يتوقع أن تبدأ عام 2022
مدارس … الغوص في الفضاء رياضة المستقبل القري
عندما وقف الكابتن جو كيتينجر على حافة الفتحة على ارتفاع 31 كيلومتراً استعداداً لمغامرته الأولى في الغوص في الفضاء، لم يمنعه ارتطام بدلة الضغط الخاصة التي يرتديها بدعامة في المنطاد الذي يقله من اتمام مهمته حتى لو أثر ذلك في ضغط الهواء المحكم الضروري لكي يحافظ على بقائه خلال غوصه.
إعداد: محمد مزاحم
كيتينجر، حامل رقمين قياسيين سابقين في القفز بالمظلة اعترف بتظاهره بالشجاعة خلال المغامرة التي لم يخبر أياً من رفاقه عنها، فبعد أن ظهر في فراغ الغلاف الجوي “ستراتوفير” الذي يبلغ ارتفاعه ثلاثة اضعاف ارتفاع مجال طيران الطائرات التجارية، احس بألم فظيع في يده التي انتفخت الى ضعفي حجمها الطبيعي، وتبينا بعد ذلك ان الانتفاخ كان سبباً في انقاذ حياته لأنه غطى على كم بدلة الضغط التي يرتديها مما حمى جسده من ازالة الضغط.
وقفز كيتينجر من قاعدة المنطاد وبسرعة كان يسقط بسرعة 1000 كيلومتر في الساعة. وعلى ارتفاع 5 كيلومترات فوق الأرض، فتح المظلة الأساسية، وبعد 13 دقيقة و45 ثانية من قفزة من قاعدة المنطاد، هبط بسلام على الأرض، وفي غضون اربع ساعات بعد هبوطه ثلاشى الانتفاخ في يده.
كانت قفزة كيتينجر في 1960 ضمن برنامج يسمى “اكسلسيوز” واعتبر ارتفاع القفزة قياسياً ولم يتم تحطيمه حتى الآن. ويأمل حالياً بعض مغامري الرياضيات بالتعاون مع علماء الفضاء القيام بسلسلة غطسات في الفضاء تكسر رقم كيتينجر القياسي ولكن هذه المرة لن يقفزوا من حافة منطاد هيليوم بل من حافة مخروطة لصاروخ فضائي يصمم حالياً لحمل ركاب الى الفضاء لقضاء بضع دقائق في حالة انعدام الوزن ورؤية كوكب الأرض من الفضاء. ويعكف الخبراء حالياً على إجراء تجارب على بدلات الضغط والمظلات والأدوات اللازمة لعمليات الغوص المستقبلية ولغايات أخرى.
وتطوير هذه التقنية يمكن أن ينقذ حياة مسافرين مستقبلينا الى الفضاء في حال حصول طارئ يمنع عودتهم التقليدية الى الأرض، أي بمعنى اصح تطوير قوارب النجاة في عصر الفضاء كما يقول لورنس يونج، اخصائي في الملاحة الفضائية في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا.
السفر في الفضاء مهمة محفوفة بالمخاطر فمن بين 460 شخصاً تركوا الأرض تقريباً، توفي منهم 22 شخصاً إما خلال الرحلات أو خلال التجارب أي بمعدل وفيات 5%. يقول جوناثن كلارك، خبير وكالة الفضاء الأمريكية إنه يعمل على تطوير المعدات والتقنيات التي ستمنع مسافري الفضاء المستقبلين من الموت كما حدث مع زوجته رائدة الفضاء لوريل كلارك التي ماتت في حادث المكوك كولومبيا عام 2022.
تطوير رياضة الغوص في الفضاء لمحبي المغامرات هي الخطوة الأولى للمساعدة في تطوير انظمة البقاء في المستقبل.
وتعمل حالياً أكثر من اثنتي عشرة شركة تصرف ملايين الدولارات على تطوير أنواع جديدة من الصواريخ الفضائية، حيث ترى هذه الشركات أن الغوص في الفضاء يمكن أن يمثل عائداً مادياً مجزياً في بداية التأسيس لسياحة الفضاء.
وتأسست هذه السنة شركة غوص الفضاء التي يرأسها ريك تاملنسون بهدف تطوير وترويج الرياضة، بعد أن قام بتأسيس شركة سابقة في لوس انجلوس بكاليفورنيا لتصميم وصناعة بدل رواد الفضاء.
