[البطولة هى انتصار الروح على الجسد" هكذا ارتآها "هـ. ف. أميال" ويلفت انتباه البشرية بصراحة وقناعة "لاروشفوكو" أن "هناك أبطال فى الخير، كذلك أيضا فى الشر" فلا نستغرب حين سئل "نيتساتاكا" "من هو أكبر بطل على الإطلاق؟" فقال "إنه نزواته". والبطل فى اللغة هو الشجاع،
وفى الحديث "شاكى السلاح بطل مجرب" وقيل "إنما سمى بطلا لأنه يبطل العظائم بسيفه فيبهرجها" وقيل "سمى بطلا لأن الأشداء يبطلون عنده" وقيل "هو الذى تبطل عند دماء الأقران فلا يدرك عنده ثأر من قوم أبطال" وفى الحديث النبوى "أشجع الناس من غلب هواه" وفى حديث روى عن أبى هريرة "إن الشديد ليس من غلب الرجال ولكن الشديد من غلب
نفسه" وأخرج مالك فى الموطأ عن أبى هريرة "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب" وكما قيل "ليست الشجاعة ألا يرتجف قلبك، بل هى ألا يعرف أحد آخر أنه يرتجف" ومن أمثال
العرب "الشجاع موقى" أى أن الشجاع لا يهاب المخاطر، ولا يذهب الحادث بعقله وتدبيره، فيوجه الأمر الوجهة الصالحة، فتزيده شجاعته قوة وإقداما يحسن النزال إذا نازل، ويحسن التخلص إذا رأى الموقف يقتضيه. فشجاعته تبعده عن الخطر وتجنبه الشرور بخلاف الجبان الذى يوقعه جبنه فى المهالك ويجر عليه خوفه البلاء. من هذا المنطلق نجد الأمم الراقية حريصة على التمسك بتقاليد قيمها الأخلاقية فى مسابقاتها، ومنافساتها ومبارياتها الرياضية.
إن الشرف، والأدب، والأمانة، والنظام، والطاعة، هى قيم سامية، يلتزم بها المتسابقون، والمتنافسون، والمتبارون، فى مختلف الألعاب الرياضية، عند الفوز أو الهزيمة فلا يطغيهم النصر، ولا تثيرهم الهزيمة، فالمسابقات، والمنافسات، والمباريات، تجرى فى جو من التفاهم والانسجام، وفى حدود الذوق والنظام، لا يفخر غالب على مغلوب، ولا يحقد مغلوب على غالب، لأن المقصد كما ذكر الباحثون فى مختلف العصور اعتبار المسابقات، والمنافسات، والمباريات، وسيلة تربية جسدية، وعقلية، مصحوبة بتهذيب خلقي، وتقويم نفسي، يساعد على رفع الإنسان إلى مرتبة سامية وخلق عظيم.
ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن "الحكمة ضالة المؤمن يأخذها من أى وعاء خرجت، وأنى وجدها فهو أحق بها" فكم من لاعب متأدب يبدأ مسابقته أو منافسته أو مباراته بالقول "بسم الله الرحمن الرحيم" إن كان مسلما ويضيف القسم المتفق عليه عالميا باسم اللاعبين. وكم من حكم يقسم القسم، وكم من منتصرين يرفعون أيديهم إلى السماء يحمدون الله الذى نصرهم، وآخرون يسجدون فيخرون ساجدين لله عندما ينهزمون، وكم من مسابقين ومنافسين ومتبارين يقولون فى التلفاز أمام الناس "إن شاء الله ننتصر" "الله ينصرنا" والجميع فى خشوع، والمتفرجون أثناء حدوث الحدث، فى صمت وخشوع ومتابعة وانضباط، والكل خاضعون لقانون اللعبة. وهذا يذكرنى بعديد المواقف فى بداية الإسلام.
