التصنيفات
الالعام لمادة التربية الموسيقية

المقام العراقي نغم و طرب و ذكرى ()

المقام العراقي .. نغم و طرب و ذكرى 1
كلمة مقام لغةً،تعني موقع القدمين أو ما يعتليه الشاعر أو المغني أثناء الإنشاد أو الغناء.

المقامات جمع مقامة و هي المجلس و الجماعة من الناس،وتطلق المقامات أيضاً على خطب من منظوم و منثور، كمقامات الحريري و الهمذاني.و أول من أطلق كلمة مقام هو قطب الدين بن مسعود بن مصلح الشيرازي المتوفى سنة 1310م في كتابه((درجة التاج لغرة الديباج)).

والمقام اصطلاحاً،تعني مجموعة من الأنغام متسلسلة أو غير متسلسلة وأي تغيير يحصل في هذا النظام نحصل على مقام آخر.

حين نذكر كلمة ((مقام))في الموسيقى،نعرف بداهة أنها تعني نغمة ما،أو سلماً من سلالم الموسيقى، كأن نقول مقام راست أو مقام بياتي ،على سبيل المثال ، و نعني بذلك نغمة راست أو سلم راست ، و الأمر يشمل بلدان الوطن العربي. في حين أن عبارة((مقام عراقي)) تنطبق على العراق فحسب، ذلك أنها تعني بالذات نوعاً من أنواع الغناء التقليدي ينفرد به العراق دون غيره من بلدان الوطن العربي.

و المقام هو نمط غنائي يقوم على نغمة معينة. فالمقامات العراقية عبارة عن مؤلفات غنائية و موسيقية ، تتداخل فيها مجموعة أنغام منسمجة بعضها مع البعض الآخر،تتكامل في بنائها النغمي و حسن صياغتها و جمال انتقالاتها بين قطعة و أخرى أو جنس و آخر ، يرتجل فيها المغني أو من يسمى ((قارئ المقام)) حسب قدراته الصوتية، و خبرته في علم المقامات، و ارتجاله هذا في غناء المقام يخضع لشروط متوارثة عبر الأجيال، وقواعد أساسية تنطبق على المقام عموماً،و أخرى فرعية لكل مقام على حدة.هذه القواعد تندرج ضمن عدة أركان ، تصل احياناً إلى ستة و أحياناً أقل من ذلك. بداً من التحرير أو البدوة و انتهاء بالتسلوم(التسليم) و ما بينهما مجموعة من الجوابات و القرارات و القطع و الأوصال يقرأها القارئ بانسجام مع الآلات الموسيقية التقليدية بشكل تعارف عليه أهله .

و بكلمة أخرى ، فالمقام العراقي شبيه إلى حد ما بالموال المصري و الحلبي ،و هو موال لكن يخضع لشروط و ضوابط وقواعد ينبغي للقارئ أن يتقيد بها ، و بالتالي فكل مقام عراقي هو موال ، و ليس كل موال مقام..

قليلة هي الأبحاث حول المقام العراقي ، وعلى قلتها فقد حملت الآراء المتناقضة حول تاريخه و منبعه.فهناك من أعاد تاريخه إلى العصر العباسي و منهم من يرد أصله إلى ماقبل ذلك بكثير. فالحاج هاشم محمد الرجب يخلص في مؤلفه إلى أن المقام العراقي أو المقامات العراقية الحالية لايرتقي زمانها إلى أكثر من 300 أو 400 سنة قبل الآن. و يذكر أن المقامات العراقية مؤلفة من أجناس و عقود غنائية ثلاثية و رباعية خماسية و سداسية و قليل منها سباعية بينما الموسيقى و الغناء في العصر العباسي و مابعده ثمانية أي مؤلفة من ثماني نغمات(أوكتاف).و المقامات العراقية مقامات غنائية، بينما المقامات في العصر العباسي و مابعده مقامات موسيقية أي سلالم موسيقية لأجل التلحين كالسلالم الموسيقية الشرقية المثبتة في الكتب الموسيقية الحالية. ثم إن الكتب الموسيقة الخطية منها و المطبوعة التي ألفت خلال العصر العباسي و ما بعده أي إلى نهاية القرن التاسع الهجري، القرن الخامس عشر الميلادي لم يرد فيها أي ذكر للمقامات العراقية الحالية. إذ لوكانت موجودة في وقتهم و عصرهم لكانوا ذكروها و شرحوها و شرحوا أركانها كشرحهم للأبعاد و السلالم و الأوزان و الإيقاعات و الآلات الموسيقية و جميع ما يتعلق بفن الموسيقى و الغناء شرحاً مسهباً و مفصلاً.

في حين أن شعوبي إبراهيم،عازف آلة الجوزة و مدرس المقامات العراقية، يرجع تاريخ المقام إلى العصر الأول للخلافة العباسية، حيث وصلتنا أخباره من الكتب الخطية و المؤلفة من قبل فلاسفة و أعلام الموسيقى آنذاك و التي حققها الباحثون و يثبت أن هذه الكتب ذكرت أسماء المقامات الموجودة و المتداولة في العراق اليوم، كما ذكر الفيلسوف ابن سينا((.. إن بعض النغمات يجب أن تخصص لفترات معينة من النهار و الليل و من الضروري أن يعزف الموسيقار في الصبح الكاذب نغمة راهوي و في الصبح الصادق نغمة حسيني و في الشروق رست و في الضحى بوسليك و في نصف النهار زنكولا و في الظهر عشاق و بين الصلاتين حجاز و في العصر عراق و في الغروب أصفهان و في المغرب نوى و في العشاء برزك و عند النوم مخالف..)). و الواضح أن هذه الأسماء لاتزال متداولة في المقامات العراقية اليوم.

