والإدارة فن يكتسب بالمران والتجربة غير أن لاستعداد المعلم دورا في إجادته وإتقانه ، إذ نرى عددا من المعلمين ممن أمضوا سنوات طويلة في عملية التعليم لا يزالون غير قادرين على إدارة صفوفهم بشكل صحيح "
والعجز في إدارة الصف يبدو في عدم استطاعة المعلم إثارة الرغبة في نفوس طلابه إلى الدرس الذي يلقيه ، وفي غفلته عن مراقبتهم ، وفي عدم اهتمامه بالنظام ، وعدم التزامه جانب العدالة في معاملة الجميع
إدارة الصف بين العصا ، و دفتر المتابعة هل هي مجدية ؟
يبدو أن المعلم في اتباعه مختلف وسائل الترهيب في ضبط التلاميذ حين يدخل الصف وفي يمناه العصا ، وتحت إبطه الأيسر دفتر الدرجات يكون قد وضع اللبنة الأولى في ذهن الطالب و الانطباع الخطير الخفي لدى الطالب بأن غاية التعليم هي نقل المعرفة و ليس حب المعرفة ، و الفرق بينهما كبير ، فالمعلم الناجح هو الذي يجعل من مادته أساس للانطلاق و الاستمرارية و ليس غايتها أن يحفظ و يجيد الطالب له ما أراد ، و بعدها فليحب المادة أو يكرهها " .
ولكي يتمكن المعلم من إدارة صفه ، وضبط طلابه عليه أن يهتم بأمور يتوقف عليها نجاحه في هذا المسعى ، وإبداعه فيه ، ومن ذلك :
أولا / التخطيط للدرس :
التهيؤ للدرس والإعداد له إعدادا ذهنيا قبل الوقوف أمام الطلاب أمر في غاية الأهمية ووسيلة من وسائل ضبط الصف ، لأن الفشل والإخفاق سيلازمان ـ لا محالة ـ المعلم الذي يدخل الصف قبل أن يتهيأ للموضوع الذي يروم تدريسه ،
ونقصد بالفشل والإخفاق : تعثر أداء المعلم تعثرا يستلفت نظر الأذكياء من الطلاب إلى نواحي قصوره وضعفه ، كأن يغيب عن ذهنه بعض نقاط الموضوع ، أو أن يفتقد عنصر الإبداع ، أو عدم ربطه الأفكار ببعضها أو الإسهاب في عنصر على حساب آخر ليفاجأ ـ أخيرا ـ بانتهاء زمن الحصة .
(( حينما كنا طلاباً كان الكثير منا يتمنى أن يسمع جرس نهاية الحصة لدى المعلم الفلاني ، و لا نشعر بزمن الحصة مع المعلم الفلاني ، لماذا ؟ ))
ثانيا / توفير الجو المناسب للدرس :
جو الدرس يكاد يكون مقياسا لنجاح المعلم في إدارة صفه ، يظهر ذلك واضحا في إقبال الطلاب على الدرس ومتابعتهم للمعلم ، أو في انصرافهم وعصيانهم ، وفي ما يعلو وجوههم من طلاقة وبشر ، أو ما يغشاها من سأم وضجر . فحين يكون المعلم خفيف الظل حاضر الذهن نجد طلابه مندمجين بالدرس لا يشعرون بالوقت ، وإن يكن غير ذلك نجدهم خاملين منصرفين .
وما على المعلم إذا أراد تهيئة جو مناسب لطلابه إلا أن يراعي نقاطا أهمها :
1 ـ الحالة العامة للفصل :
من الضروري أن يلاحظ المعلم تهوية الفصل وإضاءته ونظافته ونظام المقاعد فيه مع بداية كل درس ، فكلما جادت حالة الفصل راق جوه وشجع على العمل ومن المستحسن أن يقوم المعلم نفسه ببعض هذه الأعمال ، كأن ينحني لرفع ورقة ملقاة لافتا نظر طلابه إلى ضرورة المحافظة على النظافة ، ضاربا لهم من نفسه أحسن الأمثال .
2 ـ النظـام :
على المعلم أن يعود طلابه دخول الفصل والخروج منه بانتظام ، وطلب الإذن قبل الكلام ، وعدم السماح بالحديث لأكثر من شخص في وقت واحد ، وجمع الدفاتر وتوزيعها بهدوء …إلخ " ولا يعني اهتمامنا بهذه المهارة أن نطالب بأن يصمت جميع الطلاب مركزين أعينهم على وجه المعلم ، لكننا نقصد أن يهيأ المعلم الجو المناسب للموقف التدريسي ، فيوفر الهدوء والانتباه عندما يتكلم ، ويوفرهما ـ أيضا ـ عندما يتكلم أحد الطلاب بإذن منه ، بينما يستمع الآخرون " .
ا لمعلم التربوي هو المعلم الذي يترقب الطلاب دخوله ، و مدرس المادة هو الذي يتمنى الطلاب خروجه .
