هاذا تقرير عن الثقافة الاستهلاكية لمن يريد
الاستهلاك مرض يهدر إمكاناتنا.
– ننفق على الهواتف المحمولة والفياجرا ونهمل إنشاء المصانع!
– متى نتجاوز ثقافة المظاهر والاستهلاك ونعتنق ثقافة الجدية والإنتاج؟.
تعاني مجتمعاتنا العربية من أزمة خطيرة يمكن تسميتها "الابتعاد عن صناعة التاريخ والحضارة" والاكتفاء بالنظر إلى الآخرين وهم يصنعوا هذه الحضارة وعدم مشاركتهم في هذا الشرف الكبير ومزاحمتهم فيه، كما فعلت شعوب أخرى كانت مثلنا وربما أقل منا ولكنها دخلت المعترك ونفضت عنها غبار الكسل والتخلف.
وأول مداخل صناعة التاريخ والحضارة هو أن نتحول إلى شعوب إنتاجية، ننتج طعامنا ولباسنا وسلاحنا وخدماتنا وآلاتنا، بل ونعمل جاهدين أن نغزو أسواق العالم لنبيع هذه المنتجات. لكن الواقع أننا نكتفي بالوقوف متفرجين ونكتفي بأن نكون مستهلكين، بل ومستهلكين ببذخ وإسراف.
والمدقق لحال شبابنا العربي يجده متعطلاً بلا عمل، مقيماً في المقاهي وأمام أجهزة الفيديو والتليفزيون يشاهد الأفلام والبرامج ذات الشكل الغربي، بينما الشباب الصيني يطرق علينا بيوتنا ليبيع لنا منتجات صينية بسيطة.
وإذا كان هذا هو حال الشباب، فإن نساءنا أيضاً أصبحن يتسابقن في شراء أدوات التجميل والأزياء الغربية والأجهزة الكهربائية المستوردة.
سفه وتبذير رغم سوء الأوضاع
يرى د. إبراهيم الشيخ أستاذ الاقتصاد أنه في الوقت الذي يبلغ فيه الاستهلاك العربي الترفي حد السفه، تقف العديد من الأرقام والإحصائيات المرعبة في الطرف المقابل للصورة، وهي أرقام بقدر ما تحمل من الجزع والهلع بقدر ما تحمل العديد من المفارقات الساخرة، التي تدل على مدى الهوة العميقة التي وقعنا فيها.
ففي الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان العالم العربي الآن 285 مليون نسمة، فإن إجمالي الناتج القومي في كل المنطقة العربية لا يتجاوز 730 بليون دولار، ولم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي خلال 20 سنة 2%، بينما يبلغ معدل التضخم 3% سنويا، في الوقت الذي وصل فيه عدد العاطلين عن العمل بالعالم العربي إلى 18 مليون نسمة من مجموع القوى العاملة البالغة 98 مليون نسمة.
وفي الوقت الذي ينفق فيه العرب مليارات الدولارات على أجهزة الهاتف المحمول سنويا، فإن هناك حوالي 62 مليون عربي ( أي ما نسبته 22% من جملة السكان ) يعيشون على دولار واحد فقط في اليوم ، بينما يعيش 145 مليون عربي ( أي قرابة 52% من تعداد السكان العرب) على دخل يومي يتراوح ما بين 2 و5 دولارات، وفقا لإحصائيات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2001 .
وتتجلى مفارقات الكوميديا الساخرة إذا علمنا أن الدخل القومي في المنطقة العربية في عام 2000 ( بدون عائدات النفط ) بلغ حوالي 70 مليار دولار، وهو رقم يقل عن الناتج القومي لفنلندا التي يبلغ عدد سكانها 5،5 مليون نسمة.
أما الدخل القومي للعالم العربي بعد إضافة عائدات النفط إليه فقد وصل إلى 234 مليار دولار، في الوقت الذي بلغت فيه صادرات سنغافورة وهونج كونج وحدهما خلال نفس العام نحو 250 مليار دولار، أي ما يتجاوز الناتج القومي للمنطقة العربية بأكملها.
ويتعجب د. إبراهيم الشيخ من أنه وسط سفه إهدار المليارات العربية على الفياجرا وحفلات الزفاف وتدخين الشيشة وأطعمة الكلاب والقطط، يطل علينا في المقابل شبح الديون الخارجية للدول العربية بوجهه القبيح، إذ تضاعفت هذه الديون في العقدين الماضيين بمعدل سبع مرات، ليصل حجمها إلى 325 مليارا عام 2000، بعد أن كانت لا تتجاوز 49 مليار دولار عام 1980، ولم يصاحب هذا الارتفاع زيادة مماثلة في الناتج المحلي الإجمالي، وبينما كانت هذه الديون تشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم العربي في بداية الفترة نفسها، أصبحت في نهايتها تشكل 46% من إجمالي هذا الناتج.
