والصلاة والسلام على النبي الأكرم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين …
مقدمة :
( أهمية المعلمين) :
فلما كان المعلمون هم حماة الثغور ، ومربوا الأجيال ، وعمار المدارس ، المستحقون لأجر الجهاد ، وشكر العباد والثواب من الله يوم المعاد ، ولما كان الحديث معهم ذو شجون ، ولهم هموم وشؤون ، ولهم آمال وآلام ، وعليهم واجبات وتبعات .
فإني في بداية حديثي معهم
أولا : أوجه إليهم تحيــة
تحية إلى من ينفق من مشاعره وأحاسيسه قبل أن ينفق من أوقاته ، وينفق من دمه ونفسه أضعاف ما ينفق من تعليمه وتـوجيهاته ، تحية إلى من يحاول أن يرد المعوج إلى طريقه والمنحرف إلى سبيله ، والناد إلى جادته ، والعاق إلى بره ، والجافي إلى عقله ، والمفـرط إلى صوابه ، والفاسق إلى دينه تحية إلى من حجز لنفسه في المسجد جلسته ، ليحجز لنفسه في الجنة درجته . وجعل من أبناء المسلمين أبناءه ، فغدا عليهم شفيقاً ، وبهم رفيقاً ، يسعى لزيادتهم كما وكيفاً ، ويجتهد في تعليمهم شتاءً وصيفاً .
تحية إلى من حبس حاجته في صدره ، ولم يبح إلا بحاجة واحدة هي أن يتفيأ الجيل المسلم ظلال القرآن ، ويستنشق عبير الإيمان ، ويفيء إلى طاعة الرحمن ، ولأجل هذا يضحي بالغالي والرخيص ، ويجود بالبسيط والنفيس .
تحية إلى من لم يشغل نفسه بماذا أخذتُ ؟ ولكنه يسأل : كم أعطيت ، كـم وجهت ، كم علمت ، كم أفدت ونصحت ، ماذا أثرت ، سؤالَ اللائم نفسَه ، وقبل أن يتهم طلابه يتهم نفسه ، يقول : لعلي لم أجرد نيتي ، لعلي لم أحسن طريقتي ، لعلي زدت في قسوتي ، لعلي أفرطت في تجاوزي ومسامحتي ، تحية إلى خير الأمة ، كما شهد بذلك نبي الأمة ، حين قال كما روى البخاري ، عن فضـل المقـرئ والقاري: [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] ، فحاز الخيرية من طرفيها ، تعلم وعلـم ، وقـرأ وأقرأ ، وصلح وأصلح ، ورشد وأرشد ، تحية إلى من سكن القرى والهجر واصطحب معه النور الذي لا يخبو يبدد الظلام ، ويوقظ النيام ، ويبارك به الأيام .
الناس في متاجر الدنيا وهو في متجر الآخرة ، ومعية الملائكة .
الناس أرصدتهم في البنوك ، ورصيده هو في القلوب .
الناس تبني مدائن من تراب ، وهو يبني مدائن من فكر وقيم وآداب ، ويعلي قلاع تناطح السحاب .
تحية لمن فجر في حياتنا ينابيع القرآن دفاقة ، وأجرى في صحاري العقول أنهار الحكمة رقراقة ، تحية وسلاماً إلى معلم القرآن ، في كل زمان ، وكل مكان .
يا من إلى الله تدعو *** وترتجي منه أجرا
لك المدائح تترى *** شعراً وإن شئت نثرا
إنا نعيش بعصر *** يموج ظلماً ونكرا
الخير فيه توارى *** وأنت بالعصر أدرى
وثانيا :
أقول : لمعاشر المعلمين في بلادنا الحبيبة سلامٌ من الله عليكم ، وتحيات مباركات تزجى إليكم
وإن بعض الخواطر المباركة والنقول المفيدة والتوجيهات السديدة لمثل هؤلاء تكون عوناً لهم ولنا جميعاً للسير بالعملية التعليمية إلى أعلى المراتب وأسمى الغايات ، عسى أن تجد قبولاً عندهم ، وتنال رضاهم بعد رضا الله عز وجل .
فماذا تقولون بدايةً عن مهنة التدريس ؟
التدريس رسالة :
شخصية تنظر إلى دورها في التدريس على أنه رسالة تؤدّى ، وليس وظيفة مقابل أجر . وشخصية تضع نصب عينيها أن هذه المهنة ، هي مهنة الأنبياء والرسل وأصحابها هم ورثة الأنبياء وهم الذين يرفعون عن الناس الجهل فينقلونهم من ظلمات الجهالة إلى نور العلم والإيمان والمعرفة . وحسْب المعلم شرفاً أنه دال على الله تعالى , يرشد الناس إلى الطريق الموصلة إلى خالقهم وباريهم , ويدلهم على معبودهم ومربوبهم والغاية التي من أجلها خلقوا ، علاوة على تعليمهم الخلق القويم والسبل التي تكفل لهم حياة طيبة .
العلم ميراث النبي كما أتـــى في النص والعلماء هم وراثه
ما خلف المختار غير حديثه فينا فـذاك متـاعـه وأثـاثه
ولا شك أن النظرة لهذا العمل على أنه رسالة يجازي الله عليها أفضل وأعظم من النظرة إليه على أنه أداء لواجب وظيفي يستوي مع واجب أي موظف آخر .
يجب أن نعلم أن حضارة الغرب وثقافتها ومذاهبها المتعددة أفلست ، وسوف تفصح عن ذلك إن عاجلاً أو آجلاً .
