أولاً: الحرمان
لكي ينمو الطفل نموًّا سليمًا لا بدَّ من توفير مطالب النمو التي تتطلبها مراحل النمو التي يمر بها، وإذا حرم الطفل من الحصول على هذه المطالب؛ سواء كانت هذه المطالب طعامًا أو خبرةً أو محبةً، فإنَّ ذلك يعيق عمليَّة نموه.
ومن أنواع الحِرْمان التي قد يتعرَّض لها الطفل: الحرمان من الأمومة، والحرمان الحسي، والحرمان الثقافي، وسوف نقدم ملخصًا عن كل من هذه الأنواع فيما يلي:
1 – الحرمان من الأمومة:
السنوات الأولى من حياة الطفل مهمَّة جدًّا، وفيها يوضع أساس تشكيل شخصيته، وللأم دورٌ كبيرٌ وخطير في هذا المجال، ومن أهم أنواع السلوك التي يتعلَّمها الطفل في بداية السنة الأولى من عمره – الاستجابات الاجتماعيَّة للآخرين، ويتم تعلُّم هذه الاستجابات من خلال تفاعل الطفل مع أمه، فاستجابات الطفل الاجتماعيَّة مثل: الابتسام لأمه، أو الاستجابة بتغيرات الوجه لها أو لمن يقوم مقامها، لا تلبث أن تعمم على الآخرين؛ أي إن الطفل يتعلم كيف يستجيب استجابة اجتماعيَّة لغير الأم؛ كما يستجيب لأمه.
وقد يتعرَّض الطفل لحرمان من الأمُومَة، وهذا الحرمان إمَّا أن يكون جزئيًّا أو كليًّا، فالحرمان الجزئي يحدث نتيجة الحياة مع أم أو بديلة عن الأم؛ كإحدى القريبات، ويكون اتجاهها نحو الطفل غير وديٍّ، فالطفل الذي تتركه أمه يصرخ ساعات لقضاء عمل لها في المنزل، وكذلك الطفل الذي تهمله أمه تمامًا، إمَّا لجهلها أو لعدوان لا شعوري عندها نحو الطفل نتيجة خبرات في طفولتها.
أمَّا الحرمان الكلي من الأمومة فيحدث نتيجة لفقدان الأم أو بديلتها الدَّائمة بالموت أو الطَّلاق، دون أن يكون للطفل أقارب مألوفون لديه يقومون برعايته، كما قد يكون نتيجة إبعاد الطفل عن أمه نظرًا لسوء التَّوافق بين والديه، أو لمرض أمه.
الآثار المترتبة على الحرمان من الأمومة:
تشير الدَّلائل إلى أنَّ الأطفال الذين تربيهم أمهاتهم في ظروف عائليَّة سويَّة عادية، ينشؤون أحسن حالاً من الأطفال الذين ينشؤون في مؤسسات لا تقوم التَّنشئة فيها على العلاقات الشَّخصيَّة مما يحرمهم من الشعور بدفء الأمومة، ويختلف مدى تأثير الحِرْمان من الأمومة على الأطفال بعدَّة عوامل منها: العمر الذي يفقد فيه الطفل رعاية أمه، وطول فترة الحرمان، ودرجة أو مستوى نقص رعاية الأم، فالطفل الذي يُحْرَم من الأم في السنة الأولى من عمره – وخاصَّة في بدايتها – يفقد شهيته للطعام، ويقل نومه، ويميل للخمول، وعدم الزيادة في الوزن، وهو لا يستجيب للمُدَاعبة بالابتسام، أما إذا ابتعد الطفل عن أمه في السنة الثانية أو الثالثة من عمره، فإنه يحس بالقلق والحزن، ويكف عن الكلام، ويكثر من البكاء، ويرفض الطعام والنوم، ويصر على أن يُحْمَل.
