"الإدمان الإلكتروني" بداية الطريق نحو الإعاقة الجسدية للأطفال

تحقيق: يمامة بدوان

تعتبر ألعاب الأطفال مصدراً لتكوين قدراتهم الذهنية والعقلية والجسمية، إلا أنها في الوقت ذاته تعد مصدراً خطراً على صحتهم خاصة إذا كانت رديئة التصنيع والتصميم، وعادة ما يتم تصميم اللعبة كي تتناسب مع مستويات الاعمار وقدرات الأطفال حيث ان مستوى سلوكيات الطفل في استخدام اللعبة مرتبط بمستوى نضوجه الذهني، إلا أنه وفي حال اساءته استخدام اللعبة قد يتسبب لنفسه بأضرار غير متوقعة، وعلى الرغم من الفوائد التي قد تتضمنها بعض الألعاب الا ان سلبياتها اكثر من ايجابياتها لأن معظم الألعاب المستخدمة من قبل الاطفال والمراهقين تستخدم لفترات طويلة وقد تؤدي إلى وقوع اصابات خطيرة، فقد حذر خبراء الصحة العالمية من ان تعود الاطفال على استخدام اجهزة الحاسوب والإدمان عليها ربما يعرضهم إلى مخاطر وإصابات قد تنتهي الى إعاقات أبرزها اصابات الرقبة والظهر والأطراف.

وأشاروا إلى ان هذه الاصابات قد تظهر عادة لدى البالغين بسبب استخدام تلك الألعاب لفترات طويلة مترافقاً مع الجلوس الخاطئ، كما كشف العلماء ان الوميض المتقطع بسبب المستويات العالية والمتبانية من الاضاءة في الرسوم المتحركة في هذه الألعاب، يتسبب في حدود نوبات من الصرع لدى الأطفال، كما يحذر العلماء من الاستخدام المتزايد لهذه الألعاب والذي قد يسبب امراض ارتعاش الاذرع والأكف.

“الخليج” التقت عدداً من الأطباء والمتخصصين الذين اوضحوا ان سوء استخدام الطفل للألعاب قد يتسبب بإصابات في مناطق عديدة بالجسم مثل الأنف والأذن والفم والعين، إضافة إلى آلام في الظهر والمفاصل نتيجة طول ساعات اللعب دون الحراك، كذلك حالات الاختناق بسبب بلع اجزاء صغيرة من اللعبة أوبعض حالات التسمم الناتجة عن زيادة استخدام اية عناصر أو مركبات كيماوية في حال لم يتم تصنيعها وفقاً للمعايير المطلوبة والآمنة، إلى جانب جهل العديد من الأهالي بالألعاب التي تتناسب مع الفئة العمرية لأطفالهم، بينما أوضح المختصون أهمية اللعب الجماعي لدى الأطفال الذي ينمي القدرة على التواصل بينما يعمل اللعب الفردي على تنمية الانانية وحب الذات مستقبلاً.

الوميض المتقطع للإضاءة في الرسوم المتحركة يتسبب في نوبات من الصرع

الدكتور مصطفى الطاهر، اخصائي انف وأذن وحنجرة يقول إن لعب الأطفال يمكن ان تتحول الى التسبب بأذى للطفل وفي احيان نادرة قد تسبب الوفاة، وعلى سبيل المثال فإن ألعاب الأطفال الصغيرة والتي يمكن ان تستحوذ على تفكير الطفل يقوم بحشرها داخل الأذن مثل قطع البلاستيك الصغيرة وقطع الخرز والحجارة الصغيرة، وعند لجوء الأم إى تنظيف اذن الطفل تنزلق هذه القطعة داخل الأذن، مشيراً إلى أن الاعراض التي قد يشكو منها الطفل تتفاوت حسب نوع الجسم الغريب فيمكن ان تكون مجرد انزعاج أو ألم أو حالة هستيرية، حيث يتم اللجوء إلى استخدام الملقط لاخراج الجسم الصلب، أما في حالة قطع الخرز فيتم اخراجها بعد اعطاء التخدير الكامل للطفل حتى لا يتسبب تحركه نتيجة الخوف بأي جرح في الأذن.

