تبدو أهمية الكشف والتعرف على الأطفال المتفوقين والموهوبين في النقاط الخمس التالية:
الأولى: أن جميع نظريات الذكاء تؤكد على أهمية مرحلة التنشئة المبكرة للأطفال بصفة عامة، وللمتفوقين منهم بصفة خاصة؛ حيث يؤدى الاهتمام المبكر بالطفل إلى تنمية القدرات ، كما يؤدى إلى احتمالية أكبر لظهور القدرات الابتكارية.
الثانية: إمكانية وسهولة التعرف على القدرات والسلوكيات التي تعكس التفوق، تزداد في حالة وجوده بشكل لافت، حيث تكشف الموهبة عن نفسها في مرحلة الطفولة المبكرة.
الثالثة: ان نتائج العديد من البحوث والدراسات انتهت إلى وجود علاقة ارتباطيه دالة وايجابية بين الدافعية المرتفعة في مرحلة الطفولة المبكرة، وتطور القدرات العالية في مرحلة المراهقة.
الرابعة: أن الباحثين يؤكدون على ضرورة الكشف والتعرف على المتفوقين والموهوبين مبكرا ، حيث كشفت تجاربهم وبحوثهم عن وجود قدرات غير عادية عند الأطفال تبدأ في الظهور في السنوات الأولى من العمر ، وأن الأطفال يكونوا قادرين على حل أعقد الألغاز، وتذكر أدق التفاصيل لأحداث مروا بها.
الخامسة: أن التربويين يذكرون أن عملية الكشف والتعرف يتعين أن تتم في مرحلة مبكرة؛ فإذا لم تتم بسهولة في مرحلة رياض الأطفال؛ فيجب أن تكون قد ظهرت بوضوح في الصف الثالث الابتدائي.
ويؤكد كل من " عبد السلام عبد الغفار"و " يوسف الشيخ" (1985: 94) ما سبق بقولهما أن التعرف المبكر على الأطفال المتفوقين والموهوبين ، يعتبر خطوة مهمة نحو تنمية طاقاتهم والاستفادة من إمكانياتهم ، و أننا إذا لم نتعرف عليهم أو نكتشفهم في وقت مناسب، فإنه يصبح من العسير علينا مواجهة احتياجاتهم، وقد يتعرضون لخبرات تسيء إلى الاستغلال الطبيعي لمواهبهم ؛ فقد نضيع وقتهم داخل حجرة الدراسة من غير جدوى، أو نجعلهم ينتظرون إلى أن يلحق بهم زملاؤهم ، وقد نطلب منهم القيام بواجبات وتدريبات روتينية غير ضرورية، أو نكبت حبهم للاستطلاع والسؤال عن كثير من الأمور المفيدة لهم.
ويذكر " عبد المطلب القريطي" ( 1989: 52-53) أن الكشف عن الموهوبين والمتفوقين ، وتحديد مدخلاتهم السلوكية يعد الأساس المبدئي لتحديد متطلباتهم واحتياجاتهم التعليمية والنفسية ، ومن ثم وضع البرامج التربوية المناسبة لهم، والمشبعة لمتطلبات نموهم واحتياجاتهم الخاصة، كما أن له أهميته الفائقة في تصنيفهم لأغراض التسكين والدراسة وبحث مشكلاتهم. وأنه يستلزم لإنجاز هذا النوع من الخدمات الخاصة بالفرز والتقييم بالصورة المرجوة؛ ضرورة توفير مجموعة متكاملة من الطرق والأدوات العلمية اللازمة لتحديد مظاهر الموهبة والتفوق لدى النشء والشباب، بالإضافة إلى الاستمرار في متابعتهم وتقييمهم طوال مراحل دراستهم للوقوف بين وقت وآخر على مدى فاعلية ما يقدم لهم من برامج، وما يتعرضون له من خبرات ومدى كفايتها وكفاءتها بالنسبة لنموهم واحتياجاتهم التربوية الخاصة.
مراحل الكشف والتعرف على المتفوقين والموهوبين:
اختلف الباحثون والمتخصصون في مجال التفوق والموهبة في عدد المراحل التي يتعين أن يمر بها الطفل المتفوق أو الموهوب حتى يتم الكشف عنه والتعرف عليه تمهيدا لإلحاقه بالبرنامج التربوي الخاص الذي يلبي احتياجاته. ومن وجهة نظرنا-أن هذا الاختلاف لن يؤثر على طبيعة عملية التعرف في حد ذاتها ، لأن الهدف النهائي منها هو الوصول إلى طفل لديه القابلية لأن يكون متفوقا أو موهوبا ، وهو طفل يظهر سلوكا في المجالات العقلية المعرفية يفوق فيها كثير من أقرانه؛ مما يستدعي تدخلا تربويا لإثراء و تنمية هذه القدرات والوصول بالطفل في نهاية المطاف إلى تحقيق أقصي حد ممكن تسمح به طاقاته وقدراته.
