أتذكر أنني لما كنت وكيلا لثانوية الجزيرة في التسعينات ، مر علي موقف لاأنساه وكنت أردده دائما عندما أقول : نريد معلما يحترمه الطلاب ويحبونه لانريد معلما يخافه الطلاب ويرهبونه ، لأن الطالب إذا كان يحب معلمه ويحترمه لايعمل شيئا خطأ في غيبته احتراما له وخوفا أن يطلع عليه وهو يمارس ذلك الخطأ ، أما المعلم الذي يخاف منه الطلاب فإنهم أمامه منضبطون لايفعلون شيئا خوفا من عقابه ، ولكن في غيبته يفعلون ما بدا لهم ،( النون وما يعلمون) هذا الموقف حصل لمعلمين في مدرستي الثانوية: الأول معلم رياضيات والآخر معلم أحياء ، حصل أن معلم الرياضيات أحضر دفاتر الطلاب بعد تصحيحها لفصله ، وكان الفصل به معلم الأحياء ، وكان الطلاب في فوضى عارمة المعلم يحاول تسكيتهم وهم لايسكتون ولا يأبهون به ، وعندما رأوا معلم الرياضيات عند باب الفصل معه الدفاتر ليعطيها عريف الفصل ليوزعها على الطلاب سكتوا وكأن على رؤوسهم الطير ، فتعجب معلم الأحياء !!! من هذا الوضع ،وقال لهم كيف أني أحاول بأقصى ما أملك إسكاتكم ، وأنتم لاتسكتون وعندما رأيتم الأستاذ /محمد سكتوا مع أنه لم يقل لكم اسكتوا ، فقام أحد الطلاب وقال :إن في الأستاذ محمد صفات لاتوجد فيك ، (طبعا هذا الطالب جريء جدا إذا كيف يتلفظ بمثل هذه الألفاظ على معلمه ) الذي أعرفه عن معلم الرياضيات هذا أنه لايتكلم ولا يضرب ولا يتحدث إلا قليلا ، ولكنه يملأ حصته ، حصته عمل وجد ، ولا يجد الطالب فرصة يتحدث فيها علاوة على حسن خلق هذا الرجل وقدرته على إيصال المادة العلمية لطلابه ، وسعة علمه ورغبته في مهنة التدريس ففرض شخصيته بعلمه وأدبه لابقسوته وجبروته فأين أمثال هذا المعلم اليوم ؟، أما ا لآخر فلا يحمل صفات هذا الرجل لذا فقد استهان به طلابه ، ولم يستطع أن يضبط فصله ، لذا فإن وجود مثل هذا العلم ضرورة لضبط الفصل وإذا انضبط الفصل انضبطت المدرسة واستفاد الطلاب 0
أتذكر أنني عندما كنت أعمل في وحدة الخدمات الإرشادية ، راجعنا 5 تلاميذ من تلاميذ المرحلة الابتدائية ، اثنان منهم في الصف الأول ابتدائي والثالث في الثاني ابتدائي والرابع في الصف الثالث ابتدائي أما الخامس فهو في الصف السادس ابتدائي وعمره 12 سنه أما البقية فأعمارهم بين 6-9 سنوات وكانوا يعانون من الصمت الاختياري ،و الصمت الاختياري هو أن ( التلميذ لايتحدث في المدرسة ولكنه في المنزل يتحدث مع أسرته ومع من يعرف ) هؤلاء التلاميذ شفوا جميعهم والحمد لله ماعدا واحدا وهو الكبير منهم لتأخر علاجه ولعدم تعاون أسرته وقد استخدمنا معم التعزيز الإيجابي ،أحد أساليب المدرسة السلوكية ، ذكرني حالة الكبير منهم بحالة طالب كان قد أصيب بالصمت الاختياري وكتب مدير المدرسة عنه لإدارة شئون الطلاب بإدارة التربية والعليم بالرياض وأوصت الإدارة بأن يتم اختباره في المواد الشفوية كتابة ، واستمر على هذا الوضع ، حتى تخرج من المرحلة الابتدائية وهو يعاني من هذا الاضطراب ، على العموم مشكلة عدم الوعي بمثل هذه الاضطرابات السلوكية عند المسئولين يفاقم المشكلة ويذهب ضحيتها طلاب كثيرون وطالبات ، فالطفل الذي يعاني من البكم الاختياري من الواجب اكتشافه منذ البداية وعلاجه ثم أنه من الخطأ أن يتم اختباره كتابة في المواد الشفوية لأن في ذلك تدعيم واستمرار لهذا الاضطراب ، علاوة على وجوب تثقيف الأسرة وتبصيرها بكيفية التعامل مع أمثال هؤلاء الأطفال ، كان يجب اكتشاف هؤلاء الأطفال قبل دخولهم الصف الأول ابتدائي من قبل الوحدات الصحية المفروض في الطبيب أن يطلب من التلميذ أن يعد من 1-10 وإذا رفض معنى ذلك أن في الأمر شيئا فيجب على الطبيب إحالة هذه الحالة لوحدة الخدمات الإرشادية ولكن معظم هذه الوحدات مع الأسف لاتعير هذه المسألة أي انتباه ، عرض علي أحد الزملاء مرة حالة أحد التلاميذ وهو مصاب بالصرع والتخلف العقلي ومع ذلك دون له في التقرير الصحي أنه لائق صحيا ، كيف؟ وعند سؤال الوحدة التي أصدرت هذا التقرير ردوا بأن الحالة غير خطره وأنه أفضل للطالب أن يدرس في المدرسة أفضل من بقائه في المنزل ، هل هذا رد بالله عليكم ، أين الرعاية والاهتمام؟ على أقل تقدير إذا كانت إمكانيات الوحدة لاتسمح بعلاجه يحول إلى أي جهة حكومية تتولى علاجه وبعد ذلك كيف يسمح لطفل متخلف عقليا يدرس مع أسوياء ، مع وجود معهد خاص بهم وهو معهد التربية الفكرية وكيف يكتب له أنه سليم ولائق صحيا ؟؟ شيء عجيب حقا ، كنت قد اقترحت على المسئولين في وزارة التربية والتعليم، بأن تطور الوحدات الصحية المدرسية بأن تشتمل على عيادة نفسية خاصة بالأطفال أو تلغى لأن الطلاب لايعالجون في هذه الوحدات إنما يراجعون المستشفيات العامة ، الوحدات فقط للتقارير والكشف على الطلاب منذ بداية الفصل الدراسي الثاني ولكن إلى الآن والوحدات الصحية المدرسية تسير على ما كانت عليه منذ سنين0
حاولنا في الإرشاد إيجاد التعاون المثمر بين الوحدات الإرشادية والوحدات الصحة المدرسية ، لأن الوحدات المدرسية تعالج الأمراض العضوية فقط أما الأمراض النفسية فتحتاج في علاجها إلى وجود عيادات نفسية ، وقامت وزارة الصحة مشكورة بدعم من منظمة الصحة العالمية بتنظيم دورات شارك فيها أطباء الوحدات المدرسية والمشرفون الإرشاديون والمرشدون ، حتى يتمكن طبيب الوحدة المدرسية من معرفة بعض الأمراض النفسية ليتمكن من مساعدة الطالب أو تحوليه على الأقل لطبيب نفسي مختص ، المشكلة أن أغلب من يعمل في الوحدات المدرسية من الأطباء هم جنسيات عربية مختلفة وهؤلاء يتغيرون دائما ، على العموم لابد وهذا من وجهة نظري أن يكون لدى أي طبيب فكرة عن الأمراض النفسية حتى يتمكن من مساعدة الطلاب أو على الأقل توجيههم للمكان المناسب الذي يقوم بعلاجهم 0
كنت على ما أذكر تحدثت عن أحد الأمراض النفسية التي تنتشر عادة بين بعض الموظفين ولما كنت أعمل في وزارة التربية والتعليم شاهدت وعايشت بعض الموظفين من يمارس عمله ويتسلط على المراجعين ويؤخر معاملاتهم ، هذا المرض النفسي اسمه ( السادية ) وهي : التلذذ بتعذيب الآخرين وكان نيرون مصابا بها إذ أنه جلس يعزف الناي على جماجم الموتى في روما ، شاهدت بعض الموظفين الذين يمارسون تسلطهم وتأخيرهم لمعاملات الموظفين ، والمشكلة في الأمر أن هؤلاء لايدرون أنهم مرضى أحد المسئولين في إدارة التربية والتعليم ، يراكم الملفات على مكتبه والمراجعون طوابير خلف باب مكتبه ، وحصل أن أنابني مكانه لتمتعه بإجازته السنوية ،فجمعت رؤساء الأقسام وقلت لهم لايأتي لي ولا مراجع إلا ما استعصى عليكم حله لأناقشه معكم أما غير ذلك فسيروا معاملات المراجعين بسرعة فأنتم تفهمون العمل أكثر مني وسارت الأمور والحمد لله على أحسن حال أما الملفات التي وجدتها على مكتب هذا المدير فصنفتها وأرجعتها للأقسام وطلبت منهم تدقيقها والرد على المراجعين بما يتفق مع النظام وبسرعة ولم أدع ملفا واحدا على مكتبي ، وعندما عاد هذا المسئول لم يعجبه ماصنعت وقال لي بالحرف الواحد لماذا تمشي المعاملات بسرعة خل المراجع يتعب يجي ء غدا أو بعد غد لاأريد المراجعين يستسهلون عملنا ، قلت له ياعزيزي هذه هي البيروقراطية الممقوتة التي نكرهها في جميع أعمالنا ، يا عزيزي إن هذا المراجع الذي يراجعك موظف مثلك أستأذن من عملة لمدة نصف ساعة و يجب عليه أن يعود لعمله فلماذا ترهقه أكثر من إرهاق عمله له؟ لماذا تعذبه ليحضر كل يوم فيعطل عمله وعمل الدولة؟ هناك من ينتظره ليخلص له معاملته ولكن المريض بالسادية مريض يحتاج إلى علاج، والله أعلم 0