مدرسة كَتَبَ الزمن شهادة وفاتها
القاهرة – طه عبدالرحمن:
من بين المباني التي تعرضت للاندثار تأتي المدرسة الصالحية -الكائنة في شارع المعز- في موقع الصدارة، لكن المدرسة على الرغم من اندثارها، فإن بقاء أحد إيواناتها لا يزال شاهدا على ثراء العمارة الإسلامية التي يحكي الخبراء أنها كانت تتمتع بها المدرسة التي يقف أحد أعمدتها شاهدا أيضا على هذا الثراء المعماري.وتقع هذه المدرسة بجوار “خان الخليلي” في شارع المعز بالقاهرة التاريخية، وبناها السلطان الملك “نجم الدين أيوب” سنة 639 هجرية لتدريس المذاهب الأربعة.ويذكر المقريزي “أن الملك الصالح استخدم عددا كبيرا من أسرى الفرنج في تشييد عمائر المدرسة الصالحية، وبعد إتمام المدرسة وقفها الملك الصالح على طوائف الفقهاء الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة، وبذلك كانت أول مدرسة بمصر تشمل دروسا أربعة في مكان واحد”.
ويرى المؤرخون أن بناء المدرسة كان تقربا إلى الله سبحانه وتعالى لنشر العلم وخاصة الفقه الإسلامي ولذلك اعتبروا أن مثل هذه المدارس بمثابة معهد عال أو كلية جامعية بمفهوم اليوم.
وإذا كانت المدرسة الصالحية لم يتبق منها سوى الإيوان الشمالي الغربي، وكذلك جزء من واجهتها الرئيسية بما يقدر بنحو 70 مترا، فإن عزاء المؤرخين والباحثين أن هذه المدرسة لم تكن الأولى من المدارس التي بنيت في العصر الأيوبي واندثرت، ولكن اندثر غيرها من المدارس ولم يتبق منها حاليا سوى المدرسة الكاملية التي بنيت في 622 هجرية.
والمدرسة يطلق عليها اسم المدرسة الصالحية أو المدارس الصالحية، وربما جاء الجمع هنا لكونها كانت تجمع أربع مدارس، وكانت تتكون في تخطيطها من قسمين، كل قسم يتكون من إيوانين يغطي كل منهما قبو مدبب، يوجد بينهما صحن سماوي، يحف به من الجانبين صف من حجرات الطلاب.
ويفصل بين القسمين دهليز يتصدره مدخل المدرسة وهو عبارة عن مدخل بارز بروزا خفيفا، يعلوه لوحة تأسيسية خاصة بمجمع المدارس ويعلو كتلة المدخل مئذنة تنتهي من أعلى بقمة على شكل “جوسق” مثمن الشكل يعلوه طاقية مضلعة تعرف باسم “المبخرة”.
ومن بين المدارس الأيوبية التي اندثرت، أسوة بالمدرسة الصالحية، مدارس الناصرية والصلاحية والقمحية والسيوفية والعادلية، بجانب بعض مدارس الأمراء الأخرى مثل مدرسة منازل العز والقطبية والفاضلية التشريفية، وكلها مدارس تعود إلى أمراء العصر الأيوبي، وكانت تتميز أيضا بأنها وقف للمذاهب الأربعة وتدريسها.
ما كان يميز المدرسة الصالحية، أنها جمعت تدريس المذاهب الأربعة بشكل جامع، فضلا عن أنها كانت الأولى التي بنيت في ذلك العصر، وحفلت كتب المؤرخين بالكثير عن المدرسة الصالحية ربما كان ذلك لأهميتها التعليمية فضلا عن عمارتها التاريخية.
واتسمت المدرسة الصالحية، وحسبما يسجل المؤرخ شحاتة عيسى إبراهيم في كتابه “القاهرة”، بعمارة فائقة وأن ما تبقى منها أصبح وكالة الجواهرجية ومحال تجارية أخرى تحتله، فضلا عن الواجهة المطلة على شارع بين القصرين، وتعلوها مئذنتها، إلا أن ما يحجب هذه الواجهة الأثرية الجميلة الحافلة بالزخارف والكتابات سبيل خسرو باشا وما يجاوره من محلات في شارع بين القصرين.
والتساؤل الذي يطرح نفسه: كيف اندثرت المدرسة؟ وما مصير ما تبقى منها؟ وهنا يجيب ايمن عبدالمنعم، المشرف على مشروع تطوير القاهرة التاريخية، أن المدرسة ليست وحدها التي اندثرت من العصر الأيوبي، فهناك العديد من المدارس التي انهارت بفعل الزمن، وأن مشروع القاهرة التاريخية، الذي انطلق منتصف التسعينات كانت من بين أولوياته الحفاظ على ما هو قائم ومعرض لخطر الانهيار نتيجة زلزال أكتوبر/ تشرين الأول 1992.
وعليه، كما يقول، كان الاهتمام منصبا على ما هو قائم بشكل كامل، فكانت هناك ترميمات عاجلة للأسبلة والمنازل والمساجد، أما مدرسة الصالحية فاندثر معظمها في حقبة الثمانينات ولم يبق منها سوى الإيوان وهو ما يعمل مشروع التطوير حاليا على ترميمه، في محاولة لاستمرار التاريخ في هذا الموقع.