وفيما يلي عرض لمراحل التعرف على الأطفال المتفوقين والموهوبين.
يذكر" فتحي جروان" (2002: 101- 135) أن مراحل الكشف والتعرف على الأطفال المتفوقين عقلياً والموهوبين تستغرق نحو ثلاث مراحل متتابعة هي:
المرحلة الأولى: مرحلة الاستقصاء أو مرحلة الترشيح والتصفية
Nominating and Screening Phase
حيث تبدأ عملية الكشف عن الأطفال المتفوقين والموهوبين بالإعلان عن بدء مرحلة الترشيح. وتهدف هذه المرحلة إلى تجميع عدد المرشحين في وعاء يطلق عليه " وعاء الموهبة " talent pool وهم الأطفال الذين تم ترشيحهم من قبل أولياء الأمور والمعلمين على أمل أن يجتازوا المحكات المقررة للاختيار والالتحاق ببرنامج خاص على مستوى المدرسة أو المنطقة التعليمية أو الدولة.
ولاشك في أن عملية الترشيح عادة ما تستند إلى أسس أو شروط تختلف من برنامج إلى آخر، ويتم تحديدها من قبل إدارة البرنامج لتيسير مهمة المعلمين وأولياء الأمور في اتخاذ قرارات ترشيح مستنيرة . ويرى بعض المهتمين بالمجال والباحثين فيه أنه لا يجوز ترك عملية الترشيح دون تقنين للمعلمين لأنهم -كما تشير الدراسات التي تناولت طرق اختيار المعلمين للمتفوقين والموهوبين -يميلون إلى ترشيح الأطفال الذين يتمتعون بصفات تروق لهم كالطاعة ؛ والتعاون، والنظافة، والترتيب، والتمتع بالحالة الصحية الجيدة، وغير ذلك من صفات تعكس توافقهم مع روتين الفصل المدرسي، وتعليمات المدرسة. وأما الأطفال الذين يوصفون عادة بأنهم يثيرون المتاعب أو المشكلات، trouble-makers فلا يميل المعلمون إلى ترشيحهم ، على الرغم من وجود احتمالات قوية أن يكون هؤلاء الأطفال من المتفوقين والموهوبين. ومع أن المعلمين هم الأقرب لأطفالهم وتلاميذهم وهم الأكثر معرفة بجوانب قوتهم ونواحي ضعفهم بحكم تواصلهم الدائم بهم، إلا أن النسب المئوية لدقتهم وفاعليتهم في ترشيح الأطفال المتفوقين لم تتجاوز الـــ 50% أي أنهم يتسببون في عدم ترشيح نصف عدد الطلاب المؤهلين للالتحاق ببرامج المتفوقين والموهوبين.
المرحلة الثانية: مرحلة تطبيق الاختبارات والمقاييس
تهدف هذه المرحلة إلى جمع المزيد من المعلومات الإضافية والبيانات الموضوعية عن طريق نتائج الاختبارات المتاحة للقائمين على برنامج تعليم المتفوقين والموهوبين من أجل مساعدتهم في اتخاذ قرارات سليمة يمكن تبريرها . ومن الناحية العملية فإن هذه المرحلة هدفها تقليص عدد الأطفال الذين تم ترشيحهم في المرحلة الأو لى بنسبة معينة ، هذه النسبة تختلف بطبيعة الحال من برنامج إلى آخر ، وذلك في ضوء أعداد الأطفال المرشحين، والعدد الأقصى الذي يمكن قبوله منهم.
المرحلة الثالثة: مرحلة الاختيار
بعد اجتياز الأطفال المتفوقين لمرحلة الترشيح والتصفية كمرحلة أولى من مراحل الكشف والتعرف وبعد اجتيازهم مرحلة تطبيق الاختبارات والمقاييس كمرحلة ثانية من مراحل الكشف والتعرف، أصبح لهؤلاء الأطفال بيانات تم تجميعها وسوف تتم معالجتها – بطبيعة الحال – بطريقة علمية ملائمة على أن تستخرج- لكل واحد منهم- درجة كلية. وفي ضوء هذه الدرجات المتجمعة يتم إدراج أسمائهم في قائمة مرتبة في ضوء درجاتهم الكلية الإجمالية. ويتولى القائمون على برنامج تعليم المتفوقين اختيار العدد المطلوب من القائمة في ضوء ترتيب الدرجات . وقد تشكل لجنة خاصة للقيام بهذه الخطوة يكون من بين مهامها إجراء مقابلات شخصية للأطفال تمهيدا لاتخاذ قرارات نهائية لعملية الاختيار. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه النوعية من المقابلات-أعني المقابلات الشخصية وبالرغم من ضعف قدرتها على التنبؤ بنجاح الطفل في البرنامج، فإنها قد تعطى درجة تحسب لأغراض ترجيح كفة الطفل في أمر قبوله في البرنامج من عدمه.
