التصنيفات
إثراءات التوجيه التربوي

قراءات موجهة

صفحة من القراءة الموجهة .
ابن زيدون … المؤامرة والحرية .

أضحى التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لقيــانا تجافينا
ألا وقد حان صبح البين صبحنا حين فقام بـنا للجبن ناعيـــــــنا
فانحل ما كان معقودا بأنفســــنا وانبت ما كان موصولا بأيدينا
كنا نرى اليأس تسلينا عوارضه وقد يئســنا فما لليأس يغريــــنا
بنـتم وبنا فما ابتلت جوانحـــــنا شوقا إليكم ولا جفن مآقيـــــــنا
تكاد حين تناجيــــكم ضــمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
والله ما طلبت أهـــواؤنا بــــــدلا منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
دومي على العهد ما دمنا محافظة فالحر من دان إنصافا كما ديـنا
أولي وفاءتوإن لم تبذلي صــــلة فالطيف يقنعنا والذكر يكفيــــنا
عليك مني ســـــلام الله ما بقــيت صـــبابة منك نخفيها فتخفيــــنا
هي العاطفة المتدفقة التي تستوقف القارئ حينما يبدأ القراءة الشعرية ، فرغم اضطراب زمنه وحياته ، نلمس شفافية شاعرنا ونحن نقرأ قصيدته النونية ، التي نظمها بعد فراره من سجنه بقرطبة إلى أشبيلية والتي أوردت بعض أبياتها ، تستوقفنا الشاعرية في التعبير عن ذاتيته ، ومعاناته وهذه العاطفة المتوهجة التي سرعان ما تتجاوز حدود ذاته ، فتمتزج بالطبيعة والجمال ، فتأتي ملونة بالأزهار واللفصول ، متدفقة كأنهار الأندلس يقول :

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقــــــــا والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
والروض عن مائه الفضي مبتسم كما شققت عن اللبات اطواقـــــــــــا
نلهو بما يســـــتميل العين من زهر جال الندى فيـــه حتى مــال أعناقــــا
كأن أعينــــه – إذ عاينـــت أرقي – بكت لما بي ، فجال الدمع رقراقــــــا
شاعرصنعته تلك التجارب المتناقضة التي مرّ بها ، فالحب الذي ملأ فؤاده لابنة المستكفي ، تحول نقمة عليه ، فأحاطت به النفوس الحاسدة ،، وولادة ابنة المستكفي ذاتها نقمت عليه وشعرت بالغيرة حينما استمع لصوت جاريتها مستحسنا جماله ، وابن عبدوس أوغر صدرها وصدر الأمير عليه ليحظى بحبّ الأميرة، حتى أدخله السجن .
لقد كان السجن محطة فاصلة في حياته ، نظم فيها أجمل مقطوعاته ،وظهرت أدبياته في رسالتيه ( الجدية في استعطاف ابن جهور ،والهزلية على لسان ولادة في ذم وتجريح ابن عبدوس)أدبيات عامرة بالصور والأخيلة متميزة بالحرارة والتجديد الفكري ، واللفظ النقي الذي صاغه بدقة ليعبر عن معاناته ، وظلم الآخرين له .
هي النفس القوية إذا التي تمتلئ بالأنفة والتعالي ، جعلته يهرب من أسره بعيدا عن نبضه ، ولكنّ أصعب ما أحس به هو تخلي ولادة عنه ، هذا التخلي جعل حياته سرا من العذاب ، مأسورا بشوقه إليها ، ما فتئ يذكرها ..
ولكنّ الباب المفتوح لتآمر المتآمرين عليه ما زال مفتوحا على مصراعيه ..
حتى في أشبيلية ،حينما أصبح سفير ووزيرا ،واحتضنه المعتضد وابنه المعتمد عشرين عاما ، ظلت المحاولات تتوالى لإقصائه ، لكنّ المودة والألفة التي جمعته مع المعتمد ، ردت كيد الحاسدين إلى نحورهم ، وقد اكتشف الأمير حقدهم وتآمرهم فأنشأ قصيدة يدفع عن صديقه شرهم يقول لهم فيها :
كفوا وإلا فارقبوا لي بطشة تلقى السفيه بمثلها فيحلم .
بين المؤامرات والاستقرار لنفس أبية حرة ، والحب والاستعطاف من أجل أن يدوم هذا الحب ، وفي آخر أيام الأندلس أوجزتُ قصة سطرت لنا سيرة رجل نال ثقافة عالية ومتنوعة ، لغوية ونحوية ودينية وأدبية، وصان موهبته بما جاد علينا من صدق مشاعره ، وكان شعره موجّها للسياسة ومحركا للجماهير ، بميله الدائم إلى التحرر ، لتنتهي قصته كماهي حال الدنيا .. لقد ذهب رغم مرضه وشيخوخته لإخماد فتنة اليهود التي ثارت في أشبيلية ، لكن المرض أوهنه ، والقدر عاجله ، فانتقل إلى جوار المولى في عام463 هـ .
للإطلاع :
ابن زيدون – علي عبد العظيم – دار الكتاب العربي للطباعة والنشر – القهرة 1387هـ / 1967 /- أعلام العرب : 66
ديوان ابن زيدون ورسائله- تحقيق / علي عبد العظيم – دار نهضة مصر – القاهرة 1400هـ/ 1980 م .

نحن بانتظار مزيد من القراءات الموجهة والتي تشير إلى خبرة الفاضلة خيرية على سبرأغوار الشخصية الأديبة ورربط ذلك بنتاجاتها الأدبية …… بوركت جهودك
دمتم للعربية ذخرا ..
ما زال أسلوبك الآسر يلقي بسلطانه على قلبي و فكري ، فأنت تكتبين بريشة الرسام و تصورين أفكارك بعدسة صافية الألوان …دمت ذخرا للعربية .
أشكركِ أستاذتي الفاضلة على الموضوع القيم …
قراءة رائعة وطرح جميل وتناول سلسل وجذاب وأسلوب شائق
جزيت خير يا أستاذتنا /الفاضلة على هذا الموضوع القيّم
شكرا استاذة على هذا الموضوع القيم

موضوع راق ورائع تشكرين عليه اختنا الطيبة
بارك الله في الجهود وجعلها الله خالصة لوجهة

اخوك

بالفعل موضوع مميز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.