يذكر رمضان القذافي (1998 ، ص 115 ) أن هناك ثلاثة أنواع من الضغوط ، وهي :
1 – الضغوط النفسية :
تحدث هذه الضغوط عندما يواجه الفرد متطلبات تفوق حدود قدراته أو تتفوق على ما لديه من استعدادات ، وهو ما يجعل الفرد يشعر بالإحباط ويتعرض لمجموعة من الأضرار وبشكل آخر فإن الضغوط النفسية تشير إلى العمليات النفسية التي تؤدي إلى الإحساس بالمثيرات الخطرة ، وسلوك الإنسان تجاهها من التوافق مع المشكلة .
2 – الضغوط الفسيولوجية :
وهي تنشأ بين مثيرات وعوامل بيئية مختلفة أو من جراء الضغوط النفسية مما يؤدي إلى الإخلال بوظائف أجهزة الجسم المتعددة ، وسواء كان السبب هو عوامل نفسية أو بيئية فعادة ما تكون ردود أفعال الجسم ذات طبيعة متشابهة و تعتبر ردود أفعال الجسم هذه ضرورية للدفاع عنه ضد الإخطار التي يواجهها الإنسان ومن أجل إعادة الجسم إلى وضعه الطبيعي أيضا لأنها تشكل جانباً هاماً من عمليات التوافق ، ومن المظاهر الشائعة للضغوط الفسيولوجية (البيولوجية) الصراع والاضطرابات المعوية وزيادة إفراز أحماض المعدة مما يؤدي إلى حدوث القرحة والنسيان وغيرها .
3 – الضغوط البيئية :
وهي مجموعة من العوامل التي يصعب حصرها ، وقد تأخذ شكلاً عاماً مثل أزمات المواصلات أو مشاكل الأبناء ، كما قد تأخذ شكلاً خاصاً له علاقة بشخص ما في موقف خاص معين ومن أمثلة الضغوط البيئية مشاكل الحياة ، وضغوطالعمل ، وتلوث البيئة وزحمة المرور والضوضاء وغيرها .
كما يشير كل من هيرنج ومكروميك (Haring & Mccormic,1986) إلى أنواع الضغوط التي كثيراً ما تتعرض لها الأسرة ومنها الأعباء المادية والنوم المتقطع والحاجة إلى تخصيص فترات زمنية طويلة لتوفير الرعاية الشخصية للفرد المتخلف عقلياً ، وصعوبة توفير الوقت للتسوق وممارسة الأعباء المنزلية والعزلة الاجتماعية ، ومشاعر الخجل وصعوبة التعامل مع المشكلات السلوكية والقيود الموضوعة على الأنشطة الترويحية ، والإحساس بالتشاؤم بالنسبة للمستقبل .
العلاقة بين الإعاقة والضغوط الوالدية في ظل ولادة طفل متخلف عقلياً :
يسبب قدوم الطفل المتخلف عقلياً مشكلات سلوكية ، وصعوبات اجتماعية واقتصادية للأسرة ، فعندما يكتشف الوالدان تخلف طفلهما من الناحية العقلية يشعران بالغمو الهم ، وينتابهما الخوف الزائد على مستقبله ، ويعانيان من قلق التردد بين الأمل في العلاج واليأس من الشفاء (كمال مرسى ، 1996).
ويرى عبد المطلب القريطي (1999 ، ص 55 ) أنه يمكن النظر إلى الطفل المتخلف عقليا كواحد من المدخلات الضاغطة على نسق الأسرة (الوالدين والأبناء) يمكن أن تنتج عنه مخرجات مهددة لبناء هذا النسق وتكامله الوظيفي ، ومن بين هذه المخرجات تعبئة الجو الانفعالي والمناخ الأسرى بالتوتر والكآبة ، والشعور بالخوف والتعاسة ، وإشاعة الارتباك والإجهاد في الحياة اليومية للأسرة ومن بينها أيضا اضطراب العلاقات داخل النسق أو الكيان الأسرى لا سيما في تلك الأسرة المستهدفة أصلا للشقاق والصراع ، وحيث يكون ميلاد طفل متخلف عقليا بمثابة القشة التي تقصم ظهر وحدتها وتماسكها وتعجل بتفككها .
لقد وجد وولف وتروب (Wolf & Trop,1989) في دراسة على عينة من آباء وأمهات لأطفال معاقين ضغوطا نفسية أعلى مقارنة بآباء وأمهات لأطفال عاديين ، كما أشارت نتائج الدراسة إلى أن أمهات المعاقين أظهرن أعراض كآبة أكثر من أمهات الأطفال العاديين .