وأن الإسلام وحده هو الذي يستطيع أن يقوم بعملية الإنقاذ وأن يحقق كل ما تريده الإنسانية
والمشكلة الآن هي مشكلة الدعاة في كل مجال ، فالمعلم في مدرسته وفي فصله لابد وأن يكون داعية .
فإن الأمم اليوم تجتمع على محاربة الإسلام قوى رهيبة مثل : الصهيونية والشيوعية ، والإباحية ، والاستعمار المنظم ، والانتهازية ، … وهي مسلحة بالقوة المادية والعلمية والحضارية … ومن أجل ذلك فإنه يحتاج أن يكون كل مسلم داعية في مجال عمله .
لاسيما والميدان فارغ ، وهو بحاجة إلى مزيد من الدعاة الأكفاء الذين يحسون بعظم المسئولية اليوم ، ويشعرون بالمخاطر التي تهدد دينهم وأمتهم وعالمهم الإسلامي .
لكن المعلم يعيش بين عناء الوظيفة وشرف المهنة :
لذلك نقول يا أيها المعلم : إن مهمتك عصيبة جداً ، ولكنك داعٍ إلى الله ، وحامل لواء المسلمين فلا يؤتى الإسلام من قبلك ، وهنيئاً لك ، [ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله ] وهنيئاً لك أنك تُعلم الناس الخير ، وهنيئا أن الله تعالى في عليائه وأهل السماوات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحيتان في البحر يصلون على معلم الناس الخير .
وكما تعلمون أن سياسة التعليم يجب أن تنبثق من الشريعة الإسلامية ، ويجب أن تكون لها أهداف وغايات عظمى لا يمكن أن تتحقق ( بعد توفيق الله ) إلا من خلال معلم ذي شخصية سوية في صفاتها وخصائصها ، في آمالها وتطلعاتها ، في مقاييسها وموازينها ، لم تمسخ فطرتها ، ولم تنحرف أفكارها .
ما هي أهم الصفات التي يجب أن تتوفر في المعلم ؟
أولاً : الإخلاص :
على المعلم الداعية أن يحرر نيته لله ، ويخلص لله في كل عمل تربوي يقوم به ، سواء أكان هذا العمل أمراً أو نهياً أو نصحاً أو ملاحظة أو عقوبة . يحررها من شوائب الرياء والسمعة وثناء الناس وشكرهم ، فعمله لله وبالله ….
قال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )
وروى البخاري في صحيحه عن عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )
وجاء في الحديث الذي رواه النسائي : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ )
فعلى المعلم الداعية أن يحرر النية ، ويقصد وجه الله تعالى في كل عمل يقوم به ، ليكون عند الله من المقبولين ، وبين تلاميذه من المحبوبين والمؤثرين .
والثمرة التي يجنيها هي تنفيذ منهج التربية على الدوام وإفادة وتربية الطالب ، وأيضاً يحظى بثواب الله ورضوانه ، ويظفر بدار المقامة في جنات الخلد في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..
ثانياً : التقوى :
أن يتقي الله بفعل ما أمر واجتناب ما نهى الله عنه وزجر ممتثلاً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) متحرياً ذلك أشد التحري : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )
وامتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : " اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ "
وإنه إذا لم يكن المعلم الداعية متسلحاً بالتقوى وملتزماً في سلوكه ومعاملته منهج الإسلام .. فإن الطالب يحس بالتناقض في داخله مما يدفعه إلى الانحراف عن الطريق القويم .
فهو يتقي الله ويلتزم بإنهاء المنهج وخاصة في الثانوية العامة .
وهو يتقي الله ولا يظلم طالب ويحابي آخر لمعرفة أو ود أو واسطة .
وهو يتقى الله ولا يعامل الطلاب بناءً على مظهرهم أو قبيلتهم ولكن بناءً دينهم والتزامهم واجتهادهم .
وهو يتقي الله فلا يغش فيبيع الأسئلة ويضع الدرجات وينجّح الطلاب بالفلوس وهكذا تضيع هيبة العلم وأنه يقوم بمهمة الأنبياء والرسل ، فكيف يُحل لنفسه أن يبيع دينه من أجل عرض من الدنيا .
ثالثا : استشعار بالمسئولية :
وقد جاء في حديث البخاري ( أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلّكُمْ مَسْئُول عَنْ رَعِيَّته ) وَالرَّاعِي هُوَ الْحَافِظ الْمُؤْتَمَن الْمُلْتَزِم صَلَاح مَا اُؤْتُمِنَ عَلَى حِفْظه فَهُوَ مَطْلُوب بِالْعَدْلِ فِيهِ وَالْقِيَام بِمَصَالِحِهِ .
ولذلك عليه أن ينطلق بكليته في مراقبة وملاحظة الطالب ، وفي توجهيه وتعويده وتأديبه ، وَلابْنِ عَدِيّ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ أَنَس " إِنَّ اللَّه سَائِل كُلّ رَاعٍ عَمَّا اِسْتَرْعَاهُ حَفِظَ ذَلِكَ أَوْ ضَيَّعَهُ "
فالمعلم يجب عليه أن ينهض بهذه المسئولية على أكمل وجه ، واضعاً نصب عينيه غضب الله تعالى عليه إذا هو فرّط ، لأن المسؤولية يوم العرض الأكبر ثقيلة والمحاسبة عسيرة ، والهول عظيم .
وإذا أهمل المعلم واجبه ، ووجه طلاب نحو الانحراف ، والمبادئ الهدامة ، والسلوك السيئ ، شقي الطلاب ، وشقي المعلم ، وكان الوزر في عنقه ، وأنه مسئول أمام الله تعالى فالمعلم راع في مدرسته ، وهو مسئول عن رعيته .
