التصنيفات
إثراءات التوجيه التربوي

براعة الاستهلال

5
براعة الاستهـلال
من سلسلة "مقامات البحتري"
بقلم الدكتور محمد البحتري
المقدمة
سألني أحد الزملاء المعلمين عن معنى "براعة الاستهلال "التي أشرت إليها في مقامة "البيئة الصفية تستغيث" ، وقد أعجبني اهتمام الزميل، ورغبته في تعميق معلوماته ، وإثراء خبراته ، وفتحه لباب الحوار والمناقشة الإيجابية ووعدته خيراً ، وقلت له : إنّ بين براعة الاستهلال في البلاغة ،والتهيئة الحافزة التقاء واتفاق .وقد د فعني تساؤله إلى كتابة هذه المقامة .
براعة الاستهلال : هي ابتداء الكلام بما يناسب المقصود، ويلخّص المراد ،والروعة والوضوح في جلب الانتباه، وجذب المتلقي وتشويقه ، أي أن تكون بداية الحديث أو الخطاب شائقة تأخذ بالألباب ، لطيفة تشدّ لروعتها وحسنها انتباه السامع ، وتمتلك قياده ، وتأسر فؤاده ، حتى ولو كان منشغلاً عن الاستماع ، أو في حال من الخمول والاسترخاء .
وبراعة الاستهلال تكون في المطلع الجيد من الشعر ، أو العبارة الجميلة الأولى من الخطاب ، وهي تنتزع السامع من مشاغله ، وتنشّط لديه حسّ الجمال ، فيتابع الكلام المعروض عليه إلى نهايته بسبب الاندفاع الأول ، ومن هنا يتفنّن الشعراء والخطباء في استهلالهم للكلام ، ويبرعون في اختيار العبارات التي يبدؤون بها ؛ كي يجذبوا إليهم السامع أو القارئ .
مؤشّرات براعة الاستهلال:
تتحقق البراعة في الاستهلال من خلال مجموعة من المؤشّرات ، نذكر منها :
* البدء بالبسملة، وحمد الله عزّ وجلّ ، والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
* الإلماح إلى الموضوع المراد بيانه، باستخدام الاستفهام أو النهي أو الأمر، كقول المتنبي :
أتراها لكثرة العشّاق تحسب الدمع خلقة في المآقي ؟
ما بنا من هوى العيون اللواتي لون أشفارهنّ ّلون الحداق؟
قصّرت مدّةَ الليالي المواضي فأطالت بها الليالي البواقي
*اختيار عبارات التفاؤل والسرور ، والتحية والسلام ، والثناء والاستبشار، ومن الأمثلة على ذلك :
– قول أشجع بن عمرو السلمي يهنئ أحد خلفاء بني العباس ببناء قصر:
قصر عليه تحية وسلام نثرت عليه جمالها الأيام
فيه اجتلى الدنيا الخليفة والتقت للملك فيه سلامة ودوام
– وقول أحمد شوقي في ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم:
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء
* استهلال القصيدة الشعرية بالنسيب (شعر الغزل الرقيق في النساء) ، فقد سئل أحد النقاد ، لماذا يبدأ الشعراء قصائدهم بالنسيب ؟ فقال : لأنّ ذكر المرأة أدعى لجذب الانتباه .وقد بدأ كعب بن زهير قصيدته في مدح الرسول صل الله عليه وسلم بالنسيب ، حيث قال :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يجز مكبول
وقد بلغ في استهلاله بالنسيب 36 بيتاً ، وبعدها وصل إلى هدفه وغرضه الأصلي وهو مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال:
أنبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
وقد أثمرت براعته في الاستهلال عفواً محموداً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خلع عليه بردته ، إكراماً لطيب كلامه ، وسحر بيانه .
* أراد البحتري أن يمدح الخليفة المعتز بالله ، فاستهلّ قصيدته بما يجذب الانتباه ، ويخاطب المشاعر والقلوب فأحسن ، وأجاد ، وكان بارعاً في استهلاله حيث يقول :
بودّي لو يهوى العذول ويعشق ليعلم أسباب الهوى كيف تعلق
