التصنيفات
الرعاية الاجتماعية و النفسية

رحلتي مع الإرشاد

<div tag="7|80|” >رحلتي مع الإرشاد (الجزء الثاني )
سبق أن قلت في الحلقة الأولى من هذه الرحلة أنني أشعر بهم كبير صبيحة مغادرتي المنزل للمدرسة التي من المقرر لي أن أزورها ، لا لأني خائف من المواجهة- فالحمد لله- لدي من الخبرة ما يكفيني لمواجهة مثل هذه المواقف ، وليس نقصا قيما عندي من معلومات إذ كيف أواجه المرشد المزار؟ وماذا سأقدم له؟ ، ولكن شعوري الغريب نابع من إدراكي أن العمل الإرشادي لايسير على مايرام ، فما ذا سوف أقول للمرشد ؟ لدي استمارة يستخدمها غير ي من الزملاء المشرفين لإحصاء النقص الموجود عند المرشد في سجلاته ، وهذا ما اكرهه فعلا فلست جابيا ولا مفتشا عن الأخطاء ، أنا يهمني في الدرجة الأولى العمل الميداني ، ما أثر المرشد الطلابي في التلاميذ ؟ هل تصل خدمات الإرشاد لكل طالب؟، أما أني أحصي كم سجلا يحوي مكتب المرشد ؟وكم لوحة علقها على الجدار؟ فهذا ليس بهمي وليس من الإرشاد في شيء ، وما دمنا نرى هذا الكم الهائل من السجلات فلنقل على الإرشاد السلام ،المشكلة أني كنت مسئولا عن جانب من جوانب العملية الإرشادية في يوم ما ومع ذلك لم أغير من الأمر شيئا لوجود من يقدس هذه السجلات ويحافظ عليها كأنها هي الإرشاد كله ،وقد أسعدني اعتماد الإدارة لعامة للتوجيه والإرشاد بوزارة التربية والتعليم برنامج حاسوبي لأعمال المرشد الكتابية لهذا العام 1443ه ولعل ذلك مما يخفف على المرشد بعض الأعباء الكتابية التي أشغلته عن عمله الميداني ،هذا ما يضايقني عند زيارة المرشد في المدرسة ماذا سوف أقدمه له من معلومات ؟ماذا سوف أطبق معه من أفكار إرشادية تنمي قدراته وترفع من كفايته العلمية والتدريبية؟ ، لقد كان هاجسي الوحيد أن يرتقي الإرشاد أنا لاأسب الظلام لكن يجب علي أن أشعل شمعة تبدد الظلام ، إنني أصارع اليأس القاتل الذي بدأ يجري في عروقي ، ولكني والحمد لله تغلبت عليه بالعزيمة وحب الإرشاد ، لقد طردته بعصا غليظة بلا عودة ،وحدثت نفسي بأني لابد أرضى بالأمر الواقع وأتعامل معه بحماس مهما كانت الظروف والمعوقات الكثيرة التي وقفت أمام تقدم الإرشاد ،فهذا فدري الذي وضعت فيه ولابد أن أرضى به، ولكن عجبي يزيد عندما هذا الكم الهائل من المعلمين الذين صاروا يتهافتون على الإرشاد ، هل تهافتهم حبا للإرشاد والإخلاص له والإقدام على ما يواجههم من مصاعب أم أنه محطة استراحة من عناء التدريس ؟ أقول في نفسي الإرشاد جديد في مجتمعي وكل جديد مرفوض ، وإذا كان مرفوضا اليوم فسوف يكون مقبولا في الغد ، كم فكرة كانت مرفوضة في القديم ولكنها الآن تسير بشكل طبيعي ولا أحد يعترض عليها ، قالوا عن الإرشاد إنه جاء من الغرب فلا حاجة لنا به وهل كل ما جاء من الغرب نرفضه ، الناس أمام الجديد ثلاثة أقسام ، القسم الأول يرفضه إطلاقا القسم الثاني : يقبله على علاته أما القسم الثالث : فيختار ما يصلح له منه ومالا يتعارض مع عقيدته وعاداته وتقاليده وأنا شخصيا أؤيد القسم الثالث 0
