بــــــــســــــــم اللـــــه الرحـــــــمـــــــــــــن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
زايد وبناء الاتحاد
وكان زايد يتطلع منذ أن تولّى مقاليد الحكم في أبوظبي إلي جمع شمل الامارات المتصالحة، انطلاقاً من توجهه الوحدوي المتأصل في فكره وفلسفته منذ أن كان حاكماً على المنطقة الشرقية في العام 1946.
وهكذا بادر سموه بعد أقل من عامين من تولّيه الحكم في أبوظبي بالدعوة إلى الاتحاد مؤكداً لإخوانه حكام الإمارات " أن الاتحاد هو طريق القوة وطريق العزة والمنعة والخير المشترك .. وأن الفرقة لاينتج عنها إلا الضعف … وأن الكيانات الهزيلة لامكان لها في عالم اليوم … فتلك عبَر التاريخ على مرّ العصور".
وانطلقت الجهود الحثيثة المخلصة لبناء اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عندما قام صاحب السمو الشيخ زيد بن سلطان آل نهيان بزيارة أخيه المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي في 18 فبراير من العام 1968، وبحثا إقامة اتحاد بين الإمارتين يقوم بالإشراف على الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والخدمات الصحية والتعليمية ..واتفقا أيضاً على دعوة أصحاب السمو حكام الإمارات العربية للاجتماع في دبي لمناقشة قيام اتحاد الإمارات العربية التسع الذي كان مقترحاً أن يتشكل من إمارات أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة وعجمان وأم القيوين والفجيرة بالإضافة إلى قطر والبحرين .
وقد أكد صاحب السمو الشيخ زايد وقتها أهمية قيام هذا الإتحاد بقوله " إن قيام الإتحاد ضرورة قومية، فهو يؤمّن الاستقرار والأمن، ثم إنه سيكون عوناً وسنداً لأشقائنا العرب وأصدقائنا في العالم".
ثم تواصلت بعدها الإجتماعات واللقاءات والمشاورات في كل من أبوظبي ودبي ورأس الخيمة طوال الأعوام الممتدة من بدايات العام 1968 وحتى مطلع السبعينات، حيث أكد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قبل أشهر قليلة من قيام الإتحاد " أن روح الجماعة والتعاون الصادق هما أساس نجاح الجهود الإتحادية .. وأن الجميع يؤمنون بالهدف الواحد وستنتصر رابطة الأخوة على أية مشكلة".
وفي شهر يوليو 1971، عقد مجلس حكام الإمارات اجتماعاً مهماً في دبي خُصّص لبحث المسائل المتعلقة بقيام الإتحاد. وقد صرح صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في هذا الإجتماع "أنه لابديل للاتحاد … ولاوقت للضياع …. وأن الإتحاد سوف يقوم ويزدهر". وقال "أنه كرَّس حياته لهذا الإنجاز".
وتترجم هذه العزيمة الإتحادية لسموّه إيمانه الراسخ بقيام الإتحاد رغم الصعوبات الهائلة التي اعترضت سبيل وضع اللبنات الأولى، حيث يؤكد سموّه "أن الاتحاد أمنيتي وأسمى أهدافي لشعب الإمارات".
وبهذه القناعة الراسخة بالوحدة تمّهد الطريق أمام عقد أهم إجتماع لحكام الإمارات السبع في دبي يوم 18 يوليو 1971، أقرّوا فيه مشروع الدولة الاتحادية، وذلك "استجابة لرغبة شعوب المنطقة في إقامة دولة إتحادية يطلق عليها اسم دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح نواة لإتحاد شامل في المنطقة ".
كما أُقرّ في ذلك الإجتماع الدستور المؤقت لتنظيم شؤون الدولة، وولد مشروع الدولة الإتحادية مكوِّناَّ من ست إمارات هي أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، حيث أن إمارة رأس الخيمة أعلنت ، فيما بعد ، إنضمامها إلى الإتحاد في العاشر من فبراير 1972.
وفور الإعلان عن قيام الدولة الاتحادية، أمر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بوضع جميع الامكانيات والخبرات الإدارية والفنية لحكومة أبو ظبي في خدمة الدولة الإتحادية حتى تكتمل مقوماتها وتمارس مسؤولياتها في أقرب وقت ممكن.
كما أعرب سموّه عن أمله في انضمام رأس الخيمة وقطر والبحرين إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يؤكد في هذا الصدد "إنني لا أفرض الوحدة على أحد قط … هذا استبداد … كل منا له رأي مختلف ومغاير لرأي الآخر … نتبادل هذه الآراء ونصهرها في بوتقة واحدة ونستخلص منها الجوهر … هذه هي ديمقراطيتنا وديمقراطية الوحدة ".
ويضيف سموّه إلى ذلك " الأصل هو الوحدة، أما التجزئة فهي الاستثناء المؤقت وغير الدائم". وفي الثاني من ديسمبر 1971 عقد حكام الإمارات الست اجتماعا تاريخياً أعلنوا على إثره سريان العمل بأحكام الدستور المؤقت وأصدروا البيان التاريخي التالي … "في هذا اليوم 2 ديسمبر / كانون الأول 1971، عقد حكام أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، الموقعون على الدستور المؤقت للإمارات العربية المتحدة إجتماعاً لهم في جو سادته مشاعر الأخوة والثقة والحرص العميق على تحقيق إرادة شعب الامارات وأصدروا إعلان سريان مفعول أحكام الدستور المذكور اعتباراً من هذا اليوم".