ووفقا للإحصاءات الرسمية فإن فائض الموازين التجارية للبلدان النفطية بدأ يتجه نحو الهبوط ، حيث انتقل من 123.3 مليار دولار في عام 1980 إلى 18.4 مليارا في عام 1998، كما ارتفع عجز الموازين التجارية للبلدان غير النفطية في الفترة نفسها من 14.8 مليار دولار إلى 24.7 مليار.
أما المديونية العامة الداخلية القائمة في ذمة الدول العربية فقد بلغت مع نهاية عام 2000 حوالي 304 مليارات دولار، وارتفع هذا الدين عن حجمه في عام 1999 بمقدار 28.1 مليار دولار، أي أن وضع المديونية الداخلية للدول العربية شهد ارتفاعا نسبيا في عام 2000، حيث ازداد حجم الدين الداخلي بنسبة 10.1% مقارنة بعام 1999.
مرض يهدر الإمكانات
ترى د. تهاني ناصر أستاذة إدارة الأعمال أن معظمنا في العالم العربي مصاب بمرض الاستهلاك الذي يصل عند قطاعات منا إلى مستوى الاستهلاك الترفي.
فنحن ننفق المال على سلع كمالية وفي مناسبات غير ضرورية، بقصد التباهي وحب الظهور وتعويض نقص اجتماعي معين.
وهناك أنواع من السلع لا نقدرها ولا نشتريها لصفاتها الذاتية، أو لاحتياجنا الفعلي لهذا ولكن وفقاً لما تمثله من مكانة اجتماعية.
والسلوكيات الاستهلاكية بدأت تتغير اليوم، إما بسبب ثورة المتغيرات والإنتاجية الكبيرة، أو لأننا ننتهج مسلكاً استهلاكياً لإخفاء شيء في نفوسنا، كمستوانا المالي أو الثقافي مثلاً، ولذلك كان خيارنا عشوائياً، حسب ما يمليه ذوق المصمم أو حسب النص الإعلاني في وسائل الإعلام.
والاستهلاك الترفي يعد مرضاً اقتصادياً اجتماعياً بسبب غياب الضابط الاجتماعي في عملية الاستهلاك الترفي، فالكثير من الإمكانات التي لا يستفاد منها بشكل صحيح، بإمكانها أن تشارك في عملية التكافل الاجتماعي.
وهذا الاستهلاك الترفي يمثل هدراً لإمكاناتنا الاقتصادية: فالثروات الاقتصادية ينبغي في الدرجة الأولى، أن تتوجه إلى تقوية البنية التحتية للمجتمع، والاستهلاك الترفي، هو ضرب من ضروب هدر الإمكانات والقدرات الاقتصادية في غير موضعها الطبيعي.
ثم إن الحضارات والمدنيات لدى المجتمعات الإنسانية قاطبة، لا تقوم على الاستهلاك وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، بل على المزيد من توجيه الثروات إلى عمليات الإنتاج في إطار مؤسسات وجمعيات ترجع بالنفع على الجميع.
وتضيف د. تهاني ناصر أن نمط السلوك الاستهلاكي يتأصل لدى الطفل منذ الصغر، وعملية التنشئة الاستهلاكية هي عملية مستمرة يتعلم الطفل من خلالها المعارف والمهارات والاتجاهات التي تتناسب مع حصوله على المنتجات.
ومما لاشك فيه أن دور الأسرة مهم فالطفل يتعلم السلوك الاستهلاكي داخل أروقتها قبل أن يخرج إلى العالم الخارجي.
وتستطيع الأسرة الواعية أن تدرب الطفل على التعامل مع المواقف الاستهلاكية كعملية الشراء ومفهوم الميزانية مثلاً لكن ذلك يحدث نادراً لدى أسرنا فقد طالت حمى الاستهلاك الترفي أصحاب الدخل المحدود في مجاراة للنمط العام.
واقع مؤلم
وفي مصر التي تعاني من مشكلات اقتصادية عديدة تنتشر أيضاً ظاهرة الإنفاق الترفي الاستهلاكي والأرقام تقول إن المصريين يدفعون سنويا في مكالمات المحمول أكثر من مليارين ونصف مليار جنيه، كما يدفعون أيضا نفس المبلغ في شراء أجهزة محمول جديدة سنويا، أي أن الحصيلة الإجمالية للإنفاق على المحمول في مصر تتجاوز 5 مليارات جنيه سنويا، في الوقت الذي يكشف فيه تقرير لجنة التعليم والشباب بمجلس الشورى عن أن عدد المتعطلين عن العمل يقترب من مليون ونصف مليون شاب ، تقدر تكاليف إيجاد فرص عمل لهم بنحو20 مليار جنيه، وهو ما يعني أن ما ينفقه المصريون على التليفون المحمول في 4 سنوات كفيل بالقضاء على مشكلة البطالة.
