هذا بحث عن الإجهاض ( سوف أذكر ثلاثة أقسام لأن البحث طويل )
تم اختيار هذا الموضوع لسببين:
الأول: كثرة سؤال الناس عن حكمه.
الثاني: ترقي الطب، فإنه بسبب ترقي الطب أصبح أمر الإجهاض سهلا جدا فبإمكان الزوج أن يذهب بزوجته أو بإمكان المرأة أن تذهب بنفسها إلى الطبيب أو الطبيبة وخلال دقائق تكون قد أنزلت ما في بطنها.
تعريف الإجهاض في اللغة والاصطلاح:
أما في اللغة: فهو إسقاط الولد بحيث لا يعيش.
وأما في الاصطلاح: فهو إسقاط المرأة جنينها بفعل منها أو من غيرها.
موقف الإسلام والديانات الأخرى من الإجهاض:
الإجهاض في الديانات قبل الإسلام يعتبر محرما، ففي الديانة اليهودية يعتبر محرما ولا يجوز وعليه عقوبة، لكن هذه العقوبة غير مقدرة.
وكذلك أيضاً في الديانة النصرانية يعتبر الإجهاض محرما وعقوبته القتل ولهذا كان في بريطانيا إلى عام 1524م عقوبة الإجهاض هي الإعدام.
ثم خففت هذه العقوبة إلى السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، ثم بعد ذلك خففت هذه العقوبة حتى أبيح الإجهاض في كثير من دول العالم كما ستأتي الإشارة إلى ذلك.
مثل ذلك كان في أمريكا، فقد كانت عقوبة الإجهاض هناك القتل والإعدام، ثم خفف إلى السجن المؤبد، ثم خفف إلى أن أصبح مباحاً.
ويعتبر الاتحاد السوفيتي أول من أباح الإجهاض وذلك عام 1920م، ثم منعه عام 1935م؛ بسبب كثرة وفيات الأمهات بسبب الإجهاض؛ فإن الإجهاض يعود ضرره إلى الأم المجهضة ويسبب لها ضرراً قد يصل إلى الوفاة.
ثم بعد ذلك تبعت الاتحاد السوفيتي اليابان فأباحت الإجهاض لمن معه خمسة من الولد ثم بعد ذلك خفف فأبيح الإجهاض في الثلاثة الأشهر الأول.
إحصائيات عن الإجهاض:
· وحسب تقرير منظمة الصحة العالمية فقد بلغ عدد الأجنة الذين أجهضوا حتى عام 1984م خمسين مليوناً، وبلغ عدد الأمهات اللاتي توفين بسبب الإجهاض ما بين سبعين ومئة ألف إلى مئتي ألف.
· وفي أمريكا بلغ عدد الأجنة الذين أجهضوا ما بين عام 1973م وعام 1983م أي خلال عشر سنين خمسة عشر مليون جنينا.
· وفي مدينة نيويورك أكثر من ثلاث مئة عيادة إجهاض بعد أن أبيح الإجهاض في أمريكا كما سبق.
ومن هذه الأعداد يتبين خطورة الإجهاض حيث إنه سبب لإهلاك الأنفس، ومما لا شك فيه أن الشرائع اتفقت على حفظ الأنفس فقد جاءت الشرائع بالمحافظة على الضروريات الخمس: الدين والنفس والعرض والعقل والمال، والإجهاض إخلال مصلحة من هذه المصالح الضرورية التي اتفقت الشرائع على المحافظة عليها.
وأيضاً موقف الشريعة الإسلامية من حيث الجملة هو تحريم الإجهاض وأنه لا يجوز لأنه؛
أولاً: جاءت الشريعة –كما أسلفنا- بحفظ الضروريات الخمس.
وثانيا: أنه يصادم مقصدا مهما من مقاصد النكاح؛ فإن من مقاصد النكاح تكثير النسل ولهذا امتن الله عز وجل على بني إسرائيل بأن كثرهم قال تعالى﴿وجعلناكم أكثر نفيراً﴾([1])، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكثرة النكاح الذي من مقاصده كثرة النسل فقال r (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)
وثالثا: في الإجهاض سوء ظن بالله عز وجل فإنك تجد بعض الناس يلجأ إلى الإجهاض إما خوفا من تكاليف النفقة أو تكاليف التربية وما يتعلق بالرعاية وملاحظة الطفل …إلخ، وهذا كله من سوء الظن بالله عز وجل والله عز وجل يقول:﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾([2]) فموقف الشريعة الإسلامية من الإجهاض هو التحريم إلا أنه يستثنى من ذلك مسائل معدودة كما سيأتي إن شاء الله بحثه.
حكم الإجهاض من حيث التفصيل:
القسم الأول: الإجهاض الطبيعي:
وهو عبارة عن عملية طبيعية يقوم بها الرحم لإخراج جنين لم تكتمل له عناصر الحياة.