أما بالنسبة للأخطاء التي قد يرتكبها الأطفال خلال اللهو بألعابهم مما قد يؤدي إلى إدخال جسم غريب إلى الأنف فيوضح ان الطفل قد يقوم بحشر اجسام غريبة في انفه مثل الازرار، أو قطع من الصلصال أو الورق، إلا أن أخطر الحوادث هي حجارة البطارية الصغيرة لأنها تتحلل داخل الانف وتخرج منها المادة الكاوية فتسبب حرق الغشاء المخاطي للأنف ومضاعفات مزعجة مثل الالتهابات الصديدية المزمنة في الأنف، لافتاً إلى أن اعراض الاجسام الغريبة في الأنف التي قد يعاني منها الطفل تتفاوت ما بين الألم والانسداد والنزيف والعطس الدائم والافرازات المخاطية الدموية المزمنة التي غالباً ما تكون من فتحة أنف واحدة وليست الفتحتين معاً.

حالات حرجة

ويوضح الدكتور محمد صفوان الموصلي، ماجستير طب الأطفال والرضع وحديثي الولادة ان الطفل عند بلوغه حوالي السنة يبدأ بالحركة، لذلك يمكنه اللعب بأي شيء يتوافر له والعديد من اللعب تتخذ ابعاداً جديدة بالنسبة إليه عندما يكتشف فيها أشياء لم يعرفها من قبل، فتقوى اواصر العلاقة بينهما ويصطحبها إلى أي مكان حتى إلى السرير، وهنا سوف يكون قد اكتشف عدداً كبيراً من الأدوات وأصبح يعرف كيفية اللعب بها.

ويضيف: في هذه السن يجد الآباء انفسهم يقبلون على شراء أو اقتناء عدد كبير من الألعاب الجديدة، لأن الطفل اصبح لديه الاستعداد والقدرة بشكل واضح على الاستمتاع بالعديد من الأشياء المختلفة، لذلك فإن الاختيار من هذا المجال الهائل من اللعب يحتاج لبعض التفكير، فلا أحد يعرف الاطفال وبيئتهم مثل آبائهم الذين يتوجب عليهم اختيار ما هو مناسب وضروري لأطفالهم.

وأشار إلى أنه يتوجب على الآباء قبل شراء الألعاب التفكير بأنها توفر الأمان لأطفالهم، حيث إن الاختيار غير الصحيح وغير المنتظم للعب يجعل من هذه العملية شيئاً مستحيلاً، فالاصباغ السامة وعيون الدمى غير المثبتة جيداً والاطراف الحادة خطرة بالنسبة إلى أي سن وخصوصاً الأطفال.

الجلوس الخاطئ

بينما يوضح الدكتور أحمد السبع، اخصائي جراحة العظام والمفاصل ان الألعاب التي يمارسها الطفل طيلة فترة جلوسه تنعكس سلباً على صحته، حيث إنها تشمل العاباً الكترونية تجعله مشدود العضلات في وضع خاطئ تؤثر سلباً في العمود الفقري والمفاصل، كما أن غالبيتها تتكون من العاب عبارة عن مطاردات بوليسية تشمل القتل والعنف المفرط وسباق السيارات والسرعة، إلا أن أسوأ هذه الألعاب هي البلاي ستيشن والتي يمارسها الطفل وهو مستلق على بطنه رافعاً عنقه ورأسه إلى الأعلى في مواجهة الشاشة لساعات طويلة الأمر الذي يؤثر سلباً في تكوينه الجسماني.

ويضيف: ان جلوس الطفل لساعات طويلة يمارس فيها ألعابه وفي وضع خاطئ يسبب له آلام عضلية ومفصلية نتيجة التيبس الناجم عن طول فترة الجلوس وقد تتطور الآلام إلى أمراض مزمنة، اضافة إلى أن ممارسة ألعاب العنف والقتل الالكترونية تسبب توتراً عضلياً وعصبياً مستمراً مصاحباً لطول استخدام مثل هذا الألعاب.