إن صاحب الهم الذي يحمل هم الأمانة التي استرعاه الله عز وجل عليها يتساءل دائما كيف أقوم بأداء هذه الرسالة وهذه الأمانة على الوجه الذي يرضي الله عز وجل عني ؟ , ويتساءل دائما كيف أكون معلما ناجحا في حمل أمانتي مؤديا لها على الوجه الصحيح؟ .
بل وحتى الطلاب وكل مسلم يجب أن يستشعر ذلك .
– المعلم الداعية لا يستعجل :
عدم استعجال ثمرة جهدك وجهادك وتعليمك ودعوتك ، فما أنت إلا مجرد زارع يغرس الزرع ويبذر البذر ويفعل السبب ، فلا تتوقع أن يثمر جهدك في كل من هم حولك فقد لا يخرج من مائة علمتهم ودعوتهم عشرة بل واحد ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ) وفي روايةُ : ( وَقَالَ : لا تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً أَوْ قَالَ لا تَجِدُ فِيهَا إِلا رَاحِلَةً ) .
وحكى يحيى بن أبي طالب : فقال سمعت أبا داود يقول : كنت يوما بباب شعبة ، وكان المسجد ملأ ، فخرج شعبة فاتكأ علي وقال : يا سليمان ترى هؤلاء كلهم يخرجون محدثين . قلت : لا . قال : صدقت ، ولا خمسة ، يكتب أحدهم في صغره ثم إذا كبر تركه أو يشتغل بالفساد ، قال : ثم نظرت بعد ذلك فما خرج منهم خمسة "
وقال سهل بن بشر: حدثنا سليم أنه كان في صغره بالري ، وله نحو من عشر سنين ، فحضر بعض الشيوخ وهو يلقن ، قال فقال لي : تقدم فاقرأ ، فجهدت أن أقرأ الفاتحة فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني ، فقال لك والدة . قلت : نعم ، قال قل لها : تدعو لك أن يرزقك الله قراءة القرآن والعلم ، قلت : نعم فرجعت فسألتها الدعاء فدعت لي ، ثم إني كبرت ودخلت بغداد فقرأت بها العربية والفقه ثم عدت إلى الري ، فبينا أنا في الجامع أقابل مختصر المزني ، وإذا الشيخ قد حضر وسلم علينا وهو لا يعرفني فسمع مقابلتنا وهو لا يعلم ماذا نقول ، ثم قال متى يُتعلم مثل هذا فأردت أن أقول إن كانت لك والدة ، فقل لها تدعو لك فاستحييت . فالمقصود أن التوفيق بيد الله عز وجل ، وما المعلم إلا مجرد سبب له فقط ، فقد ينجح من يظن به الفشل وقد يفشل من يظن به النجاح والسعيد من وفق .
قال أَبُو تَمَّامٍ :
يَنَالُ الْفَتَى مِنْ عَيْشِهِ وَهُوَ جَاهِلُ *** وَيُكْدِي الْفَتَى مِنْ دَهْرِهِ وَهُوَ عَالِمُ
وَلَوْ كَانَتْ الارْزَاقُ تَجْرِي عَلَى الْحِجَا *** هَلَكْنَ إذَنْ مِنْ جَهْلِهِنَّ الْبَهَائِمُ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ بْنُ أَبِي سُلْمَى :
لَوْ كُنْت أَعْجَبُ مِنْ شَيْءِ لاَعْجَبَنِي *** سَعْيُ الْفَتَى وَهُوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقَدَرُ
يَسْعَى الْفَتَى لأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا *** وَالنَّفْسُ وَاحِدَةٌ وَالْهَمُّ مُنْتَشِرُ
ولابد لك من تقدير بين ما أنتجه وبين الثمار المجنية من هذا النتاج .
قال كثير من المعلمين دخلنا التعليم من أجل هدف واضح وهو الدعوة إلى الله تعالى ؛ ولكن بعد مضي عام يتلوه عام تركنا هذا الهدف واشتغلنا بأمور دنيوية تنافسنا عليها !!
