حوار عن السعادة ..مع فضيلة د. سلمان بن فهد العودة" الشبكة الاسلامية "
ما أكثر ما يشتكي البعض من تعسر السعادة في بيته وما أكثر ما يشعر الناس بهروب السعادة من حياتهم بعد أن كانوا يتملكونها، بل هناك من لا يعرف للسعادة معنى فيظن أن السعادة في المال أو في الجاه أو في السفر الكثير أو في البيوت الفارهة، ولم يخطر بباله أن السعادة الحقيقية بين يديه لكنه لا يراها، فأين هي السعادة الحقيقية التي يتمناها الناس وكيف يحصلون عليها؟ وما أسباب التعاسة التي ترفرف فوق حياة الشكائين وما العلاقة بين مشكلات الحياة وهمومها وبين التعاسة؟
تساؤلات كثيرة أجاب عليها فضيلة الدكتور سلمان بن فهد العودة – الداعية والمشرف العام على موقع الإسلام اليوم – من خلال الحوار الذي اجرته معه مجلة الدعوة حول (قوانين السعادة)، اشتمل الحوار على الكثير من التوجيهات والمعالجات في موضوع السعادة والتي يحتاجها المسلم والمسلمة خاصة في هذا الزمان التي حاصرت فيه الفتن الناس واختلطت فيه مفاهيم السعادة.
السعادة مصدرها القلب
* ما هي السعادة ومن أين تنبع؟
– في دراسة أعدها أحد الأطباء النفسيين على مجموعة من الرجال والنساء لمحاولة فهم تعسر السعادة بين كثير من بني الإنسان وتوصلت الدراسة إلى أن النساء أقدر من الرجال على استيعاب السعادة، وهن أيضا أقدر من الرجال على استيعاب التعاسة، فإذا أتيت للمرأة مقومات السعادة من الصحة والحياة الطيبة والبيت الفسيح والزوج الصالح والذرية، فإنها تكون أكثر سعادة من الرجل، وعلى النقيض من ذلك فإنها إذا حرمت من هذه الأشياء فإنها تتجشم من البؤس والتعاسة والاكتئاب أكثر مما يتجشمه الرجل.
إذن السعادة هي الشعور النفسي بالرضا وهذا المعنى مهم جدا بعد أن اختلفت التفاسير ونظرة الناس إلى السعادة فإذا رضي الإنسان بواقعه حتى لو كان صعبا أو مرا فهو سعيد، وإذا رضي الإنسان بواقع جميل فلا شك أنه سيكون أسعد، لكن إذا سخط الإنسان واقعا طيبا فلن يكون سعيدا وإذا سخط واقعا سيئا فسيكون أكثر شقاء أيضا.. فالسعادة شعور ينبعث من دواخلنا ولا يأتينا من الخارج.. فالمال مثلا ليس هو الذي يصنع السعادة ولكنه بدون شك أحد العوامل التي نستفيد منها حين نكون سعداء، الأهل، الزوج، والزوجة، الولد .. هذه الأشياء لا تصنع لنا بذاتها سعادة ما لم يكن هناك رضا نفسي من الداخل. ونفس الشيء، الموهبة، النجاح، الإنجاز، السفر، الأكل، الشرب، والنوم ما لم يستشعر الإنسان السعادة من داخله فلا قيمة لهذه الأشياء.
فالسعادة مصدرها القلب وليس البنك والرصيد النقدي ولا المعدة، ولهذا كانت السعادة معنى وشعورا خاصا بالإنسان وحده لا يشاركه في ذلك بقية المخلوقات.. فهو معنى مرتبط بالنفس والقلب والشعور التي ميز الله بها الإنسان عما سواه وليس مرتبطا بوجود الأشياء أو الحرمان منه.. فالطاووس مثلا قد يكون في شكله أحسن وأجمل من الإنسان، والورود والزهور والتي تمتلئ الحدائق بروائحها الزكية وألوانها الزاهية هي أجمل أيضا من الإنسان، لكن لا يمكن أن توصف هذه الأشياء والمخلوقات غير الإنسان بأنها سعيدة.
