المقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم). اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا .
…… وبعد
((وفوق كل ذي علم عليم)) . هناك الكثير من المسلمين الذين أفادوا العالم الإسلامي وأغرقوه بعلمهم الوافر ، ومن هؤلاء العظماء العلامة الشهير (لسان الدين بن الخطيب الأندلسي ) ، وهو بحر من بحور العلم في الأدب والشعر والفقه والموسيقى والطب ….وغيره من العلوم . الذي شاع صيته و تلألأت غرناطة بأنوار مؤلفات و شتى علومه ، ويسعدني في هذا البحث المتواضع ان اتحدث عنه لهدف التعرف على سيرته الذاتية ، واستعراض أهم أعمال و انجازاته ، و معرفة نهاية حياته ، ومن ضمن الأهداف أيضا الاقتداء به كشخصية إسلامية فذه والاستفادة منه ومن علومه والسير على خطاه لنفع الأمة الإسلامية .
الموضوع :
* السيرة الذاتية للسان الدين بن الخطيب :
نسبه و نشأته :
لسان الدين ابن الخطيب هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن السعيد السّلماني اللوشي الأصل الغرناطي الأندلسي ، أحد أشهر علماء الأندلس ومفكريها ومن شعراء الأندلس . نبغ في الأدب والتاريخ والتراجم والسير والطب. أخذ الطب عن الإمام أبي زكريا ابن هذيل التجيبي، والذي كان يُعزّه ابن الخطيب إعزازا شديدا.
و لقب بالسلماني نسبة إلى (سلمان) موضع باليمن، ومنه قدم أهله إلى الأندلس عقب الفتح الإسلامي واستقروا في قرطبة ثم انتقلوا إلى طليطلة بعد ثورة أهل الربض بقرطبة سنة 202/هـ. ولما اشتد خطر النصارى على طليطلة في منتصف القرن الخامس للهجرة انتقلوا، أيام جده سعيد إلى (لوشه) غرب غرناطة وكان سعيد عالما ورعا فجعل يلقى دروسه ومواعظه في (لوشة) فعرف بالخطيب وعرفت الأسرة باسم آل الخطيب.
وفي مدينة (لوشة) ولد ابن الخطيب سنة 713/هـ، ونشأ في غرناطة، وبها تلقى علومه على كبار علمائها، وفيهم العالم باللغة والأدب والعالم بالفقه والأصول وفيهم العالم بالطب. فنهل من كل هذه العلوم.
طلبه للعلم و ثقافته :
ألّم ابن الخطيب بشيوخ ابن جبير، ففصل في ذكرهم مستهلا الحديث بشغف هذا الرحالة بعلوم الدين، فسمعها من أبيه، وأخذ القرآن عن أبي الحسن بن محمد بن أبي العيش وأبي عبد الله بن أحمد بن عروس، وابن الأصلي. وتعلم قواعد العربية عن أبي الحجاج بن يسعون، وأخذ بسبتة عن أبي عبد الله بن عيسى التميمي السبت ، و كان ابن الخطيب يحب تعلم العلم النافع والسفر لأجل ذلك ،كما كان يجمع طلابه في مجلسه ويعلمهم ., ويقول المؤرخون أنه كان ذا شخصية جذابة مؤثرة وكان ذات بيان قوي و مهارة عالية في الحوار والنقاش في العلم ، كان ابن الخطيب يقضي معظم أوقاته في مكتبة القصر يقرأ الكتب وينسى نفسه ، و كان يقول (أنا ليس لي من هذه الدنيا سوى قلمي) .
وبذلك قطف ابن الخطيب ثمرة معرفته من العلماء و أهل العلم ، وكان على دراية بخطوط القوى في القصر عند توليه الوزارة ، ووصلت شهرته حتى إلى القاهرة في مصر .
* أعماله و أهم انجازاته :
توليه للوزارة :
وفي عام 741/هـ تولى الكتابة في ديوان الإنشاء خلفا لأبيه الذي توفي في ذلك العام. وفي عام 749/هـ تولى الوزارة خلفا لأبي الحسن بن الجياب الذي توفي في ذلك العام، وكان وزير السلطان أبي الحجاج يوسف (الأول) .
