التصنيفات
الرعاية الاجتماعية و النفسية

الشباب والهوية الوطنية والانتماء

الشباب والهوية الوطنية
إعداد وتقديم الاختصاصي النفسي / أشرف محمود صالح العريان

مما لا شك فيه أن هناك أثراً للعولمة في الثقافات المحلية للأفراد . وبالأخص في دولة الإمارات حيث تعد العولمة الثقافية أحد أبرز مجالات العولمة انتشاراً بعد العولمة الاقتصادية خصوصاً في ظل الإمكانيات التكنولوجية والإعلامية التي تسهم في انتشارها على المستوى العالمي، حيث أصبحت العولمة الثقافية اليوم تشكل هاجساً لكل المهتمين بمجال الثقافة والحياة الاجتماعية في المجتمعات الإنسانية ومن هنا فقد جاء الاهتمام بدراسة مفاهيم مثل مفهوم الهوية والمواطنة والانتماء لدى أطفالنا وشبابنا بدولة الإمارات العربية المتحدة ..
أولاً : مفهوم الهُوِيَّة الوطنية : لغوياً وفلسفياً: –
يُعرِّف "المُعْجَمُ الوسيطُ" الصادر عن مَجْمَعِ اللُّغة العربية "الهُوِيَّةَ"، فلسفياً، بأنها: حقيقة الشَّيء أو الشَّخص التي تميزه عن غيره.
أما قاموس أكسفورد الذي يبدو أنه أحد مصادر تحديث تعريف الكلمات في المعاجم العربية الحديثة، فإنه يُعرِّف الهوية بوصفها "حالة الكينونة المتطابقة بإحكام، أو المتماثلة إلى حدِّ التطابق التام أو التشابه المطلق. والكينونة، هنا، تتعلَّق بالشيء المادي أو بالشَّخص الإنساني.
** ولأن في الوطن كما قال المعجم الفلسفي «قبور الأجداد» ولأن في جيناتك موروثاً عربياً، لايزول، أن تقول إذا اضطررت إلى مفارقة «ديرتك» ما قاله سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وهو يفارق مكة: «إني لأعلم انك أحب البلاد إلي وأنك أحب أرض الله إلى الله، ولولا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت».
الهوية الوطنية أن تعطي أضعاف ما تأخذ، لا أن تأخذ خير الأرض التي احتضنتك، ثم تنكر فضلها عليك، وتحوله إلى أرض أخرى، الهوية الوطنية أن تحتمل قسوة الوطن، وتغتفر إساءته إن أساء إليك، فلا تذكره إلا بالخير
ثانياً : المواطنة أو الوطنية هي التحديد الأخير لمواطن دولة ما، وهو تحديد لا ينفي عن المواطن المعني انتماءه اللغوي أو الديني أو المذهبي.. ولكنه ينفي أن يكون هذا الانتماء ما قبل الوطني هو ما يحدد علاقته بالدولة ويعيِّن من ثم حقوقه التي هي واجبات الدولة وواجباته بما هي حقوق الدولة وحقوق المجتمع.
ينتج من ذلك أن المواطنة علاقة بين الفرد/المواطن والدولة، علاقة ذات مضامين اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية وحقوقية وأخلاقية، وأنها من ثم صفة لا تقبل التفاوت والتفاضل، فليس هناك في الدولة المعنية من هو مواطن أكثر أو أقل من الآخر، الأكثر والأقل ينفيان بالتساوي صفة .
ولقد ميز أفلاطون الفرد المسوق بسائق حاجاته ورغباته وأهوائه ونزواته من المواطن الذي يتعلق بقيم الخير والحق والجمال ويتطلع إلى الحرية والعدالة والمساواة. وفي ضوء هذا التمييز يبدو لنا الفرد أساس المجتمع المدني والمواطن أساس المجتمع السياسي؛ ولذلك فإن مجرد الإقامة في المكان لا تعد مواطنة بأي حال من الأحوال.

