التصنيفات
الرعاية الاجتماعية و النفسية

رحلتي مع الإرشاد

رحلتي مع الإرشاد ( الجزء الخامس )
لقد كانت هناك وقفات جميلة أثناء مروري ، بالجزر الهادئة في عباب البحر وما أشاهده من جمال الكون جزر خضراء زرقة السماء الصافية وهدوء البحر بعد انحسار الموج العاتي و عندما لاتنتابه الأعاصير والعواصف والزوابع ، أو ارتفاع الموج للحد الذي يخشى منه الركاب الغرق ، كانت هناك وقفات جميلة أثناء زيارتي للمدارس وبالمقابل كانت هناك زيارات محزنه ، هذه الزيارات الجميلة هي جمال البحر وصفائه أما الزيارات المؤلمة فهي ارتفاع الأمواج وشدة الرياح والأعاصير 0
يسوؤني كثيرا تصرف بعض إدارات المدارس في علاج بعض المشكلات المدرسية ، أتذكر أنني مرة مع بعض زملائي في زيارة لمدرسة ثانوية في شرق الرياض كان الهدف من الزيارة إلقاء محاضرة على الطالب عن اختيار المهنة ، عندما أقبلنا على المدرسة أثناء تأدية التمارين الصباحية ، وإذا بإدارة المدرسة قد أغلقت الباب أمام بعض التلاميذ لأنهم تأخروا عن الطابور الصباحي مدة خمس دقائق ، لاحظنا أن الطلاب في الشارع ، وإذا بنا نشاهد اثنين من الشباب الذين لاتدل سماتهم على أنهم من طلاب المدرسة ، بل إن شكلهم مخيف ومريب، وقد اندسوا بين الطلاب المتأخرين صباحا يتحدثون معهم ، نحن قمنا فورا بإدخال الطلاب المتأخرين للمدرسة خوفا عليهم من هذه النوعيات التي قد تؤثر على سلوكياتهم سلبا ، ثم سألنا مدير المدرسة عن سبب إغلاق الباب فقال : لابد أن يكون الطلاب متكاملين قبل ا لساعة السابعة إلا ربع صباحا لحضور طابور الصباح فقلنا له: نحن نرغب في الحزم مع الطلاب ، لكن ليس إلى حد أن يصل بنا الأمر إلى أن يؤدي هذا الحزم إلى نتائج عكسية وعلاج الخطأ بالخطأ،هم صحيح تأخروا وهذا خطأ ولكن أيضا منعهم من الدخول خطأ –أيضا- كان المفروض أن يدخل الطلاب المدرسة ويناقشون واحدواحدا عن أسباب تأخرهم ( لعل له عذرا وأنت تلوم ) وهل كلهم تكرر تأخرهم أم أن بعضهم تأخر للمرة الأولى ، على أي حال قديكون علاج بعض مديري المدارس لمشكلات بعض الطلاب علاجا يؤدي إلى تفاقم المشكلة وأكثر ، أنا متأكد أن بعض الطلاب سيفرح عندما يجد باب المدرسة مغلقا وسيعود للبيت ويقول لأهلة وجدت باب المدرسة مغلقا ، ثم ينام ، والبعض سوف يستغلها فرصه ويركب سيارته إذا كان لديه سيارة ويفحط وربما يحل به مكروه أو يؤذي عباد الله ، والبعض قد يجره رفقاء السوء إلى الرذيلة ، والسبب في ذلك كله المدرسة أو إغلاق باب المدرسة 0