خامسا : لا تحتقرن جهدك وبذلك ، فقد تكون مجرد كلمة عابرة وجهد يسير منك يفعل في نفوس الطلاب الأفاعيل
وانظر إلى ثمرة هذا المعلم ماذا أثمرت ؟
طلاب الابتدائي وصلاة الفجر وجد صاحبه :
شاب صغير في الثالثة الابتدائية , كان مدرس المدرسة يحثهم وبقوة أي هؤلاء الشباب على طاعة الله سبحانه وتعالى على أداء صلاة الفجر , على الاستجابة لله سبحانه وتعالى , وكانت النتيجة أن تأثر هذا الغلام الصغير بهذه الدعوة من مدرسة واستجاب لأداء صلاة الجماعة في المسجد ولكن الفجر صعبة بالنسبة له , فقرر أن يصلي الفجر في المسجد ولكن من الذي يوقظه؟ أمه؟ لا, والده؟ لا, ماذا يصنع يا ترى؟ قرر قراراً خطيراً , قراراً صارماً , أن يسهر الليل ولا ينام , وفعلاً سهر الليل إلى أن أذن الفجر وخرج إلى المسجد مسرعاً يُريد أن يصلي ولكن عندما فتح الباب وإذا بالشارع موحش وإذا بالشارع مظلم ليس هناك أحد يتحرك , لقد خاف , لقد ارتاع , ماذا يصنع ؟ ماذا يفعل يا ترى ؟ وفي هذه اللحظة وإذا به يسمع مشياً خفيفاً , رجلاً يمشي رويداً رويداً , وإذا بعصاه تطرق الأرض وبأقدامه لا تكاد أن تمس الأرض فنظر إليه وإذا به جد زميله , أو صديقه , فقرر أن يمشي خلفه دون أن يشعر به , وفعلاً بدأ يمشي خلفه , إلى أن وصل إلى المسجد , فصلى ثم عاد مع هذا الكبير في السن دون أن يشعر به, وقد ترك الباب لم يُغلق , دخل ونام , ثم استيقظ للمدرسة وكأن شيئاً لم يحدث, استمر على هذا المنوال فترة من الزمن, أهله لم يستغربوا منه إلا قضية كثرة نومه في النهار, ولا يعلمون ما هو السبب, والسبب هو سهره في الليل, وفي لحظة من اللحظات , أن خبر هذا الطفل الصغير أن هذا الجد قد تـُوفي , مات جد أحمد مات هذا الرجل الكبير في السن , صرخ أحمد, بكى أحمد, زعق أحمد, ما الذي حصل, لماذا تبكي يا بُني, إنه رجلٌ غريب عنك, إنه ليس أباك, ولا أمك ولا أخاك, فلماذا تبكي؟ لماذا يبكي يا ترى؟ فعندما حاول والده أن يعرف السبب , قال لوالده يا أبي ليتك أنت الميت , أعوذ بالله , هكذا يتمنى الابن أن يموت الأب ولا يموت ذلك الرجل!! قال نعم ببراءة الأطفال قال يا أبي ليتك أنت الميت لأنك لم توقظني لصلاة الفجر, أما هذا الرجل فقد كنت أمشي في ظلاله دون أن يشعر إلى صلاة الفجر ذهاباً وإياباً, وقص القصة على والده, كاد الأب أن تخنقه العبر وربما بكى, تأثر فكان تغيراً جذرياً كلياً في حياة هذا الأب بفعل سلوك هذا الابن بل بفعل سلوك هذا المعلم, الله أكبر, انظروا إلى ثمرة هذا المعلم ماذا أثمرت؟ أثمرت أسرة صالحة, وأنتجت منهجاً صالحاً. من شريط ( قصص مؤثرة للشباب ) للشيخ إبراهيم الفارس
– ويقول معلم آخر وقع في نفسي موقف أثر فيّ كمعلم وتأثر به الطالب ، وهو أن الطالب كان يحضر معه مشروب البيبسي الغازي وصادف موقف أثناء اجتياح إسرائيل لغزة وقتل وأصيب العشرات والمئات من الفلسطينيين فاقتربت من الطالب هامساً في أذنه ما هذا ؟ كم ثمنها ؟ فقلت له هل تعلم الشركة المصنعة لهذا المشروب فقال لا قلت له إنها شركة يهودية ألا تعلم ثمن العلبة لمن ؟ فأجاب بالنفي قلت له لشراء رصاصة لقتل مسلم لا يفرقون بين امرأة وشيخ عاجز وطفل رضيع وأخذت أسرد له بعض المشاهد فما كان من الطالب أن استأذن مني وبعد دقائق قليلة رجع باكياً فسألته قال يا أستاذ أيقتل مثلي من الأطفال ثمناً لهذه العلبة فأومأت برأسي إيجاباً فزاد بكاؤه واستمر يبكي حرقة فأخذت أهدئ من نفسه فقلت له أين العلبة قال في مكانها المناسب قلت له إلى أين قال في القمامة كصانعيها والله ما دام يقتل مثلي من الأطفال المسلمين وبعضهم يشرد بلا بيت كما رأيت في الأخبار لن أشربها بعد اليوم تأثرت من كلام الصبي الذي لم يتعد العاشرة من عمره .
بل اذكر لك مثالين من سيرة السلف على تأثير كلمات عابرة ، كيف فعلت في نفوس الطلاب ما فعلت ؟ :
1 . صحيح البخاري الذي يعد أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل ، والذي إذا خرج لأحد الرواة رواية فقد جاوز القنطرة ، وإذا قيل رواه البخاري يقع في النفس هيبة له ، ما سبب تأليفه ؟
إنها كلمة واحدة في مجلس واحد وقعت في أذن البخاري فيسر الله له تأليف هذا الكتاب الذي رفع منزلة البخاري في طبقة عالية فلقد ذكر لتأليفه ثلاث أسباب أشهرها أنه كان في حلقة إسحاق بن راهويه فقال لو أن أحدكم يجمع كتابا فيما صح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم جملة واحدة !! قالها إسحاق فوقع ذلك في نفس البخاري فصنف هذا الكتاب الذي خلد التاريخ اسمه ( هدي الساري : 9 )
2 . الإمام الذهبي هذا الإمام الفحل أبو عبد الله بصر لا نظير له وهو كنز وملجأ إذا نزلت معضلات المسائل ، إمام الوجود حفظا ، وذهب العصر معنى ولفظا ، وشيخ الجرح والتعديل ، ورجل الرجال في كل سبيل ، كأنما الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها .
سبب طلبه لعلم الحديث كلمة واحدة يقول هو بنفسه عن الإمام البِرزالي إنه لما رأى خطه قال له : إن خطك هذا يشبه خط المحدثين . قال فحبب الله لي علم الحديث . فانظر ماذا فعلت هذه الجملة في الإمام الذهبي فقد صار من أئمة الحديث وحفاظه ونقاده .
سادسا : العلــــم :
الأمر الأهم يجب أن يكون المعلم متمكناً في مادته العلمية الموكّل بتدريسها لأنها أمانة ويجب عليها أن يؤديها على أتم وجه .
ولكن يجب أن لا يغفل عن طلب العلم الشرعي الذي هو واجب على كل إنسان معلماً كان أو متعلماً ، وأن يكون ملماً بالأحكام الشرعية والأمور الأساسية التي يجب على المسلم أن يعرفها فضلاً عن المعلم والمدرس الذي يقتدى به ، لأنه محل ثقة ، وله احترام وتقدير لدى الطلاب ، مما يدفعهم لسؤاله فإن أخطأ سقط من أعينهم أو أخذوا منه حكماً باطلاً .
ولهذا يأتي الابن ويرتكب محظوراً في الصلاة أو الصيام ونحو ذلك ويقول أفتاني به الأستاذ ، إنه لظلم عظيم .
التربية قبل التعليم :
رب قبل أن تعلم .
المدرسة هي بيتنا الثاني .
التوجيه إلى الأخلاق خير من التغذية بالمعلومات .
من غشنا فليس منا .
زرع الاستشعار بالأمانة والمسؤولية في الطالب .
التربية بالقصة واستغلال الحدث واستخلاص الدروس التربوية منه .
3. أنت قدوة :
فليكن إصلاحك لنفسك أيها المربي والمعلم قبل كل شيء ، فالحسن عند الأولاد ما فعلت ، والقبيح عند الطلاب ما تركت ، وإن حسن سلوك المربي والمعلم أفضل تربية لهم .
أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام والضنى *** كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فاذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى *** بالقول منك وينفع التعلم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
غير تقي يأمر الناس بالتقى *** طبيب يداوي الناس وهو سقيم
ويقول آخر :
مواعظ الواعظ لن تقبلا *** حتى يعيها قلبه أولا
ياقوم من أظلم من واعظ *** خلف ما قد قاله في الملا
أظهر بين الناس إحسانه *** وخالف الرحمن لما خلا
فالطالب في هذه المرحلة يكون كالخامة متفاعلاً مع من حوله من الأشخاص ، وتجد طباعهم تكتسيه ، ويزداد ذلك التأثر لو كان مصدره من يعتقد فيه الطالب المثالية والأسوة الحسنة وهو بطبيعة الحال معلمه ، ولهذا ينبغي للمعلم والداعية الصادق أن يُرِيَه من الخصال الطيبة والصفات الحسنة ما تجعله يتحلى بها ، وعلى أقل تقدير يجُِلّ أهلها ، ويرفع من شأنهم .
أن يعمل بما يأمر به الطلاب من الآداب والأخلاق وغيرها من العلوم ، وليحذر مخالفة قوله لفعله ، وليسمع قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ) .
وهذا إنكار على من قال قولاً ولم يعمل به .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أعوذ بـك من علم لا ينفع ) ، أي لا أعمل به ، ولا أبلغه غيري ، ولا يُهذب من أخلاقي .
وهنا أمور يسيرة جدا يمكن تظهر من خلالها الأسوة مثل :
غرس ألفاظ وعبارات اعتيادية في ذهن الطالب :
حيث يعوّد المعلم الطالب دائماً على البسملة قبل البدء مع ذكر خطبة الحاجة ثم إظهار الحوقلة عند الحزن والهم ، وبيان الشكر اللفظي والفعلي عند الفرح والسرور ، والتسبيح عند الاستغراب ، والتكبير عند الإعجاب ، وغيرها من الأشياء التي لابد أن تتكرر أمام الطالب فتؤدي إلى تعويد الطالب على تلك الألفاظ . وتدفعه لتعلم معناها ويرى الطالب في خطاب معلمه الألفاظ القرآنية والعبارات النبوية .
فإلقاء ورد السلام من أعظم ما يتعلمه الطالب .. ( أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ .. ) رواه مسلم
وهذا الحديث َفِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاء السَّلام وَبَذْله لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ ; مَنْ عَرَفْت , وَمَنْ لَمْ تَعْرِف فلا يسلم على طالب يعرفه وآخر لا يسلم عليه ، وَالسَّلامُ أَوَّل أَسْبَاب التَّأَلُّف , وَمِفْتَاح اِسْتِجْلاب الْمَوَدَّة . وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكَّنُ أُلْفَة الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ لِبَعْضِ , وتعود الطلاب على َإِظْهَار شِعَارهمْ الْمُمَيِّز لَهُمْ عِنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل , مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَة النَّفْس , وَلُزُوم التَّوَاضُع فيلقن الطلاب التواضع لا كالذي يدخل الفصل ولا يسلم ولا يرد السلام ويعامل الطلاب وكأنهم بهائم وهنا أيضاً َإِعْظَام حُرُمَات الْمُسْلِمِينَ .
وَفِيهَا لَطِيفَة أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ رَفْع التَّقَاطُع وَالتَّهَاجُر وَالشَّحْنَاء وَفَسَاد ذَات الْبَيْن الَّتِي هِيَ الْحَالِقَة , وَأَنَّ سَلامه لِلَّهِ لا يَتْبَع فِيهِ هَوَاهُ , وَلا يَخُصّ أَصْحَابه وَأَحْبَابه بِهِ " مستفاد من كلام النووي "
هكذا يجب أن يكون المدرس يًعلم طلابه التواضع وكما قيل : تواضع تكن كالنجم لاح لناظر :
الْمُتَوَاضِعُ مِنْ طُلاَبِ الْعِلْمِ والعلماء هم أَكْثَرُهُمْ عِلْمًا ، كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ الْمُنْخَفِضَ أَكْثَرُ الْبِقَاعِ مَاءً . وقال عليه الصلاة والسلام ( ومن تواضع لله رفعه الله ) النووي على مسلم 16/141
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم : أنه كان يقضي للناس حوائجهم حتى كانت الجارية لتأخذ بيده عليه الصلاة والسلام فتطوف به في المدينة وكان عليه الصلاة والسلام يسلم على الصبيان .
