التصنيفات
الرعاية الاجتماعية و النفسية

|| أطفالنا الانطوائيون بين الواقع والمأمول ||

من الأمور المتفق عليها تربوياً ، أن الطفل تتبلور سلوكياته ، ويكتسب عاداته وقيمه ، وتتكون شخصيته ، وتنمى مهاراته في المرحلة الأولى من حياته أي منذ الطفولة المبكرة ، وبالتالي تكون الأسرة هي المنبع التربوي الأول الذي يستقي منه الطفل صفاته الشخصية وعاداته وقيمه ، ومهاراته الاجتماعية ، وسلوكياته الحياتية .. ولمــا لا ؟ والأسرة هي المحضن التربوي الأول التي ترعى البذرة الإنسانية منذ ولادتها ، ومنها يكتسب الكثير من الخبرات والمعلومات ، والمهارات ، والسلوكيات والقدرات التي تؤثر في نموه النفسي -إيجابا وسلبا – وهي التي تشكل شخصيته بعد ذلك ، وكما قال الشاعر أبو العلاء المعري :

وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
ومما لاشك فيه أن العصر الذي نعيشه يتصف بالمتغيرات السريعة والمتلاحقة ، في شتى المجالات الحياتية ، وبالتالي أصبحت التنشئة الاجتماعية في ظل هذه المتغيرات من الأمور الهامة والصعبة في آنٍ واحد ، وبالتالي فالأسرة تواجه كمًّا من التحديات المتعددة في عملية التربية لا حصر لها .
وربما أنتجت لنا هذه التحديات الكثير من الظواهر السلبية في التربية عند الأطفال ، مما يجعل البعض منا يتساءل عن كيفية التعامل مع مثل هذه الظواهر النفسية ، وكيفية التغلب عليها ومعالجتها .
ومن هذه الظواهر التي نحاول أن نلقي عليها الضوء في هذه السطور هي ظاهرة الانطوائية عند الأطفال ،
تعريف الانطوائية والفرق بينها وبين الحياء ؟ :-
-الانطوائية شعور الإنسان بالنقص والدونية أمام الآخرين وانسحابه من الحياة الاجتماعية وعدم التفاعل مع البيئة المحيطة به ، ويكون ذلك ناتجا من عدم امتلاكه للمهارات الاجتماعية الأساسية واللازمة في عملية التفاعل وقلة ثقته بنفسه ، وأما الحياء فإحساس أو شعور داخلي يدفعنا إلى احترام الآخرين وعدم التدخل فيما لا يعنينا ، فضلا عن كونه ترفعا عن المعاصي والآثام .
أهم ما يميز الطفل الانطوائي عن غيره من الأطفال
üيتمتع بالإحساس المرهف تجاه المواقف الحياتية .
üصوته خافتا أثناء الكلام ، وربما يتلعثم خارج محيط أسرته .
üيتمتع بالنظرة الشاردة والحزينة ،ويتجنب النظر في عين من يحدثه .
üضعيف القدرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية .
üيفضل الانعزال عن غيره من الأطفال .
üيرفض المشاركة في المواقف والمحافل الاجتماعية المختلفة ( رحلات – نوادي – حلقات تلاوة – الإذاعة المدرسية …. ) .
üشبكة الأصدقاء لديه محدودة .
üيتردد في اتخاذ قراراته ، و يحتاج إلي وقت من التفكير قبل صنع القرار .
الأسباب التي تدفع الطفل إلى الانطوائية
§ استخدام أسلوب العقاب مع الطفل بشكل مفرط ، خاصة الضرب المبرح .
§ التعنيف الدائم للطفل عندما يخطئ ، وعدم إثابته في حالة الصواب .
§ تلبية كل رغبات الطفل ، وتدليله بشكل مستمر .
§ عقد مقارنة بينه وبين غيره من الأطفال ممن هم في مثل عمره .
§ عدم العدل والمساواة بينه وبين بقية أخوته .
§ إهمال الطفل داخل المنزل وعدم مشاركته فيما يتعلق بالأسرة من مناسبات اجتماعية ، وعدم أخذ رأيه بحجة أنه مازال صغير السن .
§ اضطراب العلاقة الزوجية بين الآباء،
§ سوء العلاقة واضطرابها مع الأطفال الآخرين من الأشقاء في الأسرة
§ الاعتماد على الآباء في كل ما يتعلق بقضاء الحاجات.
§ ازدواج المعايير في المعاملة بين الأبناء من قبل الآباء .
دور التلفاز والحاسب الآلي في الانطوائية :-في دراسة د. ميرون أورلينس لمؤتمر ( الأسرة والتكنولوجيا والتعليم ) بجامعة إلينوي 1997م ، أكد أن استخدام الطفل للحاسوب ربما يؤثر على حياته الشخصية وعلاقاته الأسريةوعلاقاته بالأصدقاء ، وحذَّر من تصاعد المخاوف من ضعف النمو الاجتماعي للطفل الذييتزايد استخدامه له .