نخلص من هذا أن الأشياء هي عوامل مساعدة لكن لا يمكن أن تجلب السعادة للإنسان.. فالسعادة ليست نزوة عابرة وإنما هي شعور دائم وإحساس نبيل وطويل.
هروب السعادة
* لماذا تهرب منا السعادة وكيف السبيل إلى اللحاق بها؟
– إن الإنسان دائما ما يبحث عن المزيد في هذه الدنيا، المزيد من المال، المزيد من المناصب، المزيد من السعادة والنجاحات، المزيد من الجمال والحسن كما هو عند المرأة بالتحديد، وهذا ما يجعله يقوم بمقارنات بينه وبين الآخرين، فالمرأة على سبيل المثال تجد نفسها تلقائيا تقارن نفسها بالأخريات فتقول الآخرين أسعد مني، أو جيراننا أغنى منا أو زميلتي أجمل مني أو أختي حظيت بأمور أكثر مني، وهكذا نحن نركز على الأشياء المظهرية الشكلية التي نراها بعيوننا ونظن أنها هي مصدر السعادة فقط، ولهذا تهرب منا السعادة بهذه المقارنات، إلى أين تهرب؟ تهرب إلى هذه الأشياء وتختص في هذه الأشياء التي نتحدث عنها حين لا نملكها، وربما إذا ملكنا هذه الأشياء وأصبحت بين أيدينا لم نجد فيها أثرا لتلك السعادة التي كنا نظنها، بل حين نحكم على قلوب الآخرين لأنهم سعداء نجد أننا نحكم على قلوبهم من خلال أمور شكلية.. فنقول فلان أو فلانة طول عمرها – ما شاء الله – تضحك وتبتسم ولم نرها مهمومة أو غاضبة، هذا حكم على المظهر فربما يكون ضحك هذا وهذه أو الابتسامة الظاهرة على الوجه ليس من الضروري أن يكون تعبيرا عن السعادة في داخل الإنسان، فربما يهرب الإنسان بضحكه وابتسامه الدائم من واقع أليم أو معاناة أو مشكلات حياتية.
فالسعادة ليس من الضروري أن تكون في المظهر أو تظهر على شكل الإنسان، وإنما السعادة الحقيقية هي شعور قلبي وجداني تجعلنا نفرح بالأشياء التي من حولنا ونستفيد منها أكثر.
خطأ التعميم في حياتنا
* ما هي الأسباب التي تجعل بعض الناس يميل إلى الشعور بالتعاسة في حياته لأسباب بسيطة؟
– إن من الأخطاء التي ربما تجلب التعاسة للإنسان هذا التعميم على الأمور في حياة الكثيرين خاصة إذا كان التعميم حول الأمور السلبية فقد يستيقظ الرجل في الصباح فيجد ملابسه ليست جاهزة للخروج ثم قد يجد كرسي من كراسي البيت مقلوبا أو مكسورا ثم قد ينظر في الجوال فيجده غير مشحون، وغير ذلك وهذا الشخص نجده ربما يتشاءم من هذه الأمور ويخرج بحكم عام وتعميم سلبي على الحياة، ويقول هكذا هي الحياة لم نجد فيها غير المتاعب والمشكلات والآلام، وهذا التعميم في الحكم ربما أصبح جزءا من شخصيتنا نردده يوما بعد يوم، وهذا التعميم خطأ خاصة إذا كان سلبيا ونتج عنه نظرة متشائمة إلى الحياة.. فالشخص يحكم على اللحظة فقط ولا يحكم على الحياة كلها، فربما أصابه غم أو هم أو وقع في مشكلة فلا يأخذ ذلك على أن كل حياته هكذا لأن هذا الغم أو الهم ربما زال وجاء به راحة واطمئنان والعسر يأتي بعده اليسر إذا تعلق الإنسان بربه ولجأ إليه وسأله حاجته.. ولا بأس أن يعمم الإنسان الحكم إذا كان إيجابيا بمعنى أن يكون متفائلا دائما إذا رأى أمرا أو وقع له أمر واحد يدعو إلى التفاؤل ويكون لسانه حامدا لله وشعوره بالرضا على ما يحدث له وراء سعادته وتفاؤله الدائم، ولنحذر من التعميم السلبي الذي يدمر عوامل المقاومة والبناء في النفس البشرية..