ومن جهة ثانية، فإنَّ الطفل يعود إلى السلوك السوي إذا عادت العلاقات الطيبة بينه وبين أمه بعد فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر، أمَّا إذا استمر الحرمان من الأم فترة تزيد عن خمسة شهور، فإنه لا يتحسن بل يزداد تأخرًا.
ويعتمد مدى تأثر الطفل بحرمانه من أمه كذلك على درجة العلاقة بينه وبين أمه، ودرجة النَّقص الذي تعرض له من الرعاية، فالأطفال الذين كانوا على علاقة قويَّة وسعيدة مع أمهاتهم يُقاسُون أكثر من الأطفال الذين لم يكونوا على مثل هذه الدرجة من العلاقة لو فقدوا أمهاتهم، وإذا بقي الطفل المحروم من الأم في مؤسسة واحدة فترة زمنيَّة أطول، ولقي الرعاية الممتازة من أم بديلة، فإنَّ هذه الرعاية تقلل من الآثار الضَّارة المترتبة على الحرمان من الأمومة، وفيما يلي ما يترتَّب على هذا الحرمان من آثار قريبة المدى، وآثار بعيدة المدى.
أ – الآثار قريبة المدى:
1 – استجابة عدوانيَّة تجاه الأم عند عودة الاتصال بها، وقد تتخذ أحيانًا صورة رفض التَّعرف عليها.
2 – الإلحاح المتزايد في طلب الأم أو بديلتها ترتبط في الرَّغبة الشَّديدة بالتَّملك.
3 – تعلق مرح ولكنه سطحي بأي شخص بالغ في محيط الأسرة.
4 – انسحاب بلا مبالاة من جميع الرَّوابط الانفعاليَّة، فقد أشار "سبيتيز" إلى أنَّ نسبة 15 % من الأطفال الذين يقضون السنة الأولى من حياتهم في مؤسسات وهم بعيدون عن الأم – بدأت تظهر عليهم خلال النصف الثاني من السنة الأولى من أعمارهم أنواع من السلوك غير العادي مثل: البكاء المستمر، ثم زال البكاء بعد عدَّة شهور، وبدا عليهم عدم الاكتراث بالناس وخصوصًا الرَّاشدين منهم، فقد كان هؤلاء الأطفال يجلسون وعيونهم مفتوحة لا تعكس أي تعبير، وينظرون إلى مكان بعيد؛ وكأنهم في غيبوبة.
ب – الآثار بعيدة المدى:
تشير الدراسات إلى وجود آثار بعيدة المدى يمكن أن تصبح أحيانًا نكبات على الأطفال الذي يمرون بخبرات مؤلمة؛ نتيجة الحرمان الشديد من الأم، وتتلخَّص هذه الخبرات بعدم وجود أي فرصة لتكوين ارتباط مع صورة الأم أثناء السنوات الثلاث الأولى، أو حرمان الطفل من أمه لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، وقد تمتد أكثر من سنة أثناء السنوات الثلاث أو الأربع الأولى، أو الانتقال بين صورة وأخرى للأم في الفترة نفسها.
وبالمقارنة بين مجموعتين من الأطفال الأيتام الذين لم يتلقوا عناية من الأم من قَبْلُ، إذا تربَّتِ المجموعة الأولى خلال السنوات الثلاث الأولى في المؤسسات قبل أن تنتقل إلى أسر بديلة، ونشأت الثانية من بداية الأمر في أسر بديلة عن الأم، تبين أن المجموعة الأولى – والتي تربَّت في المؤسسة – تختلف عن المجموعة الثانية بما يلي:
1 – تكوين ميول مضادة للمجتمع، وعدم القدرة على تكوين علاقات اجتماعيَّة سليمة مع الآخرين.
2 – تأخر في النمو العقلي، واستمرار ذلك حتى المراهقة.
3 – تأخر في النمو اللغوي، وظهور مشكلات النطق والكلام واستمرارها طويلاً.
4 – تأخر في النمو الجسمي والحركي.