واستمر ابن الخطيب في الوزارة بعد مقتل السلطان أبي الحجاج سنة 755/ هـ وقيام ابنه محمد (الخامس) الغني بالله خلفا له. وسافر لسان الدين للغني بالله السلطان المريني أبي عنان فارس تأكيدا للمودة بينهما، واستنجادا على الطاغية الإسباني ملك قشتاله، ونجح لسان الدين في سفارته، فعظمت ثقة الغني بالله بلسان الدين، ورفع رتبته ولقبه بذي الوزارتين، الكتابة والوزارة.
وأصبح ابن الخطيب وزير ديوان الإنشاء بين ليلة وضحاها. فقد وصل الوباء إلى قصر الحـمراء أيضاً. ومن ضحاياه ذو الوزارتين ابن الجياب. فحزن لسان الدين حزنـاً لفقده لهذآ الأستــاذ القدير. ولقد جعله السلطان أبو الحجاج كاتم سره وكاتبه وأنعم عليه وجعله سفيـرهُ إلـى المـلوك والسـلاطين. فإذا غـاب عن مدينة غرناطة أو قصـر الحـمراء جـعلنـي نائبـا عـنه، فكـان لسان الدين بن الخـطيب يقوم بتصريف شؤون المملكة بما لديه من خبره عريقة في التعامل مع المملوك والسلاطين، ومع شؤون القصر، وشؤون غرناطة ، وفي أحـد الأيام سألنـي ابنـي رضي الله عنه: لمــاذا أنت حزين ياأبتــاه؟ وقد أقبـلت الدينـا عليـك. فرد عليه لسان الدين بن الخطـيب: أنــا نــائب السلطـان ووزيـر وسـفيـر وصاحــب مدرسـة أدبية. فهـل هذآ سهـل يابنــي؟! فأنا لا أفـرح بالألــقاب . لذا أســال نفسي دائمــا: ماذا قدمتُ لغــرناطة وللأندلس وللإنسانية ؟ ! وأنــا إنــسان جعــلت من الحيـاه مدرســة لي . فتعلم لسـان الدين بن الخطيب درساً آخـر من السلطان، السلطان الذي أحبه. فقد طاف والحاجب رضوان (رئيس الوزراء) – و هو صبي قشتالي
أسـر وعاش في القصـر ولُقب (أبو نعيم) – في أحيــاء غرناطة لتبنى فيه (المدرسة النصرية) فإن حــب أبــي الحــجاج للعلوم يقربه إليه. وقد أصبحت هذه المدرسة من أشهــر المدارس في المغرب.
وبمناسبة تأسيس هذه المدرسة قال فيها شعــراً كــتب على جدارها:
ألا هكذا تُـــبنى المــــدارس للعلم وتبقى عهـــود المجـــد ثابـتة الرسم
ويقصد وجه الله بالعمـل والرضا وتُجـنى عهودُ العـز من شجـر العزم
وكُتــب على لـوحة تأسيسهــا:
((أمر ببناء هذه الدار للعلم، جعلها الله استقامة ونوراً، وأامها في علوم الدين على الأيــام أمير
المسليمن أظله الله بعونه السلطان المؤيد أب الحجـاج يوسف ابن العـلي الكريم. كافأ الله في
الإسلام صنائعه الزاكية، وتقبل أعماله الجهادية. وتم في شهـر محرم عام خمسين وسبع مئة)).
ابن الخطيب طبيبا:
يخبرنا ابن الخطيب في ترجمته لنفسه أنه أخذ الطب عن الإمام أبي زكريا ابن هذيل، وأنه لازمه إلى آخر حياته. وابن هذيل هو يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي. وقد قال عنه ابن الخطيب أنه كان آخر حملة الفنون العقلية بالأندلس، وخاتمة العلماء بها من طب وهندسة وأصول وأدب. كان غير مبال بالناس، مشغولا بخاصة نفسه، وقعد بالمدرسة بغرناطة يقرئ الأصول والفرائض والطب.
لم يتفرغ ابن الخطيب لممارسة الطب تفرغا تاما؛ إذ كان مشغولا بأمور الدولة عندما كان وزيرا، إلا أنه يمكننا أن نؤكد بأن عنايته بالتأليف في مجال الطب كانت كبيرة. ويمكن في هذا المجال ذكر مؤلفات ابن الخطيب في مجال الطب وذلك كما وردت في كتاب الإحاطة في ترجمة المؤلف لنفسه، أو كما وردت في نفح الطيب للمقري، وهي كما يلي:
– رسالة في الطب سماها: مقنعة السائل عن المرض الهائل. وهي رسالة كتبها عن الطاعون الجارف الذي دهم الأندلس وسائر العالم الإسلامي سنة( 748/هـ (1348/م
– أرجوزة في الطب.