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سابق على حصان له يسمى "سبحة" فسبق الحصان غيره فبش النبى وأعجبه ذلك فى غير مباهاة لأن الإسلام يعلم الرياضى أن من حقه إذا انتصر أن يفرح من غير إسراف ولا خيلاء. كما كان للرسول ناقة تسمى "العضباء" وكانت لا تسبق فجاء أعرابى على قعود "أى جمل صغير" فسبقها فعز ذلك على المسلمين وجعلوا يقولون "سُبقت العضباء" فقال الرسول عليه الصلاة والسلام "إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه" فكان خير درس فى تعليم المتسابقين وتربيتهم على الصبر والحلم وعدم التزلزل عند الانهزام فالقرآن يوجهنا كيف نتحمل الهزيمة ونصبر على ما يصيبنا فيها "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" "التوبة آية 51" ثم نبذل الجهد ونتذكر أن المنهزم اليوم يستطيع بجده وكفاحه أن ينتصر غدا، وأن الغالب المتباهى عرضة للاندحار والهزيمة بعد قليل يقول تعالى "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس" "آل عمران آية 140" أى إن يصبكم ألم وجرح اليوم فلا تبتئسوا ولا تغضبوا فقد أصيب أعداؤكم بمثله من قبل والعاقبة للمتقين الصابرين. فالصبر ملاك الإيمان وزينة الإنسان وطريقه إلى المعالى والمكرومات، فإن كان صبرا عن الشهوات سمى عفة، وإن كان على احتمال مكروه كان رضا وتسليما، وإن كان على النعمة وشكرها كان ضبطا للنفس وحكمة وإن كان فى قتال سمى شجاعة وقوة، وإن كان بين يدى حماقة أو سفه سمى حلما، وإن كان بكتمان سر سمى صاحبه كتوما وأمنيا.
وهكذا فالمرء دون الصبر فى الحياة عاجز ضعيف دون التوكل على الله وطلب النصر من الله فقد أجاب القرآن عن هذا بقول الله تعالى "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده" "آل عمران آية 160". ولهذا نجد أكبر مصارع فى العرب وهو "ركانة" يطلب مصارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشترط له شاة كلما غلبه مرة، ويصرعه النبى عدة مرات وتصير الشياه من حقه، وهنا يدرك ركانة أن محمدا عليه الصلاة والسلام لم يغلبه بشخصه بل بقوة من الله خاصة، فيقول للنبي: "يا محمد ما وضعنى على جنبى أحد من الأرض وما أنت بالذى تصرعني.." ثم أسلم ركانة فرد النبى عليه غنمه ليريه أنه لا يطمع فى امتلاك المال ولكنه يطمع فى هداية الرجال.
من المنسوب لسيد المرسلين عليه الصلاة والسلام "تعلموا الرمى فإن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة" وفى رواية الطبرانى "تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا وامشوا حفاة" أى تشبهوا بمعد بن عدنان فى تقشفهم وخشونة عيشهم، وكانوا أهل تقشف، وفى رواية ذكرها ابن الأثير "تمعزروا" أى تشددوا وتصلبوا من العز والقوة والشدة حتى لا يقع الإنسان فى اللامبالاة وفى الغفلة والخمول.
فالرياضة فى الإسلام تربى الإنسان على الأخلاق الكريمة الفاضلة، ومحاسن التصرف، والوطنية الخالصة، والخضوع لقضاء الله، فقد جاء فى حديث الإمام على بن أبى طالب عن الفوز فى المسابقات قوله "يُسعد الله بسبقه من يشاء من خلقه". والإسلام يعلم أبناء الرياضة أن يبتعدوا بها عن الصخب والتهريج والتعصب ففى الحديث الشريف "لا جلب فى الإسلام" وفى آخر "ليس منا من أجلب على الخيل يوم الرهان" والجلب هو أن يأتى المتسابق على جواده مثلا ببعض الناس لكى يصيحوا له أو يهتفوا به دون غيره حتى يسبق ويفوز بالرهان. والإسلام يتبرأ من العصبية ففى حديث أبى داود عن حبير بن مطعم "ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" فالإسلام يشجع على كل نشاط خال من الغلظة ففى الحديث الشرف يروى البيهيقى فى شعب الإيمان "ألهوا والعبوا فإنى أكره أن يرى فى دينكم غلظة".
إن بناء الملاعب وتجهيزها بالآليات وبالمدربين المؤمنين بالقيم الأخلاقية الكريمة الرفيقة، وباللاعبين المهذبين هو فعل طيب يحمى أبناءنا من اللعب الفوضوى فى الشوارع دون مرب يوجههم التوجيه الصحيح والسليم، فالرياضة تهذب، وتقوى أواصر الألفة بين المؤمنين، تبعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث جابر "المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس" ولهذا نصيحتى للمتسابقين والمتنافسين والمتبارين تقبلوا الهزيمة كأنها شيء تحبونه، وتقبلوا النصر كأنه شيء ألفتموه، كونوا أبطال خير لا أبطال شر.
المصدر: alarabonline.org