5 – اتصاف سلوكهم بالعدوانيَّة ضد الآخرين، كالضرب، وتدمير الممتلكات.
6 – الغضب والسرقة والكذب.
7 – الميل للاتكاليَّة والاعتماد على الكبار.
8 – عدم القدرة على التَّكيُّف الاجتماعي والانفعالي، والميل للانعزال، والبرود الانفعالي، واستمرار ذلك إلى فترة المراهقة.
الوقاية من الحرمان من الأمومة:
1 – عند فقدان الأم بسبب الموت أو المرض أو الطلاق، فإنَّه يجب رعاية الطفل من قِبَل أم بديلة قادرة على أن تُقَدِّم له كل الرعاية، والاهتمام، والحب.
2 – عدم تكرار ما عاناه الوالدان من حرمان في طفولتهم مع أبنائهم؛ بل يجب عليهم منح الأطفال الرعاية، والحب، والاهتمام؛ حتى لا تعود القصَّة من جديد.
3 – ضرورة تفاعل الأسرة مع الأقارب حتى يتمكَّن الأطفال من الحصول على العطف من أقاربهم إذا عجزت الأسرة عن تقديم هذا العطف في بعض الأحيان.
4 – إشعار الطفل بأنه مقبول ومرغوب فيه من قِبَل الوالدين وخاصَّة الأم، وترجمة هذا التَّقبُّل إلى عمل.
5 – يجب على المجتمع تقديم الرعاية الكافية للأطفال المحرومين من الحياة الأسريَّة السَّويَّة، من خلال إقامة المؤسسات الاجتماعيَّة؛ كالمبرات، وقرى الأطفال.
ومن الجدير بالذكر أنَّ "الأردن" كانت من الدول الرَّائدة في العالم في مجال تأسيس قرى الأطفال، إذ أنشأت قرية للأطفال في بلدة "طارق"، يعيش فيها الطفل المحروم من الأمومة في جَوٍّ أسريٍّ يلقى فيه الرعاية اللاَّزمة، مما ينعكس إيجابيًّا على سلوكه الاجتماعي، ويقلل من أضرار الحرمان من الأمومة على سلوكه.
2 – الحرمان الحسي:
الحرمان الحسي خاصية تتميَّز بها مؤسسات الإيداع التي يسوء فيها نمو الأطفال الرُّضَّع، ففي دراسة قام بها "سبيتيز" لأطفال كانوا يعيشون في مثل هذه المؤسسات، ظهر افتقار هذه المؤسسات إلى لِعَب الأطفال، وكان الأطفال لا يُحْمَلُون إلا نادرًا، كما أنَّ جميع جوانب الأسِرَّة التي ينامون عليها كانت تغطى في أغلب الأحيان، وبذلك كانت كل خبرة الطفل البصريَّة مجرد النَّظر إلى سقف الغرفة الفارغ، بالإضافة إلى ذلك الغرف هادئة بحيث إنَّ الطفل لم يكن يتلقى إلا أقل تنبيه سمعي، مما أدَّى إلى أن أصحبت التَّنبيهات الحسيَّة عندهم ضئيلة جدًّا.
الحد من الحرمان الحسي:
إنَّ التَّنبيه الحسي، وأدوات اللعب، وفرص التَّعليم الحركي، كل هذه مشتركة مع غيرها من العوامل لها آثارها على نمو الطفل، لذلك كان من الضَّروري توفير أدوات اللعب، والمنبهات الحسيَّة للطفل؛ حتى يتيح له نموًّا عقليًّا واجتماعيًّا سليمًا، وتجنبه الخمول، وأضرار الحرمان الحسي.
3 – الحرمان الثقافي:
للعامل الثَّقافي تأثير كبير على السلوك النَّفسي للطفل، وعلى نموه العقلي، فإذا تعرَّض الطفل لحرمان ثقافي فإنَّ ذلك سيؤدي به إلى آثار اجتماعيَّة سيئة، وإلى ضعفٍ في نموه الجسمي، والنفسي، والثقافي.