فلو فهم الناس التلاقي وحسنه لحبّب من أجل التلاقي التفرّق
سوء الاستهلال
وفي مقابل حسن الاستهلال مايأخذه البلاغيون على كثير من الشعراء من عدم تخيرهم الألفاظ المناسبة فى مطالع قصائدهم ، أوعدم الانتباه للمقام الذي يواجهونه ، ومثلوا لذلك بأمثلة كثيرة منها:
* بدأ الشاعر ذو الرمة مديحه للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بقوله:
ما بال عينيك منها الدمع ينسكب كأنّه من كلى مفرية سرب ؟
فقال له هشام: بل عينك أنت! وكان هشام أحول ،وتسيل عينه بالدمع، فلم يوفّق باستهلاله ،وناله العقاب بدل الرضا والثواب .
* جاء الشاعر ابن مقاتل الضرير ليقدّم تهنئته للداعي العلوي فبدأ بقوله:
لا تقل بشرى، ولكن بشريان غرة الداعي ويوم المهرجان
فتشاءم الداعي العلوي، وقال له:يا أعمى تبدأ بهذا ؟ يوم المهرجان.. يوم الفرح والسرور.فقد لاحظ الممدوح أنّ ابن مقاتل بدأ قصيدته بالنهى عن قول بشرى. فقال له الداعي العلوي: هلاّ قلت: إن تقل بشرى فعندي بشريان
*حكي أنّ الشاعر " أبا النجم الفضل بن قدامة العجلي " ا دخل على هشام بن عبد الملك في مجلسه مبتدئاً قصيدته بقوله
صفراء قد كادت ولما تفعل فكأنها في الأفق عين الأحول
وهشام بن عبد الملك أحول ، فأخرجه من مجلسه وأمر بحبسه .
* لما مدح جرير الخليفة عبد الملك بن مروان بقوله :
أتصحو أم فؤادك غير صاح غداة هم صحبك بالرواح
قال عبد الملك بل فؤادك يابن الفاعلة .
حسن الاختتام
هو أن يختم المتكلم كلامه بما يزّين النفوس ، ويحرّك الطباع ، ويثير الخيال ، فإنّ ختام الكلام آخر ما تسمعه الأذن ويعيه الإدراك ؛ فإنّ كان حسناً هفت إليه الأفئدة ، واستلذّه السمع ، ودام في النفس أمداً طويلاً .والقاعدة في هذا الشأن تقول : خير الكلام ما أنت فيه حتى تدعه . أي أن يستبدّ بك ، ويستبيك ما دمت تتأمله حتى تنصرف عنه إلى سواه .وأروعه ما شفّ عن انتهاء الكلام ، ولخّص أبرز الأفكار بانسجام ، ويسمونه "براعة المقطع " أو "حسن الاختتام" ، وينبغي على المتكلّم أو الشاعر أن يجعله خاتمة لكلامه ، وأن يحسن فيه غاية الإحسان ، فإنه آخر ما يبقى في الأسماع وربما حفظ من دون سائر الكلام في أغلب الأحوال، فلا يحسن السكوت على غيره .
براعة الاستهلال والتهيئة الحافزة :
زميلي المعلم إذا أردت أن تكون بارعاً في استهلال حصتك، فاختر العبارات الهادئة ، والألفاظ المشعة التي تبعث على الارتياح والأمل والتفاؤل ، ابدأ بالبسملة وبالتحية والسلام ، والسؤال عن الأحوال ، تكلم وأنت مبتسم ، غير متجهّم أو عابس ، أسمعهم بعض الحكم والأمثال ، والأخبار التي تدعو إلى التفاؤل والأمن والسكينة .
لا تتوعد تلاميذك بحذف الدرجات ، أو الضرب ، والطرد من الصف ، ولا تستخدم الألفاظ النابية ،عالج المشكلات التى تواجهك بالحكمة والموعظة الحسنة والهدوء ولا تتوعدهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور ، إن هم قصّروا في واجب ، أولم يحفظوا مطلوباً منهم ، واصطبر عليهم ،اقترب من طلابك، فهم أبناؤك، لا تسخر من أي تلميذ مهما كان ، فهو إنسان له مشاعره وأحاسيسه.
ومما يساعدك على ذلك حفظ الطرائف ،من كتاب كليلة ودمنة ،والبخلاء للجاحظ ،واقرأ الشعر الإنساني الخالد كشعر المتنبي وأبي فراس والبحتري وأحمد شوقي وسواهم ، واجعلها أوراق عمل للتطبيق ، أو سطراً لمعالجة ظاهرة لغوية، نحوية أو إملائية أو قرائية. تلك هي براعة الاستهلال في التهيئة الحافزة .