أنا لاأعلم السبب في أن بعض الناس ينظرون إلى الأشخاص ، ولا ينظرون إلى السلوك ، قد يكون لكلامي هذا بعض الغموض ولكني سأوضح ذلك بعض الناس ينظرون إلى التوجيه والإرشاد في الأشخاص الذين يتعاملون معه ، وكأنهم يشترطون مواصفات معينة في الشخص بغض النظر عن علمه وثقافته ، المهم أن يظهر أمامهم بشخصية معينة ، لعل هذه النظرة السطحية للتوجيه والإرشاد هي الصعوبة الكبرى التي دفعت بالإرشاد إلى الحضيض ، كان بعض الناس ينظر للمرشد بأنه لايعمل ، وليس له تأثير على الطالب ، وما دام تخصصه علم نفس فهذا التخصص لاينا سب الإرشاد ، يقول احد المسئولين أنا لايهمني ما يحمله المرشد من تدريب وفهم للإرشاد أنا يهمني أن يكون المرشد ملتزما ، طبعا أنا أخالفه الرأي في الأولى ولا أختلف معه في الثانية وما الذي يمنع أن يكون المرشد ملتزما بتعاليم الدين ولدية خلفية جيدة في الإرشاد، لذا دلف إلى ميدان الإرشاد تخصصات مختلفة البعض لايفقه شيئا في الإرشاد ، بل انضم إلى المرشدين في زعمه طلبا للراحة من التدريس ، وما علم هذا أن الإرشاد يحتاج من الجهد ما يفوق الجهد الذي يبذله المعلم أحيانا ، صار ينطبق على الإرشاد المثل القائل ( أراد أن يعربه فأعجمة )( وبغى طبه فأعماه)، إن إدخال تخصصات مختلفة لاعلاقة لها بالإرشاد أخرت الإرشاد سنوات طويلة، فلم يعد في المدارس إرشاد ، إنما تعبئة فراغ فقط 0
كان المفروض من المسئولين لعلاج الخلل في الإرشاد ، دراسة وضع الإرشاد ومعرفة ما يحتاجه المرشد القائم ، فإذا كان الطالب له حاجاته التي يجب أن تشبع فكذلك المرشد له حاجاته التي يجب أن تلبى بالتدريب ، المشرفون بحاجة ماسة للتدريب على فنيات الإرشاد ،فمنذ عرفت الإرشاد إلى اليوم لم أسمع عن إقامة دورة خاصة بمشرفي الإرشاد لتجديد معلوماتهم ، واطلاعهم على كل جديد في عالم الإرشاد، فالتدريب- مع الأسف الشديد- لاتوليه الوزارة كبير اهتمامها، الآن مضى من عمر الإرشاد 27 عاما وهو يمارس في المدارس على علاته ولم يتم تقويم برامج الإرشاد حتى الآن لمعرفة الغث واستبعاده ومعرفة السمين للإبقاء عليه ومما يثلج الصدر أنني أرى نشاطا ملموسا هذه الأيام لتطوير أعمال المرشد الطلابي بالمدرسة ، أقصد بذلك تقويم البرامج الإرشادية المطبقة في الميدان منذ زمن بعيد وإبقاء الصالح منها وإلغاء مالا فائدة منه للطالب ، يجب أن يكون هناك بحث ميداني لمعرفة حاجات الطلاب الإرشادية وكيفية إشباعها في ظل التطورات الحديثة في عالم الإرشاد : هذا إذا أردنا النهوض بالعملية الإرشادية ، أما أن يبقى الإرشاد على ماهو عليه فهذا خسارة كبيرة على مستوى الفرد والوطن 0

