التصنيفات
الإدارة المدرسية

من اعماق قلبي وخلجات نفسي نحت هذه الكلمات فما رايكم

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى المعلم والمعلمة

الحمد لله الذي خلق فسوى، قدر فهدى، وعلم الإنسان ما لم يعلم، أحمده على جزيل فضله وعظيم عطائه، وصلى الله وسلم على من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين .

حديثنا اليوم خاص، وإلى فئة خاصة، فئة شرفها الله تعالى، وجعلها نورًا يهدي بها من يشاء من عباده ، فئة الحيتان في البحر تستغفر لهم، فئة تجاهد في أبناء المسلمين، فتصلح ما أفسده الغرب الكافر، وتبني ما هدمه أعداء الدين، فئة عملها بناء نفوس وتنشئة أجيال، إن الحديث لكم يا أيها المعلمون والمعلمات !

فيا أستاذي الكريم ! ويا معلمتي الفاضلة !
نعم حديثنا لكم، فافتحوا آذانكم، وأصغُوا بقلوبكم، واسمحوا لنا بمشاركتكم الأجر، فأنتم النور في زمن الظلمات، وأنتم قادة السفينة إلى بر الأمان، وأنتم حبل النجاة الذي يتمسك به كل حائر، وهائم وضال، ولأن الكفار وقفوا بخيلهم ورجلهم، ووسائل هدمهم لإفساد شباب الإسلام، وأمل الأمة، فأنتم وحدكم من يواجه تلك الحشود، وذلك الظلام، فهم بوسائل هدمهم وطرق كيدهم يؤججون في الشباب الشهوة، ويدفعون الهوى، ويساندون النفس الأمارة بالسوء؛ لكي يتحول خليفة خالد بن الوليد وشبيه سعد وحفيد أبي عبيدة،إلى همج رعاع لا قيمة له، فأنتم وحدكم وقفتم في وجوههم، نعم وحدكم، لكن معكم الله، فحديثكم الأخوي وتوجيهكم التربوي وهمستكم الحانية تتفاعل معها الفطرة التي في قلب كل إنسان، الفطرة التي فطر الناس عليها، فكلامك، وتوجيهك ونصائحك، إذا خرجت من قلب صادق، فإنما هي بذور في نفس الشاب والشابة تثمر ولو بعد حين
فيا أستاذي الحبيب! ويا معلمتي الفاضلة! اسمحوا لنا بالحديث معكم بشكل خاص، حديث لا تنقصه الصراحة، تلك الصراحة التي ربما تكشف لنا بعض ما خفي أو أخفي عنا، صراحة مثلها مثل مشرط الطبيب الذي يقطِّع به جسد المريض ، وما أن يصح ذلك المريض إلا ويرفع يديه بالدعوات لذاك الطبيب على جميل صنعه؛ لأنه أنقذ حياته من مرض خطير وموت محقق.
فيا أستاذي الحبيب! ويا معلمتي الفاضلة!
إننا نتفق جميعًا أن من أصعب الأعمال هو التعليم؛ لأنه تعامل مع بشر، ولأنه تنشئة جيل، وصناعة نفوس.
أرأيت أنفسَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئ أنفسًا وعقولا ؟!
ولا ننجح في هذه المهنة إلا بالإخلاص، نعم الإخلاص تلك الكلمة التي سهلة في نطقها وأدائها، صعبة جداً في تنفيذها، ومعرفة الإخلاص والمخلصين ليس بالأمر الصعب، فأمة محمد r لا تجمع على ضلالة، فما اتفق الناس – وخاصة من في المدرسة من إدارة ومعلمين وطلاب، بل ومستخدمين وأولياء أمور – على إخلاص فلان أو فلانة إلا كان حقاً وواقعاً، والناس شهداء الله في الأرض، ولعل كل سامع لهذا الكلام يتمنى، ويدعو الله أن يحصل على تلك المنزلة، فلكل ساعٍ للإخلاص وكل متمنٍ لهذه المنزلة أقول له: تعال معي عبر هذه الأمور، والتي تساعد – إن شاء الله – على بلوغ تلك المنزلة العالية .
1- تذكر نعمة الله عليك أستاذنا الحبيب، ويا معلمتنا الفاضلة، فلقد خصكم الله – تعالى – بنعمة حرم منها كثير من الناس، فكم من خريج وخريجة لم تتم فرحتهم لعدم توفير الوظيفة، فتراهم متابعين بلهف إعلانات الديوان، ومكاتب الإشراف، وتراهم في طوابير طويلة يحدوهم الأمل إلى تلك النعمة التي تتقلب فيها، ففي آخر الشهر تتسلم مرتبًا عاليًا، وقد انتهيت من تلك المعاناة التي يعيشها كثير من الناس، كل ذلك يدفعك إلى شكر هذه النعمة، وتقديم ما هو أفضل إلى شباب الإسلام.
2