يرجع الحرمان الثَّقافي إلى عوامل اقتصاديَّة، فالفقر يسبب العجز التَّام للوالدين عن تدبير ميزانيَّة الأسرة، كما أنَّ كبر حجم الأسرة يؤدي إلى إهمال الطفل أكثر من الأطفال الذين يعيشون في أُسَر صغيرة، ومن العوامل التي تؤدي لهذا الحرمان أيضًا: كثرة مرات الحمل المتتالية والقريبة عند الأم، مما يؤدي إلى اعتلال صحتها، وعدم القدرة على رعاية أطفالها والعناية بهم عناية كافية، وظروف السكن السيئة في الأماكن الفقيرة المزدحمة بالناس، وكذلك انشغال الأم يقلل من توفير العناية للأطفال.
وقد وجد الباحثون أنَّ الوالدين في كثير من هذه العائلات الفقيرة ليس لديهم شعور بالمسؤولية، والنظام مُنْعَدِم في منازلهم، كما أنَّه لا توجد في هذه المنازل كتب أو مجلات تناسب الأطفال ولا غيرها من الوسائل والأدوات ليتعلَّم منها الأطفال، ويترتَّب على ذلك أن يحس الطفل بأشد مشاعر افتقاد الأمن؛ بسبب البؤس الشديد الذي يعيشه، ونتيجة الحرمان الذي يعاني منه؛ بسبب الحاجة إلى الغذاء، والملبس، والمسكن، وغير ذلك.
وقد بيَّنتِ الدراسات أنَّ المستوى العقلي للأطفال يرتفع في الأسر التي تتمتع بمستوى مرتفع للمعيشة، وعلى العكس من ذلك فإنَّ أسر الطَّبقة الفقيرة يقل فيها عدد المتفوقين نسبيًّا.
لذلك نستطيع أن نقول بأنَّ الأطفال الذين ينتمون إلى أسر تكتنفها الظروف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة غير الملائمة هم ضحايا البيئة غير الملائمة لنموهم الجسمي، والنفسي، والعقلي.
الحد من الحرمان الثقافي:
للحد من الحرمان الثقافي وما يترتَّب عليه من نتائج غير سليمة فإنَّه يجب معالجة المشكلات الاجتماعيَّة من فقرٍ، ومرضٍ، وجهلٍ، وذلك بالقضاء على البطالة، ومكافحة المرض بتوفير التَّأمين والرعاية الصحيَّة للجميع، ورفع مستويات المعيشة، وتأمين المسكن المناسب، وتحقيق المساواة الاجتماعيَّة، وبذلك تتوفَّر للأطفال فرصة الاندماج السَّريع في المجتمع.
ومن الضَّروري كذلك المحافظة على صحَّة الوالدين الجسميَّة والعقليَّة، وتنظيم أوقات الرَّاحة والنَّوم لهم حتى لا يُرهقوا، وبالتالي ينعكس ذلك على الأطفال، فالوالدان المرهقان غير قادرين على التَّفاعل والتَّعامل مع الأطفال كما يجب، والأم التي لا تعاني من إرهاق في العمل سواء كان ذلك داخل البيت أو خارجه، يكون لديها الوقت والمقدرة على التَّفرغ للأطفال ورعايتهم الرعاية اللازمة.
ثانيًا: رياض الأطفال:
مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان، إذ يكون الطفل فيها غضًّا من النواحي الجسميَّة، والعقليَّة، والنفسيَّة، شديد القابليَّة للتَّأثر بالعوامل المختلفة المحيطة به، فالطفولة هي مرحلة أساس العمر، غير أنَّ أهم السنوات من مرحلة الطفولة هي السنوات الخمس الأولى، وتكمن أهميَّة هذه السنوات في الدَّور الأساسي الذي تقوم به في تكوين شخصيَّة الفرد بصورة تترك طابعها فيه طيلة حياته، وهذا يجعل من تربية الطفل في هذه السنوات أمرًا يستحق العناية البالغة.
