ارجو أنه يفي بالغرض…..
سنشيرنا في إلى هذا التقرير إلى أهمية المياه بصورة عامة في كل مكان وبصورة خاصة في المملكة العربية السعودية ذات البيئة الصحراوية التي تتسم بحرارة الجو وقلة الأمطار ناهيك عن قلة المصادر الأخرى للمياه عدا بعض الاحتياطات المحدودة من المياه الجوفية بالإضافة إلى مشاريع التحلية الضخمة التي اقامتها حكومتنا الرشيدة على كل من الساحل الشرقي والساحل الغربي للمملكة والتي تزداد توسعاً وانتشاراً بصورة مستمرة من حيث الكم والكيف والتي كلفت وتكلف مليارات الريالات كل ذلك في سبيل توفير المياه الصالحة للشرب للمواطن والتي تنعكس على رفاهيته وعلى الأمن المائي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وعلى أية حال فإنه من المعروف أن الإنسان يستخدم الماء بإسراف دون أن يدور بخلده أنه مادة قابلة للنفاد أو معرض للنقص والندرة والسبب في المقام الأول لهذا السلوك هو عدم الوعي بما يترتب على استهلاك المياه بإسراف وعشوائية من خطر يتمثل في التهديد الخطير والمتزايد على الاستقرار وعلى مسيرة التنمية الوطنية ومستقبلها ناهيك عن تأثيراته السلبية على البيئة، إن الإنسان ومنذ قديم الزمان لا يعرف قيمة الشيء حتى يفقده لذلك فإن الأزمات الناتجة عن نقص المياه الصالحة للشرب في أماكن مختلفة من العالم جعلت بني البشر في السنوات الأخيرة ينتبهون ويحسون بأهمية المحافظة على المياه العذبة ذلك انها في اهميتها تفوق اهمية اي مورد طبيعي او صناعي آخر مهما غلا ثمنه كما أنها مثل أي مورد طبيعي آخر تعتبر مادة قابلة للنفاد لذلك عمد الإنسان بعد شعوره بالخطر المحدق به إلى سن القوانين والأنظمة اللازمة للحد من استهلاك المياه وأضحت الجهود تبذل في سبيل البحث عن افضل السبل للاستفادة من استخدام الحد الأدنى من الماء بحيث أصبحت قطرة الماء والمحافظة عليها شعار للترشيد وبسبب الزيادة المضطردة للسكان وارتفاع متوسط الأعمار نتيجة للوعي الصحي والغذاء السليم في كثير من أنحاء العالم ناهيك عن توجه أغلب دول العالم لتبني مشاريع طموحة للتنمية وكذلك بسبب ارتفاع حرارة الأرض بسبب الاحتباس الحراري وما ترتب عليه من مشاكل الجفاف والتصحر وانعكاس ذلك على استهلاك المياه مع قلة مصادرها لذلك يقول خبراء الموارد المائية أن أكبر مشكلة ستواجه العالم في القرن الحادي والعشرين هي قلة امدادات المياه التي يحتاجها العالم لسد احتياجات السكان وخطط التنمية الزراعية والصناعية وغيرها وهم كما أشرت سابقاً يستندون في ذلك القول إلى مقارنة عدد السكان الحالي بالمصادر المائية المتاحة وتلك التي يمكن اكتشافها وتنميتها في المستقبل فالأول وهو السكان يزداد بصورة مضطردة والثاني وهو المياه العذبة في تناقص مستمر لذلك يعتقد أولئك الخبراء أنه إذا استمر استهلاك المياه بنفس المعدل القائم حالياً فإن الأزمة المائية سوف تكون أكبر أزمة يواجهها العالم في تاريخه مما يجعل اصطلاح حرب المياه قابل للوقوع ليس هذا فحسب بل إن حاجة الإنسان للماء تزداد بصورة طردية مع تقدمه الحضاري والصناعي فالفرد في البيئات البدائية يستهلك ما معدله (5 – 10) لترات يومياً بينما في البيئات المتمدنة والتي تقع على ضفاف البحيران والأنهار. وكذلك تلك التي تكثر بها الأمطار يصل معدل استهلاك الفرد إلى أكثر من (500) لتر يومياً وفي مجتمعنا على الرغم من ندرة الماء وارتفاع تكاليف انتاجه فإن معدل استهلاك الفرد يصل في بعض مدن المملكة إلى أكثر من (350) لترا يومياً وهذا يعتبر عالياً جداً إذا أخذنا في الاعتبار شح الماء وقلة مصادره وارتفاع تكاليف انتاجه من مياه البحر ليس هذا فحسب بل إن معدلات استهلاك المياه في المملكة قد ارتفعت خلال العقدين الماضيين بشكل كبير جداً فاق كل التوقعات فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن الطلب على المياه قد زاد عن 1800 مليون متر مكعب عندما كان عدد السكان في حدود 16 مليون نسمة عام 1415ه وإذا علمنا أن عدد السكان سوف يصل إلى ضعف ما هو عليه الآن إذا استمر النمو السكاني في نفس المعدل (وهو في حدود 4٪ سنوياً تقريباً) وذلك بحلول عام 1445ه وبالتالي سوف يتضاعف الطلب على الماء عدة مرات. ومن ناحية أخرى إذا علمنا أن سبب الزيادة المضطرة في استهلاك الماء ليس زيادة عدد السكان فقط بل أن هناك عددا من العوامل الأخرى التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ومن أهمها:-