يتبع
2- ومما يعين على الإخلاص تذكّر قول النبي r في ذلك الحديث العظيم: (( لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ))( ). فأنتَ أيها المعلم، وأنتِ يا أيتها المعلمات – رعاكما الله – تتقاضيان مرتبًا، وأجرة مقابل أعمال وأمور تعرفونها، ويعرفها الجميع، أنتم الذين تقدمتم وسعيتم وبذلتم الغالي والنفيس من أجل الحصول على هذه الوظيفة؛ وهي التعليم، فتعرفون أن لكل طالب وطالبة حقًّا، ويجب أن يعطى حقه، ومهما غالطنا غيرنا لا يمكن أن نغالط أنفسنا، ونقنع من حولنا ببعض ما نبرر فيه تقصيرنا، فويل ثم ويل لمن فرط وقصر وأهمل، ولم يبال بقول الله وقول الرسولr، وكم تتعجب ممن يبرر تقصيره بحجج وكلام ربما يعذره البعض، فما ذنب أبناء المسلمين يوم أن كان الراتب لا يغنيك، والمسافة بعيدة، والمدير متسيب أو متسلط، والجو حار، إلى غير ذلك من الأمور التي لو استفتى قلبه لأفتاه، ولو بحث لنفسه عذرًا حقيقيًّا لم يجد، ولو كان التقصير مع ابنه لقامت الدنيا ولم تقعد.

يتبع
3- ومما يعين أيضاً أن تعاملوا طلابكم كما تحبون أن تعاملوا أبناءكم، أو أخوانكم، فوالله لو حقق كل معلم ومعلمة هذه القاعدة، وعمل بها في ميدانه التعليمي، لانتهى كثير من المشاكل التي نعاني منها.

يتبع

4- ومما يُعين – أيضاً – أن كل طالب وطالبة يمر عليكم من خلال مقاعد الدراسة، سيذكركم ولو بعد حين، فاحرصوا على الإحسان والإصلاح، والبذل لهم، ولقد قال رسول اللهr: (( إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ : مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) ( ). فهنيئًا لذلك المعلم والمعلمة، واللذان هما من المخلصين، هنيئًا لهما تلك الدعوات التي ترفع لهما من عشرات، بل مئات من الطلاب الذين مروا عليهم من خلال سنوات خدمتهم في التعليم، فالله أكبر على هذه الثمرة العظيمة، والتي ينام الإنسان بل ربما يموت وذكره الطيب في كل مكان وكل بلد، وأجره لا ينقطع، لماذا؛ لأنه صبر على فعل الخير، فكان الجزاء الذكر الطيب، والسمعة الحسنة في الدنيا، وذلك عاجل بشرى المؤمن.