– أرجوزة في الأغذية.
– الوصول لحفظ الصحة في الفصول.
– كتاب في علاج السموم.
– المسائل الطبية.
– رسالة في تكوين الجنين.
– اليوسفي في الطب.
– كتاب عمل من طب لمن أحب، وهو مؤلف طبي هام يتناول فيه ابن الخطيب مختلف الأمراض مع أسباب كل مرض وأعراضه وعلاجه ونظام الغذاء الذي يناسبه. كما يتحدث فيه المؤلف عن مختلف أعضاء الجسم وطرق العناية بها.
تأليفه لكتاب عملُ من طبّ لمن حبّ:
ألف لسان الدين ابن الخطيب كتابه هذا لسلطان المغرب أبي سالم بن أبي الحسن المريني. وقد انتهى من تأليفه سنة 761هـ. توجد منه نسخة خطية في الخزانة الحسنية رقمها 3477/مجموع (1)، ونسخة أخرى بخزانة القرويين في فاس رقمها 40/607، ونسخة ثالثة في المكتبة الوطنية بمدريد. وفي سنة 1972 نشرت جامعة سلمانقة الإسبانية نسخة محققة من الكتاب، بدون أي شرح أو إيضاح. بل إن النسخة تحتوي على كثير من الأخطاء الإملائية، وتنتهي بسرد للمصطلحات ومعجم الأسماء الطبية ومقابلاتها بالإسبانية.
يقول ابن الخطيب في خطبة كتابه: "إن الله عز وجل جعل الدنيا دار عمل واكتساب، والآخرة دار جزاء وحساب. ومن المعلوم أن العمل لا يتم إلا بصحة الفاعل واستقامة هيئته الطبيعية وأحواله، وإن الصحة لا تحفظ إذا انحرفت، ولا ترد إذا انصرفت إلا بصناعة الطب التي لها النظر في حفظ الجسوم من تقديم الدواء لها والغذاء على المحدود والمرسوم، وتتفاضل المدارك في هذا الباب بتفاضل الفهوم".
ثم وصف ابن الخطيب كتابه هذا بأنه: "جاء بعون الله وتأييده غريب الوصف بديع الرصف مستوعبا للعيون جامعا بين الأطراف والمتون، تحفة في هذا الفن المفضل على كثير من الفنون، وسميته عمل من طب لمن حب".
يتألف هذا الكتاب من جزئين؛ الأول يتألف من عشرين بابا، تحدث فيها المؤلف عن الأمراض من الرأس إلى القدم، ما عدا ما يتعلق بموضوع الزينة. أما الجزء الثاني من الكتاب فيتألف من أربعة عشر بابا، تحدث فيها المؤلف عن الأمراض التي تعم البدن كله ولا تختص بعضو معين، بالإضافة إلى حديثه عن الزينة والسموم.
مؤلفات ابن الخطيب:
كان ابن الخطيب عالما بالتاريخ والفلسفة والرياضيات كما كان عالما بالفقه والأصول وألف فيها كلها ومؤلفاته تقع في نحو ستين كتاباً ، منها : (الإحاطة في أخبار غرناطة) و (الإعلام لمن بويع قبل الاحتلام) و (اللمحة البدرية في الدولة النصرية) و (تاريخ ملوك غرناطة إلى سنة 765/هـ) و (طرفة العصر في دولة بني نصر) و (معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار) و (ريحانة الكتاب ونجعه المنتاب) و (رسالة في الموسيقى) و (الحلل المرقومة في اللمع المنظومة) وهي أرجوزة من ألف بيت في أصول الفقه.
وعلى اسمه صنف المؤرخ أحمد بن محمد المقري (ت: 1041/هـ) كتابه (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب) .