1- الإسراف في استهلاك الماء وعدم المبالاة من بعض المستهلكين لأهمية المحافظة على الماء وجهلهم بالتكاليف الباهظة التي تصرفها الدولة في سبيل توفيره عن طريق تحلية مياه البحر وهذا يعكس عدم استشعارهم بالقيمة الاقتصادية لهذه المادة الاستراتيجية. ومن هنا تظهر أهمية توعية الناس بأهمية المحافظة على المياه وعدم الإسراف في استعمالها وإهدارها سواء في المنازل أو المرافق العامة أو الخاصة كالحدائق والمساجد والمدارس والمستشفيات والترشيد ليس منهجاً اقتصادياً فقط بل هو من تعاليم ديننا الحنيف والذي يدعونا إلى أن لا نكون مسرفين وبالتالي يجب علينا كشعب مسلم أن نكون في مقدمة شعوب العالم في السعي إلى تطبيق الأساليب العلمية في التعامل مع الماء الذي يمثل أهم مورد طبيعي على الإطلاق والذي بدونه لا تقوم لبقية الموارد المتاحة قائمة خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار شح الموارد الطبيعية لدينا واحتمال تناقصها على المدى البعيد.
2- التسرب الذي يحدث نتيجة تقادم التمديدات والذي يقدر بأن كمية المياه المفقودة من خلاله تصل إلى 30٪ من كمية المياه الصالحة للشرب وهذا يعتبر كبيراً جداً مما يتطلب وضع خطة طويلة المدى تضمن تجديد جميع التمديدات المستهلكة مما يعيد تلك الكميات المفقودة إلى دائرة الجدوى الاقتصادية.
3- اسلوب ري الحدائق العامة والخاصة حيث يتم ترويتها بالطرق التقليدية والذي يعتبر مضيعة للجهد والمال ذلك ان شدة حرارة الجو في الصيف لا تبقي ولا تذر ناهيك عن اغلب كمية الماء المستخدمة تمتصه التربة ولا يستفيد منه النبات لذلك فإن اسلوب التروية بالتنقيط وغيره من الاساليب الحديثة هو المفتاح لتوفير كميات كبيرة من المياه المهدرة.
4- نوعية الصنابير المستخدمة في كل مكان سواء في المنازل او المساجد او المستشفيات او المدارس او غيرها من القطاعات تعتبر غير اقتصادية فهي تزج بكمية كبيرة من المياه اكبر مما يحتاجه الشخص المستخدم لذلك فإن منع استيراد تلك الانواع من الصنابير او رفع اسعارها وتوفير صنابير اقتصادية تعمل على تدفق الماء بصورة اقل هدراً وجعلها ارخص ثمناً سوف يوفر كمية كبيرة جداً من المياه المهدرة. وهنا لا بد وان اشيد بما تقوم به حكومتنا الرشيدة بهذا الخصوص من توزيع تلك الادوات على المواطنين مجاناً.
5- تحصيل تكلفة استهلاك المياه عامل معهم في تذكير الشخص المستهلك للمياه بأن المبلغ الذي سوف يدفعه يتناسب طردياً مع كمية الماء المستهلك والاتجاه الى ان يكون تحصيل تعرفة استهلاك الماء اكثر جدية مما هو عليه الآن فلو تم استخدام اسلوب شركات الكهرباء والشركة السعودية للاتصالات في تحصيل رسوم استهلاك الماء لضرب المستهلك الف حساب لكمية الماء الذي يستهلكه خصوصاً اذا علم ان عدم التسديد يعني قطع الماء عنه او فرض اي عقوبة مناسبة اخرى تحمي هذه الثروة الوطنية من الهدر والاسراف واساءة الاستخدام. ولا شك ان ربط استهلاك الماء والكهرباء بفاتورة واحدة سوف يكون له الاثر البالغ.
6- البحث عن وسيلة افضل لتنظيف المراحيض بدلاً من استخدام خزانات الطرد (السيفون) الذي يزج بكميات كبيرة من المياه بسبب وبدون سبب فعلى سبيل المثال يمكن العمل على جعلها اصغر حجماً او جعلها تعمل بالتوقيت بحيث لا يمكن لكل من دخل الحمام من صغير او كبير سحب العوامة حتى لمجرد سقوط ذباب او منديل في المرحاض وبالطبع فإن الوسائل لا تعيي الباحثين كما اتوقع ان هناك ا بحاثاً وانجازات في هذا المجال في الدول المتقدمة التي تعاني بعض مناطقها من ندرة الماء او ان تكلفة انتاجه فيها مرتفعة.
