جربت مفاتيح القلوب هذه فأنصحك أن تجربها وستدرك ـ إن شاء الله ـ فاعلية هذه المفاتيح.
المفتاح الأول : التواضع :-
إنني أدرك تماماً أنك أكثر علماً من معاونيك والعاملين معك، وأدرك أيضاً أنك المسؤول الوحيد عن عملك أمام رؤسائك، أما العاملون معك فلن يسألهم أحد من رؤسائك عن النجاح أو الفشل في العمل، ولن يسألهم إلا أنت، وأدرك أيضاً أنك ربما تكون أكثرهم حكمة، بل قد تكون أجدرهم بتلك المهمة ـ مهمة المدير ـ .
ولذا فأول المفاتيح أن تكون متواضعاً أمام كل من تعرفه، فالسنبلة المليئة بالخير تميل إلى الأرض تواضعاً لأنها مملوءة بالخير، أما السنبلة الفارغة المليئة بالهواء الفارغ والتفاهات تجدها منتصبة في الهواء، مختالة بنفسها وهي لا قيمة لها، فتواضع السنبلة المليئة يزيدها قيمة فوق قيمتها، والناس تدرك تماماً الفرق بين تواضع العظماء وذلة الجبناء، وصدق من قال : تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع، لا كالدخان يعلو بنفسه إلى طبقات الجو وهو وضيع.
وانظر إلى تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، كان يأكل معهم ويمشي معهم، يكون وسطهم كواحد منهم لا يتميز عليهم بشيء، رغم مكانته العالية، وقد اختار التواضع؛ فقد روي أن رضوان لما نزل سلم على النبي ثم قال: يا محمد ! رب العزة يقرئك السلام ويقول لك ربك: هذه مفاتيح خزائن الدنيا، مع أنه لا ينقص مالك في الآخرة مثل جناح بعوضة، فنظر محمد صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له، فضرب جبريل بيده إلى الأرض يشير أن تواضع. فقال { يا رضوان لا حاجة لي فيها؛ الفقر أحب إلي، وأن أكون عبداً صابراً شكوراً }. فقال رضوان: أصبت! الله لك. فكان متواضعاً لهم، لا يتكبر أبدا ويقول عن نفسه لرجل وجل منه : { إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة }.
المفتاح الثاني : المشاركة :-
وأعني بها أمرين :
الأمر الأول :
أن تشارك معلميك في أمورهم وتحاول أن تكون قريباً منهم في أفراحهم وأحزانهم، تكون معهم في السراء والضراء، فالمدير الناجح هو الذي يرتبط بموظفيه بروابط متينة، وذلك عن طريق المشاركة في السراء والضراء لهم، وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يشارك الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في أفراحهم وأحزانهم ولن يتخلى عنهم أبداً ولم يعتذر عنهم لسبب أو آخر، فكان يومه كله لصحابته، ولم يكن يخلو بنفسه قط، يتفقد غائبهم، ويعول يتيمهم، ويعين ضعيفهم، ويداوي جريحهم، ويواسي مكلومهم، ولم ينشغل عنهم بدعوى الكثرة، فقد بلغ عددهم عند وفاته مائة وأربعة وأربعون ألفاً، ورغم هذا العدد الكبير إلا أن كلاً منهم كان يشير أنه أقرب إلى قلبه. ولتتأكد من ذلك إليك هذه الحادثة:
يعود الرسول القائد من غزوة، ويعود معه الصحابة ويتفقدهم كعادته، وبعد قليل يبدأ في التأخر قليلاً، ويأمر الجيش بمواصلة مسيرة حتى يرجع إلى مؤخرة الجيش، حيث يصل إلى جابر بن عبد الله حيث كانت ناقته ضعيفة، فتأخر معه وبدأ في الحديث معه قال جابر : غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم على ناضح لنا ـ ثم ذكرت الحديث بطوله ثم ذكر كلاماً معناه ـ : فأُزحف الجمل، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم فانتشط حتى كان أمام الجيش، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { يا جابر ما أرى جملك إلا قد انتشط }. قلت ببركتك يا رسول الله. قال { بعنيه ولك ظهره حتى يتقدم}. فبعته، وكانت لي إليه حاجة شديدة، ولكني استحييت منه، فلما قضينا غزوتنا ودنونا استأذنته بالتعجل فقلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بعرس. فقال: { أبكراً تزوجت أم ثيباً؟} قلت: بل ثيباً يا رسول الله، إن عبد الله بن عمرو أصيب وترك جواري أبكاراً فكرهت أن آتيهن بمثلهن، فتزوجت ثيباً تعلمهن وتؤدبهن. فأذن لي، وقال لي: { ائت أهلك عشاءً } فلما قدمت أخبرت ببيعي الجمل فلامني، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوت بالجمل فأعطاني ثمن الجمل والجمل وسهماً مع الناس.
الأمر الثاني :
أن تجعل معلميك يشاركونك ما أنت فيه، فتطلعهم على الموقف الذي تواجهه والهدف الذي تريد تحقيقه وتشركهم في الأمر كله، حتى يكونوا جميعاً معك فيشاركونك الرأي والنصيحة ويساعدوك على اتخاذ القرار المناسب، ويتحملوا معك النتائج، وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله مع أصحابه، وللنظر إلى موقف يوم بدر، حيث أشرك النبي صحابته في أبعاد الموقف، حيث أن القافلة التي خرجوا لها قد رحلت، وجاء الجيش من أجل القتال بعدة وعتاد يفوقهم بثلاثة أضعاف، فعرض عليهم الموقف وقال { أشيروا علي أيها الناس }، فتكلم الجند وأحسنوا، وتكلم أبو بكر وتكلم عمر وتكلم المقداد وأحسنوا وأشاروا عليه بمواصلة التقدم للقتال، ولكنه يريد أمراً آخر أكثر من ثلثي الجيش من الأنصار وبيعة العقبة الثانية تحدد العلاقة بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحموه داخل المدينة والقتال خارج المدينة، والموقف يحتاج إلى توضيح للرؤية، فيقوم سعد بن معاذ رضي الله عنه ويقول : لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: {نعم}، فقال: يا رسول الله، لقد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا ومواثيقنا. فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وبشرهم بالنصر على عدوهم.
والله الموفق،،،