أما الدكتورة وفاء الشاعر اختصاصية طب أمراض وجراحة العيون فتشير إلى ضرورة ان يتم اختيار ألعاب الأطفال حسب الفئة العمرية وألا تحمل الألعاب خطورة تسببها للأطفال مثل الحافاة الحادة التي يمكن ان تؤذي الطفل وتسبب له جروحاً بسيطة أو عميقة تشكل خطورة على العين والتي منها ما يؤدي لفقدان البصر مثل انفصال الشبكية اذا لم يتم علاج الاصابة فور حدوثها.

وتضيف: ان بعض ألعاب الاطفال التي تحتوي على اشعة الليزر مثل الأقلام التي تستخدم كمؤشر في شرح موضوع ما، إذا نظر الطفل لأشعتها بشكل مباشر لمدة تزيد على عشر ثوان فإنها تؤذي العين ويمكن ان تسبب حرق الشبكية، اضافة إلى الاعراض النفسية التي تلحقها بالطفل كفقدان التركيز.

سيكولوجية اللعب

وعلى صعيد آخر يقول الدكتور أحمد فلاح العموش، رئيس قسم الاجتماع في جامعة الشارقة ان الدراسات العالمية في (سيكولوجية اللعب) تشير إلى أن الغالبية العظمى من الاطفال دون سن 12 على المستوى العالمي متعلقون بالألعاب الالكترونية وهذا يجعلهم تحت خطورة الإدمان الالكتروني حيث تبدو عليهم ملامح الانسحاب الاجتماعي من الحياة الأسرية والاجتماعية، ويضيف: أدى التقدم التقني وما صحبه من تغير اجتماعي إلى تغير مكونات الألعاب فتحولت من جماعية اجتماعية مرتبطة بالفريق إلى فردية، كما يرى المختصون في مجال اللعب الاجتماعي أن الأطفال اليوم يتسمون بالانانية المفرطة وحب الذات والانعزال، حيث إن طبيعة الألعاب المستجدة والتي غالباً ما تتطلب ان يلعب الطفل بمفرده، إلا أنه وعن طريق التعايش مع هذه الألعاب تصبح نشاطاً روتينياً لدى الطفل ويتعلق بها بحيث لا يستطيع الانفكاك عنها.

وذكر الدكتور العموش ان المجتمعات العربية تعد من أكثر الأسواق العالمية رواجاً في مجال استيراد الألعاب الالكترونية. أما بالنسبة للحلول المقترحة لمكافحة ظاهرة التعلق بالألعاب الالكترونية فيقول الدكتور العموش إنها عديدة أهمها أن على الآباء تخصيص ساعات كافية مع اطفالهم لمتابعة شؤونهم الأسرية، والتعريف بمخاطر هذه الألعاب وآثارها، وتحديد أوقات معينة للعب يومياً، وايجاد بدائل للألعاب الالكترونية، وتحديد ساعات اسرية يومياً يقضيها الوالدان بهدف تعزيز الجانب النفسي والعاطفي للأطفال.

فيما يرى روحي عبدات اختصاصي نفسي تربوي أن السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل تلعب دورا اساسيا في تكوين شخصيته المستقبلية واتجاهاته ميوله، وطريقة تعامله مع المواقف الحياتية المحيطة به، لذلك فإن المناشط التربوية التي تقدم للطفل منذ الصغر لها دور بالغ في زرع القيم والاتجاهات المجتمعية والثقافية عنده، وتؤسس فيه الكثير من جوانب التفكير والسلوك التي ترافقه على مدى طويل من حياته. ويوضح ان ألعاب الأطفال تختلف تبعا للدور الاجتماعي للطفل وطبيعة الحياة الثقافية والاجتماعية التي يعيشها، فالأطفال الذكور يميلون للألعاب التي تعتمد على الخشونة والمخاطرة في كثير من الأحيان، فيما تميل الفتاة نحو الألعاب التي تهيؤها وتعدها كزوجة للمستقبل ولدورها الأمومي، لذا فإن اختيار الطفل لألعابه تنعكس على قيامه بدوره المستقبلي في الحياة، وإن الاضطراب في عملية اختيار الألعاب يشكل خطورة على قيام الطفل بدوره المستقبلي وهويته الشخصية كذكر أو أنثى، وإن اختلاط هذا الدور منذ الصغر يؤدي الى مرافقته للطفل في مراحل متقدمة من عمره، وبالتالي اختلاط دوره الذكوري أو الأنثوي في سن الرشد.

