حيدر الجنابي
في العراق، حيث ناحية الشبكة، التي تقع على بعد 172كم جنوب غرب النجف باتجاه المملكة العربية السعودية وعلى خط عرض 48,30 وخط طول 41،43، وضع حجر الأساس لمدرسة ابتدائية مختلطة، تلك المدرسة التي أهملتها حكومات متعاقبة، ومازالت تحتضن بين جنباتها صفوف مدرسة لملمت شتات أبناء تلك المنطقة القروية الطيبة، في بادية النجف.
على بعد ليس بالبعيد من التعليم، وليس قريبا من النجاح، سلمت "مدرسة الشبكة" نفسها لواقع مرير، ولتسليط الضوء على ما رأته وكالة السلطة الرابعة للأنباء(سرا) من حدث قد يكون الأول في العالم إذ لم تمر على أي مدرسة في بقاع البسيطة ان يكون عمرها 47 عاما ولم يتخرج منها سوى ثلاثة تلاميذ أكملوا دراستهم الابتدائية في مناطق أخرى قد تبعد مئات الكيلو مترات منها بعد مساعدة ذويهم!!.
وربما ليس من الغريب إذا وجدت في "مدرسة الشبكة" معلما واحد يقوم بوظيفة المدير والمعلم وكذلك تدريس المناهج كلها للصفوف جمعاء بعد ان عزف المعلمون عنها وهجروها ولم يبق من المدرسة إلا المنهج والتلميذ فقط يترقبان معلم يأخذ بيدهم إلى سبيل النجاح.
وفي خضم هذه المتناقضات، أخذت وكالة(سرا)للأنباء حقيبتها الصحفية وذهبت حيث الـ(شبكة) وحاورت في مستهل حديثها الأستاذ محمد عبد الغني الذي يعمل مديرا لمدرسة الشبكة إذ قال:
أدير مدرسة الشبكة المختلطة وإن هذه المدرسة تأسست سنة 1961 بعد زيارة محافظ الديوانية لافتتاح مشروع الكهرباء في الناحية"، ويضيف "إن الحاج أيوب الكبيسي -احد وجهاء الناحية- قال للمحافظ: "الآن وقد نورت لنا الطريق نريد منكم تنوير للعقول، نريد منكم مدرسة، فقال له المحافظ: لا مانع لدينا ولكن لاتوجد بناية يمكن أن تكون مدرسة، فقال له الحاج أيوب بيتي فيه 11 غرفة وأنا متبرع به ليكون مدرسة للناحية، فقال له المحافظ عليك الحضور إلى بناية المحافظة لاستلام أثاث المدرسة، وبعد أيام باشر التلاميذ في مستوصف الناحية لحين إكمال مدرستهم".
ومن ثم التقت وكالتنا مع أول مدير لهذه المدرسة الأستاذ محمد عبد علي الظالمي إذ قال:
"باشرت في 2-10-1961 وأخذت معي من النجف إلى ناحية الشبكة الحدودية ثمانين كتاب قراءة وثمانين حساب(الرياضيات) وثمانين جزء (عم يتساءلون) الجزء الثلاثون من القرآن الكريم ودفاتر وقرطاسية وطباشير، وكان عدد تلاميذ المدرسة المختلطة 45 تلميذا،11من الإناث و34ذكورا".
ويوضح الظالمي "باشر التلاميذ الدوام في المستوصف مؤقتا وكانت المدرسة قد جهزت بسبورات مصنوعة من خشب صناديق الشاي الفارغة، أما الرحلات فكانت قليلة لم يجلس عليها إلا عدد من التلاميذ بينما كان الآخرون يجلسون على الأرض وقسم منهم جلسوا على صفائح فارغة مخصصة لدهن الطبخ قد جلبوها معهم للجلوس عليها".
ويذكر الأستاذ محمد عبد علي: "من الطريف أن تلاميذ المدرسة ليست لديهم بطاقة الأحوال المدنية (الجنسية العراقية) وتم تسجيلهم في المدرسة على أساس الرغبة في ضرورة التعليم لتقليل نسبة الجهل والأمية في منطقتهم". مؤكدا "بعد مرور أربعة أشهر تم إكمال المدرسة وباشر الطلبة في مدرستهم الجديدة".
وذكرت لوكالتنا مصادر من أهل الناحية ان أول مدير لمدرسة الشبكة في يوم17-11-1962 سلم ذمة المدرسة إلى "فرّاشها" وبقيت المدرسة فارغة إلا من الصفوف والطلبة وهموم تقل كاهل أحلام التلاميذ الذين أخذوا يترقبون قدوم معلم أو مدير ليأخذ بأيديهم فيستنشقوا من أنامله رائحة الطبشور.
