ماهية و تعريف العمل التطوعي
قامت الخدمات التطوعية بلعب دور كبير فى نهضة الكثير من الحضارات و المجتمعات عبر العصور. بصفتها عملاً خالياً من الربح و العائد كما و أنها لا تمثل مهنة. يقوم بها الأفراد لصالح الجيران و الأهل و المجتمع ككل كما تأخذ أشكالا متعددة إبتداء من الأعراف التقليدية للمساعدة الذاتية، إلى التجاوب الإجتماعي في أوقات الشدة و مجهودات الإغاثة، إلى حل النزاعات و تخفيف آثار الفقر. يشتمل المفهوم على المجهودات التطوعية المحلية و القومية، و أيضا البرامج ثنائية أو متعددة الجوانب (العالمية) التي تعبر إلى خارج الحدود. وقد لعب المتطوعون دوراً هاماً كماً و كيفاً في رعاية و تطوير الدول الصناعية منها و النامية من خلال البرامج القومية، برامج الأمم المتحدة في مجالات المساعدات الإنسانية، التعاون التقنى، تعزيز حقوق الإنسان، الديمقراطية و السلام. كما يشكل التطوع أيضاً أساساً لكثير من نشاطات المنظمات غير الحكومية، الروابط الحرفية، الإتحادية و المنظمات المدنية. هذا إضافة إلىكثير من المشاريع في مجالات محو الأمية، التطعيم و حماية البيئة تعتمد بصورة مباشرة على المجهودات التطوعية.
لقد ازداد الإهتمام بصورة عامة في العقد الأخير بالمجتمع المدني ومنظماته، وازدادت الإصدارات حوله كتباً أو دوريات. وبالرغم من انتشار الأدبيات حول هذه التنظيمات إلا أن هناك عدم وضوح وضبابية، بل وخلافات واختلافات في مفهومها مما يغيب روحها الملهمة ويسلبها، ويقعدها في غياهب الفكر التجريدي الجاف.
إن تعريف العمل الطوعي يمكن أن يقوم على منهجين أحدهما طبيعة العمل الطوعي وأهدافه والآخر هو مفهوم المنظمات الطوعية في علاقتها بالكيانات المجتمعية المختلفة، وهي الدولة والقطاع الخاص والعائلة .
العمل التطوعى: هو عمل غير ربحى، لا يقدم نظير أجر معلوم، وهو عمل غير وظيفى/مهنى، يقوم به الأفراد من أجل مساعدة وتنمية مستوى معيشة الآخرين، من جيرانهم أو المجتمعات البشرية بصفة مطلقة. وهناك الكثير من الأشكال و الممارسات التى ينضوى تحتها العمل التطوعى، من مشاركات تقليدية ذات منفعة متبادلة، إلى مساعدة الآخرين فى أوقات الشدة وعند وقوع الكوارث الطبيعية والإجتماعية دون أن يطلب ذلك وإنما يمارس كرد فعل طبيعى دون توقع نظير مادى لذلك العمل، بل النظير هو سعادة ورضى عند رفع المعاناة عن كاهل المصابين ولم شمل المنكوبين ودرء الجوع والأمراض عن الفقراء والمحتاجين.
العمل التطوعي في الإسلام والتراث
إن القيم الاجتماعية وخاصة الدينية المتجذرة والمتعمقة في المجتمع العربى والإسلامى ساعدت في تعميق روح العمل التطوعي فيه بالإضافة إلى التراث الشعبى المنقول من خلال الأدب القصصى و الشعر والغناء والأمثال، والذي يشيد بهذه الروح فتظل متقدة في المجتمع حتى بعد زوال الظروف المادية التى قام عليها ذلك التراث الشعبي.
وحيث أن مفهوم التطوع فى الدول الغربية – بصفة خاصة – يفصل ما بين مفهومى الصدقة من جانب و مساعدة الآخرين من جانب آخر، فإن الدين الإسلامى لايدعو لذلك الفصل، وهو المؤثر الأساس فى هذه المجتمعات.
وفيما يلي بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التى توضح الحث على العمل التطوعي والذي هو بمثابة صدقة في الإسلام.
من القرآن الكريم
• " وتعاونوا على البر والتقوى "
• " ومن تطوع خيراً فهو خير له"
• " وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل"
• " وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"
من الأحاديث الشريفة• " إن لله عباداً اختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم للخير وحبب الخير إليهم، أولئك الناجون من عذاب يوم القيامة"
• "لأن تغدو مع أخيك فتقضي له حاجته خير من أن تصلي في مسجدي هذا مائة ركعة"
• " من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له"
• " خير الناس أنفعهم للناس" والحديث يشير إلى نفع الناس أجمعين وليس نفع المسلمين فقط.
• " المال مال الله والناس عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله"
• " تبسمك في وجه أخيك صدقة" وهذا يدل على أن التصدق المعنوي له مكانة كذلك
في الإسلام وقد يكون البعض اشد حاجة له من التصدق المادي
• " مازال جبريل يوصني على الجار حتى ظننت انه سيورثه"
• وقد اتخذت الصدقة في الإسلام والدولة الإسلامية صورة مؤسسية في شكل الأوقاف في صورها المختلفة من خلال المساجد ، الخلاوي القرآنية و الوقف الاستثماري لدعم المساجد ودور العلم، كما هو الحال فى دواوين الزكاة فى العديد من الدول الإسلامية.