** ثالثاً : تعريفات لمفهوم الانتماء ومدلولاته:- وقد عرف هذا المفهوم لغة: معناه الانتساب، فانتماء الولد الى أبيه انتسابه اليه واعتزازه به، والانتماء مأخوذ من النمو والزيادة والكثرة والارتفاع فالشجر ينمو وكذلك الإنسان.
كما عرف البعض الانتماء اصطلاحاً: هو الانتساب الحقيقي للدين الإسلامي والوطن فكراً ومشاعر ووجداناً، واعتزاز الفرد بالانتماء الى دينه من خلال الالتزام بتعاليمه والثبات على منهجه وتفاعله مع احتياجات وطنه وتظهر هذه التفاعلات من خلال بروز محبة الفرد لوطنه والاعتزاز بالانضمام اليه والتضحية من اجله.
ولقد ارتبط الإنسان منذ وجوده بشيئين هما المكان والزمان فالإنسان مرتبط بالمكان من حيث وجود ذاته، واذا كان المكان يدل على وجود الإنسان في جزء معين منه فان الزمن هو الذي يحدد مدى هذا الوجود وكميته، ولذلك فالمكان هو الوطن والانتماء المكاني هو الانتماء الوطني.
ومفهوم الانتماء الوطني وراثي يولد مع الفرد من خلال ارتباطه بوالديه وبالأرض التي ولد فيها، ومكتسب كذلك وينمو اكثر من خلال مؤسسات المجتمع المتمثلة في المدرسة والأسرة والإعلام والمسجد والأقران وخاصة عندما يرتبط هذا المفهوم بوطننا المملكة العربية السعودية فحب وطننا المملكة وانتماؤنا له والولاء له واجب وغريزي في كل منا ورثه من ابائه ونما من خلال مؤسساته وتوارثنا لحب وطننا يعود الى ان حب الوطن واجب لدى كل فرد تجاه وطنه .
أولا : مميزات الهوية التي ننتمي إليها : قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، فالحضارات عندما تسقط , تسقط معها مناهجها وأفكارها ، والسقوط دليل على عدم كفاءة المنهج ، أما الهوية التي ننتمي إليها فتتميز بعدم تأثرها بضعف أو قوة من ينتمي إليها فأحكامها وقوانينها وتشريعاتها عادلة لا تتغير ولا تتبدل .
قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، وقال أيضاً (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) ، وقال (فيه تبيان لكل شيء) ، وتتجسد الهوية في أبعاد يمكن تصنيفها بمثل الآتي :
1- الهوية الدينية: وتتمثل في الثقافة الفقهية والشرعية كمعرفة أحكام الصلاة والصوم وأحكام الغيبة والسخرية.
2- الهوية الاجتماعية : حيث عجزت قوانين الإنسان عن تطوير علاقات الإنسان بأخيه الإنسان وما زال الإنسان أنانياً يحب ذاته ، ولكن المنهج الذي ننتمي إليه – أي الإسلام – قد ربط الإنسان بأخيه الإنسان ، فهو أعظم حرمة من الكعبة ، فوضع منهجاً ليربط الإنسان بأخيه الإنسان من خلال مفاهيم صلة الرحم والصداقة وقضاء حوائج الإخوان والدفاع عن المظلوم والتكافل وإدخال السرور على المؤمنين .
-3الهوية العلمية: وتتمثل في معرفة العلوم الإنسانية ، ومنها تتطور المجتمعات وتكتسب السعادة والطمأنينة والاستقرار ، فالعلوم هي التي تنمي الإيمان والعلاقة الربانية ، يقول تعالى ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ).
– 4 الهوية السلوكية: تلك التي تقوّم كيان الإنسان ليشعر بذاته كقيم الاحترام ونكران الذات والتواضع والتسامح .
ثانياً : صفات الجيل الذي نطمح ونسعى لتربيته ليكون مهيئاً لبناء مجتمعه ووطنه وأمته ، فهو جيل ذو إرادة وتقوى وخوف من الله ، ويتمتع بالوعي الديني والحياتي ، ويتسلح بالطموح والهمة والنشاط ، ويتفهم عادات وتقاليد مجتمعه ، يغيّر ويجدّد مع مراعاة أخلاقيات وتشريعات نهجه الذي ينتمي إليه .
ثالثاً : الأسباب التي جعلت من الأجيال اليوم توسع الفجوة بالابتعاد عن هويتها :
أ/ ضعف حالة التدين والمعرفة والوعي لدى الوالدين ، فينعدم التوجيه والنصح وتقل الصحبة مع الأبناء مع غياب القدوة والمثل الأعلى .
ب/ الابتعاد الروحي والنفسي عن الكيانات العلمية ( المدرسة – الكلية – الجامعة – المسجد ) حيث تغيب العلاقة الودية بين الجيل وتلك المؤسسات التعليمية .
ج/ ضعف حالة المعرفة بين الجيل وبين تاريخه كأحداث وشخصيات، فكيف نشد أبناءنا لتاريخنا ليدركوا الصلة القوية والرباط العقائدي بينها ؟ ، وهل التمسك بالتاريخ يعتبر ضيق أفق وسطحية التفكير ؟ .
د/ أثر الأفكار والنظريات المضادة لأفكارنا وكياننا ، فتلك الأفكار لها أهداف تسعى لتحقيقها سواءً كانت تلك الأهداف مادية أو نفسية أو ثقافية أو دينية ، فليس صحيحاً أن كل ما يأتي من الآخرين هو دليل التقدم والرقي .
رابعاً : سبل سد الفجوة والتقريب بين الأجيال وبين النهج الأصيل : تتمثل مسئولية المربّين الإحاطة بالثقافة والفكر وأحكام الشريعة لتوصيلها إلى الأبناء بطرق وأساليب مختلفة (الحصانة الذاتية) (الحصانة الاجتماعية) قال تعالى (حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم) ، وقال تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله . )
وعرض المفاهيم والقيم والعبادات بشكل مبهر وجذاب وتوضيح مردودها الإيجابي على النفس البشرية ، كما من الجدير ملاحظة أهمية مخالطة الشباب لمعرفة تفكيرهم وطموحاتهم وعدم فصلهم عن المجتمع بل حثهم ومشاركتهم لحل بعض مشاكلهم والأخذ بآرائهم وأطروحاتهم . والعمل على إيجاد مؤسسات وبرامج تشعر الشباب بالافتخار والاعتزاز بقيمهم ومبادئهم ، عبر الرحلات والمؤتمرات والمنتديات الخاصة بهم . ختاماً ..
علينا أن نعيش الأمل بالغد وبأنه الأفضل ، وأن نتسلح بالإرادة والصبر في عملية البناء ، وأن نتمسك بقوة ما نؤمن به من أفكار وقوانين وأحكام ربانية ، فنحن لسنا ضد الآخرين ولسنا ضد أي حضارة إنسانية ، وأن نسعى بشتى الوسائل لتطبيق قيمنا ومبادئنا ، وأن نخطط بعقول جماعية لكيفية مليء فراغ المجتمع ، قال تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . )
الانتماء والصحة النفسية:-
ويخلص "محمد عيد عبد العزيز" في دراسته عن "الولاء وسيكولوجية الشخصية" إلى وجود علاقة إيجابية بين الولاء للوطن والصحة النفسية للفرد، حيث إن الشخص الذي يتصف بالاضطراب النفسي غالبًا ما يكون ولاؤه ضعيفًا نحو وطنه.
وأكَّدت "نجلاء عبد الحميد" في دراستها للانتماء الاجتماعي للشخصية المصرية أن الولاء للموطن مرهون بالإشباعات المادية والمعنوية لأفراده، وأنها الأطر التي يستقي منها في التنشئة الاجتماعية بما فيها من لغة، وفكرة، وفن (الثقافة).
مما لا شك فيه أن مرحلة الطفولة تُعَدُّ من أهم المراحل وأكثرها تأثيرًا في حياة الفرد المستقبلية؛ إذ يتوقف عليها تحديد المعالم الرئيسية لشخصيته من خلال ما يكتسبه من خبرات وقيم واتجاهات.
ومن المتفق عليه بين المشتغلين بعلم النفس أن الأسرة تلعب دورًا بالغ الأهمية في إعداد الفرد وتأهيله للقيام بأدواره ووظائفه داخل النسق الاجتماعي، حيث تمثِّل الأسرة أولى المؤسسات الاجتماعية التي تحتضن الطفل منذ اللحظات الأولى لخروجه إلى الحياة وخلال كافة مراحله العمرية التالية.
فقد الانتماء.. خطر
وتعتبر الحاجة للانتماء من الحاجات الهامة التي تُشعِر الفرد بأنه جزء من جماعة معينة، سواء كانت هذه الجماعة (الأسرة – الرفاق – جماعة مهنية)، وأنه جزء من وطن معين، ويُولَد هذا الشعور الاعتزاز والفخر بانتماء الفرد لهذه الجماعة، ويُعَدُّ إشباع حاجات طفل ما قبل المدرسة وتقبله لذاته وشعوره بالرضا والارتياح أولى مؤشرات انتمائه للجماعة.
فالحاجة للانتماء من أهم الحاجات التي يجب أن تحرص الأسرة على إشباعها لدى الطفل لما يترتب عليها من سلوكيات مرغوبة يجب أن يسلكها الطفل منذ صغره وحتى بقية مراحل عمره، أما فقدان الانتماء فيعتبر من أخطر ما يهدِّد حياة أي مجتمع، وينشر الأنانية والسلبية، وفي المقابل يؤدي الانتماء إلى التعاون مع الغير، والوفاء للوطن والولاء له. ويرتبط بالانتماء بعض القيم، مثل: العطاء، والتضحية، والتعاون مع الآخرين، وهذا يلقي على الأسرة مسؤولية كبرى نحو التركيز على إظهار مواقف تاريخية تبيِّن بطولة قادة والزعماء في الدفاع عنه.
وفي تقدير هؤلاء الأطفال لأنفسهم، وبشكل عام فإن للعلاقات الأسرية أثرًا إيجابيًّا في تكوين الشعور بالأمن وتطور مفهوم الذات الإيجابي عند الطفل.
توصيات: –
وفي النهاية وكما افردنا دور الأسرة في بناء الانتماء والوطنية والهوية الذاتية والجمعية فإن دور المدرسة والمعلمين لا يقل أهمية في تشكيل هذه الهوية التشكيل السليم والايجابي من خلال غرسها في نفوس طلبتنا يومياً بالمحافظة على ممتلكات المدرسة ومبانيها وأثاثها وتعويد هؤلاء الطلبة على مفاهيم الضمير الجمعي والمثل العليا ليسود الجو الايجابي لديهم ويعم الاستقرار والأمن النفسي والاجتماعي بالمجتمع المدرسي والأسري وبالمجتمع ككل .
………………………………………….. …………………………………..

بارك الله فيج اخوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.