كنت مرة في زيارة لمدرسة متوسطة غرب الرياض ، وعندما حضرت للمدرسة الساعة السابعة صباحا ، وبعد دخول الطلاب للحصص لاحظت بعض الطلاب المتأخرين مع مدرب الرياضة يكلفهم بتمارين رياضية قاسية عقابا لهم على تأخرهم الصباحي ، مثل (نطة البطة ) هذا التمرين قاس جدا ومرهق للأعصاب، أخذت أحد الطلاب وسألته عن سبب تأخره ، فقال لي : إن والدي يلزمني بمرافقة أخواتي وإخواني لمدارسهم ، ومن ثم أتأخر وأعاقب على تأخري ، وأسأل نفسي هل يتناسب هذا العقاب مع ما فعله هذا الطالب ، إن تأخره ليس كسلا منه ولبس بمحض إرادته إنما الذي أجبره على فعل ذلك والده ، فمن الذي يستحق هذا العقاب ؟، المشكلة أن بعض المدارس تعاقب الطلاب دون أن تبحث عن سبب مخالفاتهم 0، وأنا قلت في حديث سابق لي كلما كانت صلة البيت بالمدرسة قوية كلما خفت المشكلات المدرسية التي من بينها مشكلة تأخر الطلاب صباحا ، كل طالب يتأخر صباحا لتأخره سبب يختلف عن غيره فأين المرشد الطلابي ؟عن البحث عن هذه الأسباب؟ أم أن المرشد الطلابي حاضر بجسمه غائب بفعله ، هذا هو الأثر الإيجابي الذي أريد أن أراه ماثلا أمامي في كل مدرسة أزورها ، أما أن الإرشاد مجرد أوراق وسجلات لاتسمن ولا تغني من جوع فهذا ضياع للوقت والجهد0
من الزيارات التي قمت بها زيارة لمدرسة الناصرية المتوسطة بالرياض، هذه المدرسة يدرس بها طلاب من المؤسسة النموذجية ( الطلاب مجهولو النسب) ،وعندما قابلت المرشد الطلابي في مكتبه ، وكان من الشباب الخلوق الذي يهتم بالأعمال الميدانية أكثر من اهتمامه بالورق ، أحضر لي في مكتبه أحد الطلاب وطلب مني أن أستمع إليه وهو يتحدث عن مشكلته في المؤسسة ، يقول هذا الطالب : كنت أدخن ، فجاء لي مدير المؤسسة وألقى القبض علي ، وقال لابد من عقابك ، وكان قد قطع أربعة عسبان من سعف النخل خضر ووضعها في الماء حتى تشبعت تماما بالماء لتكون قوية لاتنكسر ،وتكون أشد إيلاما عندما يضرب بها الطالب، قلت له أنا صحيح أتعاطي التدخين وأنا الآن عازم – إن شاء الله- على تركه ولكن بالتدريج فصرخ في وجهي وقال أنت مجرم اضحك على غيري ولم يسمع كلامي ولا توسلاتي بل أمر اثنين من الخدم وسحباني بغترتي والقياني على الأرض وربطا رجلاي يبعضهما وأدخلا بينها (الفلكة) وصار المدير يضربني حتى أغمي علي ، ثم تركني وشأني حتى أفقت ، بعدها قلت في نفسي أنا كنت ناويا أن أترك التدخين وأما الآن فلن أتركه وقد أنجر لغيره ، أنا الآن حياتي تعيسة لاأم ولاأب أشكو إليه ضعفي وهواني على الناس ، لقد فقدت الحب والحنان فليس لدي شيء أخسره / سأعمل ما بدالي ، أصبح هذا الحدث ينظر للحياة بمنظار أسود قلبه مليء بالحقد والكراهية لكل من يعرف ومن لا يعرف ( قال لي المرشد انظر يا أستاذ/ إبراهيم ، نحن إن تركنا هؤلاء فمعناه أننا سوف نضيف أعدادا هائلة من المجرمين على المجتمع وسينتقمون ممن تعامل معهم بسوء ولن يقتصروا على ذلك بل سيسرقون ويقتلون ويشعلون الحرائق ويقطعون الطرق ، وضعف الإرشاد سيفا قم هذه المشاكل ، هؤلاء الأحداث إذا لم يجدوا من يحتضنهم ويعاملهم برحمة وبعطف وحنان وحب قد فقدوه بفقدان آبائهم، سيكونون نواة للفساد والشر وسوف يلحقك ويلحقني أذاهم 0، أنا أسأل نفسي سؤالا ؟ كيف يحدث ذلك في مؤسسة اجتماعية يفترض فيها أن يكون من بداخلها من المشرفين والمرين عوضا عن آباء هؤلاء الطلاب ، فإذا كانت الحياة قد قست عليهم نقسوا عليهم نحن –أيضا- شيء عجيب حقا0