5
براعة الاستهـلال
من سلسلة " مقامات البحتري"
بقلم الدكتور محمد البحتري
موبايل (5374275 )
البريد الألكتروني / albohturi@hotmail.com

جزيت خيرا على هذا الطرح وتقبل مني هذه المشاركة التي كنت شاركت بها منذ فترة بعنوان براعة الاستهلا ل

<div tag="1|80|” >بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَِ[/سورة" التوبة "لما كان سبب نزولها مقاطعة الكفار ، ومنابذة المشركين نبذ عهودهم ، بدئت بما يناسب ذلك من الأمر بقتالهم ، والإشارة إلى معادتهم وإسقاط عهدهم ،فقال تعالى :
بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَِ
"فأسقط البسملة الدالة على الرحمة ، وابتدأ بالبراءة من المشركين مشيرا إلى نبذ عهودهم وإعلانهم بعذابهم ، وهذا ما يسمى ، حسن الابتداء مع براعة الاستهلال.
وهو ما يجعل المتكلم مبدأ كلامه حسن الوصف ، عذب اللفظ ، صحيح المعنى ، مع اشتماله على الإشارة إلى المقصود ، من تهنئة أو مدح أو هجاء أو عتب
ومن ذلك ابتداء سورة الأنعام ،وهو يشير إشارة واضحة إلى ما تضمنته السورة الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَِ"في هذه الآية إشارة إلى أمور ثلاثة : وصف الله بالقدرة ، وبالإنعام على عباده ، ثم إشراك الكفار به ، وهذه عناصر ثلاثة نجدها واضحة كل الوضوح في هذه السورة
منقول من كتاب البديع في ضوء أساليب القرآن

تقديري واحترامي لأستاذ الأدب د/ البحتريّ.

شكري و تقديري لأستاذنا .د . البحتري الذي يتحفنا دائما بمقطوعاته الأدبية الرائعة ، مضفيا على منتدانا لمسة من الجمال و الذوق الأدبي الراقي في عباراته و مضمونه .
لا

اقتباس:
تتوعد تلاميذك بحذف الدرجات ، أو الضرب ، والطرد من الصف ، ولا تستخدم الألفاظ النابية ،عالج المشكلات التى تواجهك بالحكمة والموعظة الحسنة والهدوء ولا تتوعدهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور ، إن هم قصّروا في واجب ، أولم يحفظوا مطلوباً منهم ، واصطبر عليهم ،اقترب من طلابك، فهم أبناؤك، لا تسخر من أي تلميذ مهما كان ، فهو إنسان له مشاعره وأحاسيسه.


<div tag="10|80|” >شكرنا وتقديرنا للاستاذ البحتري هذا التوضيح الهام لمفهوم التهيئة الحافزة
والتي أتمنى أن تكون بمثابة رسالة هامة لكل معلم في الميدان التربوي
والتي اذا ما طبق ما جاء فيها من ارشادات تربوية هامة فأن بيئتنا الصفية
ستكون بألف ألف خير
بارك الله فيك أخي الدكتور وأطال الله بعمرك وبانتظار جديدك أن شاء الله
من هذه السلسلة التربوية المباركة والتي أقترح أن تصدر على شكل( نشرة ،كتيب)
تعمم وتعطي للمعلمين وخاصة الجدد منهم خلال الدورات التدريبية

ة

الدكتور محمد البحتري المحترم
أشكرك جزيل الشكر على هذا الطرح الممتع والتوجيه الناجح والمتميز
لقد وصلت رسالتك إن شاء الله
وجعلها الله في ميزان حسناتك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.