ويتابع لنا الأستاذ محمد السعيدي وهو مدير المدرسة الحالي: "منذ عام 1961وحتى عام 2022 لم يتخرج من مدرسة الشبكة الابتدائية المختلطة أي تلميذ أو تلميذة عدا ثلاثة من التلاميذ تخرجوا بمساعدة أهلهم، حيث أكمل احدهم في محافظة بغداد والثاني في محافظة السماوة والثالث في محافظة النجف، أما الباقين فكانوا لا يستطيعون تجاوز الصف السادس الابتدائي، وكان هؤلاء الثلاثة هم حمود عواد شعلان من مواليد1962 وهو الآن خريج معهد إدارة(الرصافة) و لابس عواد شعلان العاكوبي من مواليد1966 وهو الآن خريج اعدادية صناعة النجف ومعلم في مدرسة الشبكة والثالث كان سليم رزاق حسين الرحباوي من مواليد1968 والذي تخرج من المعهد الفني نجف".
ويبين المدير هذه الأسباب: "إن الناحية كانت خلال فترة من الزمن تابعة إلى ثلاثة محافظات، في بادئ الأمر كانت الناحية تابعة لمحافظة الديوانية، وبعد عام 1969 أصبحت تابعة إلى قضاء السلمان في محافظة السماوة وفي العام 1975 ارتبطت الناحية بمحافظة النجف إداريا وأصبحت المدرسة تابعة لمديرية تربية النجف، وكانت المحافظات الثلاث بعيدة جدا عن المدرسة، فالطالب لا يستطيع أن يقطع ما يقارب 200 كيلومترا لأداء الامتحان النهائي للصف السادس الابتدائي لصغر سنه ولعدم وجود إمكانية مادية لأهله تعينهم على اخذ ابنهم إلى إحدى تلك المحافظات والإقامة فيها لحين إكمال الامتحانات بسبب وضعهم الاقتصادي الصعب، والسبب الآخر فإنه من غير المنطقي والمعقول أن يقوم معلم واحد أواثنان بتدريس التلاميذ المواد الدراسية كافة بسبب نقص الملاك التعليمي من معلمين ومعلمات ورفض الكثير منهم الانتقال إلى هذه المدرسة البعيدة جدا، أما السبب الأخير فيكمن في عدم اهتمام مديريات التربية في المحافظات الثلاث بالمدرسة ومنها مديرية تربية النجف والتي كان همها الوحيد أن تبقى المدرسة مفتوحة، وهناك سبب آخر كون المدرسة أصبحت المنفى الوحيد للمعلم المُعاقب من مديريات التربية".
ويشير الأستاذ محمد عبد الغني "في عام 2022 قدمت مبادرة لحل مشكلة عدم تخرج احد من المدرسة، فقد أخذت إلى بيتي في النجف أربعة من التلاميذ لأداء امتحانات السادس الابتدائي وفعلا نجحوا أربعتهم إلى الصف الأول متوسط وكانوا من الذكور وبذلك يكون هؤلاء التلاميذ أول من تخرج من المدرسة ويعتبر عام 2022 عام نجاح أول دورة من التلاميذ وانتهاء حقبة من الزمن استمرت 47 عاما".
مضيفا: "حصلت على موافقة من تربية محافظة النجف لفتح صف أول تكميلي (الصف الأول متوسط) لعدم وجود مدرسة متوسطة، وفي العام 2022 ايضا قمت بأخذ 6 من التلاميذ في الامتحانات ونجحوا، وأصبح الآن لدينا مدرسة من الأول الابتدائي إلى الصف الثاني التكميلي (المتوسط) ومن خلال مساعينا الفردية تمكنا من تطوير المدرسة وبدعم مباشر من قبل المدير العام لتربية النجف خليل الماضي تحولت المدرسة من ابتدائية إلى مدرسة تكميلية، ووصل عدد التلاميذ للعام الدراسي الحالي إلى 110 تلميذا".
وفي هذا المقام، ومن خلال هذا التحقيق، نضع أمام أنظار وزير التربية معاناة التعليم في ناحية الشبكة ولعل وكالة السلطة الرابعة للأنباء(سرا) استطاعت وبجهود فردية ان تصل إلى أبعد نقطة في صحراء البادية العراقية فلابد من البحث حيث الإهمال الواضح فقد تكون هناك مدرسة أخرى في مدينة عراقية أخرى قد لم يتخرج منها أي تلميذ على عكس طموح الأهالي في تلك المناطق البعيدة عن المسؤول حيث رغباتهم الجامحة في التعليم لقراءة القرآن على أقل تقدير.
ولابد الإشارة إلى انه حتى صفحات الانترنت وعلى صعيد العالم بأسره لم تسمع بمثل هذه المناقضات حتى في الدول النامية.
لمشاهدت الموضوع بالصور انقر على الرابط التالي
http://4thpa.net/ar/index.php?act=artc&id=4576
آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــن