التصنيفات
الصف الثاني عشر

الاستنساخ البشري

الاستنساخ البشري

سبق للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أن عقدت ندوة عام 1983 م ، عن : " الإنجاب في ضوء الإسلام " ، عُرضت فيها ورقتان لاحتمالات إنجاز الاستنساخ البشري ، بعد أن نجح الاستنساخ في النبات ، وفي الضفادع ، والبحريات الصغيرة . وكانت التوصية التي اتخذت في هذا الصدد تنص على الآتي : " عدم التسرع في إبداء الحكم الشرعي في قضايا الاستنساخ بالنسبة للإنسان ، ( على نحو ما أدت إليه التجارب في مجال الحيوان ) مع الدعوة إلى مواصلة دراسة هذه القضايا طبيا وشرعيا ، مع جواز تطبيق تكنولوجيا التكاثر على مستوى الكائنات الدقيقـة ، باستخـدام الحامض النووي المعاود للالتحام ؛ لإنتاج مواد علاجية وفيرة ".

والآن عاد الموضوع يطرح نفسه بشكل حاد وعاجل ، منذ تم استنساخ جنين الإنسان بطريق الاستتآم عام 1993 ، ثم في الأشهر الأخيرة حين أعلن عن استنساخ النعجة ، التي سميت " دوللي " ، في اسكتلندا في قبراير 1997 ، بعد تكتم عن الأمر قرابة ثمانية أشهر ، وتلا ذلك الإعلان عن استنساخ قردين بطريقة أخرى في جامعة أوريجون .ولما كانت التقانة التي استعملها العلماء للوصول لهذا الإنجاز ، يفترض أنها واقية بإجراء نفس التجربة على الإنسان ، فقد اكتسب الموضوع منحى عاجلا أثار ردود فعل قوية .

ورغم أنه لم يعلن عن ممارسته في الإنسان بعد ، إلا أن الحاجة إلى استباقه ، بالتعرف على آثاره المتوقعة ، ووضع ضوابطه الشرعية والقانونية والأخلاقية ، حدت بكثير من الدول الغربية إلى منع التجارب البشرية ، أو تجميدها سنوات حتى تتم الدراسات المطلوبة .

لذلك رأت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية أن تبادر ببحث الموضوع في هذه الندوة .

تعريف الاستنساخ :

الاستنساخ هو تكوين مخلوقين أو أكثر ، كل منهما نسخة إرثية من الآخر ، وهو نوعان :

الأول : الاستتآم أو شـق البيضة ، ويـبدأ ببويضة مخصبة ( بويضة دخلها منوي ) ، تنقسم إلى خليتين ، فتُحْفز كل منهما إلى البدء من جديد ، وكأنها الخلية الأم ، وتصير كل منهما جنينا مستقلا ، وإن كانا متماثلين ؛ لصدورهما عن بيضة واحدة .

الثاني : الاستنساخ العادي ، الذي لا يعتمد على الخلايا الجنسية ، وإنما يكون بوضع نواة خلية جسدية ، داخل غلاف بويضة منزوعة النواة . وتتكاثر الخلية الناتجة إلى جنين ، هو نسخة إرثية تكاد تكون طبق الأصل من صاحب الخلية الجسدية .

المناقشات : ناقشت الندوة الجوانب الطبية لهذا الموضوع مناقشة مستفيضة ، استجلت من خلالها المرتكزات الرئيسة ، التي يقوم عليها الاستنساخ ، من حيث الآتي :

1 – استنساخ الجنين البشري عام 1993 عن طريق " الاستتآم " ، وهو حفز البيضة المخصبة إلى سلوك النهج ، الذي تتبعه طبيعيا ؛ لتكوين التوائم المتماثلة ، حيث تنصرف كل من الخليتين عن أول انقسام للبيضة ، وكأنها بيضة جديدة من البداية ، تأخذ في سلسلة التكاثر بالانقسام في اتجاه تكوين جنين مستقل ، فإن أودع الجنينان الرحم ، وضعت السيدة توأمين متطابقين؛ لأنهما نتاج بيضة واحدة . ولم يستكمل البحث ؛ نظرا لتورع العالمين المبتكرين عن زرعهما في الرحم ، بل إنهما اختارا خلية معيبة ، لا تنهض أن تنقسم لتنمو إلا لدور مبكر ، وذلك لأن التجارب على الجنين البشري أمر حساس وخطير . ولا بد من مرور وقت حتى توضع له الضوابط الأخلاقية والقانونية .