تتَّخذ تربية الأطفال صورًا متعددة؛ منها: تبصير الآباء والأمهات بأصول التَّربية وأساليب الصحَّة النفسيَّة، ومنها: تنظيم الخدمات الاجتماعيَّة التي تتولاَّها منظمات رعاية الطفولة، ومنها أيضًا: الاهتمام بالمؤسسات التي تقوم على تعليم الصغار في سن ما قبل المدرسة.
لمحة تاريخية:
لقد أكَّد أفلاطون منذ ألفي عام على فوائد تربية الأطفال، ومنذ ذلك الحين اتَّخذ توجيه الصغار وتربيتهم خارج البيت أشكالاً عديدة، وفي أوائل القرن 18 أقيمت مراكز تقوم على توفير تربية دينيَّة وحماية صحيَّة للصغار في بريطانيا، وأنشئت – في أوائل القرن 19 – دور للحضانة في كلٍّ من بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، ثم أصبحت رياض الأطفال مألوفة في ألمانيا على يد "فروبل".
لقد قام "فروبل" بافتتاح المعهد التربوي الألماني العام سنة 1816 في كوخ قروي، وكان عدد الملتحقين فيه خمسة أطفال صغار، وقام في سنة 1826 بنشر كتابه "تربية الإنسان" الذي أكد فيه اهتمامه بتربية الأطفال، وأكد كذلك على استخدام اللعب، والنشاط الجسمي، والعقلي عند الأطفال، وفي سنة 1837 أنشأ "فروبل" أول مؤسساته الجديدة التي سماها فيما بَعْدُ بـ "رياض الأطفال".
إن المدرسة بالنسبة إلى "فروبل" مكان يجب أن يتعلم فيه الطفل أمور الحياة المهمة، والأمور الأساسية عن الحقيقة، والعدالة، والشخصية الحرة، والمسؤولية، والمبادرة، والعلاقات الاجتماعية، وهذه الأمور – كما يقول فروبل – لا يتعلمها الطفل عن طريق الدراسة؛ بل عن طريق ممارستها ممارسة حياتية.
ولقد حرص "فروبل" على أن يرى الطفل الطبيعة في صورتها الحيَّة، وأن يلاحظ كل صغيرة وكبيرة فيها، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان الطفل يعيش في بيئة فيها مجال واسع للملاحظة والتجريب؛ أي أن تكون المدرسة عبارة عن بناء وسط حدائق، وهذا هو أساس رياض الأطفال "أي حديقة الأطفال".
وينصح فروبل الآباء الذين يملكون حدائق أن يخصصوا أجزاء منها لرعاية أطفالهم، ويسمحوا لهم بزرعها وسقيها؛ لأن في ذلك "فتحًا" لباب من أبواب المعرفة، يطلع الطفل من خلاله على حقائق كثيرة، فالفكرة الأساسية في "حديقة الأطفال" هي معاونة الطفل في التعبير عن ذاته، وذلك عن طريق العمل والنشاط الذاتي للطفل.
ومن الذين ساهموا في الاهتمام بتربية الأطفال "بستالوتزي"، و"منتسوري"، والأختان "مارجريت وراشيل مكميلان"، فقد أخذت "منتسوري" تُعْنَى بالأطفال الذين تعمل أمهاتهم خارج المنزل، فأنشأت في إيطاليا في أوائل القرن العشرين رياض الأطفال التي تشجعهم على استخدام مواد مختلفة؛ لتنمية المهارات الحركية والعقلية لديهم، وكانت فلسفتها تقوم على أن سعادة الطفل تأتي من إشغاله لوقته، وعدم شعوره بالفراغ.