ووصف الله المؤمنين أنهم ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) المائدة/54
أيها المعلم الداعية ليكن المعلم الأول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدوتك ولا تنظر إلى طلابك نظرة استعلاء .
نشر الخير يكون بالأقوال والأفعال :
كان علماء السلف إذا تعلموا أموراً أعطوها للناس بسلوكهم وبتعاملهم وأخلاقهم ومناهجهم في الحياة 0
أساتذتنا من القرون المفضلة خرجوا إلى الشعوب الإسلامية في إندونيسيا وماليزيا فبلّغوا دعوة الله بأعمالهم قبل أقوالهم ، فإنا ندعوك اليوم في أول هذا العام الدراسي إلى أن تقدم للشبيبة علماً نافعاً ، وعملاً صالحاً ورسالة خالدة ، وكلاماً مؤثراً ، وأن تتقي الله عز وجل في هذا النشء ، وهذا الجيل الذي ينتظر منك النصح 00 إنهم عطشى أمامك ، فاسكب على قلوبهم من فيض حنانك وودك ما يكون بإذن الله بلسماً شافياً .
إنك تبني عقولاً ورجالاً لخدمة المجتمع، تستطيع أن تؤثر في طلابك بما يخدم المجتمع في شتى المجالات بتعليمهم كيف يستفيدون من أوقاتهم .
خذ مثالا قام به أحد المعلمين حيث وزع كتيب (ما هي الأعمال التي يمكنك القيام بها خلال عشر دقائق) وذلك على طلاب السادس الابتدائي ، ووجد تغييرا كبيرا على الطلاب أثناء الحصة وبين الحصص في استثمار الوقت ومراقبة الله والإكثار من الأعمال الصالحة في الأوقات اليسيرة . فكيف بتوجيه منك طوال سنة ؟ فما حجم التغيير والهداية التي ستحصل بإذن الله ؟!!!
وقد كان الصحابة خير قدوة :
قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ « من كان متأسياً فيتأس بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً ، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوهم في أثارهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم»
الصدق والوفاء بالوعد :
فالصدق تاج على رأس المعلم , فإذا فقده فقد ثقة الناس بعلمه وما يمليه عليهم من معلومات فالطالب غالباً يتقبل كل ما يقوله معلمه
على المعلم أن يلتزم الصدق في كلامه ، فإن الصدق كله خير ، ولا يربي تلاميذه على الكذب ، ولو كان في ذلك مصلحة تظهر له :
حدث أن سأل أحد الطلاب معلمه مستنكراً تدخين أحد المعلمين ، فأجابه المعلم مدافعاً عن زميله ، بأن سبب تدخينه هو نصيحة الطبيب له ، وحين خرج التلميذ من الصف قال : إن المعلم يكذب علينا .
وحبذا لو صدق المعلم في إجابته ، وبين خطأ زميله ، بأن التدخين حرام ، لأنه مضر بالجسم ، مؤذ للجار ، متلف للمال ، فلو فعل ذلك لكسب ثقة الطلاب وحبهم ، ويستطيع أن يقول هذا المعلم إلى طلابه : إن المعلم فرد من الناس تجري عليه الأعراض البشرية ، فهو يصيب ويخطئ ، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقرر ذلك في حديث قائلاً : ( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ) .
لقد كان بإمكان المعلم المسئول أن يجعل سؤال الطالب عن تدخين معلمه درساً لجميع الطلبة ، فيفهمهم أضرار التدخين ، وحكمه الشرعي ، وأقوال العلماء فيه ، وأدلتهم ، فيكون بذلك قد استفاد من سؤال الطالب واستعمله في التربية والتوجيه .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا .. ) رواه مسلم
فالصدق خلق عظيم ينبغي على المعلم أن يزرعه في طلابه وليكن مطبقاً له في أقواله وأفعاله حتى في المزاح فيمزح ولا يقول إلا حقاً تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وليحذر المعلم أن يكذب على طلابه ولو مازحاً أو متأولاً ، وإذا وعدهم بشيء فعليه أن يفي بوعده لأن الطلاب يعرفون الكذب ويدركونه ، وإن لم يستطيعوا مجابهة المعلم به حياء منه .
الصبر :
إن مهنة التدريس مهنة متعبة ، ومع ذلك فقد يلقى المدرس أنواع الأذى ، ويسمع كلاماً قبيحا من بعض الطلاب أو شيئاً من هذا القبيل وله في رسول الله أسوة حسنة لما روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ : مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ .
ونبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معلم البشرية جمعاء .
إني رأيت وفي الأيام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثر
من المؤسف جدا أن بعض المدرسين أحياناً وهم قلة : يلعن الطالب أو يسبه أو يشتمه أو يقول له يا حمار أو يا كلب أو يقول يا كذا وكذا فهذا خطأ وغلط فاحش ، فيسبه ويسب أباه وأنه لم يربيه ويسب قبيلته وينعته بأبشع النعوت … وهذا يدل على أن هذا المعلم في الحقيقة أقرب ما يكون للفشل لأنه ليس عنده صبر وليس عنده تحمل ولا يستطيع أن يكظم غيظه ولا يستطيع أن يتفاعل فعلاً مع قضايا الطلاب بحيث يمتص ما عندهم من غير إيذاء ، كما تؤخذ الشعرة من وسط العين بدون أن تؤذي العين .
