مهنة التدريس من المهن التي لا يختلف اثنان على أهميتها في تنشئة الجيل وإعداده للمستقبل، وعلى الرغم من أهميتها البالغة والرعاية التي توليها الإمارات لها وللعملية التعليمية، إلا أن ما نلاحظه عند الحديث عن هذه المهنة تمركز غالبية المتحدثين عن همومها، والمدلين بآرائهم فيها على الإناث من العنصر الإماراتي، لدرجة جعلتنا نصدق تراجع أعداد المعلمين الذكور الإماراتيين في مهنة التدريس.
نشرت صحيفة «سفن دايز» دراسة أظهرت أن أغلب الرجال الإماراتيين يخجلون من العمل كمدرسين، لأنهم يواجهون ردود فعل سلبية من قبل عائلاتهم وأصدقائهم، بالإضافة إلى وجود التحيز والصورة النمطية التي تقول إن التدريس مهنة تناسب النساء أكثر لكونها تتطلب الرعاية واللطافة.
قرأنا الدراسة وناقشنا بعض تفاصيلها مع عدد من الشباب لنفاجأ بأن هناك اتفاقاً حول ما ورد فيها، وحقيقة ذلك في واقع الميدان التربوي الذي يثبت أن غالبية المعلمين الذين يتلقى أبناؤنا الطلبة تعلميهم على أيديهم إما من الأجانب أو الإخوة الوافدين، بسبب نفور وابتعاد الإماراتيين عن امتهان هذه الوظيفة رغم الحوافز التي تقدم لهم.
إذا كان الطلاب في المدارس يقضون ثلثي يومهم ويتلقون تعلميهم ويتأثرون سلوكاً بتواجدهم في المدارس بسبب اختلاطهم بأقرانهم في المدرسة أو بسبب تعاملهم مع أساتذتهم، فذلك يؤكد حقيقة أن المعلم هو المربي والمؤسس الأول قبل أولياء الأمور سواء كان رجلاً أو امرأة، وهذا المربي لابد وأن يكون مستوعباً لثقافة المجتمع وقيمه، وقادراً على التواصل مع الجيل الحالي ومقنعاً لهم بدرجة كافية تفرض احترامه وهو ما يمكن أن يكون كلما وسعنا دائرة المعلمين المواطنين في مدارس البنين الذين ينتمون لنفس الثقافة، والذين سيكونون قادرين على التواصل مع مختلف الطلبة بفروقاتهم التعليمية والتأثير فيهم إيجابياً كمعلمين ومربين لا يكتفون بغرس معلومات منهج فحسب بل التأثير في سلوكهم، على خلاف ما قد يسهم فيه معلمون آخرون ربما يهمهم إنجاز المنهج ولا شيء آخر.
مهنة التدريس لا ينبغي أن تكون حصرية على النساء دون الرجال، ولا ينبغي النظر إلى من يمتهنها من الرجال بنظرة دونية أو سلبية، وإن كان البعض يعتقد أنها تتطلب رعاية ولطفاً فتلك مسألة يحتاج إليها الرجل في تعامله مع أبنائه وأفراد أسرته.
ينبغي العمل على تصحيح النظرة السلبية لهذه المهنة عند الذكور التي نفرتهم منها، وكانت سبباً في خلو كثير من مدارس البنين من مواطني الدولة الذين نعول عليهم في تعليم وتربية رجال المستقبل، فالتعليم ليس منهجاً ننهيه فحسب، بل تنشئة وتهذيب لابد وأن تتم من خلال الاعتماد على كوادر وطنية تتحمل مسؤوليتها في هذا الشأن.
ميساء راشد غدير – البيان