قبل يوم الإثنين 24 – 11 – 2022 بسرعة
قالت العرب:الغربة كربة.إنه قولٌ مأثور يختصر تجربة قرون وقرون وقد قال الشاعر: كم من منزلٍ في الأرضِ يألفه الفتى و حنينه أبداً لأولِ منزلِ لا يشعر بقسوة الغربة إلاّ من كابدها، والكثير من المغتربين يصحو وينام على أمل العودة الى مسقط رأسه
العرض :"
بعضهم يطمع بجمع المال وبعضهم ينشد النجاح والشهرة ولكنهم جميعاً يبيتون ويصبحون على أمل العودة مهما كانت طموحاتهم كبيرةً. وأصعب الغربة تلك التي تكون تهجيراً بسبب ضياع الوطن أو فقدان الحرية، والمغترب قد يكون مسؤولاً عن إغترابه وقد لا يكون، أما المُهجّر بسبب الاحتلال أو بسبب الضغط فإنه يستعين بتهجيره على تحمّل آلام الاغتراب على أمل العودة منتصراً.وأما المغترب طوعاً بأمل الكسب والتحصيل أوالهجرة فإنه يمضي نهاراته ولياليه صابراً محتسباً عند ربّهِ حتى يأذن له بتحقيق الأهداف من غربته فيعود الى وطنه غانماً سالماً.الوطن كالصحة تاجٌ على الرؤوس لا يشعر به إلاّ الذين يفقدونه.الوطن حماية،ضمانة،أمان وسكينة،إنه مجموعة من الحقوق تلتزم السلطة ضمانتها وحمايتها من التعسّف، بمقتضى العقد الاجتماعي الضمني الذي يتوافق عليه الشركاء في الوطن. لكن الوطن ليس فقط مجموعة من الحقوق بل تقابلها مجموعة من الالتزامات والواجبات،إذا نَكَلَ المواطن الشريك عن أدائها يفقد بالضرورة حق مطالبة باقي الشركاء بتنفيذها.المهم إذاً أن يقرّر كل منا ما إذا كان فعلاً ملتزماً بواجبات المواطنة قبل أن يطالب بحقوقها. فكيف يسمح رجل أعمالٍ لنفسه أن يطالب بحقوق المواطنة وهو في الوقت ذاته يقوم بترحيل فوائضه المالية التي جناها من الاستثمار في وطنه ليستثمرها أو ليودعها في الخارج في حين يزداد عدد العاطلين عن العمل من شركائه في المواطنة ولم يتحسّن،إذا لم يكن قد تردى،مستوى معيشة غالبية المواطنين الشركاء في الوطن بالرغم من أن بعض الحيتان قد أصيب بالتشحّم (زاد شحمه حتى درجة المرض).كيف يجوز للشريك في عقد اجتماعي يرتِّب بناء وطن يقوم على حق المواطنة أن يضرب عرض الحائط بكل القوانين ويفرض ارادته المنفردة دون أن يتناوله القضاء بعقوبة،كيف يجوز له أن يحتج بحق المواطنة عندما يزعجه صراخ الأطفال أمام قصوره ويطالب بإبعادهم عن عزبه أو يرسل صبيانه "لتربيتهم".بل كيف يحق لأحدنا أن يتذرّع بحق المواطنة وهو لا يدفع الضرائب المستحقة عليه وقد يكون سبباً في عزل مراقب الضرائب إذا لم يقبل منه رشوى ليخفّض تكليفه الضريبي.ألم يصل الى أسماعنا أن بعض أساتذة الجامعات يقضون الفصول الدراسية دون دخول قاعات الدروس وأن بعضهم قد لا يكلّف نفسه تصحيح أوراق الامتحان بل يكتفي بالتنجيح والترسيب على هواه ولغاية في نفس يعقوب. فهل يجوز لمن يزعم أنه طليعي وقائد فكري أن يقوم بمثل هذه الممارسات ثم يسمح لنفسه بمناسبة أو من دون مناسبة التشدّق بمقولة المواطنة وأحياناً يحتج بها ليطالب بمزايا إضافية!! ألم نرَ كثرة الإعلانات بالصحف ونشرات الاعلان عن الدروس الخصوصية التي يقوم بها مدرسون من الثانويات وكثيرون منهم يستقبلون تلاميذهم في المنازل لقاء مبالغ كبيرة لا يستطيع دفعها إلاّ الموسرون. ويرى بعض الأهل أن المعلمين والمدرسين لا يبذلون الجهد الكافي في المدارس حتى يضطرالتلاميذ الى الدروس الخصوصية!! بل كيف يتصورالموظف حقه في متطلبات المواطنة وهو لاهٍ عن عمله منصرفٌ عن أداء واجبه،مقصِّرٌ في تقديم الخدمة المطلوبة منه يعرقل أعمال الناس لابتزازهم!! وكيف للعامل أن يدّعي حق المواطنة وهو يحجم عن العمل أوعن الاهتمام بالآلة التي يعمل عليها وقد يُلحٍق بها أضراراً يصعب إصلاحها!الأمثلة حول نقص روح المواطنة كثيرة لا تُحصى!!
الخاتمة :"
إن الوطن شراكة والمواطنة مشاركة، الحق بخيرات الوطن حقٌ مشترك والدفاع عن الوطن واجب مشترك ويخطىء من يعتقد أن الدفاع عن الوطن يكون بالمجهود الحربي الدفاعي فقط وإنما يكون بالإسهام في بناء الإقتصاد وزيادة الميراث الوطني،بل يكون ايضاً بإعلاء حق المواطنة وإتاحته لكل شريك، يكون أيضاً بإرساء قواعد العدل التي تتيح لكل مواطن الحصول على حقوقه وتلزم السلطة،التي هي نتاج عقد اجتماعي أيضاً،أن تقتص من المعتدي على حقوقه فتردها له.جميلٌ جداً القول المأثور: لكي يكون الجميع للوطن يجب أن يكون الوطن للجميع.وإذا لم يكن الجميع للوطن فإن الوطن يكون في خطر:خطر تراجع دوره في منظومة العالم،خطر تعرّضه للعدوان دون أن تتوافر إرادة التمسّك به وتضحيات الدفاع عنه.إن حماية الوطن مسؤولية جميع الشركاء فيه ولكن يصعب أن يضحي الشركاء بأموالهم وأبنائهم وبأرواحهم إذا لم يكن الوطن ضامناً لهم العيش الكريم والحرية المصانة والحماية.قالت العرب الفقر في الوطن غربة.غير أن الفقر وحتى الحرمان لا يجيزان لأحد الاستقالة من الوطن.فلا يجوز لأحد أن يستقيل من الوطن سواء كان في السلطة أو كان من عامة الشعب،أكان موالياً أو معارضاً! إن الاستقالة من الوطن هروب من المسؤولية تُفقد المستقيل حق المواطنة وكل الحقوق المترتبة عليها. وأسوأ أشكال الاستقالة من الوطن يكون في الاستقواء بالخارج كائناً من كان هذا الخارج وفي استعدائه على المقوِّمات الوطنية.فلنتقِ الله جميعنا في وطننا.