في حين يذكر عبد المطلب القريطي (2005: 175- 176) أن عملية الكشف والتعرف على المتفوقين والموهوبين تتم في خمس مراحل مختلفة هي:
–الأولى : مرحلة المسح والفرز المبدئي Screening
وهي مرحلة الاختيار الأولي للأطفال الذين يتوقع أن يكونوا موهوبين أو متفوقين ؛ حيث يتم جمع هؤلاء المرشحين بناء على واحدة أو أكثر من ملاحظات الوالدين، أو الأقران ، أو تقارير المعلمين ، أو الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين والرياضيين ؛ أو بناء على درجاتهم على مقاييس الذكاء الجماعية أو التحصيل المدرسي.
–الثانية: مرحلة التقييم أو التقدير: assessment
وهي مرحلة التصفية والتقييم الدقيق لمن يتم ترشيحهم مبدئيا . ونظرا لافتقار عمليات المسح والفرز المبدئي إلى الأسس العلمية في الانتقاء، والاعتماد فيها بدرجة كبيرة على الملاحظات والخبرات والاجتهادات الشخصية ، فإنه يطبق خلال هذه المرحلة الثانية مقاييس فردية مقننة للذكاء ، أو المقدرات الإبداعية 0 الطلاقة والأصالة والمرونة) أو الاستعدادات الأكاديمية للتحصيل الدراسي العامـ ، أو في مادة بعينها ؛ كالرياضيات أو العلوم أو اللغات، وقد تطبق اختبارات أخرى للكشف عن الميول الفنية أو الاجتماعية أو الرياضية وغيرها لتحديد مدى انجذاب الطفل إلى نشاط معين أو تفضيله على ما عداه من الأنشطة. بالإضافة إلى تطبيق بعض مقاييس الشخصية للكشف عن مدى تمتع الفرد بالسمات المزاجية الدافعية اللازمة للموهبة والتفوق. وذلك بما يعطى صورة شاملة عن الشخصية بكافة الأبعاد والعوامل التي تسهم في التفوق في مجال معين أو أكثر.
–الثالثة: تقييم الاحتياجات: Needs Assessment
ويتم في هذه المرحلة تحديد الاحتياجات التربوية والتعليمية للطفل في إطار مجال التفوق والتاريخ التعليمي ، وكذلك احتياجاته النفسية والإرشادية في ضوء نتائج ما تم تطبيقه في المرحلة السابقة من مقاييس خاصة بسمات الشخصية وتقدير الذات ومستوى الطموح * والدافعية للإنجاز ، إضافة إلى احتياجاته الاجتماعية وأو جه التدعيم والتعزيز الممكنة في ضوء ما تم التوصل إليه من بيانات بشأن الخلفية الأسرية والاجتماعية-الاقتصادية والثقافية.
–الرابعة: اختيار البرنامج المناسب والتسكين: Placement
ويتم في هذه المرحلة توجيه الطفل إلى المكان المناسب لرعايته، أو إحالته إلى البرنامج التربوي الملائم لاحتياجاته الخاصة، وتلقى الخدمات التعليمية والإرشادية المناسبة لاستعداداته وميوله ومجال موهبته أو تفوقه. فالطفل المتفوق من حيث الذكاء العام والتحصيل الأكاديمي يمكن إلحاقه ببرنامج مبني على التسريع وتخطى الصفوف المعتادة في السلم التعليمي. والطفل الذي يظهر استعدادا خاصا متميزا يمكن إلحاقه ببرنامج إثرائي في الرياضيات أو العلوم أو اللغات أو الحاسب الآلي في نهاية اليوم الدراسي وبحسب نوعية استعداده، والطفل الموهوب في الموسيقى يمكن توجيهه إلى أحد المعاهد المتخصصة أو برنامج غرفة المصادر لبعض الوقت.
–الخامسة: التقويم Evaluation
ويتم في هذه المرحلة تقييم مدى تقدم الطالب في دراسته للبرنامج الملتحق به، إما من خلال ملاحظة مقدرته على الفهم والاستيعاب ، ومدى مشاركته في أنشطته، أو من خلال تطبيق بعض الاختبارات التحصيلية المقننة ، أو ملاحظة مدى نجاحه في مهام أدائية مرتبطة بالبرنامج. فإذا ما أخفق في تحقيق معدلات النجاح المطلوبة دون معوقات أخرى؛ يجب إحالته إلى برنامج آخر . وجدير بالذكر أن عملية التقييم يجب أن تتم بصورة مستمرة أثناء تنفيذ البرنامج، ولا تقتصر فقط على نهاية البرنامج
الأستاذ الدكتور عبد الرحمن سيد سليمان
شكرا لك على هذه المشاركة الطيبة
اشكر لك مروك الطيب ايتها الزميلة الفاضلة
والشكر موصول لك لمرورك الطيب وردك
حلوة صح