ويشير سميث (Smith,1993) إلى التأثيرات الضاغطة التي تنجم عن وجود الطفل المتخلف عقلياً داخل الأسرة بقوله أنها لا تيسر صورة الوالدية في أسرة الطفل المتخلف بشكل هادئ أو عادي ، بل تتصف بالتوتر والقلق ، وعادة ما يتطلب وجود مثل هذا الصبر والتفهم ، إلا أن الموقف الأسرى قد يزداد سوءاً بعدم شعور الأبوين بالمكافأت الوالدية ، فالطفل المعاق بما يتضمنه من نمو بطئ والترتيبات الخاصة لرعايته الجسمية والنفسية وعمليات التدريب اللازمة لنموه وخيبة أمل الأبوين، كل هذه المشاعر تتحد لتخلق ضغوطاً تؤدي بدورةا إلى اضطراب الاتزان الأسرى.
ويسود الاعتقاد أن عائلات الأطفال ذوو الإعاقات تعاني من درجة عالية من الضغوط وانخفاض مستوى دور العائلة، وكذلك انخفاض في مستوى الرضا عن الحياة الزوجية ويلاحظ بأن الكثير من الدراسات تشير بأن الضغوط لدى آباء الأطفال المعاقين تكون أعلى بنسبة ملحوظة من آباء الأطفال غير المعاقين (Dyson, 1991, P.6).
ويشير رياض ملكوش وخولـه يحيي (1995) إلى أنه قد بدأ حديثا الاهتمام بآباء وأمهات المعاقين من قبل المتخصصين في الإرشاد والتأهيل الاجتماعي أدركوا الضغوط والصراعات الموجودة لديهم ، وبالرغم من أنّ المشاكل الأساسية التي تواجه أسر الأفراد المتخلفين عقلياً هي نفس مشاكل الأسر العادية إلا أن وجود طفل معاق في الأسرة يخلق مشاكل إضافية وعلاقات أسرية أكثر تعقيداً وبالتالي فإن آباء وأمهات الأطفال المتخلفين عقلياً قد يواجهون درجة مرتفعة من الضغوط تأتي من وجود الطفل المتخلف في الأسرة .
من بين أهم الضغوط التي تعيش تحت وطأتها أسر الأطفال المتخلفين عقلياً ما يلي :
1- قلة المعلومات بشأن طبيعة المشكلة وأسبابها وكيفية التعامل معها والتفكير المستمر من مآلها والبحث عن حلول لها .
2- عدم المعرفة بمصادر الخدمات المتاحة ، وبرامج الرعاية العلاجية والتعليمية والتدريبية والتأهيلية المتوافرة .
3- التوتر والقلق والانشغال إلى حد الخوف على مستقبل الطفل .
4- المشكلات السلوكية والصحية لدى الطفل المتخلف عقلياً مما يستلزم اليقظة والانتباه المستمرين من الوالدين والأخوة .
5- ضغوط مادية تتمثل في زيادة الأعباء المالية نتيجة ما تستلزمه رعاية الطفل من كلفه اقتصادية ، وما قد يترتب على ذلك من استنزاف معظم موارد والأسرة .
6- شكوك الوالدين من جدوى تعليم الطفل وتدريبه لاسيما في حالات التخلف العقلي الشديد والحاد .
7- الشعور المرير بالحرج والحساسية وعدم الارتياح من المواقف والمناسبات الاجتماعية نتيجة التباعد الملحوظ بين مستوى أداء الطفل المتخلف وأداء أقرانه العاديين إضافة إلى الانطباعات السلبية عن حالته لدى الأصدقاء والمعارفمما يدفع بالوالدين إلى تجنيب الطفل هذه المواقف والمناسبات ، فيزداد شعوره بالوحدة والعزلة والإحباط .
8- صرف معظم وقت الوالدين في رعاية الطفل وشعورهما بالإرهاق لما تتطلبه حالته من اهتمام مستمر .
9- قصر الوقت المتاح لرعاية بقية الأبناء وقلة فرص الشعور بمتعة الحياة الأسرية وممارسة النشاطات الترويحية وإتباع الاهتمامات والميول الشخصية سواء لدى الوالدين أو الأبناء .
وتشكل هذه الضغوط عبئاً ثقيلاً على كاهل الوالدين والأسرة ، كما تلقى بظلال كثيفة على المناخ الأسري(عبد المطلب القريطي ،1999) .
كما يذكر علي حبيب (2001) بأن وجود طفل متخلف عقلياً قد يؤدي إلى زيادة حدة ضغوط الوالدية التي تتبلور نتيجة للتفاعل بين خصائص الوالدين مثل الاكتئاب والالتصاق العاطفي بالطفل والإحساس بالكفاءة كوالد ، وبين الخصائص المرتبطة بالطفل مثل قابليته للتكيف ومدى تشتت انتباهه ونشاطه الزائد ، إذ تؤثر خصائص كل من الوالدين والطفل على شدة الضغوط التي تنجم عن رعاية الوالدين لطفل متخلف عقلياً .
وسوف نتكلم في الحلقة القادة عن أهمية دور الوالدين في ظل هذه الضغوط