وهذا الإجهاض يحصل للمرأة بدون إرادة منها ولا تدخل فلا يد للمرأة ولا لأجنبي فيه، وقد ثبت طبياً أن ما بين سبعين إلى ثمانين بالمئة (70% -90%) من الأجنة المجهضة طبيعياً كانت مشوهة، وهذا من رحمة الله عز وجل.
حكمه:
وحكم هذا القسم ظاهر وهو أنه لا إثم فيه ولا مؤاخذة بل ذكرنا أن مثل هذه الإجهاضات التي تقوم بها الأرحام من رحمة الله عز وجل لما ذكره الأطباء سالفاً.
القسم الثاني: الإجهاض دون ضرورة شرعية:
وهذا يقسمه العلماء إلى ثلاث حالات:
الحال الأولى: الإجهاض في مدة الأربعين .
وهذا يسأل عنه كثير من الناس فتجد بعض الناس تلد زوجته وبعد فترة تحمل فتراه يريد إنزال هذا الحمل، أو أنه يتزوج ثم تحمل زوجته قريباً فيريد إنزال هذا الحمل في فترة الأربعين.
حكمه:
اختلف فيه العلماء على قولين:
القول الأول: أنه محرم ولا يجوز.
قال به مالك واختاره جمع من المحققين كابن رجب والعز بن عبد السلام وابن الجوزي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أيضا مذهب الظاهرية.
أدلتهم:
منها: قوله تعالى﴿وإذا الموؤدة سئلت % بأي ذنب قتلت﴾([3]) والإجهاض في مرحلة النطفة يدخل في الوأد بدليل أن النبي r سمى العزل – وهو أن ينزل الزوج خارج الفرج سماه – وأداً خفياً، مع أن هذه النطفة لم تستقر في الرحم فإذا استقرت في الرحم فمن باب أولى أن إنزالها داخل في الوأد.
ومنها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي r قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك…) وجهه: أنه دل على أن الله عز وجل يجمع الخلق في الأربعين وفيها يبتدئ التخليق والتصوير إلا أنه تخليقا وتصويراً خفيا.
والأطباء يجمعون على القول بما ورد في هذا الحديث، وهذا من آيات النبي r فإذا كان التخليق والتصوير وإن كان خفيا يكون في مدة الأربعين فإنه لا يجوز الاعتداء عليه وانتهاك حرمته.
الترجيح:
على هذا يكون الأقرب في مثل هذه المسألة أنه لا يجوز إسقاط النطفة بغرض التخلص من الحمل أو خشية نفقات الولد أو تربيته أو التخفف من الأولاد ونحو ذلك.
وقد توصلت ندوة الأبحاث التي عقدت في الكويت عام 1403هـ إلى أنه لا يجوز إجهاض النطفة؛ لما سبق أن ذكر من الأدلة إلا في حال الضرورة القصوى.
وكذلك فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عام 1407هـ : أن النطفة لا يجوز إجهاضها إلا إذا خشي على سلامة الأم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الحال الثانية: الإجهاض بعد الأربعين إلى نفخ الروح. وللعلماء فيه قولان:
الأول: التحريم وعدم الجواز.
قال به الذين قالوا بعدم الجواز في مدة الأربعين في حال النطفة قالوا: وعدم الجواز هنا من باب أولى، وهم المالكية والظاهرية وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن رجب والعز بن عبد السلام وابن الجوزي وكذلك الحنابلة.
الثاني: الجواز.
قال به الحنفية والشافعية.
الترجيح :
إذا كان الراجح – كما تقدم – لا يجوز الإجهاض في مرحلة النطفة ففي مرحلة العلقة ومرحلة المضغة من باب أولى أنه لا يجوز.
الحال الثالثة : الإجهاض بعد نفخ الروح .
العلماء مجمعون على أنه لا يجوز الإجهاض فإذا تم له أربعة أشهر فإنه يرسل إليه الملك كما في حديث ابن مسعود وتنفخ فيه الروح، فلا يجوز إجهاضه.
الدليل: لما في ذلك من قتل النفس المعصومة وقد قال الله عز وجل ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق﴾([6])
وفي حديث ابن مسعود أن النبي r قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة) وهذا الحمل في الإسلام هو تابع لخير أبويه فلا يجوز إجهاضه.
الخلاصة :
تلخص لنا في الحالة الثانية من حالات الإجهاض إذا كان لغير ضرورة شرعية أنه لا يجوز في كل مراحله الثلاثة، لا في مرحلة النطفة ولا في مرحلة ما بعد الأربعين مرحلة العلقة والمضغة ولا في مرحلة ما بعد نفخ الروح.
القسم الخامس: الإجهاض خشية تشوه الجنين .
تشوه الجنين : هو عبارة عن توقع إصابة الجنين بعاهات خلقية .
ذكر الأطباء أن التشوهات التي تحصل للأجنة ثلاثة أنواع :
النوع الأول: التشوهات التي تحصل للأجنة في الأسبوعين الأولين من الحمل.
