يجمع الاختصاصيون التربويون على أن الأعراض العصبية والنفسية التي تقلق بال جيل الشباب وتؤثر في حياتهم الاجتماعية والعملية تكون عادة نتيجة عقد نفسية حدثت في عهد الطفولة لتعود إلى الظهور في مراحل لاحقة من العمر في أشكال مختلفة من الأرق وعدم الثقة بالنفس والتردد والخوف وغيرها.
ويقع جانب كبير من المسؤولية عن تعاسة الشباب النفسية كما يؤكد التربويون على عاتق الآباء فواجب الآباء أن يربوا أبناءهم تربية نفسية صحيحة ويتجنبوا أخذهم بأساليب الكبت والتخويف ويتيحوا لهم إشباع غرائزهم المختلفة باللعب البريء تحت إشرافهم.
وتشير الدكتورة عريب أبو عميرة المختصة في دراسات تربية الطفل في الجامعة الأردنية أن مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة في غاية الدقة والخطورة وتبنى عليها فيما بعد شخصية الإنسان وميولها سواء كانت سوية أو غير سوية.
وتشدد على طريقة وأسلوب التنشئة التي يتبعها الوالدان في تربية الطفل فإذا كانت أساليب التنشئة خاطئة فلا ننتظر بالنتيجة نموا نفسيا طبيعيا لهذا الطفل الذي سيغدو شابا متفاعلا مع مجتمعه.
وتضيف أن الشخصية الإنسانية هي مجموعة من التفاعلات بجوانب الشخصية المختلفة وهي الجانب المعرفي والسيكولوجي والانفعالي والقيمي "الديني" والجسدي والجانب المهني والجانب الصحي وكل هذه الجوانب تنمو بطريقة متوازية خلال مراحل العمر المختلفة.
وتعود أبو عميرة للتأكيد على ضرورة الانتباه لأساليب الرعاية من قبل الوالدين، مبينة ان هذه الأساليب إذا تميزت بالقسوة والتفرقة والتذبذب وهو المعاقبة مرة والتجاهل مرة أخرى والحماية الزائدة أو الإهمال سيخرج بشكل حتمي شاب او فتاة يعانون من اضطراب في السلوك سينعكس على حياتهم وتعاملهم مع الناس والمجتمع بشكل سلبي.
وتنصح أبو عميرة باتباع منهج الاعتدال في التعامل مع الطفل وإحلال مبدأ الديمقراطية مقابل التسلط ومقابل الحماية الزائدة والخوف يكون الاعتماد على الذات والاحساس بالمسؤولية داعية الى عدم الإفراط في أي مسلك تربوي وتدريب الطفل على اتخاذ القرارات.
وفيما يخص ارتباط مشاكل وعقد الطفولة بالتعب النفسي الذي يواجهه الشاب لاحقا في حياته تقول أبو عميرة إن معظم الدراسات أكدت على أن كل انسان تعرض لإساءة في طفولته لابد أنه سيعرض أطفاله للإساءة وأيضا المحيطين به من زملاء وأصدقاء وجيران.
وتشير أن أسلوب القسوة الذي تعرض له الإنسان في طفولته سيخلق إنسانا يعاني من اضطرابات نفسية كبيرة عند كبره وأكبر دليل كما تقول هو جنوح الأحداث مبينة أن الإنسان الكبير المسيء غالبا يكون ضحية لأنه تعرض لإساءات مختلفة من اهله ومجتمعه وهو صغير.
وعن دور المؤسسات المختلفة في المشاركة بتنشئة الطفل بشكل سوي وصحي تؤكد
أبو عميرة على الدور الكبير الذي تلعبه دور الحضانة والروضات والمدارس والمؤسسات الاجتماعية المكملة لدور الأسرة وكذلك المساجد والمراكز الشبابية والثقافية والنوادي الرياضية فجميعها مكلفة بالتنشئة السليمة للطفل ويجب أن تكون فلسفتها متماشية مع فلسفة الأسرة في تربية الأبناء.
وتعبر أبو عميرة عن قلقها من الرسالة الإعلامية غير الواعية والموجهة للطفل والتي تلاحظ من خلال برامج الأطفال التي تناقض دروس التربية في نبذ العنف فهذه البرامج حسب
أبو عميرة تفتقر إلى القيم السوية وتحث على العنف وهذا يرسخ في نفسية الطفل تبني العنف في كثير من المواقف التي تواجهه سواء في مدرسته أو منزله ولاحقا في جامعته وعمله عندما يكبر.
وتناشد أبو عميرة المؤسسات الإعلامية بأن يحاولوا إعداد برامج تخدم رسالتنا في التربية "وتساعدنا كمختصين" فلا مانع من الانفتاح والتقدم لكن ليس على حساب استقرار الأطفال النفسي وعدم شعورهم بالأمن والطمأنينة .
وتسرد أم محمود قصتها التي تصفها بالمريرة مع ابنها محمود (16 عاما) الذي كان ضحية العنف والاساءة من والده وهو صغير ما انعكس على نفسيته وجعله يتبنى العنف في كل تفاصيل حياته فيما بعد ليكون مصيره الآن سجن الأحداث بعد اعتدائه على أحد اصدقائه بأداة حادة.
وتشكو الموظفة مروى اسماعيل من اتباع زوجها مبدأ الحماية والخوف الزائد مع أبنائهم عندما كانوا صغارا لتواجه الآن مشكلة معهم وهي الانعزالية والانطوائية حتى بعد تجاوزهم سن المراهقة.
ويقدم الاختصاصي النفسي في مستشفى الرشيد د. عاهد حسني رأي الطب النفسي في هذا الموضوع قائلا إن أسس التربية قد تطورت ولم تعد كالسابق وهي توفير المأكل والملبس والحماية وتطورت الآن لتصبح ضمان نفسية مستقرة للأطفال قبل كل شيء.
ويؤكد حسني على ضرورة التركيز على أهمية مراحل العمر المختلفة للطفل التي تبدأ حتى قبل أن يولد وهو في بطن أمه مشيرا هنا إلى ضرورة استقرار المرأة النفسي وهي حامل الذي يعد عاملا مهما في تكوين نفسية الطفل فلابد ان تكون علاقة الأب والأم جيدة لضمان حالة حمل مستقرة ثم تبدأ مرحلة الولادة وما بعدها مؤكدا أن عملية الولادة الصعبة تؤثر على نفسية الطفل كذلك.