ومن القضايا المهمة في المجال التربوي هو جعل الطفل يتذوق الموسيقى وخصوصاً الموسيقى (البحتة) الخالية من الغناء, لان سماع الموسيقى البحتة هو الوسيلة الأفضل في بلوغ النهضة الفنية التي لابد لمعلمي ومعلمات التربية الموسيقية أن يخططوا لها عبر منهجية محددة. فإذا كانت كلمات الاغاني (وما أكثر ما يسمع الطفل) تبث معاني مباشرة في النفس, فأن الموسيقى تكون زاخرة بالتعبير والإيحاء عن مشاعر نبيلة وموضوعات نفسية تساعد على تطوير قدرات الطفل وبث روح التأمل والتفاؤل في الذات, وفي هذا يكمن جزء عظيم من مهمة التطور النفسي لدى الطفل, فالكلمات التي رافقت الاغاني طوال الأجيال الماضية لم تدع مجالاً لتطور التذوق السمعي العام لدى الناس, نظراً للسهولة التي وجدها الناس في كلمات الاغاني فعافت نفوسهم عناصر الأغنية الفنية.
إلا أن الموسيقى بحد ذاتها أصبحت أحد مقومات التربية الحديثة التي رافقت الطفل منذ الروضة وما بعدها من مراحل حتى حلول المرحلة الدراسية التي يتمكن فيها الطالب أن يتخصص بالموسيقى أو بالفرع الذي يختاره, وليس جديداً في الإشارة إلى الآثار الإيجابية التي تركها لتعلم الموسيقى في أولى مراحله بين صفوف التلاميذ في الدول المتقدمة والنامية, فقد اثبت الباحثون حقيقة خلاصتها أن تلاميذ المدارس الابتدائية الذين يتلقون حصصاً منتظمة في الموسيقى يحرزون نتائج عملية في الدروس التربوية أفضل من تلاميذ المدارس الذين لا يتلقون دروساً من أصلة في الموسيقى, على هذا تم إدخال مادة الموسيقى في مناهج المدارس الابتدائية شريطة أن يكون التلميذ, قبل ذلك حراً في تعلم الموسيقى, حراً في اختيار الآلة التي يدرسها ويعرف أسرارها فيما بعد. خاصةً في مراحل الروضة فالحرية هنا ضرورية.
و ثقافة الطفل تبدأ من الأيام الأولى لميلاده فتدخل موسيقى الحركة ثم موسيقى الصوت لتشكلا لديه فرصتي الربط والاستدلال كما سنبين لاحقاً عند الحديث عن الموسيقى في حياة الطفل إضافة إلى ما يكتشفه هو وما يصل إلى معرفته بنفسه .
وإذا كانت الموسيقى بأصواتها المختلفة وإيقاعاتها المتنوعة ومفرداتها اللغوية هي أول إنتاج إنساني يدخل عالم الطفل ليكون اللبنة الأولى في تشكيل ثقافته وشخصيته فمن الضروري الوقوف على علاقة الطفل بالموسيقى والكلمة المغنّاة ودور كل منهما في تنمية وعي وإدراك الطفل و إلى أي مدى تؤثران في سلوكه الاجتماعي بدرجة كبيرة و تساعد على بلوغ نتائج أفضل في المستقبل, شريطة أن تكون هناك منهجية ثابتة في هذا الخصوص تعنى بالتعامل مع الطفل عبر زاوية الرغبة التي لابد للمعلم أن يكتشفها عند الطفل, ومثل هذه العملية تتطلب متابعة مخلصة ونشيطة من اجل اكتشاف (الوسيلة) الملائمة للبدء في تعليم الطفل, تعقبها مهمة تثبيت النتائج التي قد يحققها الطفل, وذلك من خلال مراقبة النتائج, ومثل هذه المهمة –المراقبة- تعد إحدى وسائل التنمية في مجالات المعرفة والفنون والإعلام أيضا, نظراً لما تفرزه (مراقبة النتائج) من مرحلية في التطور (التدريجي) شريطة تأمين المستلزمات التقنية والدراسة الكفيلة بإحراز الخطوة الأولى الأساسية في طريق النشر الثقافي الموسيقي للطفل في المدرسة.