لقد قص علي أحد الزملاء في قسم الإرشاد هذه القصة المؤلمة حقا ، فقال كنت عند مدير مدرسة ما فقال لي المدير إن أغرب قصة حدثت لي عندما لاحظت أن أحد الطلاب يدخن وهو في الصف الأول ثانوي ، فأمسكت به في الصباح أمام زملائه ووضعت الفلكة في رجليه وضربته ضربا مبرحا ولكنه لم يتفوه بكلمة واحدة بل كان ينظر إلي نظرات مريبة فلم اهتم لذلك ، وفي المساء عندما كنت نائما في سريري وبجانبي زوجتي إذا بي أفاجأ بهذا الطالب وقد دخل علي الغرفة إذ أنه تسلق سور الفيلا ودخل البيت، وقد وقف على رأسي ومعه سكين وقال لي ، أنا وصلت إليك فما الذي يمنعني منك الأن ، فدهشت للموقف ، وسالت زوجتي هل أنا في حلم أو علم ، فقالت لا أنت في علم أنا أشاهد هذا الشاب ، بعد ذلك تركني وذهب من حيث أتى بعدها تسأل عني فلا تجدني أنا في حالة لاأحسد عليها فلم يدخل عيني النوم طوال الليل، وفي الصباح ذهبت للمدرسة ، ولم أدخل الإدارة بل ذهبت مباشرة إلى الفصل الذي يدرس فيه ذلك الطالب فرأيته في الفصل يدرس مع زملائه وكأن شيئا لم يكن ، وبقيت على هذه الحالة من الكدر وضيق النفس لمدة أسبوع كامل ويعد مضي أسبوع ذهبت إلى فصل هذا الطالب واستدعيته ودخلت ، به إلى الإدارة وأغلقت الباب ، وقلت له ما الذي حملك أن تفعل ما فعلت فقال : أنت السبب في ذلك يا أستاذ لقد أحرجتني أمام زملائي وما جئت إليك في منزلك إلا لأنتقم منك ، لكني امتنعت (ريك ستر ) ، يقول فقال المدير أنا حريص على مصلحتك والتدخين يضرك وهو حرام فقال أعلم ذلك لكنك لم تعرف الطريقة التي تعالج بها مشكلتي ، كان المفروض أنك فعلت معي ما فعلته الآن من الحوار والمناقشة ، لاأن تضعني قي موقف محرج وتقول أنا حريص على مصلحتك ، عندها أخرج الطالب بكت الدخان من جيبه ومزقه ورماه في الزبالة وقام وقبل رأسي وقال لي:والله لن أعود للتدخين مرة أخرى 0
أنا في نظري أن أسلم طريقة لعلاج المشكلات السلوكية الحوار والمناقشة لاسيما مع الطلاب الكبار طلاب المرحلة الثانوية أما الضرب والقسوة والاستهزاء والتوبيخ فهذه أساليب عقيمة أكل عليها الزمن وشرب ولم تعد صالحة للتعامل بها مع الطلاب اليوم ، بل إنها تفاقم المشكلات أكثر وأكثر ، فاحذر أخي المعلم أختي المعلمة من استخدام الضرب أو عقاب الطالب أمام زملائه أو الطالبة أمام زميلاتها ، وإلى اللقاء في الرحلة السادسة بإذن الله 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.