كما تكشف الأرقام أيضاً أن المصريين مثلا ينفقون ما قيمته مليار جنيه سنويا على الفياجرا، بل وتصل إحصائيات أخرى بهذا الرقم إلى 7 مليارات جنيه، في الوقت الذي تبلغ فيه ميزانية المجلس الأعلى للشباب والرياضة ـ الذي يرعى 34 مليون شاب يمثلون أكثر من نصف المجتمع ـ نحو 220 مليون جنيه، أي أن متوسط نصيب الشاب الواحد لا يتجاوز 6 جنيهات تقريبا في السنة !! بينما ينفقون حوالي15 مليار جنيه علي المخدرات، و13 مليارا أخرى علي الدروس الخصوصية، و3 مليارات علي الكتب الخارجية، و20 مليون جنيه على "الآيس كريم" المستورد، بالإضافة إلى استيراد سلع استفزازية أخرى مثل طعام القطط والكلاب واللبان ومستلزمات الأفراح بنحو مليار جنيه .
كما كشفت دراسة ميدانية مصرية أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن أن المصريين ينفقون على السجائر والتدخين 4 مليارات جنيه سنويا، وهو ما يعادل 3% من إنفاق الأسرة المصرية تقريبا، يضاف إليها مبلغ 2.6 مليار جنيه أخرى يجري إنفاقها على المقاهي والفنادق، في حين أن هناك 4.3 مليون أسرة يقل دخلها السنوي عن 3 آلاف جنيه ( أي ما يعادل 250 جنياً شهريا )، ومليونين و768 ألف أسرة يقل دخلها عن 6 آلاف جنيه سنوياً.
أنماط الحياة الجديدة
ويلفت د. رمضان الجوهري أستاذ علم الاجتماع الأنظار إلى قضية أخرى فيقول: هناك أنماط حياة جديدة أصبحنا نشاهدها في مجتمعاتنا بتأثير العولمة التي دخلت حياتنا في أدق التفاصيل، وأثرت حتى في تعريف هوية ونمط حياة وشخصية الفرد، أو ما يعرف بـ"life style". وتتنوع مظاهر "اللايف ستايل" في حياة الجيل الجديد بين الملابس، قصة الشعر ولونه، طريقة الكلام والتحدث باللغة الانجليزية وأحيانا طغيانها على لغتنا الأم "العربية"، أو طريقة التعبير عن الشخصية والآراء، وغيرها من طرق التعبير.
ونحن نعتبر هذه الظاهرة دليل على السطحية والتباهي والتأثر بشكليات الثقافة الغربية التي تؤثر على أسلوب حياتنا إيجابا وسلبا، في حين يعتبر البعض الآخر "اللايف ستايل" طريقة للتعبير عن شخصية الفرد وما يندرج تحتها من مظاهر.
ويضيف د. رمضان الجوهري: لقد تخلصت الشعوب العربية من الاستعمار الظاهر، لكنها اليوم نعاني استعماراً من نوع آخر، فالعولمة أدت إلى حدوث اختراق لكل شعوب العالم ومن أهم ما جنته المجتمعات العربية انها أصبحت مجتمعات استهلاكية.
والقضية ليست أن ندعو إلى ترشيد الاستهلاك، فنبدأ في الضغط على الأبناء في مصروفاتهم، وإنما الترشيد سياسة للتعامل مع المال الذي هو من عصب الحياة.
ترشيد الاستهلاك هو نمط يتوجه إلى إنماء النعم والثروات، عن طريق العمل على تحويل هذه النعم إلى مصادر دخل دائمة لصالح المواطن المستهلك، إنه نقل هذه الثروات من دائرة الاستهلاك إلى دائرة الإنتاج.
