قاسية هي مصيبة الموت، مفزعة وفجائية، ولا علاقة لها بأحلام الطفولة أو صدمة المحبين، هكذا عودتنا دائماً، مخلفة وراءها لوعة وحزناً لا ينتهيان.
بعد ساعات من أداء الطالبة فاطمة مراد البلوشي (17 عاماً في الصف الثالث الثانوي علمي بمدرسة أم عمارة الثانوية للبنات) آخر امتحاناتها، وفي صباح يوم الثلاثاء الماضي، اتصلت هاتفياً بالمنطقة التعليمية، للاستفسار عن إجراءات التسجيل والقبول، بعد الإعلان عن نتائج الثانوية العامة، وفجأة سقطت على الأرض، فاعتقدت أختها الصغيرة التي كانت تلهو معها، أنها مجرد مزحة، ليتبين بعد دقائق أنها فارقت الحياة، تاركة خلفها حسرة أهلها وذويها وصديقاتها وزميلاتها وكل مَن عرفها، إذ غمر الحزن منطقة الحوامي في خورفكان.
تفاصيل
وقال أحد أفراد أسرتها المقربين: «نحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، ولا اعتراض على ذلك، إلا أن الحادثة تمت بشكل سريع جداً، تمثل في سقوطها المفاجئ وإسعافها العاجل وحتى وفاتها، وجاءت كالصدمة الكبيرة علينا جميعاً، وبالأخص والدتها التي تمسكت بالصبر والسلوان»، مؤكداً أنها لم تكن تعاني أي أمراض، وليس لها أي تاريخ مرضي، وأنها لم تُصَب بغيبوبة سكتة قلبية أدت إلى وفاتها كما أشيع.
مثابرة
وقالت معلمتها هيام عامر، مديرة المدرسة: «إن فاطمة كانت تمتاز بأنها مثابرة في دراستها، وتذاكر بجد، وتحرص على نيل الدرجات الرفيعة في المدرسة، وذات طبيعة هادئة وبعيدة عن إثارة المشكلات، ولكن هذه الحادثة المفاجئة لم تترك لها الفرصة لتفرح بتخرجها، والمشاركة في حفلة التخرج التي تقام اليوم إهداءً للطالبات، وتكريماً لتميزهن وإبداعهن، ولرفع معنويات الطالبات والمعلمات، والشد من أزرهن، ومحاولة إبعاد الخوف والتوتر مما جرى».
توتر وقلق
وأضافت: «أن القلق والتوتر يصاحبان الطلبة خلال الامتحان، ولكن نحن في إدارة المدرسة نحاول قدر الإمكان تهدئة الطالبات عبر تنفيذ برامج عدة في هذا الإطار، وأهمها قيامي يومياً مع طاقم من الإدارة بزيارة للفصول الامتحانية، وتذكيرهن بأمور عدة تساعدهن على تخطي رهبة الامتحان، كتأدية الصلاة وبر الوالدين وغيرهما، إلى جانب التواصل معي في أي مسألة كانت، سواء في المدرسة وخارجها، عبر شبكات التواصل المختلفة»، مشيرة إلى أن المدرسة لا تعرف إن كان يوجد لدى فاطمة أي أوضاع مرضية، فقد كانت في قمة نشاطها وحيويتها، مثلها في ذلك مثل زميلاتها، ومؤكدة «أنها قدمت جميع امتحاناتها حتى آخر يوم، ولم يكن لديها أية مشكلات، ولا نعرف ماذا حصل معها في المنزل، كما أن هناك توجيهات صحية تقدمها المدرسة».
لفتة إنسانية
وفي لفتة إنسانية كريمة، قامت مديرة منطقة الشارقة التعليمية نورة المري، ترافقها مديرة المدرسة، أثناء زيارة تفقدية لمكتب المنطقة التعليمية، بتأدية واجب العزاء لوالدة الفقيدة وأسرتها بهذا المصاب الجلل.
وقالت مصادر طبية إن الوفاة طبيعية، وجاءت نتيجة توقف القلب، بعدما نقلت إلى طوارئ مستشفى خورفكان في تمام الساعة الثانية عشرة إلا الربع، حيث أعلن هناك عن وفاتها فجر أمس، وقد كانت عند إحضارها في حالة توقف تام للقلب واصفرار في الوجه، دون أن يتضمن الكشف عليها تعرضها للضرب أو الكدمات، واستمرت عمليات الإسعافات العاجلة والصدمات الكهربائية نحو 45 دقيقة، حتى عادت نبضات القلب للظهور من جديد، ونقلت على إثرها إلى العناية المركزة الشديدة، حيث لم تلبث طويلاً، وفارقت الحياة فجر أمس في تمام الساعة الرابعة وعشر دقائق.
التوتر والقلب
وقال الدكتور جلال الدين الكيلاني، استشاري قلب في مستشفى دبا، حول احتمالية أن يسبب التوتر والقلق المصاحب للامتحانات الوفاة: «بكل تأكيد، لكن يوجد فرق بين القلق المحفز إلى الدراسة، والقلق المثبط له، وفي علاقته بالتأثير في أداء القلب، وهو ما يتطلب معرفته، من أجل الاستفادة منه للطلبة في المستقبل».
فحص
وأضاف: «مطلوب منا الآن البحث عن معيار آخر، وهو الوقاية والتوعية المكثفة بالتنسيق بين وزارتي التربية والتعليم والصحة اللتين تتمثلان في توفير الفحص الطبي المبدئي على الطلبة المستجدين بالمدارس الحكومية والخاصة، وفي الأخص رسم وفحص القلب، والكشف الدوري عليهم بصفة منتظمة، ووفقاً لآلية تتواكب مع الوضع الصحي بالبلاد، ومتابعة الحالات الخاصة، ووضع برنامج صحي للمتابعة، وتطويره وفقاً لكل حالة على حدة، إضافة إلى الإشراف الطبي على الطلبة أثناء انعقاد لجان الامتحانات، والعناية الحثيثة بالطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، والمتابعة المستمرة للطلاب المصابين بالأمراض المزمنة».
صدمة شديدة
استقبل أهالي خورفكان خبر وفاة فاطمة البلوشي بحزن بالغ، وتوافدوا على عائلة الفقيدة لمواساتها، كما سجل العديد من المدوّنين عبر البلاك بيري ومواقع التواصل الاجتماعي كلمات تعبّر عن الحزن الشديد الذي أصابهم بعد انتشار الخبر المؤلم، وإرسال رسائل مشاركة في الصلاة عليها والدفن. وقد تهافت مئات الناس على منزل الفقيدة لتقديم العزاء والمواساة، فيما حرص مئات المواطنين من مختلف المناطق على حضور مراسم التشييع التي بدأت بعد تأدية صلاة الظهر، وقد ووري جثمان الفقيدة الثرى بمقبرة الشرق، وسط بكاء وحزن المشاركين في التشييع.
المصدر: •خورفكان – ناهد مبارك