كثيرون منا يتعرضون لاختلال علاقاتهم بالاقارب أو الزملاء أو الجيران أو الناس العاديين فى الشارع نتيجة العصبية والقلق المتواصل والضغوط والمشكلات المتزايده .. ولكن السبب الأهم فى الحقيقة هوالافتقار إلى مهارات التواصل وعدم الانسجام مع الآخرين ، وسوء تفسير وتضخيم صغائر الأمور ، واستقبالها على انها تمثل تهديداً ، أو تشكل إهانه لايجب غفرانها .. انه نوع من سوء التوافق وعدم القدرة على التعامل مع مجريات الحياة بحكمة وكياسة
ولامفر من تخفيض هذا الكم الهائل من الصراعات والإحتكاكات لكى يتخلص الإنسان من غضبه وتوتره ويحقق السعادة والنجاح بمهارات نفسية واجتماعية بسيطة ..
فلقد وجدت من خلال فحص ودراسة عشرات الاشخاص سواء منهم الاصحاء أو أولئك الذين يعانون من اضطراب نفسى ما .. انهم يتفقون جميعاً فى الافتقار الى المبادرة فى البدء بالتحية واظهار مشاعر التقدير والحب للآخرين ؟! وكم كان مدهشاً ان تتغير احوال هؤلاء المتذمرين المتجهمين عند إتباع برنامج يومى غاية فى البساطة ، يتلخص فى البدء بالقاء التحية مع ابتسامة رقيقة وإظهار مشاعر الحب أو التقدير ؟!
ويتطلب ذلك بالطبع التسامح .. والتسامح .. والتسامح ، وأكررها لك لأنه سلاحك الذى ستجعل به الآخر يستجيب لك .. ويسلم دون قيد أو شروط .. عندها ستشعر بالسعادة وستفتح لك أبواب النجاح أينما ذهبت . !!
ولكن السؤال هل تستطيع ممارسة ذلك يومياً لمدة شهر على الأقل هذا هو التحدى الذى سوف يواجهك ؟!.
ولتسهيل هذه المهمة ، عليك أن تقتدى بمنهج الرسول – ص – فى تعديل السلوك والضبط الذاتى .. فقد كان الرسول – ص – يبدأ من لقيه بالسلام.. وكان إذا لقى أحداً يعرفه بدأه بالمصافحة.. وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التى تحته.. وكان يعطى كل من جلس إليه نصيباً من وجهة.. أى من النظر اليه والاهتمام به.. وكان فى كل سلوكه يتسم بالحياء والتواضع..كما كان أكثر الناس تبسماً وضحكا فى وجه أصحابه . لقد كان محبوبا يلتف الناس حوله ويتعلقون به..
"فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"(آل عمران159)"فاعفواواصفحواً"(البقرة109) "وقولوا للناس حسناً" (البقرة 83) فعليك أن تسجل هذه الآيات الكريمة والحديث الشريف "تبسمك فى وجه أخيك صدقه" فى مفكرتك الخاصة وأن ترددها .. وأن تقلد وتحاكى فى تدريبات يومية سمات وسلوكيات الرسول الكريم .
وفى نهـاية كل يوم اجلـس فى مكان هادئ ، وخال من الإزعاج .. فى استـرخاء كامل علـى مقعـد مريح – فى خلوة علاجية – وكرر الآيات والحديث مرة أخرى ثم سجل فى مفكرتك اليومية عدد المواقف التى استطعت أن تمارس خلالها هذه النماذج السلوكية الصحية دون أن يرتبط ذلك برد فعل الشخص الآخر .. فأنت تفعل ذلك اقتداء بالرسول الكريم .. والعائد ليس الصدقات فقط .. وانما أيضاً السعادة والنجاح ، وحياة هادئه بأقل قدر ممكن من الصراعات والهموم ..