وترى الندوة أن الطريقة من حيث مبدأ التلقيح سليمة ، لكن تقويمها من ناحية النفع والضرر لا يزال في حوزة المستقبل . ومن منافعها القريبة المنال إمكان تطبيق الوسائل التشخيصية على أحد الجنينين ، أو خلايا منه ، فإن بانت سلامته سمح أن يودع الحمل الرحم ، وكذلك التغلب على بعض مشاكل العقم ، وينطبق عليها كل الضوابط المتعلقة بطفل الأنابيب .

أما التقنية التي أفضت إلى إنتاج النعجة " دوللي " ، يإيداع نواة خلية جسدية داخل بويضة منزوعة النواة ؛ لتشرع في الانقسام متجهة لتكوين جنين ، فقد أولتها الندوة بحثا مستفيضا ، وتوسمت بعض النتائج التي تنجم عن تكوين جنين ، ( ثم وليد ) جديد ، يكون نسخة إرثية ( جينية ) طبق الأصل من صاحب الخلية الجسدية ، فلا يمنع من تمام التماثل إلى وجود عدد ضئيل من الجينات ، في سيتوبلازم البيضة المستقبلة .

2- ظهر أن تلك القضية تكتنفها محاذير فادحة إن دخلت حيز التطبيق ، من أبرزها العدوان على ذاتية الفرد وخصوصيته ، وتميزه من بين طائفة من أشباهه (نسخه) ، وكذلك خلخلة الهيكل الاجتماعي المستقر ، والعصف بأسس القرابات والأنساب وصلات الأرحام والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإنساني ، وكما اعتمدتها الشريعة الإسلامية ، وسائر الأديان ، أساسا للعلائق بين الأفراد والعائلات والمجتمع كله . بما في ذلك من انعكاسات على أحكام القرابات والزواج والمواريث والقانون المدني والجنائي وغيرها ، وسبقت في هذا الباب فرضيات واحتمالات كثيرة .

وقد استبعدت الندوة من البداية بحث كل ما يقحم على عقد الزواج الشرعي القائم من طرف غريب عنه ، فإنه حرام بلا ريب .

وقد تطرق بعض ا لسادة الفقهاء بالبحث إلى طائفة من الأحكام العقائدية والأخلاقية ، والعملية ـ تكليفية أو وضعية ـ التي تتصل بموضوع الاستنساخ .

3 – وقد أخذ في الاعتبار أن الدول الغربية ـ ومنها التي تجري فيها أبحاث الاستنساخ ـ قد كان رد الفعل فيها قويا وقائما على الحذر الشديد ، فمنها من منعت أبحاث الاستنساخ البشري ، ومنها من حرمتها من معونة ميزانية الدولة ، ومنها من جمدتها سنوات حتى تبحثها اللجان المختصة ، ثم ينظر في أمرها من جديد .

لهذا فإن الندوة تخشى أن يسعى رأس المال الخاص وشركات الأدوية إلى تخطي هذا الخطر ، بتهيئة الأموال واستمرار الأبحاث في دول العالم الثالث ، واستغلالها حقلا للتجارب البشرية كما كان ديدنها في كثير من السوابق .

4 – أكدت الندوة أن الإسلام لا يضع حجرا ولا قيدا على حرية البحث العلمي ، إذ هو من باب استكناه سنة الله في خلقه ، وهو من تكاليف الشريعة . ولكن الإسلام يقضي كذلك بألا يترك الباب مفتوحا بدون ضوابط أمام دخول تطبيقات نتائج البحث العلمي إلى الساحة العامة ، بغير أن تمر على مصفاة الشريعة ؛ لتمرر الحلال وتحجز الحرام . فلا يسمح بتنفيذ شيء لمجرد أنه قابل للتنفيذ . بل لا بد أن يكون خاليا من الضرر وغير مخالف للشرع .