ثم تابع الحكام إجتماعهم كمجلس أعلى للاتحاد. وتم في هذا الاجتماع انتخاب صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم امارة أبو ظبي رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة لمدة خمس سنوات، وصاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم إمارة دبي نائباً للرئيس للمدة نفسها. وقد أدى كل منهما اليمين الدستورية وفق أحكام الدستور، كما تم تعيين صاحب السمو الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم ولي عهد إمارة دبي رئيساً لمجلس الوزراء الإتحادي ..
ويزف المجلس الأعلى هذه البشرى السعيدة إلى شعب الامارات العربية المتحدة وكل الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة والعالم أجمع، معلنا قيام "دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة مستقلة ذات سيادة وجزءاً من الوطن العربي الكبير، تستهدف الحفاظ على استقلالها وسيادتها وأمنها واستقرارها ودفع كل عدوان على كيانها أو كيان الإمارات الأعضاء فيها وحماية حقوق وحريات شعبها وتحقيق التعاون الوثيق فيها بين إماراتها لصالحها المشترك، من أجل هذه الأغراض ومن أجل ازدهارها وتقدمها في كل المجالات ومن أجل توفير الحياة الأفضل لجميع المواطنين، ونصرة القضايا والمصالح العربية وميثاق الأمم المتحدة والأخلاق الدولية".
وهكذا شهد التاريخ في ذلك اليوم ميلاد دولة حديثة أصبحت يوم إعلانها الدولة الثامنة عشرة في جامعة الدول العربية والعضو الثاني والثلاثين بعد المائة في الأمم المتحدة.
ومنذ اللحظة الأولى لقيام الدولة الاتحادية، انطلق العمل لبناء الدولة الجديدة وترسيخ جذورها وتأصيل مبادئها في نفوس أبنائها من خلال عملية تُعتبر بحق واحدةٌ من أضخم عمليات التنمية في العصر الحديث، عملية انطلقت من الصفر وحققت ما يُعتبر بأي مقياس معجزةً من معجزات التاريخ الإنساني.
وقد أعرب صاحب السمو رئيس الدولة عن سعادته البالغة بالنهضة والتقدم الذي تحقق في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الماضية، وقال "إن ما أنجز يفوق كل تصور … وذلك بعون من الله وتوفيقه أولاً، وبتّوفر الإرادة المخلصة، مؤكداً … "أنه ليس هناك مستحيل أمام العزم الأكيد وإخلاص النوايا لخدمة الشعب".
وتحدث صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة عند استقباله يوم 27 أكتوبر 1998 أصحاب المعالي وزراء العمل والشئون الاجتماعية بدول مجلس التعاون عن التقدم الذي حققته دولة الامارات خلال مسيرتها نحو العبور إلى المستقبل. وقال سموه "إن ما تحقق تم أولاً بفضل الله تعالى وبعونه وتوفيقه، وبتوفير الإرادة والعزيمة ثانياً … رغم كل الصعوبات والمشاكل الكثيرة التي واجهت هذه المسيرة وتم تجاوزها ولله الحمد .. لقد مرّ علينا في الماضي وقت لم نجد فيه مُعلّماً يزود أبناءنا بالعلم وبضرورات الحياة .. والحمد لله، اليوم تسلّح الشباب بالعلم والمعرفة وتحمل المسئولية في كل المجالات … لقد صبرنا رغم العقبات، ولكن اليوم أنجزنا للشعب كل ما تطلّع إليه من آمال وطموحات".
كما يؤكد سموه في حديث آخر "إن كل ما سهرت عليه مع إخواني حكام الإمارات بحرص وصبر قد تحقق. ولقد وصلنا بعون الله وتوفيقه، مرحلة رسّخنا فيها أقدامنا على طريق بناء الوطن وحققنا أهدافاً كانت تبدو بعيدة المنال، وهي لم تتحقق بسهولة، بل تحدينا من أجلها الصعاب".
وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة والشاملة التي تحققت على أرض الوطن، إلا أن صاحب السمو رئيس الدولة يطمح في المزيد من الخير للوطن والمواطنين، ويؤكد في لقاء مع رئيس وأعضاء المجلس الوطني الإتحادي يوم 4 يناير 1998، بأن الدولة ستواصل السير بكل جدّ وإخلاص لاستكمال ما تصبو إليه من أهداف لصالح الوطن والشعب. ويقول سموّه .. "إن ما تحقق يستحق الشكر والحمد لله على هذه النعمة .. ومازالت أمامنا خطوات يجب أن نقطعها بجدية وإخلاص .. والله يعلم أنني وإخواني مستمرون على هذا الطريق والنهج نفسه، لتحقيق المزيد من الإنجازات وتوطيد أركان الدولة، لأنها السبيل إلى الرقي وتعزيز مكانتنا بين دول العالم، كما يؤكد سموّه قائلا .. "نحن اليوم أكثر عزماً وتصميماً ونشعر بالفخر والاعتزاز، لأن ماوضعناه من ركائز وبذور طيبة قد أنتج بناءً قوياً .. وأن شعب الامارات يستحق كل الخير".