شما المهيري.. أول عربية تحصد الذهب في الرماية
دخلت البطلة الإماراتية شما المهيري تاريخ البطولات المحلية والعربية والعالمية في الرماية، وحققت أرقاما قياسية ونالت الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية، ولكن هذا التميز في الرماية لم يأت صدفة، بل كان للقصة جذور قديمة، عندما أحبتها وتدربت عليها بشكل عشوائي.
حيث كانت ترافق والدها إلى البحر في رحلاته كصياد، وتجلس مع إخوانها وأقرانها على الشط ليمارسوا لعبة وحيدة أحبوها جميعا وتفوقت وحدها فيها، وهي الرمي بمسدس لعبة على علبة كارتونية أو زجاجة فارغة، ولأنها كانت تلعب دائما مع إخوانها الأولاد فلم يستهوها كثيرا اللعب بالعرائس مثلما أحبت لعبة النيشان بالمسدس والبندقية. ومنذ ذلك الوقت أحبت شما تلك الهواية، لكنها لم تكن تفكر أن تصبح يوما من أهم بطلات الرماية وأن تساعد في إحراز منتخب الإمارات للسيدات للميداليات الذهبية، ورغم قرار الاعتزال الذي اتخذته بعد نيلها ذهبية دورة ألعاب غرب آسيا عام 2022م، الا أنها عادت ثانية ولم تستطع الابتعاد، ولم تكتف شما بأن تتميز كأول بطلة عربية للرماية تحصد الجوائز الذهبية في البطولات العالمية.
بل سعت لإكمال دراستها الثانوية والتي انقطعت عنها بسبب زواجها في سن مبكرة، واجتهدت حتى نالت دبلوم ثنائي في إدارة الأعمال والتكنولوجيا، وحاليا تعد نفسها لنيل شهادة البكالوريوس .
ومن ثم رسالة الماجيستير في نفس التخصص وتحلم أيضا بالحصول علي درجة الدكتوراه، ورغم اعتزازها وافتخارها بنفسها كبطلة للرماية الا أنها ترفض أن تدخل ابنتها الوحيدة لهذا المجال لكثرة الصعوبات التي يمكن أن تواجهها فيه، والملازم شما المهيري هي أيضا رئيس قسم التدريب وتأهيل الشرطة النسائية ويقع على عاتقها مهام ومسؤوليات تجعلها بطلة من نوع أخر في مجال العمل.
شخصية قيادية
تقول شما المهيري كنت الابنة البكر لأبي الذي طال انتظاره لرؤية أول طفل له، وحقق الله سبحانه وتعالى أمنيته بإنجاب الأطفال عندما أتيت إلى الدنيا، لذلك أحبني والدي ونلت منه الحب والرعاية والاهتمام، حتى أنه كان يصطحبني معه في كل مكان يذهب إليه، إلا مجالس الرجال بالطبع، الذي كان يأخذ إخواني الذكور الذين أتوا من بعدي إليها حتى يتعلموا منها الآداب والسلوكيات المفروضة في المجتمع.
ومنذ طفولتي شعرت أنني ذات شخصية مختلفة، وأصلح للقيادة، وعرفت ذلك منذ أن كنت في المدرسة الابتدائية، فقد كنت جادة وفي نفس الوقت عاطفية لا أستطيع أن أرى ظلما يقع على أحد أمامي وأتركه دون الدفاع عنة ليأخذ حقه، وربما هذا جعلني أتجه فيما بعد للانتساب للعسكرية التي تتناسب مع شخصيتي.
وبعد انقطاعي عن الدراسة وإنجاب ابنتي شعرت بأنني أصبحت عنصرا خاملا خاصة وأنا أتابع اهتمام الدولة في أوائل التسعينات بالنهوض بالمرأة الإماراتية وفتح أبواب التعليم والعمل على مصراعيه، وشاهدت جميع بنات العائلة يدرسن بجد ويلتحقون بالجامعة ويتخرجون ويعملون، فقررت أن أنهض بنفسي وأواكب حركة اهتمام الدولة بالمرأة.
