يُقصدُ بالتهيئة الحافزة إعدادَ البيئة الصفية – بكل عناصرها- إعدادا يُساعد على التعلم، وهي ضرورية جدا لبدء عملية التعلم والتعليم، فإذا افترضنا أنّ الطالب يدخل حجرة الدرس، ويجلس إلى مائدة معلمه ليتناول وجبة ذهنية، فعندها تكون التهيئة الحافزة بمثابة المقبلات على تلك المائدة، وعناصر التهيئة الحافزة لا تنسحب على كل موقف صفي، فلكل صف ولكل معلم ولكل درس خصوصية، وربما يُغيّر المعلم الواحد التهيئة للدرس نفسه من صف إلى آخر. وتتمّ التهيئة على ثلاث مراحل، هي:
الأولى: تهيئة نفسية، وتتمثّل في إلقاء التحية، والسؤال عن أحوال الطلبة، وقد يُبادرهم المعلم بطرفة قصيرة مع شيء من البشاشة وتقبل الشعور.
الثانية: تهيئة مكانية، إذ يُجيلُ المعلم نظره في أرجاء حجرة الدرس، فيتفقد التهوية والإضاءة ونظافة المكان، ويوعز للطلبة بتحسين ذلك، ثم يُعدّ السبورة بتنظيفها وتدوين التاريخ عليها، وعنوان الدرس الجديد.
الثالثة، تهيئة علمية، وتتمثل في مراجعة التعلم القبلي المرتبط بالدرس الجديد، وهي ما يصطلح بعض التربويين على تسميته بالاستعداد المفاهيمي.
وللمعلم دور مُهمّ في تحديد الاستعداد المفاهيمي، وذلك عن طريق تحديد شجرة المفاهيم المتسلسلة والمتتابعة، إلى أنْ يصلَ إلى المفهوم الذي يريد نقله إلى الطلبة، وحتى ينجح المعلم في ذلك ينبغي له أنْ يمتلك الكفايات الآتية:
– معرفة دقيقة ببنية المنهاج العامة.
– معرفة دقيقة ببنية الدروس منفردة ومجتمعة.
– معرفة الاستعدادات النمائية للطلبة.
– معرفة البنية المنطقية للموضوع.
– قدرة على المطابقة بين بنية الموضوع المنطقية وبنية الطالب المنطقية، وتتمّ مراجعة الاستعداد المفاهيمي بطرائق عدة، منها: المناقشة الصفية التي يُجريها المعلم مع الطلبة باستخدام أسئلة محددة، تتعلق بكل مفهوم من المفاهيم السابقة الضرورية، وبذلك يستطيع تحديد المفاهيم والأبنية المعرفية المتمَثـلة عندهم، والمفاهيم الغامضة، والمفاهيم التي تحتاج إلى صيانة وترميم، والمفاهيم التي لم يتعرضوا لها وتُمثّلُ فجوة في بنائهم المعرفي.
إنّ عملية مراجعة الخبرات السابقة تُساعد المعلم على تحديد نقطة الانطلاق في التعلم الصفي، وتوفر الوقت والجهد المبذول، وتجعل المعلم قادرا على تحديد مستويات الطلبة وتصنيفهم، وتُساعده على تقدير مدّة الزمن الملائمة لتعليم الدرس الجديد، ومعالجة مواطن الضعف، فالطلبة قبل البدء بالدرس الجديد يقفون على درجات متفاوتة من الخبرات السابقة، وعملية مراجعة المتطلبات السابقة تجعلهم يقفون مُتقاربين عند مستوى خط البداية الذي يُمثل نقطة الانطلاق، وعندما يبدأ المعلم في إعطاء الدرس الجديد يكون قادرا على الارتقاء بالطلبة إلى درجات متقاربة عند النقطة التي تُسمّى حدّ الكفاية.
ويعتقد (جانييه) أنّ الاستعداد للتعلم ليس صفة مطلقة عند الطالب، تدلّ عليها مرحلة النمو المعرفي التي ينتمي إليها، بل إنّ الاستعداد للتعلم يختلف من موضوع تعليمي إلى آخر متأثّرا بأمرين:
– أولّهما، متطلبات تعلم الموضوع من قدرات سابقة تخضع لتسلسل معيّن.
– ثانيهما، المستوى الذي بلغه الطالب في تحصيله لتلك القدرات.
ويرى أنّ المغزى التربوي من نظرته إلى الاستعداد للتعلم واضح وبسيط، فالطالب يستطيع أنْ يتعلم أي شيء، شريطة أن يكون قد تعلم المتطلبات السابقة له، وإذا أردتَ أنْ تُعلم إنسانا قاعدة جديدة فعليك أنْ تُحدّد له متطلبات تعلمها، ثم تحدد ملاحظات عما يعرفه من هذه المتطلبات، وعليك بعد ذلك أنْ تساعده على اكتساب القدرات التي تسير به من المستوى الذي بلغه حتى المستوى الذي يصبح فيه قادرا على تعلم القدرة الجديدة وتمثّـلها.