فإذا تعرضت الأجنة في هذين الأسبوعين لعوامل مؤثرة خارجية فإن الغالب أنها تتلف ، وأيضا الغالب أن الأرحام تقوم بإلقاء هذه الأجنة التي حصل لها هذا العيب ، وسبق أن أشرنا إلى الإجهاض الطبيعي وأنه عبارة عن عملية طبيعية يقوم بها الرحم في إسقاط الأجنة المعيبة وذكرنا أن الأطباء يقولون : إن ما بين سبعين إلى تسعين بالمئة (70%-90%) من الأجنة التي تسقط بالإجهاض الطبيعي أنها تكون مشوهة .
النوع الثاني: التشوهات التي تحصل ما بين الأسبوع الثالث إلى الثامن.
فهذه المرحلة من أدق المراحل فيما يتعلق بحدوث التشوهات للأجنة، فالجنين في هذه المرحلة يتأثر بالعوامل الخارجية وينحسر عن مساره ويخرج مشوهاً.
وقد ذكر الأطباء أن العوامل التي تؤدي إلى التأثير على الأجنة في هذه المرحلة الثانية كثيرة ، يذكرون منها : العوامل الوراثية ، وتناول الأدوية ، والمركبات الكيماوية والتعرض للإشعاعات…إلخ. فينبغي أن يحتاط للجنين من العوامل التي تؤدي إلى تعيبه في هذه المرحلة فإنه يتأثر في هذه المرحلة وأما في المرحلة السابقة فإنه لو حصل تأثر فإنه يسقط بإذن الله عز وجل في الغالب.
النوع الثالث : التشوهات التي تحصل بعد المرحلة الثانية ، ويقول الأطباء : إن الجنين غالبا لا يتأثر بالتشوهات في هذه المرحلة ولو حصل له تأثر فإنه يكون طفيفا .
الموقف الشرعي من الجنين المشوه.
الحكم الشرعي للجنين المشوه يتلخص في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى : منع هذه التشوهات وذلك بالاحتياط للأجنة ، فتحتاط الأم ويحتاط الأب بالوقاية من المؤثرات الخارجية التي قد تؤدي إلى التأثير على الجنين ، وقد ذكرنا شيئا منها والشريعة قد جاءت بقاعدة : سد الذرائع.
النقطة الثانية : علاج هذه التشوهات فإذا أمكن علاج الجنين وهو في بطن أمه – إذا تحقق الأطباء من وجود هذه التشوهات – فإن هذا هو الواجب.
النقطة الثالثة : الإجهاض : وهل يصار إليه أو لا يصار إليه إذا لم يتمكن الأطباء من علاج هذه التشوهات ؟
حكمه :
هذه التشوهات يقسمها الفقهاء في الوقت الحاضر إلى نوعين:
النوع الأول : التشوهات التي تصل قبل نفخ الروح.
يعني : يكتشف أن هذا الجنين قد حصلت له عيوب خلقية قبل نفخ الروح.
فهذا أكثر المعاصرين يجوزون إجهاض الجنين في هذه المرحلة لقاعدة : ارتكاب أخف الضررين ، فالإجهاض ضرر وخروجه معيباً عيباً خلقياً ضرر عليه وعلى والديه.
النوع الثاني : اكتشاف العيوب والتشوهات الخلقية بعد نفخ الروح.
فهذا لا يجوز إجهاضه ؛ لما تقدم من الأدلة على حرمة قتل النفس لأنه بعد نفخ الروح أصبح نفساً معصومة لا يجوز الإقدام على قتلها وانتهاك حرمتها .
لكن تقدم لنا أن أكثر المعاصرين يجوزون إجهاض الجنين بعد نفخ الروح إذا كان في بقائه ضرر محقق على أمه، وعلى هذا إذا كان الجنين مشوها خلقيا ومريضا ومرضه سيؤدي إلى تضرر الأم- هلاك محقق- فعلى ما سبق أن ذكرنا من الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين في حكم الإجهاض ، فالمتقدمون لا يرون الإجهاض والمتأخرون يقولون : إن كان سيحصل هلاك محقق للأم فإنه يجهض .
& تنبيه :
ذكر بعض الأطباء : إن ما يتعلق بالعيوب التي تصيب الأجنة أنها أمور ظنية ، يعني ليست أموراً محققة ، وعليه فإنه لا يجوز للوالدين وكذلك الطبيب التسرع في الإجهاض لأن هذه أمور ظنية فالأطباء تارة يذكرون شيئاً ثم ينقضونه ، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني : قال : إن هذه التشوهات الغالب أنها لا تكتشف إلا بعد نفخ الروح ، فإذا كان كذلك فتقدم أنه لا يجوز الإجهاض بعد نفخ الروح إلا على قول المتأخرين الذين جوزوا الإجهاض إذا كان في بقاء الجنين ضرر محقق أو هلاك محقق للأم .
و السموحة……………………..
يلسموووووووووووووووووووووووووووووووو كتييييييييييييييييييييييييييييييييييييييير