ولما كانت بعض المضار لا تظهر قبل مرور وقت طويل ، فلابد من عدم التسرع قبل التثبت والتأكد قدر الاستطاعة .

5 – وتأسيسا على هذه الاعتبارات التي أجمع عليها الحاضرون ، رأى البعض تحريم الاستنساخ البشري جملة وتفصيلا ، بينما رأى آخرون إبقاء فرصة لاستثناءات حاضرة أو مقبلة ، إن ثبتت لها فائدة ، واتسعت لها حدود الشريعة ، على أن تبحث كل حالة على حدة .

6 – وفي كافة الأحوال فإن دخول الاستنساخ البشري إلى حيز التطبيق سابق لأوانه بزمان طويل . لأن تقدير المصالح والمضار الآنية قد يختلف عليه على المدى البعيد والزمان الطويل . وإن من التجاوز في الوقت الحاضر أن نقول : إن تطبيقات الهندسة الوراثية في مجال النبات قد أثبتت سلامتها على الإنسان ، رغم ما مر من سنوات . في حين لم تكد تدخل التطبيقات الحيوانية من العتبة بعد . ولعل المجهول هو أكبر الهموم في هذا الباب .. ولا ينبغي أن تنسى الإنسانية درسها الكبير بالأمس القريب في مجال انشطار الذرة … إذا ظهر له بعد حين من الأضرار الجسيمة ما لم يكن معلوما ولا متوقعا ، ولا بد أن يستمر رصد نتائج التجارب النباتية والحيوانية لزمن طويل .

7 – ولاحظت الندوة – مع الأسف – أن عالمنا الإسلامي حتى الآن يعيش عالة وتبعا للعالم الغربي في ملاحقته لهذه العلوم الحياتية . وأكدت على أن تكون لدينا المعاهد والمؤسسات العلمية ، التي تقوم بذلك وفق الضوابط الشرعية.

8 – لم تر الندوة حرجا في الأخذ بتقنيات الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالي النبات والحيوان في حدود الضوابط المعتبرة .

التوصيات :
توصي الندوة بما يلي :

أولا : تحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية ، سواء أكان رحما أم بويضة أم حيوانا منويا أم خلية جسدية للاستنساخ .

ثانيا : منع الاستنساخ البشري العادي ، ( نقل نواة جسدية لبويضة منزوعة النواة) فإن تظهر في المستقبل حالات استثنائية تعرض لبيان حكمها الشرعي من جهة الجواز أو المنع .

ثالثا : مناشدة الدول سن التشريعات القانونية اللازمة ، لغلق الأبواب المباشرة وغير المباشرة أمام الجهات الأجنبية ، والمؤسسات البحثية ، والخبراء الأجانب ؛ للحيلولة دون اتخاذ البلاد الإسلامية ميدانا لتجارب الاستنساخ البشري ، والممارسات غير الشرعية في مجال الإخصاب البشري ، والترويج لها .

رابعا: متابعة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ، وغيرها من المؤسسات ، لموضوع الاستنساخ ومستجداته العملية ، وضبط مصطلحاته ، وعقد الندوات واللقاءات ، اللازمة لبيان الأحكام الشرعية المتعلقة به .

خامسا: الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة في مجال الأخلاقيات الحياتية ؛ لاعتماد بروتوكولات الأبحاث في الدول الإسلامية ، وإعداد وثيقة عن حقوق الجنين ، تمهيدا لإصدار قانون لحقوق الجنين .

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc سجل نسب.doc‏ (32.5 كيلوبايت, المشاهدات 48)
مشكور وما قصرت

بارك الله فيك

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc سجل نسب.doc‏ (32.5 كيلوبايت, المشاهدات 48)