لقد حسب توزيع الاستهلاك المنزلي للمياه في احدى مدن الولايات المتحدة الامريكية على الاوجه المختلفة لاستعمال الماء فوجد ان تنظيف المنزل يستهلك 3٪ والشرب واعداد الطعام 5٪ وغسيل الملابس 4٪ وغسيل الاواني والاوعية 6٪ والاستحمام والتغسيل 38٪ ووجد ان دورات المياه تستهلك 41٪ لذلك فإن الاستحمام وغسيل الاواني ودورات المياه تشكل اعلى النسب لاستهلاك المياه. وبالطبع سبب ارتفاع استهلاك دورات المياه هو الاستخدام غير المرشد لخزانات الطرد (السيفونات).
7- اعادة استخدام المياه: تعتبر المياه المعالجة مصدراً هاماً للمياه وتشمل تلك المياه مياه الصرف الصحي والسطحي والزراعي والصناعي والسيول كما يعتبر الخبراء ان الاستثمار في اعادة استخدام المياه المستعملة مربحاً وله اهمية اقتصادية وبيئية كما ان له انعكاسات اجتماعية وسياسية على المدى البعيد فهي عملية استرجاع لثورة مهدرة، وحيث ان مياه الصرف الصحي تشكل الجزء الاكبر من هذه المياه وهي تزداد بصورة متوالية هندسية نتيجة لزيادة عدد السكان من ناحية والتوسع في اقامة مشاريع الصرف الجديدة في مدن واحياء لا توجد بها تلك الخدمة ومن هنا يتضح اهتمام حكومتنا الرشيدة بمعالجة واعادة استخدام تلك المياه والتوسع في هذا المجال لتشمل جميع مناطق المملكة. ولذلك فإن توجيه دعوة للقطاع الخاص لكي يستثمر في عملية تدوير ومعالجة مياه الصرف الصحي بحيث يمكن استعمالها مرة اخرى امر مرغوب فيه بل يصبح واجباً.
إن إعادة تدوير المياه صناعة تم اللجوء إليها خلال العشرين سنة الماضية كخيار ذي مردود اقتصادي هام في كل من امريكا وكندا واليابان وكان من اهم العوامل التي دفعت لهذا الخيار هناك الاهتمام بالبيئة والمحافظة على المياه الجوفية من التلوث. ولقد تحركت الشركات المهتمة بهذا المضمار وطورت انواعاً من المحطات الصغيرة التي يمكن تركيبها داخل المنازل لاعادة تدوير المياه المستخدمة فيها داخلياً بحيث يستطيع صاحب المنزل استخدام الماء اكثر من مرة في بيته خصوصا في مجال ري الحدائق وتنظيف دورات المياه وفي خزانات الطرد (السيفون) ليس هذا فحسب بل ان تكلفة تلك الاجهزة ليست مرتفعة نوعاً ما من ناحية ومتوفرة في السوق المحلية من ناحية اخرى.
وفي الختام احب ان اشير الى ان قضية ترشيد المياه امر هام يجب ان يتعدى مجرد عقد المؤتمرات والندوات واللقاءات التي تنسى احداثها بمجرد اغلاق النقاش كما يتعدى مجرد الاعلان الذي يتعود العامة والخاصة على سماعه حتى يصبح ترديده غير مجد لذلك فإن الحاجة تدعو الى اتخاذ اجراءات عملية وايجاد مختبرات متخصصة تعنى بتقنيات التمديدات والصنابير واساليب الري ونوعية خزانات الطرد ومراقبة تركيبها ناهيك عن فرض مواصفات ملزمة لكل ما يستعمل بهذا الخصوص بالاضافة الى البحث عن كل جديد مفيد في مجال الترشيد وبما يتناسب مع بيئتنا الصحراوية القاسية التي تتحول يوماً بعد يوم الى بيئة افضل بسبب المشاريع الطموحة والعمل الدائم والمستمر على تعدد مصادر المياه الذي تبنته حكومتنا الرشيدة مستشعرة بذلك آفاق المستقبل ومتطلبات التنمية الطموحة نعم ان الشرق الاوسط توجد به من المشاكل السياسية والاقتصادية والاطماع الصهيونية والحدودية والتنافس غير الشريف ومحاولة الهيمنة من قبل البعض، والنفخ بروح الطائفية، والتحزب الديني، والتطرف، ومحاولة زج المنطقة بحروب بينية وطائفية، وتشجيع الارهاب وعناصره، كل ذلك يجعل الشرق الاوسط على شفا حفرة من النار ولا شك ولا للحظة واحدة ان الاعداء سوف يزجون بمشكلة الصراع على موارد المياه الى ساحة الصراع الدائر وذلك في الزمان والمكان المناسبين لذلك علينا ان نكون واعين ومستعدين لكل مستجد وأن نأخذ احتياطاتنا الاستراتيجية في مجال الأمن المائي والغذائي والأمني والعسكري والاقتصادي او بما يوفر لنا القدرة على التوازن وتفويت الفرصة على كل حاقد وحسود. سدد الله خطى قيادتنا الرشيدة وأعزها بتكاتف شعبها الوفي والله المستعان.
شكرااا …