5- ومما يعين على الإخلاص الاهتمام بفئة خاصة موجودة في كل مدرسة.
فيا معلمي الغالي! ويا معلمتي الفاضلة! وأنت تتجول في المدرسة وأنت تقف في الطابور الصباحي، هل فكرت في ذلك اليتيم؟ والذي يتجرع ألم اليتم والحرمان في كل وقت وفي كل ساعة، فكم ذرفت عيناه حينما تحدث زملاؤه عن آبائهم، وكم غصت في حلقه تلك العبرات وهو واقف أمام باب المدرسة يرقب كل طالب يجري ليصل إلى سيارة أبيه، وهذا آخر أبوه واقف ينتظره عند الباب، وما أن يخرج ابنه إلا ويستقبله بالقبلات والضحكات، كل هذه المناظر تتكرر يوميًّا على ذلك الصغير اليتيم، فما أن يصل إلى بيته إلا ويسأل أمه: لما ذا يا أمي! الناس لهم آباء وأنا ليس لي أب؟ فما تملك تلك الأم إلا وتضم ابنها إلى صدرها وتقبله وتخفي دموعها عن ابنها.
فيا أستاذي! ويا معلمتي! ما يضرك لو بحثت عن هذه النوعية من الطلاب والطالبات، وفتحت لهم قلوبك، ورسمت فيهم الأمل بحديثك، فتقول ملاطفًا لذاك اليتيم: اعتبرني أخاك، اعتبرني صديقك. وتمسك يده في لمسة حانية. وتقول: إذا كان لك حاجة فلا تتردد في طلبها، فوالله إني أحبك، وأعتبرك مثل أبني.
الله أكبر على توفيق الله لمن خصهم الله بتلك الصفة، فترى ذلك المعلم، ينتظر الصباح ليذهب؛ لكي يطمئن على طلابه، فتراه في الطابور الصباحي يتجول بين الطلاب، وإذا مر على ذلك اليتيم، نظر إليه نظرة حانية، ووضع يده على رأسه، وابتسم في وجهه ابتسامة بعثت فيه الأمل، وأشعلت فيه نور السعادة والأنس، حتى والمعلم يتجول في ممرات المدرسة لا يحتقر الابتسامات على الطلاب، والكلمات التي تعبر عن التقدير والاحترام، وما أن يخرج ذلك الطالب وتلك الطالبة من المدرسة إلا ويذهب مسرعاً ويرمي بنفسه في حضن أمه ويقول: أمي! الأستاذ فلان، والأستاذة فلانة أعطاني، وكلمني، أمي! إني أحب الأستاذ فلانًا، أمي لقد أعطاني الأستاذ هدية، ويسرد لأمه تفاصيل ذلك التعامل اللطيف والراقي من ذلك المعلم ، الأم المكلومة والأرملة حينما ترى سعادة وفرح ابنها ترفع يديها إلى السماء وتقول يا رب! اللهم وفِّقْ فلانًا، اللهم ارحمه، اللهم ارزقه ذرية صالحة، فالله أكبر على تلك الدعوات التي تخرج من قلب صادق، ومن نفس مؤمنة، فهنيئًا لذلك المعلم تلك الدعوات، وهنيًا له يوم أن حول المدرسة عند تلك الفئة من الطلاب من جحيم لا يطاق، ومن همٍّ وغمٍّ إلى روضة نضرة، وإلى جنة باردة ينتظر الطالب الصباح؛ لكي يذهب إلى المدرسة؛ لما يرى من الاهتمام، والرحمة والمحبة.
بل إن همة هؤلاء المربين والمربيات تجاوزت أسوار المدرسة، فتراهم متابعين أحوال أسر طلابهم، وكأنهم من أهلهم، فما تمر مناسبة، ولا مشاركة إلا يشاركونهم في الفرح والمرح، ففي أيام العيد يهدونهم هدايا العيد، بل والله إنهم إذا مرض أحد من تلك الأسر لا يذهب بهم إلى المستشفى إلا هؤلاء المعلمون، أقصد المربين.
فيا معلمي الغالي! ويا معلمتي الفاضلة ! كم من شاب تجرَّع ألم الحرمان بسبب موت أمه وأبيه، وكم من فتاة حارت في نفسها أسئلة وأمور خاصة؛ لأن أمها مطلقة أو متوفاة، وكم من بؤس وحرمان جرَّ إلى رذيلة وعار.
فلقد سقطت فتاة في أحد المدارس مغمى عليها، ولما بحثوا عن السبب وجدوها جائعة. وطالب في الثانوية رفض الذهاب إلى المدرسة؛ لأنه لم يجد نعلاً يلبسه، وطالب في الابتدائي سأل أباه في الصباح ريالين للإفطار، فلم يملك الأب إلا أن أدار وجهه، وذرفت دموعه؛ لأنه لا يملك قيمة الإفطار ، كل هذه المآسي تتكرر في أغلب المدارس، فأين طلاب الجنة؟ وأين الرحماء؟ وأين الكرماء؟ وأين النبلاء عن هذه المآسي؟ كم من لقاء أسبوعي للمعلمين يوضع فيه أفضل المأكولات والمشروبات، ويبقي منه ما يحتار البعض أين يذهب به؟ فأين من يبحثون عن مجالات الخير وطرقه؟ وربما أن البعض يتساءل: أين هذه الأمور؟ ولم نلاحظها في مدارسنا ولم يشتك لنا أحد!!.
فأقول: إن الله تعالى لا يختار لهذه الأعمال إلا من أحبهم، ومن أحبه الله استعمله في طاعته، فكيف يفتح الطالب المحروم والطالبة اليتيمة لنا قلوبهم! ونحن نعاملهم بشراسة وغلظة، وربما انتقم منه البعض، فما ذنبه يوم أن كان لم يعجبك منظره، ولم يستطع تنظيف هندامه، وما ذنبه يوم أن كان البعض فاقدًا لمعنى التربية والتعليم، فعمرهـ بالمهنة زمن طويل، والطريقة واحدة، يفرح بالانصراف من المدرسة، ويحزن بالقدوم إليها، مع أن بعض المعلمين، والذين يستحقون ذلك الشرف تضيق عليهم أنفسهم في الإجازة؛ لأنه ينقطع عن رسالة هادفة، وعمل سام، فتراهم لا يشتكون من تعاميم الوزارة، ولم يتضجروا من متابعة الإدارة، حملوا همَّ الآخرة فكفاهم الله همَّ الدنيا.
النـاسُ بالناسِ ما دامَ الحياةُ بهم والسعدُ لا شكَّ تاراتٌ وتاراتٌ
وَأفضلُ الناسِ ما بينَ الورَى رجلٌ تُقضَى على يدِهِ للناسِ حاجاتٌ
وَأشْكُرُ فضائلَ صنعِ اللهِ إذ جُعلتْ إليكَ لا لكَ، عندَ الناسِ حاجاتٌ
قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم وعاشَ قومٌ وهم في الناسِ أمواتٌ