أما صفي الدين الأرموي البغدادي المتوفى سنة 1294، فيذكر عن شد الأوتار (دوزان)بطرق مختلفة نظراً لما يتركه كل شد من أثرُ في النفس مغاير و له متعة مختلفة عن الشّد الآخر.((فمنها ما تؤثر قوة و شجاعة و بسطاً وهي ثلاثة: عشاق و بوسليك و نوى.أما رست ونوروز وعراق و أصفهان فإنها تبسط النفس بسطاً لذيذاً لطيفاً و أما برزك وراهوي وزيرافكند ، و زنكولا و حسيني فإنها تؤثر نوع حزن وفتور..)).

جاء في مقدمة كتاب((الدر النقي)) في علم الموسيقى للشيخ أحمد بن عبدالرحمن الموصلي القادري الرفاعي الشهير بالمسلم المتوفى في حدود سنة 1150 هجرية. ذكر العديد من أسماء المقامات المتبعة في العراق فلقد كتبها الرفاعي وهو من أهل الموصل، كان ذا إلمام بالمقام و الاشتغال فيه. ذكر في مقدمته المقام و الدرجات العليا، المحير و الأوج و العراق و المخالف و أصفهان و الصبا و الحجاز و العشاق و المقابل و الإله و الفصول و ذكر تعادل الأوزان و الزمن(الإيقاع) و الفروع من الأصورل و نوروز العرب و نوروز العجم و غيرها.

أما ثامر عبد الحسن العامري فهو يدحض مقولة الرجب بأن المقامات عمرها 300 سنة أو أكثر، وإن المقامات العراقية صرفة،استحوذت على مشاعر الذين توالوا على احتلال العراق أثناء هيمنتهم و وجدوها مادة دسمة جميلة. وكذلك هي ليست بالتأكيد يهودية ،حسب البعض، بل إن اليهود اشتغلوا بها مثل ضروب النشاطات الأخرى لكونهم أفراداً ضمن المجتمع العراقي، خاصة عندما تخلى بعض المسلمين عن ممارسة العزف و الغناء في العهد العثماني بحكم التقاليد الدينية فاتيحت لليهود فرصة العمل في الموسيقى بكل أصولها المتعارفة لدى المغنين المسلمين الذين عاصروهم. فالمقامات تحمل نكهة شرقية واسعة وهي حقيقة لايمكن الطعن بها. ويقول العامري((.. ربما ابتكر الأتراك و الفرس بعض المقامات الخاصة بهم و لكن ليس معنى هذا أن تصبح مقاماتنا ملكاً لهم)). وجاء العامري بالعديد من الوثائق و المخطوطات التي تقطع دابر الشكوك.

قارئ المقام العراقي حامد السعدي، يذكر أن اسم المقامات العراقية و نسبتها يدلان على ذلك فهي عراقية صميمة منذ عهد العباسيين، وما قيل من أن بعض الأسماء الأعجمية فيها تدعو إلى التشكيك في صحة كونها عراقية بحتة، فإن ذلك لاعبرة له، ومن ادعى كون المقامات العراقية تركية المنشأ أو أن الأتراك العثمانيين جاءوا بها إبان حكمهم العراق لايقوم عليه دليل، لأن الأتراك أنفسهم لاعلم لهم بما في المقامات العراقية من عمق و من تفصيل، وهم حكموا في أنحاء البلاد العربية و الأرجاء فما تركوا فيها شيئاً يشبه هذه المقامات، مثل مصر و اليمن و سورية و الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية،فليس من المعقول أن يصطفوا العراق وحده بهذه الثروة النغمية الضخمة دون أن يبقوا لغير العراقيين بقية من ذلك.

ولا يستغرب السعدي ،أن يأخذ المغنون العراقيون بعض ما استحسنوه من أنغام الشعوب الأخرى ومارأوه منسجماً تماماً مع طبيعة موسيقاهم العريقة. ومن ملاحظة أنماط المقام العراقي نرى أن هناك مقامات و أنغاماً تبدو عليها سحنة البداوة العربية كالجبوري و الحكيمي، فالمقامات العراقية المعروفة في بعض في بعض الأنحاء المجاورة إن كانت غير عراقية الأصل فلقد باتت بحسن تصرف المغنين العراقيين عراقية،إذ لعبت بها حناجرهم فأزالت عجمتها، هذا إن لم تكن الأنغام الأعجمية هي نفسها عراقية عربية بلغت أسماع الأعجام منذ العصور الأولى. وحول موطن المقام العراقي، فالمقامات العراقية كالمنصوري و الحليلاوي و الخنبات مثلاً مقامات غنائية لاتغنى إلا في العراق فقط.

أما في تركيا وإيران و الهند وباقي الأقطار الشرقية ففهيا مقامات غنائية وأسماء بعض منها كأسماء مقاماتنا إلا أنها تختلف عنها في التحارير و الأوصال و الميانات وحتى في الأداء.وقد عرف المقام في بغداد و الموصل و كركوك و بعض المدن الكردية مع اختلافات بينها في صياغته و تعاطيه وبعض تسمياته، مع ظهور قراء مقام في بعض المدن العراقية كالبصرة والحلة وسامراء.
الشارقةالشارقة

شكرا جزيلا
جزاك الله كل الخير
اين الردود
موضوع جميل
شكرا لك على هذه المعلومات المفيدة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.