أما الأختان "مكميلان" فقد أنشأتا أول روضة في لندن في سنة 1909، وكان هدفها توفير الغذاء والرعاية الصحية للأطفال الفقراء، فقد انتشرت رياض الأطفال بعد ذلك في الريف البريطاني، وأوجدت مراكز لرعاية أطفال الآباء العاملين، ولكن لم يكن للمشرفين على هذه المراكز في أول الأمر خبرة في فَهم نمو الأطفال، أو في طرق رعايتهم، وكان هؤلاء المشرفون يفتقرون إلى الإعداد والتخطيط القائم على مراعاة حاجات الطفل، ونموه، وتطوره.
لقد انتشرت رياض الأطفال في الوقت الحاضر في "الأردن"، في مدنه وقراه على حد سواء، وهي تقبل الأطفال من سن ثلاث سنوات وثمانية أشهر حتى سن خمس سنوات وثمانية أشهر، وهو السن الذي يلتحق فيه الأطفال بالمدرسة الابتدائية.
أهداف رياض الأطفال:
ذكرنا أن السنوات الأولى من حياة الطفل بالغة الأهميَّة؛ لذلك كان من الضَّروري أن يكون فهمنا للطفل سليمًا وتعاملنا معه صحيحًا، لبعث روح الثقة في نفسه وبالآخرين، وبذلك تساعد الأطفال على أن يتحملوا مسؤولياتهم في المستقبل، ويكونوا أعضاء نافعين لمجتمعهم.
يكتسب الطفل خبرةً وتجربةً من بيته وجيرانه في بداية الأمر، وهذه الخبرة والتجربة تؤهلانه ليتلقى تجارب وخبرات من خارج البيت والجيرة مما يزيد في خبراته وتجاربه، وإن التحاق الطفل بالروضة يوفر الفرص للطفل ليتفاعل مع غيره من الأطفال، ويشاركهم نشاطاتهم.
وتصبح للروضة قيمتها إذا عملت على إشباع حاجات الطفل، ولكي يتم ذلك لا بدَّ من تعاون مشترك بين البيت والروضة، فروضة الأطفال تكمل ما توفره الأسرة للطفل، ولا يجوز فصل الطفل عن أسرته بشكل حاد ومفاجئ؛ لأن ذلك يتضمن أضرارًا كبيرة على الطفل.
وعلى المعلمة أن تعمل على كسب ثقة أطفالها في الروضة وتفهمهم، وتتيح الفرصة لهم للتجريب والاكتشاف، وعليها أن توفر لهم إمكانية إقامة علاقات اجتماعية مع أقرانهم، وبذلك تؤدي رياض الأطفال وظيفة اجتماعية نحو الأطفال، ولو قارنَّا أطفالاً التحقوا بالروضة بأطفال لم يلتحقوا بها، لوجدنا أنَّ الأطفال الذين كانوا قد التحقوا بالروضة أسرع من غيرهم في بناء علاقاتهم الاجتماعية، وأنهم يظهرون سيطرة أكثر مما يرونه من خضوع، ولذلك فإنهم أكثر شعورًا بالأمن، وأقدر من غيرهم على التكيف.
منهج رياض الأطفال:
لا يوجد منهج مُحَدَّد لتعليم القراءة والكتابة والحساب في رياض الأطفال، ذلك أنَّها مدرسة للعب، ويتَّصف منهج رياض الأطفال بما يلي:
– النَّشاط في الروضة لا يكون مستمرًّا؛ ولكن تتناوب فترات النشاط مع فترات الرَّاحة.
– يهتم بنمو الطفل جسميًّا، وعقليًّا، واجتماعيًّا، وحركيًّا، وانفعاليًّا، ونفسيًّا.
– يؤكد على الفروق بين الحقيقة والخيال.
– يدرب الأطفال على حل المشكلات البسيطة.
– يوفر مجالات كثيرة لتذوق الجمال.
– ينمي ميول الأطفال نحو القراءة.
– يعتمد على الملاحظة؛ ليتعلم الأطفال إجابات أكثر، وتوجيه أسئلة أكثر.