ومما يعين على الإخلاص: محاسبة النفس وسؤالها، فما موقعك في المدرسة؟ وما مكانك في جانب الإصلاح؟ فكم من طالب وطالبة لولا الله ثم أنت لَضَلَّ، وكان عضوًا فاسدًا في المجتمع، وكم من نتيجة إيجابية تحققت بفضل من الله ثم بفضلك، وماذا لو انتقلت من المدرسة؟ من سيفقدك؟ ومن سيبكي عليك؟ أم أنك في المدرسة لا يُرى منك إلا رسمك؟ ولو انتقلت منها لم يُفقد إلا ذاك الإنسان الذي نراه يتجول في المدرسة؟ وما هي إلا أيام وتنتهي ذكرياتك في نفوس وعقول طلابك.

ومما يعين الإنسان على الإخلاص أن تعامل طلابك كما تحب أن يعاملك مديرك والمسؤول عنك، فماذا لو كان مديرك يدقق عليك كل صغيرة وكبيرة؟
وماذا لو طالبك بتنفيذ النظام بحذافيره، وأصبح يردد عليك أنك موظف وتعمل بأجرة، وأصبح يرصد حركاتك وسكناتك، ماذا سيكون حالك؟ وعلى أي حال ستكون نفسيتك؟ وكيف ستكون المدرسة بالنسبة لك؟!

كتبها

عبد الله محمد العجمي

سابح ضد تيار

كلمات روعة وجميلة
يسلمو اناملك على هذا الموضوع
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العيناوية روووح الشارقة
كلمات روعة وجميلة
يسلمو اناملك على هذا الموضوع

الأخت الفاضلة العيناوية
مرور كريم ووفقكم الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.