احذر ان يتسلل إليك الشعور بالضعف أو العجز من تكرار التعرض للانفعالات ومواقف الغضب .. فلقد أمد الله الانسان بقوة نفسية وعقليه تفوق القوة البدنية والمادية بمراحل .. وهذه القوة النفسية تكمن فى قدرتك على التسامح ، ضبط النفس وكبح الغضب والترفع عن الصغائر والظهور بمظهر الهادئ الثابت المتزن . ولقد اعتمد منهج الرسول الكريم فى العديد من المواقف العملية على تقديم النموذج العلمى وتطبيق هذه السمات الاخلاقيه العظيمه مراراً وتكراراً حتى يتم استيعابها وتقليدها ومحاكاتها ثم التدريب عليها وممارستها فى مواقف الحياه اليوميه لتصبح عادات ثابته .. واذا اردت تعديل سلوكك واكتساب سمات القوة النفسية والتسامح التى تخترق بها الموانع والعقبات عليك بدراسة وتأمل هذه الأخلاق والسمات التى ذكرناها والتدريب عليها .. اكتبها فى مفكرتك الخاصة ، تأملها .. وكرر الآيه الكريمة :"ادفع بالتى هى أحسن فاذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم" (فصلت 34) فى مواقف الغضب وامنح نفسك درجة من عشرة على نجاحك فى تنفيذها . وفى نهاية اليوم امنح نفسك نصف ساعة فى مكان هادئ منعزل لعمل خلوة علاجية .. حيث تسترخى وتتنفس بعمق ، وتأمر ذهنك بطرد كل الصغائر والافكار السلبية المثيرة للغضب وان تردد بتركيز الآية الكريمة التى ذكرناها ، ثم تسجل فى مفكرتك الخاصة مدى نجاحك فى تطبيق سلوكيات القوة النفسية والضبط الذاتى يومياً ..وان تحدد التاريخ وتصف المواقف بايجاز ، وتحدد لنفسك درجة من عشرة وان تستمر على هذا البرنامج لمدة شهر على الأقل .
" منهج الرسول فى تعديل السلوك فى حالات الغضب "
يتصدر الغضب وسرعة الانفعال قائمة العوامل المسببه للاضطرابات النفسية والتشوش الذهنى وإهدار طاقات الناس النفسية والبدنية ، وهو ايضاً من اهم اسباب اختلال التوافق واللياقة النفسية والاجتماعية وهناك حقيقة لاتقبل الجدل تقول : لاينال العلا من كان طبعه الغضب ، فالغضب لايفرز الا الضغينة والحقد ، وهو نار تحترق العقل .. وتسحق البدن .. وتصيبه بأمراض لاحصر لها . ويتفق معظم علماء النفس على ان الغضب ضرورة لحماية النفس من عدوان العالم الخارجى ، ولكن عندما يصبح الفرد سهل الاستثارة يغضب لاتفه الاسباب وتزداد حدة انفعالاته لفترات طويلة فانه سوف يعانى من اعراض التوتر المستمر والقلق المزمن وضعف التركيز والاعياء الزهنى والبدنى وفقد الرغبة فى الاستمتاع بالحياة ، مع بعض الاعراض الاكتئابيه .
والغضب مثل البخار المضغوط فى إناء محكم إذا لم يجد منفذاً لخروجه فانه يصيب الفرد بمرض او اكثر من تلك المجموعة المسماة بالامراض النفسجمسمية مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والقولون العصبى والصداع العصبى المزمن .. الخ ويعبر البعض عن ذلك بأن الغضب اذا لم يخرج فسوف يستقر فى أحشائك .
وللرسول (ص) منهج فعال لتعديل السلوك فى حالات الغضب يتضمن عدة طرق وأساليب ناجحة نذكر أحدها (وهو يتكون من شقين .. الأول يهدف الى طرد الأفكار الخاطئه المثيرة للانفعال اولاً بأول ، بتكرار وترديد بعض الآيات الكريمه "فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين" (المائدة 13) "ولمن صبر وغفر ان ذلك من عزم الامور" (الشورى 43) والحديث الشريف "الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب" وأن يحاكى ويقلد الثبات والقوة النفسية والحلم فى نماذج الانماط السلوكية للرسول الكريم (ص) ومنها انه كان يوما يمشى ومعه أنس فأدركه أعرابي فجذبه جذباً شديداً وكان عليه برد غليظ الحاشية ، قال "انس" رضى الله عنه : "حتى نظرت الى عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت فيه حاشية البرد من شدة جذبه " فقال : "يامحمد هب لي من مال الله الذي عندك " فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك ثم امر باعطائه ومنع الصحابه من التعرض له ، ولما اكترث قريش إيذائه قال : "اللهم اغفر لقومي فانهم لايعلمون" وعفا عنهم جميعاً .. تلك هى اعظم درجات القوة النفسية ودلالة اكتمال العقل وانكسار قوة الغضب وخضوعها التام للعقل والحكمة . واذا أردت التدريب على هذا المنهج عليك فى نهاية كل يوم أن تجلس فى خلوة علاجية مسترخياً على مقعد مريح وأن تأمر ذهنك بطرد كل الأفكار السلبية والهموم وأن تتأمل منهج الرسول الذى ذكرناه والمواقف العملية المثيرة للغضب التى تعرضت لها ومدى نجاحك فى تطبيق وتقليد هذا المنهج فى معالجتها .. وان تتابع ذلك وتسجله فى مفكرتك الخاصة يومياً لمدة شهر وسوف تشعر بالقوة النفسية وتزايد قدراتك فى السيطرة على الغضب .
منقول