روى الترمذي ( 1944 ) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ ) رواه الترمذي وأبو داود وحسنه الألباني
فإذا قدرت فاعف :
كذلك العفو عند المقدرة ، قد يرتكب الطالب جرما يستحق بسببه العقوبة لكن العفو أحب إلى نفس الكريم ولك في رسول الله أسوة حسنة فقد عفى عن أهل مكة وهو قادر وقال قولته الشهيرة :{ اذهبوا فأنتم الطلقاء}.
الرحمة والرفق ً :
– ارحم واعطف على طلابك ولاطفهم : روى أبو داود في سننه وحسنه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ ) .
روى النسائي في سننه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ ، فَقُلْتُ : وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) . وصححه الألباني رحمه الله
لذا يجب أن تكون رحب الصدر محبا متسامحاً فلا تنزعج لأقل هفوة ، ولا تدقق على الأمور التافهة والبسيطة والصغيرة ، خصوصاً تلك التي تحصل من الطلبة لأول مرة ، إلا إذا مست الآخرين ، فذاك شأن آخر ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (159)
ولا تكن كبعض المعلمين في إلقاء المحاضرات :
كأنه أسد في غابة .
ليس عنده شيء من الرحمة .
ليس عند شيء من المرونة ولين الجانب والأخذ بالتيسير الذي أباحه الشرع .
ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى اله عليه وسلم : " ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هين لين سهل ".
وفي الحديث المتفق عليه " ما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى" . وأيسر الأمرين يكون في الأمور المباحة والمشروعة ، فيتخير المربي في تعامله مع أبنائه وطلابه أحسن الأساليب وأفضل الأوقات وأحسن الألفاظ والعبارات وأرق التوجيهات ليصل إلى قلوبهم قبل عقولهم بأقل جهد وأقصر طريق .
مطابقة القول العمل :
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون – كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) فالواجب على المعلمين أن يتقوا الله في فلذات الأكباد , فهم أمانة في أعناقهم , فليحرصوا على تعليمهم ما ينفعهم , ومطابقة أقوالهم لأعمالهم , لأن في ذلك ترسيخاً للعلم الذي تعلموه من معلميهم ومربيهم ، وكي لا يصبح به شبه من اليهود الملعونين ، قال تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) وقال شعيب ( وما أريد أن أخالفكم لما أنهاكم عنه )
وأحسن أبو الأسود الدؤلي حين قال :
يـــا أيـها الرجل المعلم غـيـره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم
لا تنـهَ عن خلـقٍ وتأتيَ مـثـلـَه *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
وأبدأ بنفسـك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ
فهناك تقبل إن وعظت ويقتدى *** بالقول منك وينفع التعليمُ
تصفُ الدواءَ لذي السَّقام من الضنا *** كيما يصيح به وأنت سقيمُ
وأراك تلقـحُ بالرشـاد عـقولنـا *** نصحاً وأنت من الرشادِ عديم
العدل والمساواة :
قال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) النحل/90 , وقال تعالى : ( وأمرت لأعدل بينكم ) وقال تعالى : ( ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا , اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) المائدة/8 , وقال تعالى : ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) والمعلون يتعرضون لمواقف كثيرة من قبل طلابهم , سواء في توزيع المهام والواجبات إن كان هناك أعمال تحتاج مشاركة جماعية أو تفضيل بعضهم دون بعض ونحو ذلك ، وإن اختلال هذا الميزان عند المعلم بوجود تمييز بين الطلاب كفيل بأن يجعل هوة واسعة بين المعلم وطلابه الآخرين الذين جار عليهم …..
يا أيها المعلم : إن كانت لديك أي علاقة قربى أو صداقة مع أحد طلابك فلتكن بعيدة عن مسمع ومرأى الطلاب الآخرين ….
روى عن مجاهد قال : ( المعلم إذا لم يعدل كتب من الظلمة ) ..
ويروى عن الحسن البصري قوله : ( إذا قوطع المعلم على الأجر فلم يعدل بينهم – أي الطلاب – كتب من الظلمة ) .
الحلم والأناة واستغلال الفرص :
جاء في الحديث الذي رواه أحمد في المسند عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَائِشَةُ لَمْ يَدْخُلْ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ )
وروى البخاري في صحيحه أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي قَالَ : لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ : لا تَغْضَبْ
وروى البخاري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ )
أوصى مسلمة بن عبد الملك مؤدب ولده فقال له : إني قد وصلت جناحك بعضدي ورضيت بك قرينا لولدي فأحسن سياستهم تدم لك استقامتهم ، وأسهل بهم التأديب عن مذاهب العنف ، وعلمهم معروف الكلام ، وجنبهم مثاقبة اللئام ، وانههم أن يعرفوا بما لم يعرفوا وكن لهم سائسا شفيقا ومؤدبا رفيقا تكسبك الشفقة منهم والمحبة والرفق وحسن القبول ومحمود المغبة ويمنحك ما أدى من أثرك عليهم وحسن تأديبك لهم مني جميل الرأي وفاضل الإحسان ولطيف العناية. كتاب العيال برقم 342.
ويجب أن تستغل بعض الفرص التي تفرضها الظروف والحوادث التي يمر بها الطالب كأيام الاختبارات أو غيرها من الظروف العائلية ، فتوجه وتدعو ، لأن النفوس فيها تكون أقرب للاستجابة .