وأتذكر وقتها زارنا في البيت أحد أقاربنا وحفزني على الالتحاق للعمل في الشرطة، فقررت على الفور أن أخرج من قوقعتي وذهبت فعلا لتقديم أوراقي، وبالفعل التحقت بالدورة العسكرية الخامسة.
وكان من المفروض أن نتخرج منها بعد أربعة أشهر الا أنها امتدت الى 10 شهور بسبب غزو العراق للكويت، وهذا جعلنا نأخذ برنامجا مكثفا زاد من تحصيلنا للعلوم العسكرية، وتخرجت من تلك الدورة وقد نلت المركز الأول في الرماية والمشاة، ثم تم توزيعنا على مختلف الإدارات.
وذهبت للعمل في البصمة الوراثية التي أمضيت فيها 5 سنوات، الا أنه كان عملا روتينيا، حتى صدرت تعليمات من سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي بتكوين فريق للرماية من فتيات الإمارات لتمثيل الدولة في مختلف المحافل المحلية، العربية، والعالمية وتحديدا عام 1995م.
أول ذهبية
تجمعنا حوالي 25 فتاة وامرأة مع المدربة الروسية الجنسية ليودميلا دوفكال، التي عرفتنا على كافة الأمور المتعلقة بهذا المجال، وكان من شروط الالتحاق موافقة ولي الأمر، وعندما استشرت والدي وافق على الفور وشجعني على المواصلة، وبعد عدة محاضرات وتدريبات عملية انسحب العديد من الملتحقات، وأصبحنا 9 متدربات، وبعد اختبار المستويات وصلنا الى 5 سيدات فقط، واستمرت مدة تدريبنا حتى عام ونصف واشتركنا في أول بطولة محلية لنا في رأس الخيمة وفزت فيها بالمركز الأول في المسدس الهوائي.
وعن مشاعرها قبل المشاركة في البطولات تقول: أشعر بالخوف والرهبة قبل كل مشاركة، لكن إصراري على تحقيق نتائج جيدة وتشجيع أسرتي وتذكر الفرحة في عيونهم، كان كل هذا يتغلب على هذه المشاعر، ولا أستطيع أن أصف مشاعر الفخر التي تتملكني وأنا أمثل الإمارات والمرأة الإماراتية كلما حققت فوزاً يشرّف بلدي في هذه المشاركات، كذلك وقبل البدء أهاتف والدتي وأطلب منها الدعاء لي بالفوز، ثم أقرأ بعضا من آيات القرآن الكريم.
وتضيف المهيري: أكثر البطولات التي أعتز بها هي بطولة أبطال العالم رقم 47 التي استضافتها برشلونة، حيث كانت المشاركة الأولى للفريق عالمياَ، وحققت أول رقم عربي في مسدس ضغط الهواء 377 / 400 وهو الرقم الذي لم يحطمه إلا زميلة إماراتية منذ عامين تقريبا. كما أعتز ببطولة كأس العالم بميلانو حيث فزت بالمركز الأول وحطمت الرقم العربي وحققت رقم 571/600.
هذا على المستوى العالمي.. أما على المستوى العربي فقد حصلت على كأس بطولة الإخاء العربي الأول للرماية، والذهبية في بطولة العرب بمصر.
وتؤكد شما المهيري أن هناك دعما متواصلاً من الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية منذ ظهور الفريق وحتى الآن.
وتضيف أنها قد نوت الاعتزال بعد فوزها بذهبية بطولة غرب آسيا، لكن الإدارة العليا لم توافق على ذلك القرار فعدلت عنه، وتعود لتؤكد أن لمدربتها الروسية فضلا كبيرا عليها حيث إنها هي التي علمتها ودفعتها للتفوق.