خطورة الإنفاق الاستهلاكي
ويتحدث د. عبد المجيد الضبع أستاذ إدارة الأعمال عن ظاهرة المجتمع الاستهلاكي التي تنتشر في بلادنا العربية فيقول إن المجتمع الاستهلاكي هو مجتمع يسوده المال من ناحيتين، من حيث يلهث فيه المرء وراء الكسب ليتمكن من استهلاك أوفر ورفاهية أفضل، ومن حيث أن حركة الاستهلاك موجهة بالفعل ومخطط لها بشكل مدروس ومبرمج. وفي هذا المجتمع تنتشر ظاهرة الشراء التلقائي، ويقصد بها شراء سلع لم تكن في ذهن المشتري قبل دخول المتجر، وهناك ظاهرة حمى الشراء أو النهم الاستهلاكي،لأن الإدمان على الشراء لا يقل خطراً ودماراً نفسياً عن خطر الإدمان على الكحول أو المخدرات، وهناك أيضاً ظاهرة الاستهلاك الترفي، وهو الإنفاق على سلع كمالية وفي مناسبات غير ضرورية.
ويرى د. الضبع أن الإنفاق الاستهلاكي يأتي كنتيجة طبيعية لضعف الالتزام بقواعد النظام الاقتصادي الإسلامي، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك وزيادة الاتكالية والاعتماد على الخدمات الحكومية والزيادة المفرطة في الاستيراد للسلع والخدمات للترفيه والإنفاق البذخي، وكان من نتيجة هذا المسار الإنفاقي المغلوط، إضافة إلى المسار التنموي المغلوط في البلاد الإسلامية، أن لجأت الدول الإسلامية إلى محاولة سد العجز بالاعتماد على الاحتياطي العام وعلى الاستثمار الخارجي.
مجال آخر للسطحية والشكلية
ويلفت د. أحمد اليمني النظر إلى أن هناك مئات المليارات التي ينفقها العرب من الرجال والنساء، بحثًا عن الجمال في الشكل والهيئة من خلال جراحات التجميل، والتي أضحت تشمل الطبقة العادية والمتوسطة من الأسر العربية بعدما كانت مقصورة من قبل على المشاهير والأغنياء وصفوة المجتمع فقط، وبالتالي أصبحت محاكاة الغرب في إنفاق المليارات سنويا على عمليات شد الوجه وتصغير الأنف وتكبير وتصغير الثديـين وشد البطن وشفط الدهون وزراعة الشعر من الأمور المعتادة.
انشاء الله يعجبكم
مشكور أخوي هذا التقرير وايد حلو و مهم طبعا
جزاك الله ألف خير و هذه عواقب الإسراف و التبذير
عواقب الإسراف والتبذير :
إن الإسراف والتبذير داء فتاك يهدد الأمم والمجتمعات، ويبدد الأموال والثروات، وهو سبب للعقوبات والبليات العاجلة والآجلة.
فمن ذلك أن الإسراف سبب للترف الذي ذمَّه الله –تعالى- وعابه وتوعَّد أهله في كتابه, إذ قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ*فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ*وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ*لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ*إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة:41-45]. قال ابن كثير -رحمه الله-: "كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم".
فإياكم أن تكونوا من المترفين، فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة.
التبذير والإسراف سبب يؤدي بصاحبه إلى الكبر وطلب العلو في الأرض، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة)[1]
فالحديث يدل على أن الإسراف قد يستلزم المخيلة وهي الكبر، فإن الكبر ينشأ عن فضيلة يتراءاها الإنسان من نفسه: {كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6، 7].
إن الإسراف والتبذير يؤدي إلى إضاعة المال وتبديد الثروة، فكم من ثروة عظيمة وأموال طائلة بددها التبذير وأهلكها الإسراف وأفناها سوء التدبير.
فاتقوا الله عباد الله، فإن الله نهاكم عن إضاعة المال، ففي حديث المغيرة قال: سمعنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول:
(إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)[2].
والإسراف إضاعة للمال وتخوُّض فيه بغير حق، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إن رجالًا يتخوَّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة)[3]، وهذا كما قال الله –تعالى-: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر:43].
إن الإسراف سبب من أسباب الضلال في الدين والدنيا، وعدم الهداية لمصالح المعاش والمعاد، قال الله –تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:28]، وقال سبحانه: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف:5]، وقال سبحانه: {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس:12].
إن من عقوبة الله تعالى للمسرفين أن جعلهم إخوانًا للشياطين، فقال سبحانه: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:26، 27].
فاتقوا الله عباد الله، وذروا ظاهر الإثم وباطنه، واعلموا أن الإسراف يشمل جميع التعديات التي يتجاوز بها العبد أمر الله وشرعه، سواء كان ذلك في الإنفاق أو في غيره.
فتوبوا -عباد الله- من الإسراف كله، فإن الله دعاكم إلى ذلك فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:53، 54].
فاتق الله يا عبد الله، وتب إلى الله من التفريط والتقصير، وأعدَّ للسؤال جوابًا، فإن الله سائلك عن هذا المال: من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