يقول أحد المعلمين : طالب لم يكن من المحافظين على صلاة الفجر رغم أنه حريص على دراسته وعلاقته بزملائه ومعلميه ، كثيراً ما نصحته في ذلك فيعتذر بالنوم تارة وبعدم وجود من يوقظه تارة أخرى إلى أن جاءت أيام الاختبارات فكانت فرصة قوية للتأثر فنصحته مجدداً وطلبت منه أن يراجع المادة بعد الفجر تشجيعاً له على الاستيقاظ فكان ذلك ، وهو الآن بحمد الله لا يفارق الصف الأول في المسجد .
وقد يكون التوبيخ مطلوبا ، وهو عبارة عن شدة في القول يفعله المربي لمن لا يقبل النصح .
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) صحيح سنن أبي داود 466.
ولا يخفى أن في أمره بالصلاة وضربه عليها تعليم له وتربية ، وفيها تعليم لأحكام الصلاة من شروط وأركان وواجبات ومستحبات بحسب ما يليق بحاله وعقله.
عن فضيل بن مرزوق قال : قلت لسفيان : أضرب ولدي على الصلاة؟ قال : أجِدَّه . كتاب العيال برقم 299 ، ومعنى أجده أي شجعه وحفزه على أداء الصلاة يقال أجد الولد صار ذا جد واجتهاد .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب) السلسلة الصحيحة 1447.
قال العلماء : لم يرد به الضرب لأنه لم يأمر بذلك أحدا وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم .
والسلف كانوا يضربون على تعليم العلم :
عن ابن عمر أنه كان يضرب بنيه على اللحن . كتاب العيال برقم 335 والبيهقي في السنن الكبرى .
هشام بن عمار ابن نصير بن ميسرة بن ابان هو الإمام الحافظ العلامة المقرئ ، عالم أهل الشام أبو الوليد السلمي ويقال الظفري خطيب دمشق ، كان من أوعية العلم وكان ابتداء طلبه للعلم وهو حدث قبل السبعين ومئة ، وفيها وقرأ القرآن على أيوب بن تميم وعلى الوليد بن مسلم وجماعة .
وكان من خبره ما برويه عن نفسه : باع أبي بيتا له بعشرين دينارا وجهزني للحج فلما صرت إلى المدينة أتيت مجلس مالك ومعي مسائل أريد أن اسأله عنها فأتيته وهو جالس في هيئة الملوك وغلمان قيام والناس يسألونه وهو يجيبهم فلما انقضى المجلس قال لي بعض أصحاب الحديث سل عما معك، فقلت له : يا أبا عبد الله ما تقول في كذا وكذا فقال حصلنا يا غلام احمله فحملني كما يحمل الصبي وأنا يومئذ غلام مدرك فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة فوقفت ابكي ، فقال لي ما يبكيك اوجعتك هذه الدرة قلت ان أبي باع منزله ووجه بي اتشرف بك وبالسماع منك فضربتني فقال اكتب قال فحدثني سبعة عشر حديثا وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني .
وفي رواية : فقلت له لم ظلمتني ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم لا اجعلك في حل فقال مالك فما كفارته قلت كفارته ان تحدثني القدرة عشر حديثا قال فحدثني القدرة عشر حديثا فقلت له زد من الضرب وزد في الحديث فضحك مالك وقال اذهب
وروي عنه أنه قال : فخرجت ، فقعدت على بابه أبكي ، ولم أبك للضرب ، بل بكيت حسرة ، فحضر جماعة ، قال : فقصصت عليهم ، فشفعوا في ، فأملى علي سبعة عشر حديثا .
وقال علي بن جعفر أخبرنا إسماعيل بن بنت السدي قال كنت في مجلس مالك فسئل عن فريضة فأجاب بقول زيد – رضي الله عنه – .
[ يعني كان الإمام مالك رحمه الله في حلقة من حلقات العلم ، فكان يدرَّس في أحد دروسه ، ثم سئل عن مسألة فرضية فأجاب بقول زيد رضي الله عنه – فقال إسماعيل بن بنت السدي ] : ما قال فيها علي وابن مسعود رضي الله عنهما .
فأومأ إلى حجبة [ الحجبة ] فلما هموا بي عدوت وأعجزتهم ، قالوا ما نصنع بكتبه ومحبرته ؟ فقال : اطلبوه برفق فجاؤوا إلي فجئت معهم ، فقال مالك : من أين أنت ؟ قلت من الكوفة ، قال : فأين خلَّفت الأدب فقلت : إنما ذاكرتك لاستفيد فقال : إن عليّاً وعبد الله لا يُنكَر فضلهما وأهل بلدنا على قول زيد بن ثابت ، وإذا كنت بين قوم فلا تبدأهم بما لا يعرفون فيبدأك منهم ما تكره .
وقد يقول قائل : ألا ينبغي أن نناقش ؟ فيقال : نعم ، ولكن بأدب ، وبخاصّة مع الشيخ ، إذ أنَّ النقاش معه له أدب ، يليق به .
وعلى المستفتي أن يتخير الوقت المناسب للاستفتاء ، فلا يستفتيه إن رآه في هَمّ عرض له ، أو أمر يحول بينه وبين عقله ، ويصده عن استيفاء فكره ، فإذا زال ذلك العارض ، وعاد المفتي إلى المألوف من سكون القلب ، وطيب النفس ، فحينئذٍ يسأله ( الخطيب البغدادي : الفقيه والمتفقه 20 / 179 )
لولا المعلم لما وصلنا هنا هنا العاشر
أشكر جميع معلماتي على كل شي