3 ـ البشـاشـة :
من المسلم به أن طلاقة المحيا لها أثر لا ينكر في استهواء النفوس واجتذاب العقول والقلوب ، فوجه الإنسان يترجم مشاعره وأفكاره " فعلى المعلم أن يعير البشاشة كل أهمية واعتبار ، فيدخل الصف منشرح الصدر بادي النشاط ، يكلم طلابه بلطف ويحاورهم بأدب ، معمما الهدوء والطمأنينة ، ومبعدا كل ما من شأنه إثارة الخوف والاضطراب ، كي يقبلوا على الدرس بشوق ويتمكنوا من تلقي ما يدور في الصف " .
4 ـ التشـويق :
عامل التشويق يضفي على الصف البهاء والفعالية ، فيزيد تعلق الطلاب بالدرس ، ويزيد رغبة المعلم في التدريس ، إضافة إلى أن درجة التعلم تتوقف على قوة هذا العامل .
ولإثارة عامل التشويق في نفوس الطلاب طرائق شتى ، منها :
استخدام وسائل الإيضاح ،
وتقسيم الطلاب إلى مجموعات متنافسة ،
وإرسال الطرفة المستملحة والنكتة المهذبة في حينها ،
وإلقاء الطلاب للموضوع إلقاء يجسد المعنى ،
وتمثيل بعض الفقرات كأن يكون أحد الطلاب دائنا والآخر مدينا ، أو يكون أحدهم فعلا والثاني اسما والثالث حرفا ..
ثالثا / ضبط الطلاب :
قدرة المعلم على إدارة الصف تبرز من خلال سيطرته على الطلاب ، حيث تبين مدى تأثير شخصيته في الهيمنة على الدرس " وقد دل الاختبار على أن قسما كبيرا من المعلمين يخفق في حياته التعليمية من جراء عجزه عن إدارة صفه وحفظ النظام فيه، وأثبت البحث العلمي أن هذه المقدرة أهم عامل في نجاح المعلم " .
ومما يعين المعلم على السيطرة على الصف ما يلي :
1 ـ وقوف المعلم :
يشرح المعلم درسه واقفا ، ولا يحسن أن يجلس أو يتجول بين الطلاب إلا نادرا ، لأنه إن جلس ساد الهرج والمرج وأفلت من يده الزمام ، وإن تجول حالت حركته دون تركيز الطلاب ، وفسح المجال أمام بعضهم للعبث والمخالفة .
وقد يقول قائل : هل يقف المعلم ـ إذن ـ كالتمثال ؟ وأين يقف ؟ فنقول : أما كالتمثال فلا.. إذ يستطيع المعلم أن يقف وقفة معتدلة بكل حرية ، وله أن ينتقل من مكانه كلما دعت لذلك حاجة ، والأفضل أن يكون وقوفه في إحدى الزاويتين الأماميتين ، لأنه إن وقف في مكان غيرهما تعذر عليه رؤية الجميع .
2 ـ صوت المعلم :
" يجب أن يكون صوت المعلم معتدلا ، لا هو بالعالي الصارخ ، ولا الخافت غير المسموع ، كما يجب أن يكون سهلا لا لكنة فيه ولا تعقيد ، خاليا من كل عيب في النطق والإبانة والتعبير " . وعليه ألا يرسل صوته على وتيرة واحدة طوال الدرس ، بل يجعله مناسبا لمقتضى الحال ، يعلو تارة وينخفض أخرى ، ويشتد حينا ويلين حينا ، كي يثير انتباه السامعين ، ويدفع عنهم الملل والخمول .
3 ـ الثواب والعقاب :
المعلم الناجح هو الذي يجعل لثوابه أو لعقابه قيمة ، ولا قيمة لأي منهما إن لم يهذب سلوك الطالب .
أما توجيه المثوبة أو العقوبة جزافا فلن يقدم شيئا بل سيؤخر .
كما أن توجيه العقاب يجب أن يكون المرحلة الأخيرة التي يضطر إليها المعلم بعد أن يكون قد أعياه النصح والتوجيه ، وباءت محاولات الثواب بالفشل ، شريطة ألا تكون العقوبة بدنية ، وألا تمس كرامة الطالب ،
ونقترح هنا استبدال كلمة (عقاب) بكلمة (إصلاح) غ
ومن طرائق الإصلاح :
النصح المستمر/ التحذير / التأنيب / الحرمان من الامتيازات / التوبيخ على انفراد / الإحالة لإدارة المدرسة / استدعاء ولي الأمر …إلخ . "
ويجب أن يتذكر المعلم أن التلاميذ مختلفون في أمزجتهم وطباعهم ، فهذا تكفيه الإشارة البسيطة ، وغيره الإرشاد أو التقريع ، مما يدعونا لمعرفة طباعهم لنختار الطريقة المناسبة لكل منهم".
وهناك ملحوظة نود أن نشير إليها وهي أن بعضا من المعلمين يتخذ خصم الدرجات وسيلة من وسائل السيطرة على الصف ، وهي طريقة غير مجدية ولا عادلة ، نظرا للنتائج السيئة التي تنجم من اتباعها ، وأبرزها رغبة الطلاب عن الدرس وإضمارهم الكره للمعلم .