– يعلم الطفل الاستفادة من كل فرصة للتَّفكير والمعرفة.
– يشجع استخدام وسائل الاتصال المتعددة.
– يتقبَّل المحاولات الاجتماعيَّة النَّاقصة، ويشجع التَّطور الاجتماعي.
– لا يتطلَّب تناسُقًا حركيًّا دقيقًا، أو أنماطًا للتَّوفيق بين حركة اليد والعين غير المستعدة بعد.
– يزيد من فرص اكتساب المهارات الضَّروريَّة للسلوك.
لعب الأطفال في الروضة:
عندما يلعب الشخص الكبير فهو يلعب للتَّسلية، ولكن يختلف ذلك بالنسبة للطفل، فاللعب عنده هو العمل، ويرى "فروبل" أنَّ اللَّعب أهم مظاهر النَّشاط العفوي عند الطفل، وأنَّه أساس العمليَّة التَّربويَّة في السَّنوات الأولى من العمر، وتكمن أهميَّة لعب الطفل فيما يلي:
1 – يدخل الطفل من خلال اللعب إلى عالم العلاقات والصلات الاجتماعيَّة، وتعلم المشاركة، وأَخْذ الأَدْوار.
2 – اللعب يساعد الطفل على أن يحس بالاستقلال.
3 – يكسب اللَّعبُ الطفلَ خبرة ويعلمه، فعندما يلعب دور معلم، أو طبيب، فهو لا يفعل ذلك من أجل التَّسلية، وإنما يحاول التَّمرن على الأعمال والمهارات في المحيط الذي يعيش فيه.
4 – نقل الثَّقافة: يقوم الطفل أثناء لعبه بتقليد العادات الاجتماعيَّة التي يراها من الكبار، وبذلك يتمكَّن من الحصول على الثَّقافة من خلال اللَّعب.
5 – التَّمرين: يتعلم الطفل من اللعب التَّحكم في حركات العضلات.
6 – تعلم مهارات تعليميَّة محدَّدة: مثل مطالعة الألعاب التَّحضيريَّة، فرز الأشياء، حل الحزازير، وما شابه ذلك.
7 – يتعلَّم الطفل من خلال اللعب كيفيَّة الاعتناء باللُّعب والدمى، وحفظها والاعتناء بها والمحافظة على نظافتها.
8 – يتعرَّف الطفل من خلال اللَّعب على المفاهيم المتعلقة بالجسم من حجم، وشكل، ووزن، ولون، وتركيب.
9 – التَّعبير عن الشعور والأفكار من خلال اللَّعب عن طريق الحركات، والأغنية، واللغة.
ونظرًا لهذه الأهمية الكبيرة للعب في رياض الأطفال، فإنها يجب أن تشتمل على ساحات واسعة من أجل اللَّعب في الهواء الطَّلق، فأطفال الروضة يشعرون أنَّ لديهم من القوة والثقة بالنَّفس ما يمكنهم من تكييف قوتهم الجسميَّة حسب أي لعبة يحبونها ويقومون بها، ويجب أن توفر الروضة كذلك الفُرص للأطفال لاستعمال أيديهم في أعمال يقومون بها مثل: إعادة الألعاب إلى أماكنها، ووضع الكراسي في مكانها، وما شابه ذلك.
منقول
وفوق ذلك فإنَّ روضة الأطفال الصَّالحة تمنح الطفل فرصًا عديدة؛ ليكتسب خبرات أولية ليخرج أفكاره إلى حيز العمل بأسلوب خلاَّق مبتكر، كما أنَّها توفر عددًا مناسبًا من الكتب ليتطلَّع عليها الأطفال، وعددًا آخر لتقرأه المعلمة عليهم، فالأطفال في هذا السن متعطشون إلى المعرفة.
.
.
أشكركِ على هذه المشاركة الطيبة
وأترقب كل ما هو جديد منكِ
.
.
والسموحة