نظرة الإسلام إلى الانطوائية :-والقارئ لتراثنا الإسلامي يجد الكثير من المواقف التي تحث الإنسان على الجرأة وترغبه فيها ، وتطالبه بالبعد عن الانطوائية .. منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم :- ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) رواه أحمد ، ومما يروى في ذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :- ( إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ .. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : – فَاسْتَحْيَيْتُ .. فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أ:- َخْبِرْنَا بِهَا .. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: – هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي .. فَقَالَ : – لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ) رواه البخاري، ويروى أن عمر بن عبد العزيز قال لطفل – في مجلس حينما أراد أن يتحدث في وجود من هو أكبر منه سنا – : اجلس ودع غيرك يقوم ( أي من هو أحسنّ منك ) .. فقال الطفل : يا أمير المؤمنين المرء بأصغريه قلبه ولسانه فإذا جعل الله للعبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فهو المُقدّم ، ولو كان الأمر بالسِّن لكان هناك من هو أولى منك بالخلافة .. فأعجب به وجعله يتحدث .
فرصته في حياة صحية :-والواقع أن الأطفال الانطوائيين لا يتمتعون بحياتهم بشكل أفضل ، ويعترضهم الكثير من المتاعب والمشاكل في حياتهم ، فالصوت الخافت ، وقلة المهارات الاجتماعية أو انعدامها لديهم ، وصعوبة التواصل الاجتماعي مع الآخرين ، كل ذلك يحرمهم من الكثير من فرص الحياة الجيدة ، كما أنها تمنعهم من الاستفادة من مواهبهم وطاقاتهم وإمكانياتهم الموجودة لديهم ، وتجعلهم يعيشون في قالب واحد .
برنامج عملي لمعالجة الانطوائية لدى الأطفال:-
× الدعاء والإستعانة بالله فى ذلك الأمر ..
× الابتعاد عن الأسباب التي تجعل الطفل انطوائي السابقة الذكر .
× إقامة حوارات متواصلة مع الطفل ، وخاصة في الأشياء المحببة إليه ( طعامه وشرابه – ألعابه – ملابسه … ) .
× احتضان الطفل ، والتبسم في وجهه ، وأخذ رأيه في الأمور التي تناسب عمره الزمني ، وخاصة تلك التي تتعلق بالأسرة أو أشياء خاصة به ( شراء ملابسه – ترتيب المنزل …. ) .
× استماع آراء الطفل ، وعدم تجنب القصص التي يأتي بها بحجة ضيق الوقت أو عدم أهميتها .
× إشراك الطفل في القيام ببعض الأعمال التي تناسب عمره ( ترتيب غرفته – مساعدة الأم في المطبخ … ) .
× تشجيع الطفل على المشاركة في المحافل الاجتماعية المختلفة ( رحلات – حلقات تلاوة مسجدية – زيارات – الرياضة الجماعية ) وحثه على مشاركة أصحابه في أفراحهم وأحزانهم .
× تعليم وتدريب الطفل على النظر في عين من يحدثه .
× تشجيع الطفل على تكوين صداقات جديدة .. وخاصة من البيئة المحيطة به من أقربائه وجيرانه ، ولنساعده في بداية الأمر على ذلك بأن نقوم بدعوتهم لزيارته بعد الاتفاق معه .
× تجنب نصح الطفل أمام الآخرين ، وإنما إذا أردت أن تنصحه فليكن ذلك على انفراد ، مع التلطف في النصيحة .
× حث وتشجيع الطفل على ممارسة هواياته التي يحبها ، وخاصة تلك التي تسهم بشكل فعال في زيادة الجرأة لديه .
× إلحاق الطفل بروضة للأطفال ؛ ليخرج من عزلته ، ولأن ذلك يسهم بشكل فعال في دمج الطفل وسط الصغار ، وإكسابه العديد من المهارات الاجتماعية فضلا عن تكوين الصداقات العديدة .
× وأخيرا
همسة :-سأل معاوية بن أبي سفيان الأحنف بن قيس عن الولد ، فقال :- يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرض ذليلة ، وسماء ظليلة ، وبهم نصول عند كل جليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحوك ودهم ، ويحبّوك جهدهم ، ولا تكن عليهم قفلا فيتمنّوا موتك ويكرهوا قربك ويملوا حياتك. فقال له معاوية : لله أنت ! لقد دخلت علىّ وإني لمملوء غيظا على يزيد ولقد أصلحت من قلبي له ما كان فسد.

بقلم الخبير التربوي :- عصام ضاهر

يرفع لأهمية الموضوع
شكرا على هذا الموضوع الرائع …

و نتمنى المزيد من هذا يا صاحبة أرق قلم ..

شكرا لمرورك أخي الكريم وفقك الله
الشارقة
شكرا لمرورك وفقك الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.