إلزام المستوردين بتطبيق متطلبات السلامة

يقول المهندس رضا سلمان، رئيس قسم سلامة وحماية البيئة في بلدية دبي، ان القوانين المحلية في الإمارة ألزمت مستوردي ألعاب الاطفال والعاملين في مجال تداولها بتطبيق متطلبات السلامة الأساسية المعتمدة لدى البلدية، كما فرضت عليهم إجراء فحوصات وتجارب عليها للتأكد من أنها لا تشكل خطرا على صحة وسلامة الاطفال، اضافة الى توفر شهادات تثبت مطابقتها للمواصفات المعتمدة لدى البلدية.

وأشار الى أن متطلبات السلامة الأساسية في لعب الأطفال وفق الأمر المحلي رقم 11 لعام 2022 هي متطلبات السلامة المعتمدة وفق المعايير القياسية الأوروبية (EN71) للعب الأطفال او أي معايير أخرى مماثلة لها.

ويوضح ان الإرشادات الفنية التابعة لبلدية دبي طبقت الأوامر المحلية للإمارة في أنظمة سلامة لعب الأطفال وقيدت مصنعي او بائعي اللعب بالالتزام بجميع اشتراطات ومتطبات السلامة الواجب توفرها في لعب الاطفال المعروضة للبيع وعلى أي منتج أو مادة مصممة لاستخدام الاطفال ممن تقل اعمارهم عن 14 سنة منها اللعب الميكانيكية او الكهربائية او الأراجيح أو أحذية التزلج أو أي ألعاب مشابهة، لافتاً الى أن الإرشادات الفنية رقم 67 الخاصة بمتطلبات السلامة في لعب الاطفال التزمت بالأمر المحلي رقم 91 لعام 1991 بشأن أنظمة حماية البيئة في إمارة دبي، حيث تناولت الإرشادات الفنية حظر بيع وتوزيع لعب الاطفال الخطرة وتصميم وتصنيع اللعب وفقا للمعاير المطلوبة الآمنة، وعدم التعارض مع الدين أو العادات او التقاليد، اضافة الى تراكيز العناصر الكيميائية ضمن المستويات اليومية المسموح بها، وضرورة لصق البطاقات الإرشادية المناسبة ووضع علامات تحذيرية وتعليمات على عبوات لعب الأطفال وتوضيح الفئة العمرية لمستخدمي اللعبة، كما يحظر بيع الألعاب التي تحتوي على مواد قابلة للانفجار او عناصر مشعة او اشعة ليزر أو فوق بنفسجية.

تغريم المحلات غير الملتزمة

يتكون “برنامج سلامة لعب الأطفال” من عمليتين رئيسيتين هما عملية التفتيش اليومية التي يقوم بها قسم حماية البيئة والسلامة على محلات بيع وتوزيع لعب الأطفال بكافة انواعها، والثانية عملية أخذ عينات لعب الأطفال التي يقوم بها القسم نفسه بالتعاون مع مختبر دبي المركزي من محلات بيع وتوزيع اللعب بهدف اختبارها (فيزيائياً، وكيميائياً وقابلية الاشتعال)، كما ان المفتش يقوم بزيارة جميع محلات وأسواق بيع الألعاب التجارية في إمارة دبي، حيث انه وخلال عملية التفتيش اليومية يقوم بمراقبة نوعية الألعاب المعروضة، والتأكد من خلو المحلات التجارية من ألعاب ممنوعة او معمم عليها من قبل الأمانة العامة للبلديات، كذلك يقوم المفتش بالتأكد من وجود الإرشادات والتعليمات على عبوات الألعاب وجميع التحذيرات ووجود علامة (CE) اضافة الى الملصقات التي تتوافق مع المعايير الأوروبية (EN71) والأمريكية.