رمضان فرصة لتجديد الحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان
فليكن الصوم مدرسة ندريبية على أخلاق يجب استعادتها، لتعود لنا سعادتنا بالأمن النفسي، والاستقرار الأسري والحياة الهانئة.
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " استحيوا من الله حق الحياء" قالوا : إنا نستحي يا رسول الله ، قال : " ليس ذلكم ، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى ، وليحفظ البطن وما حوى ، وليذكر الموت والبلى .. .." رواه الترمذي وأحمد ، وحسنه الألباني .
وعلى هذا فإن الحياء الشرعي :
هو الذي يحفظ العينين من النظر إلى الحرام ، ويحفظ الأذنين من سماع الباطل بكل أنواعه ، ويحفظ اللسان من الكذب والغيبة والنميمة والبهتان ، ويحفظ البطن من أكل الحرام ، ويحفظ اليدين من السرقة والبطش والمس المحرم ، ويحفظ الرجلين من السعي للحرام .. يضبط الجوارح كلها .
فالحياء: خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق . أو هو خلق يبعث على فعل المليح ، وترك القبيح .
والحياء خير كله كما ثبت في صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله عليه وسلم الحياء خير كله "
فال ابن القيم – رحمه الله – : والحياء من الحياة ، ومنه الحياء للمطر ، وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء . قلة الحياء من موت القلب والروح ، كلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم .
الحياء خلق نبيل يحول بين من يتمتع به وبين فعل المحرمات وإتيان المنكرات ويصونه من الوقوع في الأوزار والأثام. والحياء بتعبير آخر هو الامتناع عن فعل كل ما يستقبحه العقل ولا يقبله الذوق السليم والكف عن كل ما لا يرضى به الخالق والمخلوق.
وبهذا يكون الحياء بمثابة الرقيب على صاحبه فلا يمكنه من تجاوز الحدود التي يرسمها له الإسلام.
وهذا هو المقصد الأول والأخير من الصيام.
والحياء أيضاً بعد دليلاً صادقاً على مقدار ما يتمتع به المرء من أدب وإيمان،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان"
أخرجه البخاري و مسلم .
وإنما جعل من الإيمان لأنه يمنع من فعل الفواحش والمنكرات ، ويحمل على فعل البر ،
قال الإمام ابن عبد البر "فإن المستحي يندفع بالحياء عن كثير من المعاصي كما يندفع بالإيمان عنها إذا عصمه الله فكأنه شعبة منه لأنه يعمل عمله فلما صار الحياء والإيمان يعملان عملا واحدا جعلا كالشيء الواحد وإن كان الإيمان اكتسابا والحياء غريزة " التمهيد 9/234
وقال الحافظ ابن حجر "قال عياض وغيره إنما جعل الحياء من الإيمان وان كان غريزة لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم " فتح الباري 10/532
وعلى هذا فلابد للحياء من نبة وعلم وعمل ، وبما أنه من الإيمان فيأخذ حكمه ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ،
فالأمر ليس ادعاء وقول ، قال الحسن البصري: لا يصج في الإسلام قول بلا عمل، ولا يصح قول وعمل بلا نية، ولايصح قول ولاعمل ولا نية بلا سنّة.
هذه مقاصد أساسية في أخلاق الإسلام ومعاملاته وعباداته ومنها الصوم …
أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى مرضاته في كل ما نفعل ونذر، وأن يجعلنا من عباده المخلصين.