أجمل أشعاره من بعض الموشحات الأندلسية:
جادك الغيث – موشح أندلسي –
بعض أبياته :
جادك الغيث إذا الـغـيث هـمـى
يا زمان الـوصـل بـالأنـدلـس
لم يكـن وصـلـك إلا حـلـمـا
في الكرى أو خلسة المخـتـلـس
*****
إذ يقود الدهر أشتـات الـمـنـى
ينقل الخطو عـلـى مـا يرسـم
زمـراً بـين فـرادى وثـنـــا
مثلما يدعو الوفـود الـمـوسـم
والحيا قد جلّـل الـروض سـنـا
فثغور الزهـر مـنـه تـبـسـم
وروى النعمان عن ماء الـسـمـا
كيف يروي مـالـك عـن أنـس
فكساه الحسن ثـوبـاً مـعـلـمـا
يزدهي منه بأبـهـى مـلـبـس
*****
في ليال كتـمـت سـرّ الـهـوى
بالدجى لولا شـمـوس الـغـرر
مال نجم الكـأس فـيهـا وهـوى
مستقـيم الـسـير سـعـد الأثـر
وطر ما فـيه مـن عـيب سـوى
أنّه مّـر كـلـمـح الـبـصـر
حين لّـذ الأنـس شـيئا أو كـمـا
هجم الصبح هـجـوم الـحـرس
غارت الشهـب بـنـا أو ربـمـا
أثرت فينـا عـيون الـنـرجـس
*****
* نهاية حيات ابن الخطيب ( مقتله ) :
الأيام الصعبة :
وفي 28 رمضان سنة 760/هـ خلع الغني بالله وسار فارّا إلى فاس ونزل على السلطان أبي سالم إبراهيم، وهو أخو أبو عنان فارس وكان قد توفي سنة 759/هـ. ولم يستطع لسان الدين أن يصانع السلطان إسماعيل (الثاني) ابن يوسف الذي خلع أخاه محمد الغني بالله، فنكبه السلطان وصادر أمواله بتحريض من حوله من حساده، واستطاع لسان الدين أن يهرب فلجأ إلى فاس لاحقا بالسلطان المخلوع. وفي أوائل سنة 763/هـ أقدم أمير من أمراء بني نصر يدعى أبا سعيد محمد على قتل إسماعيل (الثاني) وإعلان نفسه سلطانا باسم محمد (السادس)، فما أن علم محمد (الخامس) الغني بالله بذلك حتى عاد إلى الأندلس بقوة زوده بها السلطان المريني أبو سالم إبراهيم، ونزل في (رنده) وكانت من أملاك بني مرين ومنها سار بقوته ودخل غرناطة.
هرب أبو سعيد محمد (السادس) لاجئا إلى ملك قشتاله. واستدعى الغني بالله لسان الدين من فاس، ورده إلى الوزارة وأعاد تلقيبه بذي الوزارتين فعلت مكانته من جديد وعظم نفوذه، وازدهى لسان الدين بهذه المكانة الرفيعة التي أحله بها السلطان، فأثار بذلك حسد حساده وفيهم الوزير ابن زمرك تلميذ ابن الخطيب، ومعه أبو الحسن علي النباهي قاضي الجماعة في غرناطة وكانا صنيعة لسان الدين وغرس نعمته، فجعلوا يحرضون الغني بالله عليه ويتهمونه بالانحراف بولائه والإلحاد، وعلم بذلك لسان الدين، ورأى أن الأسلم له أن يبارح الأندلس فاستأذن الغني بالله في الحج فأذن له.
توجه لسان الدين إلى فاس لاجئا إلى السلطان المريني أبي فارس عبد العزيز المستنصر بن أبي الحسن علي وكان قد تولى السلطنة سنة 767/هـ بعد أحداث جرت في فاس بين "المتنافسين" على السلطة، فكتب الغني بالله إلى المستنصر المريني بالقبض على لسان الدين وقتله، فلم يلتفت المستنصر لهذا الطلب. وجرت لابن الخطيب محاكمة غيابية في غرناطة، حضرها الفقهاء وكبار العلماء، اتهم فيها بالإلحاد اعتمادا على بعض ما جاء في كتابه (روضة التعريف بالحب الشريف) المعروف بكتاب (المحبة)، حيث أولوا بعض مقولاته وفق مقاصدهم، وزعموا أن فيها ما يتضمن طعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، والقول بالحلول ومجاراة مذهب الفلاسفة الملحدين. وكان تلميذه وخلفه في الوزارة القاضي أبو الحسن النباهي أكبر المروجين لهذه الدعاية، وهو الذي تولى صوغ الاتهام وأفتى بوجوب قتله وحرق كتبه. وقد أحرقت كتبه في غرناطة بمحضر من الفقهاء والعلماء والمدرسين.