كنت أنا وزملائي نركب سفينة تمخر بنا عباب البحر وتتقاذفنا الأمواج من كل صوب وحدب ، فمتى ياترى سترسو هذه السفينة على شاطئ الأمان – الله أعلم – كنت أفكر يوما وأقول ، لماذا يكرهون الإرشاد ؟ الإرشاد له أهداف نبيلة ، لو طبق الإرشاد وفقا لهذه الأهداف لرأينا العلماء والعباقرة يحتلون أماكن عالية في الوطن ، لو طبق الإرشاد لعاش الناس في سعادة وأمان ، لوطبق الإرشاد لرأينا كل شخص في مكانه المناسب ، ولقضي على أمراض نفسية عديدة من بينها الاكتئاب ، الذي ينتج عن سوء التوافق بين الإنسان ونفسه وبينه وبين مجتمعه ، لو طبق الإرشاد لكانت مملكتنا الغالية ، تزاحم أمم الأرض في العلم والتكنولوجيا ، ولأصبحنا نضاهي دول العالم المتحضرة ، ولكن الإرشاد مع الأسف مايزال ضعيفا 0
قبل ما أبحر في سفينة الإرشاد عام 1407 ه قابلت أحد المسئولين، في الإدارة العامة للنشاط المدرسي، وقال لي يا أستاذ إبراهيم أنت جئت من أمريكا، فماذا ستعمل الآن ؟ قلت له أعمل مرشدا في إحدى المدارس ، قال لي ولكن الإرشاد يحتاج إلى إدارة ، فقلت له : أنا أمقت الإدارة وخلفيتي في الإدارة سيئة ، روتين ومحسوبيات وبيروقراطية وهم وغم وأنا لاأريد أن أضع نفسي في هذا المأزق ، أريد أن أطبق ما تعلمته في أمريكا في المدرسة ، لأن الإدارة سوف تشل حركتي وتقيد تفكيري ، فوجهت إلى الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض ، ولكن سعادة مديرعام التعليم بمنطقة الرياض طلب مني أن أكون مشرفا للتوجيه والإرشاد ، فقلت له كيف أكون مشرفا وأنا لم أزاول مهنة المرشد من قبل دعني أعمل في مدرسة ما لمدة سنتين وبعدها يكون خيرا ، فقال نحن بحاجة لمشرفي إرشاد ، فوافقت على مضض ، مع أني كنت أفضل أبقى مرشدا 0كان ذلك عام 1407ه ومن ساعتها بدأ الصراع وازدادت وطأته عندما عينت على غير إرادة مني رئيسا لقسم التوجيه والإرشاد بمنطقة الرياض التعليمية ومكثت رئيسا للإرشاد 8 سنوات ، حتى انتقلت إلى مقام وزارة التربية والتعليم المعارف (سابقا)0
كان المشرفون في القسم قلة على ما أذكر 5-6 أكثرهم يحمل شهادة الماجستير في التوجيه والإرشاد وكانوا يعملون بجد وإخلاص ، ولكن قسم الإرشاد وقتذاك أشبه ما يكون بمكتب قبول وتسجيل للطلاب ، الأخوة الزملاء منشغلون بقبول الطلاب ، والرد على المعاملات وبالطلاب المعيدين لمدة عامين، ومنحهم فرصة ثالثة ، والطلاب الكبار في السن ،ونسبة غير السعوديين في المدارس الحكومية، لكن الإرشاد الحقيقي بعيد كل البعد عن جوهر العمل بالقسم وهذا طبعا ينسحب على المدارس ، المشكلة أنني جلست أقارن بين الإرشاد في أمريكا والإرشاد في المملكة فوجدت بونا شاسعا بينهما ، هل تعلمون أخواني وأخواتي القارئات أنني وزميلي عملنا بعد عودتنا من أمريكا في قسم النقل المدرسي لمدة شهر كامل بين متعهدي نقل الطلاب والحافلات التي تقل طلاب المدارس ، وكتابة أسماء المغتربين والطلاب المتوفى عنهم آباؤهم قبل أن نبدأ بالعمل في قسم الإرشاد ، طبعا هذه معلومة جاءت على الهامش ، والله الموفق 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.