يعكف فريق في شركة “ارماديلو” لعلم الطيران في تكساس على تطوير مركبة اقلاع وهبوط عمودية للرحلات الفضائية السياحية حيث يؤمنون بأن هذه المركبة ستوفر أفضل المميزات للقفز والغوص في الفضاء والتفكير يدور حول بناء منصة على قمة الصاروخ تسمح للمغامرين بالقفز، إما عبر مقعد يقذف صاحبه الى بحر الفضاء أو عبر اطلاق مظلات صغيرة من جانب واحد. الأمر المهم هو تحقيق انطلاقة سريعة للقافز تجعله بعيداً عن الاحتكاك بالمركبة الفضائية. ويصبح الاعتماد بعد ذلك على البدلة الفضائية وانظمة البقاء في المظلة وغيرها من أدوات قياس الارتفاع للتأكد من هبوط آمن لغاطس الفضاء. ويقر كلارك بأن الهبوط الأولي يجب أن يحدث بسرعة كبيرة لتقليل زمن تعرض الغاطس لدرجات الحرارة القاسية والفراغ عند الارتفاعات الشاهقة حيث سيشعر الغاطس في بداية الأمر بسكون مخيف، فعلى ارتفاع ما يزيد على 30 كيلومتراً، يكون الهواء رفيعاً لدرجة عدم وجود احساس بالحركة تماماً، حيث لا شعور بالضغط والأرض ستكون بعيدة. وتدريجياً، مع ازدياد كثافة الهواء، فإن الضغط ضد جسد الغاطس سيزيد مما يؤدي الى تباطؤ سرعة رهيب.
مشكلة وحيدة مازال العمل عليها جارياً وهي كيفية منع الغاطس من أن يدخل في دوران لولبي مما قد يفقده الوعي. ويمكن تفادي هذه الخطوة عبر ارتداء سترات خاصة موجهة أو استخدام مزلقة أو حتى تعديل وضعية جسد الغاطس ولكن وضعية الجسد عند بداية الغطس مازالت محور اسئلة حائرة تدور في فلك اتخاذ وضعية الرأس أولاً. أم الوضع الأفقي الكلاسيكي. وبعد الوصول الى ارتفاع كيلومتر أو اثنين، فإن المظلة الرئيسية ستفتح وسيهبط الغاطس المغامر بسلام.
الصاروخ الذي سيحمل المركبة سيطلق عليه اسم “اكسلسيور 2” تخليداً لذكرى كيتينجر أول غاطس في الفضاء. المميز في المركبة التي تطورها شركة “ارماديلو” أنه يتم التحكم بها في الأرض وبعد أن يقفز مغامر الغطس منها يتم ارجاعها الى الأرض.
في فراغ الفضاء أو عند الارتفاعات الشاهقة، دم الانسان يغلي تقريباً، لذلك فإن الحفاظ على ضغط الجو الداخلي مهم جداً. كما ان الاحتكاك بالهواء يزداد مما يجعل بدلة الغاطس تزداد حرارة.
وستحتاج البدلة الى نظام تحكم بالحرارة يعمل عبر تمرير سائل عبر البدلة للحفاظ على درجة الحرارة داخل الجسم.
وإذا سارت الأمور كما هو مخطط، فإن رياضة الغطس في الفضاء ستصبح متوفرة ابتداء من عام 2022 حيث سيتم تحطيم الرقم القياسي الذي يحمله كيتينجر وذلك عند القفز من علو 37 كيلومتراً وقد يزيد بعد ذلك الى ارتفاع 91 كيلومتراً.
ويعمل توملينسون حالياً على ابتكار نظام يسمح لرواد الفضاء بترك المركبة الفضائية التي تدور في مدار والرجوع بأمان الى كوكب الأرض لأن العلو ليس مهماً فالمشكلة تكمن في الطاقة التي ستتبدد عن إعادة الدخول الى المجال الجوي للأرض من الفضاء.
ويطمح توملينسون الى تصميم ما يسمى “قوارب النجاة” الصغيرة المنفوخة التي يستطيع الرواد ركوبها والعودة الى الأرض إلا أن المشكلة تكمن في توزيع الحرارة على مساحة أوسع حتى يمكن تبديدها.
ويأمل توملينسون أن تزود كل المركبات الفضائية المستقبلية بزوارق النجاة مع محطة الفضاء الدولية وكل ما سيبنى على الفضاء في المستقبل القريب، حيث يتوقع أن تبدأ هذه الاضافات بدايات عام 2022.
أما في الوقت الحالي، فإن التركيز ينصب على تطوير نظم الغوص في الفضاء حيث يعتقد توملينسون أن تجارب القفز الأولى من الارتفاعات الشاهقة سيجريها اعضاء الفريق الذي يعمل على تصميم هذه النظم، ولا يستبعد هو شخصياً المشاركة في التجارب الأولية.
تجارب
ابتداء من العام المقبل، سيبدأ فريق العمل في اجراء تجارب على ارتفاعات منخفضة عبر رمي دمى على شكل انسان من الصاروخ للتأكد من أن نظام القذف يعمل جيداً، ومن ثم ستجري التجارب من البشر الذين سيقومون بأولى القفزات من الصاروخ ابتداء من ارتفاعات متواضعة تصل الى 3 كيلومترات.
وسيعمل الفريق بالتعاون مع مهندسين من مختبر الدفع الخاص بالطائرات في وكالة “ناسا” في باسادنيا بكاليفورنيا على تطوير بدل الفضاء للرواد الذين سيهبطون على المريخ وبالتالي يمكن أن تستخدم لمحبي الغطس في الفضاء. وستشبه البدل الجديدة لمحبي مغامرة الغطس في الفضاء بدل رواد الفضاء الذين يقومون بسباحة في الفضاء خلال تركيب أو إصلاح قطع محطة الفضاء الدولية.