وفي عام 774/هـ توفي السلطان أبو فارس عبد العزيز وخلفه ابنه أبو زيان محمد السعيد، وكان طفلا وتولى كفالته والقيام بشؤون الدولة الوزير أبو بكر غازي. وكرر الغني بالله طلبه بتسليم ابن الخطيب أو قتله، فلم يستجب الوزير لطلبه. وقام السلطان الغرناطي الغني بالله باصطناع فتنة في المغرب أطاحت بالسلطان المريني القاصر وبوزيره أبو بكر غازي، وتولية السلطنة أبا العباس أحمد المستنصر بن إبراهيم بن علي، وتولية الوزارة لسليمان بن داود. وعلى الأثر حضر الوزير ابن زمرك إلى فاس يطالب أبا العباس المستنصر بثمن إيصاله إلى العرش والقبض على لسان الدين وإعدامه تنفيذا للحكم الصادر عليه في غرناطة، والذي صدّقه الغني بالله.
ولكن أبن العباس المستنصر آثر أن تجري محاكمته بحضوره، فعقد له مجلسا من رجال الدولة والشورى، واستدعى ابن الخطيب ووجهت إليه التهم المنسوبة إليه، وأخصها تهمة الإلحاد والزندقة. وعرضت العبارات التي وردت في كتابه (المحبة ) فعظم النكير فيها ووبخ ونكل به، وامتحن بالعذاب الشديد على مشهد من الملأ. وقد أفتى بعض الفقهاء بقتله .
مُحــاكمة لسان الدين بن الخطيب (إعدامه) :
(في ساحة قصر السلطان)
في ساحة القصر، في مدينة فاس، اجتمع أهل الشورى والخاصة من الناس. وهم من
أعوان السلطان. وليسوا على تلك الدرجة من العلم. حضر كاتب السلطان الغني بالله,ووزيره الشاعر ابن زمرك. وجاء الحراس بابن الخطيب، وقد زاده السجن نحولاً
وأرقاً. بيد أنه كان واثقا ً من نفسه تلك الثقة التي اعتاد عليهـا طوال حياته، مما كان
يثير غضب الحانقين عليه. وكان هادئاً هدوءاً عجيباً مسلمـاً أمرهُ لله تعالى.
وبدأت هذه المحاكمة بتوجيه تهمة الإلحـاد والزندقة إلى ابن الخطيب، بمحاكمة عقلية، ورباطة جأش: إنـي جعلت أصل المحبة شجرة والنفوس أرضها ، وأغصان الشجرة أقساماً، وأوراقهـا الحكايات التي تحكى، وأزهارها شعر، وثمرتها الوصول إلى الله تعالى.
وقد استكثرت من الشعـر فهو النسيم الذي يحرك أغصـان الشجـرة، ويوصل رائحتها.
ومضى ابن الخطيب يتحدث عن كتابه، ويُقاطعُ مراراً، ويُقذف ويشتم كلما شعـر
خصومه بقوة بيانه، وسحر كلامه, وبراءته من التهم المنسوبة إليه.
ثم قال ابن الخطيب: الله نور السموات والأرض، فليس فيها نور إلا الله. . والإيـــمان أشرف أجزاء الإســلام. فكل إيمـان إسلام . . والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، كان أخشى النـاس، وأعلمهم بما يتقي. وكان أقرب الخلق إلـى الله. ثم رد ابن الخطيب (تلك العبقرية الي تسري في عروقها الدماء اليمنية والشامية والأندلسية) على تهمة القول بالحلول والإتحاد . . وكانت أقواله صريحة حاسمة مشرقة. وليس بين الحاضرين من العلماء من يستطيع الرد على أفكاره الصوفية. ثم رد على تهمة مااشتملت عليه تراجمه التاريخية، ولاسيمـا كتـاب الإحـاطة، من غيبة مجرمة.! ثم تحدث عن مغادرته الأندلس. فقال: إنه يريد أن يتقي ماأعد له من شرور وتُهم باطلة. فضُرب ضربا لخيانة السلطان. واختلطت عبراته بكلماته، وهو يقـول: أنا طلبت من السلطان عبد العزيز أن يضم الأندلس لمكله. إن في ذلك قوة للأنلس والمغرب. وافعلوا بي مابدا لكم. ثم رد على تهمة ثرائه العريض، فقال: إن ماله مال حلال. وهوفي سبيل الله. فلم يقبل ذلك منه، فكان يوخز بالأيدي ويجـرُ من ثيابه.