وتتدرب شما المهيري يوميا حوالي خمس ساعات متواصلة في الأيام العادية، أما الأيام التي تسبق البطولات فتزداد مدة التدريب حتى تزيل التوتر والقلق النفسي وتكون على أتم استعداد.
وتشير المهيري إلى مدى ارتباطها بالرماية قائلة: في البداية كان ارتباطي بالرماية ارتباطا وظيفيا لكنه ازداد بإحرازي للمراكز الأولى وحصولي علي الميداليات الذهبية، فهناك مشاعر أخرى أحاطتني عندما بدأت في تمثيل الإمارات وطني في المحافل الدولية، وهذا زاد علي أعباء تحمل المسؤولية التي تجعل علم بلدي يرفرف خفاقا، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الرماية كل شيء في حياتي.
المهيري: لن أسمح لابنتي أن تلتحق بالرماية
ترفض شما أن تلتحق ابنتها والتي تدرس بالجامعة بالرماية قائلة: الأمر ليس سهلا كما يعتقد البعض، تدريبات متواصلة، وغياب خارج الدولة من أجل المشاركة في البطولات، فكم تركت ابنتي وهي في أمس الحاجة إلي أثناء امتحاناتها.
كذلك كثيرا كانت تمرض والدتي وتدخل المستشفى في غرفة العناية المركزة ولا يخبرونني، بل إنهم كانوا يعطونها الهاتف من أجل أن أطمئن أنها بخير حتى لا أضطرب وأخسر البطولة، الا أنهم عندما يأتون ليأخذونني من المطار، أجدهم متجهين بي إلى أمي في المستشفى.
ورغم النجاح الذي حققته شما على الصعيد العالمي إلا أنها تقول: كنت أشعر أن هناك شيئا ينقصني وهو عدم إتمام تعليمي وسط زميلاتي، لذلك أصررت على مواصلة تعليمي الذي تركته بسبب الزواج، فدرست ثانية وحصلت على الثانوية العامة والتحقت بكلية التقنية، وكان علي عبء كبير طوال اليوم من تدريبات وعمل ودراسة في المساء إلا أنني نلت دبلوم إدارة الأعمال والتكنولوجيا، ولن أتوقف عند هذا الحد فأنا لدي إصرار لنيل الدكتوراه، فالميداليات الذهبية وحدها لا تكفي.
وبجانب كونها بطلة للرماية فهي أيضا الملازم شما المهيري رئيس قسم تدريب وتأهيل الشرطة النسائية، وعن مهامها العسكرية تقول: يقع على عاتقي إعداد وتطوير المناهج المتخصصة في مجال التعليم والتدريب الشرطي والأمني التي تؤهل الطالبات بالتدريبات والمهارات المطلوبة وفقا لاحتياجات شرطة أبوظبي.
وإعداد وتنفيذ الاستراتيجيات والخطط الدراسية والتدريبية الكفيلة بسد احتياجات شرطة أبوظبي، وتسجيل الطالبات وفقا لتعليمات وشروط القبول المعتمدة ومتابعة تحصيلهن الدراسي والمهني والتربوي وإجراء الامتحانات الدورية والنهائية لهن، كذلك إعداد التقارير الدورية عن مستويات تنفيذ الاستراتجيات والخطط والمناهج الدراسية واقتراح تطويرها، والإشراف على الشؤون الإدارية والمالية والمنهجية للقسم والعاملين فيه.
وتمثيله أمام الآخرين، والعمل على تطبيق الهيكل التنظيمي المعتمد وفقا لمتطلبات تنفيذ الاستراتجيات والخطط المعتمدة، وتوجيه العاملين في القسم وتمكينهم من تطبيق معايير الجودة المعتمدة وإعداد التقارير الدورية عن أداء قسمه، وعقد اللقاءات مع العاملين وخلق روح العمل الجماعي، والعمل على تطوير أساليب العمل وحل المشكلات، وتشغيل قاعدة المعلومات وتحديثها باستخدام النظم الإلكترونية.
البيان
الله يعطيك العافية أخي الفاضل . .