أما المعلم فهو بحاجة إلى معرفة التعلم الذي يحمله الطالب معه عند بدء الموقف التعلمي الجديد، وهذه المعرفة تعتبر مهمة أساسية في التخطيط للتعلم الجديد من حيث أهدافه، ونشاطاته، وأسلوب تحقيقه، كما أنها تعين المعلم على مراعاة الفروق الفردية وتوظيف نشاطات تعليمية تعلمية تناسب مرحلة النمو الفعلي التي يمر بها الطالب.
إنّ الكشف عن الاستعداد المفاهيمي السابق يتحقق من اشتراك أكبر عدد ممكن من الطلبة، ومما يساعد المعلم على ذلك توجيه بعض الأسئلة الكاشفة، مثل: هل يمكنك إضافة شيء إلى هذه الإجابة؟ هل يمكنك وضع هذه الإجابة في صيغة أخرى؟ هل لديك شواهد وأدلّة على ما تقول؟ ويطلب المعلم من بقية الطلبة التعليق على رأي زميلهم، مثل: هل تؤيدون إجابة زميلكم؟.
إنّ الموجّه التربوي – بحكم عمله- يشاهد يوميا عددا من المواقف التعليمية، ويرى في كل موقف استهلالا مختلفا عن غيره، ولعله يكون مفيدا سرد نماذج من تهيئات حافزة حقيقية، استهلّ بها معلمون ومعلمات مواقف صفية ناجحة:
– معلم ابتدع حكاية عن حادث مروري رآه بأمّ عينه، أو ابتدعه من بنات أفكاره، وكان يرقب الانفعال على وجه كل طالب، ثمّ جعلَ من هذه الحكاية مدخلا لدرس: (حادث مرور).
– معلمة فوجئتْ بإحدى طالباتها قد عادتْ إلى المدرسة بعد إجازة مَرضية، فراحت تسألها عن مرضها، وعمّن عادتها من زميلاتها ومِن معارفها، ثم جعلتْ من ذلك الحوار مدخلا لدرس: (آداب الزيارة).
– معلم دخل الصف ودعا تلاميذه ليلعبوا معه لعبة درامية حركية، وطلب من بعضهم أنْ يكتبوا ما يرونه من مشاهد وحركات على قصاصات ورقية، وبعد انتهاء اللعبة خرج المعلم بأمثلة جاهزة عن ظرفي الزمان والمكان، وناقشها.
– معلمة أخرى استهلّتْ درس العروض عن البحر البسيط بسؤال الطالبات: مَنْ منكنّ سمعتْ من محطة الإذاعة الأغنية الآتية؟ وراحت المعلمة تُردد مترنّمة: " سبّل عيونه ومدّ إيده يحنّونه " إلى آخر الأغنية، ثم ربطتْ إيقاع الأغنية الجميل بتفعيلات البحر البسيط، وراحت الطالبات يرددنها مع المعلمة،
( مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن " .
– معلمة أخرى استهلّتْ درس: ( لن أبكي ) للشاعرة فدوى طوقان بدراما تمثيلية بين عدد من الطالبات وزميلة لهن، تقمصتْ شخصية الشاعرة دورا وشكلا، إلى أنْ وضّحتْ لبقية الطالبات سيرة حياة الشاعرة ومناسبة القصيدة.
إنّ المعلم – إذا رغب – يستطيع ابتكار كثير من المواقف ليتخذها مداخل للدروس، وكلما نضجتْ تجربته كان أقدر على توظيف تلك المواقف توظيفا مفيدا وجميلا وشائقا.
بقلم: د. محمد الجاغوب ،،، موجه اللغة العربية
أستاذي الكريم والفاضل محمد الجاغوب …
أقف وفاءً لما قدمته في عملك من جهد ووهج .. وهاهي ذي يد القلب ترتفع لتحييك متحدية جموح المسافات ، ولتقول لك : نهنئك بشهادة الدكتوراة ، بل نهنئ شهادة الدكتوراة بك… أسأل الله أن يكرمكم برضاه …ودمتم للخير والعطاء … |
أنا على يقين من أنّ هذه الدنيا لا تخلو ولن تخلو من الخيّرين أمثالك الذين يحفظون الودّ ويقدّرون روح الزمالة والصداقة والأخوّة رغم المسافات. أشكرك أخي من أعماق قلبي على المبادرة بتهنئتي وأنا فخور بما كتبت في مداخلتك وأحمد الله على تقتكم وودادكم فأنتم وسائر الإخوة في الميدان التربوي أعزّاء على قلبي وستظل منتديات منطقة الشارقة التعليمية مظلة تجمعنا بإذن الله.
عزيزي أحييك مرة أخرى ودمت بخير وسعادة.
أخوكم محمد الجاغوب