ومع ذلك فقد عاتب ابن الخطيب الحضور بما بقي عنده من قوة وعزم. وقال لهم: لقد
أحرقتم كتبي في ساحة غرناطة ولكن ضياءها سيبقى دائمـاً.
ولهذا التحدي سحب سحباً عنيفاً، ونتر بثوبه فقال: لقد ضاع كثير من كتبي مثل: (فتاة الخوان ولقط الصوان) و (حمل الجمهور على سنن المشهور) و (الغيرة على أهل الحيرة) و (قطع السلوك) و (البشــارة) و (المعتمد في الأغذية المفـردة). . و لاستمرت المحاكمة على هذا المنوال لظهرت براءة ابن الخطيب، ولاستحق الثناء ومضاعفة راتبه. فكانوا يشتمونه. والشتيمة لغة لايفهمها ابن الخطيب. وكانوا يشدونه من لحيته . . وهو صابر يقول لهم: كفاكم كفى كفى . . ثم سحبوه سحباً إلـى سجنه، وتشاوروا مايفعلون به فحكم عليه بالمـوت. وفي اللـيل دخل الخدم من أنصــار سلطان فاس وغرناطة فأنهــوا حياة هذا العـالم. ليكون ضحية للجهل والتعصب. يرحمه الله تعالى. وبذلك أطفؤوا أنـوار غرناطة. إلا أن غرناطة ماتزال تتـلألأ بأنـوار مؤلفــــــات ابن الخطيب أمس واليوم وغد .
الخاتمة
و في نهاية البحث ، أود ان أقول أن الكثير من العلماء المسلمين الذين خدمونا وتخلوا عن زينة الحياة الدنيا و سهروا الليالي و تحملوا المصائب والمحن ، ذلك كله من أجل الفوز بالجنة و ايصال العلم لنا لنسمو به ونرتقي ، فعلينا أن نحذو حذوهم .
استفدت من هذا البحث أن (لسان الدين بن الخطيب ) بحر غزير من بحور أساطين الطب والفقه والفلسفة و الأدب ، و لكنه وللأسف لم يجد نصيبه الوافر في العيش الهنيئ والاستقرار و أمضى عمره في خدمة المسلمين لكي يلقى ما لقيه من شتم و إهانه وتقليل من الشأن فتنتهي حياته بإحراق كتبه وإعدامه بدلا من دعمه وتشجيعه .
و أرجوا من الله تعالى أن يثبت العلماء و يحفظهم جميعا و يرحمهم برحمته و يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله ..
قائمة المصادر والمراجع :
1 – الأسود- نزار- لسان الدين بن الخطيب- الطبعة الأولى- مؤسسة غبور للطباعة- دمشق- 1996 .
2 – الزركلي- خير الدين- الأعلام- الجزء الخامس- الطبعة السادسة- دار العالم للملايين- 1984 .
3 – موقع ويكيبيديا www.wikipedia.org
4 – موقع الإسلام www.islam.com
5 – محرك البحث قوقل www.google.com
الفـــــــهــــــرس
* المــقدمة ………………………………………….. …………………… 1
* السـيرة الذاتية للسـان الدين بن الخطيب:
– نســبه ونــشأته ………………………………………….. …………….. 2
– طلبه للعـلم وثقـافته ………………………………………….. ………… 2
– أعماله وأهم إنجازاته:
– توليه للوزارة ………………………………………….. ……………….. 3
– ابن الخـطيب طبيباً ………………………………………….. ………….. 5
– تأليفه لكتـاب (عمل من طب لمن حب) …………………………………. 6
– مؤلـفات ابن الخـطيب ………………………………………….. ………. 7
– أجمل أشعاره من بعض الموشحات الأندلسية …………………………. 7
*نهـــاية حياة ابن الخطيب (مقتله):
– الأيــام الصعبة ………………………………………….. ……………… 8
– محاكمة لسان الدين بن الخطيب (إعدامه) ………………………….. 10
* الخــاتمة ………………………………………….. ………………….. 13
* قـائمة المـصادر والمـراجع ………………………………………….. ..14