تطور مفهوم العمل التطوعي
إن التوسع فى مفهوم العمل التطوعى فى الإطار الدولى قد أثر تدريجياً على العالم العربى، ولذا لزم إبراز هذه القضية للبحث، خاصة الخلفية التاريخيه لهذا التطور، والذى انعكس فى مفهوم الأمم المتحدة للحكم الراشد (Sound Governance) وأهمية منظمات المجتمع المدنى فى ذلك وعلاقتها بهذا الحكم وعلى الأخص بالديموفراطية وحقوق الانسان.
التأثير والثأثر على المستويين العربى و الدولى
لقد انحصر مفهوم العمل الطوعي والمنظمات الطوعية في عالمنا العربى وخارجه وحتى منتصف الثمانينات على ذلك العمل الفردى أو الجماعى غبر المنظم عند الكوارث والملمات، وتطور تلقائياً إلى تلك المنظمات التى تقدم خدمات إجتماعية للمجموعات الضعيفة والتى يطلق عليها المجموعات الخاصة في علم الخدمة الإجتماعية والذي هو الأساس العلمي للعمل مع هذه المجموعات، مثل الأطفال الجانحين أو غير الشرعيين والمعوقين مثل المكفوفين والصم والبكم. وهناك منظمات طوعية غير هذه المجموعات الخيرية مثل الجمعيات التعاونية والتى تدرج تحت التعاونيات والنقابات.
في بداية الثمانينات، بدأ التفكير في الدول الغربية لتوظيف المنظمات الطوعية الخاصة للعمل في مشاريع التنمية في الدول النامية. وفي التسعينات بدأ توسع واضح في مفهوم العمل الطوعي إذ شمل مفاهيم وأبعاد سياسية، أهمها مفهوم المشاركة السياسية والحكم الراشد. فمثلا،ً تبنت الأمم المتحدة مفهوم الحكم الراشد بركائزه الثلاث وهي : الدولة والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، والتى أطلق عليها اسم القطاع الثالث كجزء أساسي في المجتمع.
كما ظهرت نظريات جديدة أخرى حول العلاقة بين الدولة والمجتمع تقوم على مفهوم انحسار دور الدولة في المجتمع، ومن هذه النظريات والمدارس ما يهتم بما يسمى بمجتمع الشبكات (Network Society) أو مجتمع لا مركزى (Centerless Society) أو المجتمع متعدد المراكز (Polycentre .society)) و هو ما يتجه نحوه العالم المتقدم اليوم خصوصاً فى ظل العولمة والتطور المبهر فى تقنية الإتصالات، حيث لا يغيب على أحد تأثيرها بعد أن تمكنت من الدخول فى كل بيت واجتازت جميع الحواجز.
وجاءت الأبعاد السياسية لفهم العمل الطوعي بجانب البعد الخيري والتنموي نتيجة للبحث في دور الدولة عامة ودول العالم الثالث بصفة خاصة.
وسائل العمل التطوعى
من الحقائق الثابتة أن المجتمع بكل جوانبه الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية وقيمه الأخلاقية والروحية كل لا يتجزأ إلا في التجريد العلمي. وهذه الحقيقة تنبع وتقوم على حقيقة أساسيه هي أن الإنسان بوصفه الخلية الحية للمجتمع كل لا يتجزأ. ولذلك فان العمل الطوعى يجب أن لا ينحصر في جوانب محدودة للمجتمع والإنسان، بل يجب أن يتسع ليشمل كل المجتمع وكل الإنسان وحقوقه الأساسية في الحياة والسلام والحرية وليشمل حقوقه الإجتماعية من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وصحة وتعليم وحقوق إقتصادية أهمها الحق في العمل والأجر والراحة والعطلات، وليشمل كذلك الحقوق السياسية والمدنية كافة بما فيها الحق في المساواة أمام القانون وحق التنمية.
إن العمل التطوعى بهذه الأهداف الواسعة يتعدى المفهوم التقليدي الخيري، فلا ينحصر في مساعدة ودعم المجموعات الخاصة المستضعفة مثل المعوقين والأيتام والأرامل والمشردين وفى محاربة الفقر فقط. وهو ما يجب علينا بحثه ونقاشه فى مجتمعنا العربى، والإستفادة فى ذلك من التقنية الحديثة فى مجالات الأعلام (الفضائيات) و شبكات الإتصالات وغيرها من وسائل الأعلام حتى نشكل مفهوم موحد للتطوع يعكس وجهة النظر العربية ويبرز خصوصية مجتمعاتنا وعقائدنا وعاداتنا السمحة، ويكون لنا المرجع للعمل من خلاله. عندها فقط، نستطيع أن نؤثر و نتأثر إيجابياً، بدلاً عن أن نكون فى وضع المتأثر سلبياً، أو المتلقى فقط.
يجب أن توظف وسائل العمل التطوعى الآتيه بصفة متكاملة لتمكين المجموعات المستهدفة في المناشط الإقتصادية و السياسية والإجتماعية والثقافية، بل والمعنوية أيضاً.
. تمكين تقديم الخدمات لتلبية الإحتياجات الأساسية من خارج المجتمعات المحلية المعنية كما في حالة الإغاثة والنزوح مثلاً.
. تمليك وسائل الإنتاج لتدخل المجموعات المستهدفة في دورة الإقتصاد القومي ولتتمكن من شراء الخدمات حسب آليات السوق، حتى تضمن استدامة العمل التطوعى المنظم.
مدرسة النجاح للتعليم الأساسي والثانوي